رئيس التحرير
عصام كامل

عاطف فاروق يكتب: رشوة الخمور تفضح رئيس مدينة وتكشف عدم صلاحيته

عاطف فاروق
عاطف فاروق
كشف حكم قضائي مهم عن واقعة فساد أخلاقي من العيار الثقيل جرت أحداثها وانتهت داخل الوحدة المحلية لمدينة رأس علم، وعوقب على إثرها رئيس المدينة بالفصل من الخدمة بعد ثبوت تقاضيه رشوة مالية مقابل إنهاء إجراءات ترخيص مستودع لبيع الخمور بواسطة مسئول التراخيص الذي حصل أيضًا على زجاجات خمر على سبيل الرشوة رغم علمهما بقرار محافظ البحر الأحمر المتضمن حظر إصدار تراخيص أو تجديدها لأي مخزن من مخازن بيع الخمور والمشروبات الروحية داخل الحيز العمراني.


وقائع الدعوى رقم 21 لسنة 63 قضائية بدأت بمذكرة رئيس نيابة البحر الأحمر الكلية الموجهة إلى النيابة الإدارية بالقصير بطلب إقامة الدعوى التأديبية قبل المتهمين لما أسند إليهما في تحقيقات النيابة العامة والتي تخلص وقائعها في بلاغ مدير الإدارة الهندسية بالوحدة المحلية لمدينة مرسى علم الى الرقابة الإدارية, بأن المتهم الأول إيهاب سيد محمد، رئيس الوحدة المحلية لمدينة مرسى علم عرض عليه مبالغ مالية مقابل إنهاء ترخيص حانوت لبيع الخمور خاص بالمتهم فايز جورج لبيب بالمخالفة للقوانين واللوائح.

وبعد استصدار إذن من النيابة العامة قامت الرقابة الإدارية بتسجيل المحادثات الهاتفية واللقاءات التي دارت بين المحالين والمبُلغ والمتهم المذكور, الأمر الذي أسفر عن ضبط المحال الأول حال قيامه بتسليم المبُلغ أبو العلا السعيد أبو العلا مبلغ ألفي جنيه كجزء من الرشوة بهدف قيام الأخير بإنهاء إجراءات الترخيص الخاص بالمتهم فايز جورج لبيب.



وانتهت النيابة العامة إلى ثبوت قيام المتهم الأول بطلب رشوة لنفسه والمتهم الثاني الجوهري رمضان حليم، مسئول تراخيص المحلات، وكذا تحصل المحال الثاني على عطايا عينية, وذلك مقابل إنهاء إجراءات الترخيص الخاص بالمتهم فايز جورج لبيب بالمخالفة للقانون, وهو ما يكفي لتقديم المحالين إلى المحاكمة الجنائية، إلا أن النيابة العامة ارتأت أن إحالتهما إلى المحاكمة الجنائية يترتب عليها الزج بهما في غياهب السجون لمدة قد تصل إلى السجن المؤبد, وهو ما سوف يكون أشد جسامة مما اقترفت يداهما, الأمر الذي انتهت معه إلى إحالتهما للنيابة الإدارية لمحاكمتهما تأديبيًا.
 
وقالت المحكمة التأديبية إن المتهم الأول طلب لنفسه ولغيره وقبل رشوة مالية، وهي مبلغ ألفين من الجنيهات المضبوطة على سبيل الرشوة مقابل اعتماد أوراق الترخيص رقم (2) لسنة 2020 للمحل رقم (6) بالعقار رقم (50) شارع (68) ونشاطه مستودع بيع خمور, بالمخالفة لقرار محافظ البحر الأحمر رقم (126) لسنة 2001، والمتضمن حظر تجديد تراخيص مخازن بيع الخمور داخل الحيز العمراني بالمحافظة، واطلعت المحكمة على التسجيلات بين المتهم الأول والمتهم فايز جورج لبيب "صاحب مستودع الخمور" وبين المبُلغ، وثبت لها أن العبارات المستخدمة في المكالمات تدل بوضوح على أن العلاقة بين الطرفين ليست علاقة موظف عام بشخص يطلب خدمة عامة، وعلى سبيل المثال كانت كلمة "ياحبيبي" هي الكلمة الدارجة بين الطرفين في المحادثات, فضلاً عن أن المتهم الأول طلب من صاحب المستودع في إحدى المكالمات الحضور إليه في الاستراحة بعد ساعات العمل الرسمية.


وفي مكالمة أخرى تمت بين المتهم وأخيه روماني, قال المتهم لأخيه إنه أثناء تواجده عند المحال بالمكتب في وجود المحال الثاني الجوهري رمضان عبد الرسول (مسئول التراخيص) طلب منه المحال الأول مبلغ ألفي جنيه وبعد أن قام المتهم بتسليم المبلغ له قام المحال الأول بتسليمه للمحال الثاني وقال للمتهم "ألف جنيه رسوم والألف الثانية تسامحنا فيها"، وقال لي "عايزك تراضي الجوهري (المحال الثاني) علشان هو الي بيخلص لك موضوع الرخصة"، وفي مكالمة أخرى بين المتهم والمحال الأول قال الأخير للمتهم "صاحبنا أبو العلا (المبُلغ) عمال يلف عليا وبيقول لي أنت (المتهم) متفق معايا (المتهم الأول) على إيه قلت له أنا ما بيفرقش معايا الكلام دا وانت لو عايز حاجة متقلقش, بس أنا كنت مقلق منه كأنه بيسجل", فرد المتهم على المحال الأول قائلاً "ياباشا أنا رامي الكورة في ملعبك وواثق فيك ثقة عمياء", وفي مكالمة أخرى بين المحال الأول والمبُلغ, قال الأخير للأول "كلمت فايز وحددت المبلغ الي حضرتك حاتدهولي" فرد عليه المحال قائلاً "ملكش دخل ملكش دعوة", ثم قال له بعد ذلك "الي هايطلع من بوقك حقول عليه", فقال له المبُلغ "انت مكلمني إمبارح على خمسين" فرد عليه المحال "خمسين كويس", فرد عليه المبُلغ قائلاً "اللي انت شايفه", ورد عليه المحال قائلاً "نشوف أكتر مفيش مشكلة".

وفي مكالمة أخرى بين المحال والمبُلغ قال الأول للثاني "أنا كلمته وتمام الأمور والحمد لله ياحبيبي" فرد عليه المبُلغ قائلاً " أيوه بس مابقاش موجود ياريس علشان الإحراج", وفي مكالمة أخرى بين المتهم والمحال قال الأخير للأول "تعال لي ياحبيبي المكتب", "تمام خلصنالك ياحبيبي", فرد عليه المتهم قائلاً "طب يعني أجي استلم" فرد عليه المحال " تعالى ياحبيبي في الوقت الي انت عايزه" , "خد راحتك خالص ياحبيبي", وفي محادثة أخرى مسجلة لمقابلة تمت بين المحال الأول والمبُلغ قال الثاني للأول "يعني دول كام", فرد عليه المحال "ألفين جنيه", رد عليه المبُلغ "وانت حضرتك وعدتني على كام", ثم قال له المبُلغ "يعني هو ها يجيب باقي الفلوس إمتى", فرد عليه المحال قائلاً "هو ها يجيب عشرين".


كما اطلعت المحكمة على أقوال كل من المبُلغ، والمتهم بتقديم الرشوة فايز جورج لبيب, والمحال الثاني الجوهري رمضان عبد الرسول, وثبت لها إقرار المبُلغ بكل المحادثات الهاتفية التي كان طرفًا فيها وبمضمونها وأكد أن المحال الأول عرض عليه رشوة مقابل إنهاء موضوع رخصة محل الخمور بالمخالفة للقانون بأن قال له "خلص الرخصة دي وها يكون فيه لقمة عيش كويسة لينا" وأنه قام بمجاراته بناءً على تعليمات الرقابة الإدارية, وأن المحال قام يوم القبض عليه بتسليمه ألفي جنيه كجزء من مبلغ الرشوة المتفق عليه وهو عشرين ألف جنيه وقال له إنه سوف يقوم بتسليمه باقي المبلغ في ذات اليوم ليلاً, وهذه المقابلة تم تسجيلها بمعرفة الرقابة الإدارية بعد قيامهم بتجهيز المبُلغ بأجهزة تسجيل.

واطلعت المحكمة كذلك على أقوال المتهم بتقديم الرشوة  فايز جورج لبيب, والذي أفاد بصحة التسجيلات التي تمت بينه وبين المحال الأول, كما أقر بالاتهام الموجه له بأنه "اشترك مع موظف عام وهو إيهاب سيد محمد، رئيس الوحدة المحلية لمدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر (المحال الأول) بأن استجاب لطلبه لنفسه ولغيره عطية من المال على سبيل الرشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته وهو القيام باعتماد الترخيص المتعلق بالحانوت الخاص بك بالمخالفة للقانون", وأضاف بأنه حال زيارته للمحال الأول في مكتبه ليعرض عليه مشكلته الخاصة برخصة محل الخمور, طلب منه المحال خمسة ألاف جنيه لشراء فاكس لمكتبة بمجلس المدينة, وأنه بالفعل قام بتسليمه هذا المبلغ, وأنه سمع بعد ذلك أنه تم شراء فاكس جديد لمجلس المدينة لكنه لا يعلم شئ عن قيمته ولا ملابسات شرائه، وأضاف المتهم أن المحال اتصل به ذات يوم وقال له "تعال لي المكتب"، وبالفعل ذهبت لمقابلته بالمكتب فطلب مني في حضور موظف يُدعى الجوهري رمضان عبد الرسول (المحال الثاني) مبلغ ألفي جنيه وقال لي "ألف جنيه رسوم الرخصة والألف التانية تسامحنا فيها", وبالفعل قمت بتسليمه المبلغ المطلوب فقام المحال بتسليمه للموظف المذكور, وقالي في اليوم دا "تبقى تراضي الجوهري سواء أنا موجود أو لا" قلت له "حاضر" علشان اخلص إجراءات الرخصة.


وقبل القبض على المتهم الأول بيوم اتصل علي المحال الساعة السابعة مساءً وقال لي تعال لي الاستراحة, وبالفعل رحت له الاستراحة وفي هذه المقابلة طلب مني خمسين ألف جنيه علشان يراضي الموظفين (المحال الثاني والمبُلغ) وقلت له "تمام بس أنا مش معايا فلوس دلوقتي اتصرف انت وأنا هاتصرف لك فيهم", وتاني يوم اتصل علي المحال وقال لي "تعال لي المكتب علشان تستلم الرخصة", ولما رحت له المكتب لقيت الرقابة الإدارية بتقبض عليه هو وأبو العلا (المبُلغ) وطَلَعِت ألفين جنيه من جيب الأخير كان المحال إداهم له, كما أكد المذكور أنه سبق صدور قرار غلق لمحل الخمور وأنه طعن على هذا القرار وطعنه تم رفضه, واستشكل في الحكم وتم رفض الإشكال.
 
واطلعت أيضا المحكمة على أقوال المحال الثاني الجوهري رمضان عبد الرسول، مسئول تراخيص المحلات والذي أفاد بأن المحال الأول استدعاه بتاريخ 26/1/2020 إلى مكتبه بالمجلس وكان المتهم فايز جورج لبيب موجود معاه, وأن المحال الأول طلب من المتهم ألفين جنيه وقال له "ألف جنيه رسوم والألف التانية تسامحنا فيها", وبعد ما خرج المتهم من عند المحال الأول قام الأخير بطلب المحال الثاني مرة ثانية وقال له "هات ألف جنيه من فلوس فايز (المتهم) وورد الألف جنيه التانية", فرد عليه المحال الثاني وقال له "الألف جنيه مش هاتكفي الرسوم", فقال له المحال الأول "روح لفايز (المتهم) وخد منه باقي فلوس التوريد ", كما قال له "تخلص موضوع الرخصة بتاع فايز (المتهم)", فرد عليه المحال الثاني قائلاً "بس المذكرة التي اتبعتت للمحافظة لسه ما وردش الرد عليها", فقال له "انت حا تمضي على الرخصة ومش هااستنى قرار المحافظ وإلا هانقللك بس أنا لو نقلتك هاوديك مكان بعيد", واستطرد المحال الثاني قائلاً " علشان كده أنا مضيت على الرخصة".


ولدى سؤال المحال الثاني، هل عرض عليك المحال الأول مبالغ مالية مقابل توقيعك على الرخصة؟, أجاب "أيوه قال لي أمضي وليك حلاوة كبيرة عندي", وأنا قلت له "مش عايز حاجة", كما أقر المحال الثاني بأنه لدى ذهابه إلى محل المتهم/ فايز جورج لبيب لتحصيل باقي مبلغ الرسوم بناءً على تعليمات المحال الأول قدم له المتهم زجاجة من البيرة فأخذها معه ولم يشربها, ثم ذهب في اليوم الثاني إلى  مجلس المدينة وطبع الرخصة ووقع عليها وسلمها لمدير الإدارة.
 
وشددت المحكمة على أن مسلك المحال الأول من كونه طلب لنفسه ولغيره وقبل عطية من المال على سبيل الرشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته قد ثبت في حقه على نحو جازم أطمأنت إليه المحكمة ووقر فى وجدانها وعقيدتها على نحو قطعى ويقينى لا مراء ولا شك فيه , لاسيما في ضوء أن التسجيلات الصوتية التي تم الاستناد إلى مضمونها تم عرضها بمعرفة النيابة العامة على خبير فني من الهيئة الوطنية للإعلام، والذي قرر بعد أخذ بصمة صوت المحال الأول والمبُلغ والمتهم  بمطابقة الأصوات الواردة بالتسجيلات لأصوات المذكورين.


وكان هذا السلوك المعيب يعد إخلالا جسيما بكرامة الوظيفة، ولا يستقيم مع ما تفرضه عليه من تعفف واستقامة وبعد عن مواطن الريبة والدنايا، وينم عن سوء الخلق، وضعف النفس والاعتياد على استحلال المال الحرام دون وازع من نفسه أو خشية من ربه، فارتضى لنفسه أن يحصل على ما لا يستحق واستغل نفوذه وسلطته لمخالفة القانون، وتلك النفس الأمارة بالسوء لا تستقيم وموجبات الوظيفة العامة وما تتطلبه من نزاهة وأمانة وتعفف واستقامة، الأمر الذي يضحى معه فى استمرار المحال الأول فى الوظيفة العامة دربا من دروب العبث, بحسبانه قد فقد بهذا السلوك الأهلية والصلاحية لشغل الوظيفة العامة، مما يكون معه فصل المذكور من الخدمة أمرا متعينا لعدم صلاحيته للاستمرار فيها وحتى وليكون عبرة لمن تسول له نفسه نهج ذات السلوك.

وعن المخالفة المنسوبة للمحال الثاني والتي تتمثل في قيامه بأخذ عطية وهي زجاجات من الخمر والمشروبات الكحولية على النحو المبين بتحريات الرقابة الإدارية على سبيل الرشوة وذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته ألا وهو قيامه بالتوقيع كمسئول الرخص على الرخصة الصادرة من مجلس مدينة مرسى علم رقم 2 لسنة 2020 للمحل رقم (6) بالعقار رقم (50) شارع (68) بدائرة قسم شرطة مرسى علم ونشاطه مستودع بيع خمور, بالمخالفة لقرار محافظ البحر الأحمر رقم (126) لسنة 2001 والمتضمن حظر تجديد تراخيص لأي مخزن مخازن بيع الخمور والمشروبات الروحية داخل الحيز العمراني بالمحافظة, فقد اطلعت المحكمة على التحقيقات وما تضمنته من تسجيلات وشهادات.


وإذ تبين للمحكمة إقرار المحال بهذه المخالفة، واطمأنت إلى ارتكابه لها من خلال اطلاعها على تفريغ المكالمات الهاتفية التى تمت بين أطراف الواقعة على النحو سالف البيان، واتضح لها أن المشروبات الكحولية التى حصل عليها المحال لم تكن هى الرشوة التى يأمل فى الحصول عليها مقابل تسهيل إصدار الترخيص للمتهم المذكور، وأنه كان موعودا بالحصول على مبالغ نقدية مقابل ذلك، ومن ثم تكون هذه المخالفة ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً، مع مراعاة أن المحال لم يكن سوى أداة طيعة فى يد المحال الأول رئيسه الأعلى الذى مهد له طريق الحرام، وسهل له ارتكاب المخالفة، وقضت المحكمة بمجازاة المحال الأول إيهاب سيد محمد بالفصل من الخدمة، ومجازاة المحال الثاني الجوهري رمضان عبد الرسول بالخفض إلى وظيفة في المستوى الأدنى مباشرة.
الجريدة الرسمية