رئيس التحرير
عصام كامل

اللبن المغشوش.. «سرطان» على موائد المصريين.. مصانع «بير السلم» تضيف «الفورمالين» لزيادة مدة صلاحية المنتجات.. ودراسة بحثية تحذر من خطورتها

اللبن المغشوش
اللبن المغشوش
«كوب اللبن.. الجبن الأبيض.. والفورمالين».. معادلة خطيرة أصبحت تهدد صحة المصريين، بعدما دخل «اللبن» ومنتجاته بورصة «الغش»، وتحول «اللبن» الذى يتصدر، ومنتجاته، موائد المصريين إلى «طريق سريع للمرض الخبيث»، بعدما اتضح أن مصانع «بير السلم» لجأت إلى استخدام مادة «الفورمالين» فى عمليات تصنيع الجبن الأبيض لزيادة مدة صلاحيتها، بما يؤثر على صحة كل من يتناول هذه المنتجات.

 
دواء الجبنة

«دواء الجبنة» الاسم المتعارف عليه بين منتجى الألبان لمادة «الفورمالين» أو «الفورمالدهيد»، وهو عبارة عن مادة عديمة اللون وقابلة للاشتعال وذات رائحة نفاذة، وسريعة الذوبان فى الماء وتستخدم فقط فى عمليات التحنيط كمادة حافظة للحيوانات النافقة أو البشر من التحلل البكتيرى، والمواد اللاصقة والسجاد، الأقمشة والبلاستيك.
 
ورغم السماح باستخدام «الفورمالين» كمادة حافظة بنسبة لا تتجاوز 3 أو 4% فى بعض الصناعات إلا أنه يحظر استخدامها نهائيا فى المواد الغذائية، وفقا لما نص عليه الدستور الغذائى الذى أصدرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وذلك لما تسببه من أضرار على صحة الإنسان على المدى البعيد، لكن فى مصر لا يتم اتباع هذه التعليمات.




مصانع بير السلم

وبدأ استخدام تلك المادة من قبل مصانع بير السلم فى فترة التسعينيات من القرن الماضى دون مراعاة لمخاطرها.
 
وفى العام 2011 أضافت الحكومة الأمريكية «الفورمالين» إلى قائمة المواد المعروفة التى تسبب السرطان، وحذرت من استخدامها أو التعرض لها، وفى تقرير تم عرضه على وزير الصحة والخدمات الإنسانية –آنذاك- حذروا من أن أولئك الذين يتعرضون لها بدرجة كبيرة تتزايد لديهم مخاطر الإصابة بسرطان الأنف والبلعوم وسرطان الدم ومختلف أنواعه الأخرى.
 
من جهتها.. أجرت الدكتورة سعاد جمعة، الباحثة فى المركز القومى للبحوث، دراسة على منتجات الألبان فى محافظتى القاهرة والجيزة، بمناطق (دار السلام، المنيل، والبدرشين)، للتعرف على طبيعة المواد المضافة إليها، الكشف عن جودة اللبن المعبأ (التتراباك) ومدى مطابقته للمعايير والمواصفات القياسية من عدمه.

وكذلك الجبن الدمياطى الأبيض الطرى والجبن القريش، ومعرفة المواد المستخدمة فى الغش، وكذلك الفحص الميكروبيولوجى وتحديد الحالة الصحية والجودة وتشخيص الميكروبات الممرضة المسببة للتسمم الغذائى، والأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان والتى يسبب تواجدها خطورة بالغة على صحة الإنسان، مع تحديد آليات المواجهة التشريعية ومدى كفاءتها وكفايتها للتصدى لعمليات الغش الغذائى، وكيفية الحد من العوامل التى تشجع عليها.
 
القومي للبحوث يحذر

وفى سياق الدراسة ذاتها تم الكشف عن بعض الخصائص الطبيعية مثل الكثافة والرقم الهيدروجينى والنسبة المئوية للحموضة ودرجة الحرارة، وكذلك التركيب الكيميائى مثل تعيين النسبة المئوية لكل من الدهون، والجوامد الكلية والجوامد غير الدهنية، للتعرف على غش اللبن سواء بالطرق الطبيعية مثل نزع جزء من دهن اللبن وإضافة الماء أو الاثنين معًا، أو إضافة لبن البودرة وتعويض ذلك بإضافة النشا أو السكر.

كما تم أيضا الكشف عن الغش بإضافة المواد الحافظة مثل الفورمالين وفوق أكسيد الهيدروجين واليوريا وكربونات وبيكربونات الصوديوم.
 
التحاليل التى أجرها المركز القومى للبحوث تحت إشراف الدكتور سعاد جمعة، شيوع حالات غش اللبن بالماء، حيث بلغت نسبته 44٪ و50٪ بالنسبة لعينات ألبان الأسواق الخام بمحافظتى القاهرة والجيزة على التوالى، فى حين بلغت نسبة نزع الدهن 45٪ و48٪ بكلتا المحافظتين على التوالى.

كما وجد أن هناك غشًا بإضافة مواد كيميائية مثل الفورمالين واليوريا وكربونات الصوديوم بنسبة وصلت إلى 32٪ و8٪ و3٪ بألبان محافظة القاهرة، وبلغت هذه النسبة 38٪ و4٪ و6٪ بالنسبة لمحافظة الجيزة.

وبلغت نسبة إضافة فوق أكسيد الهيدروجين 2٪ بمحافظة الجيزة بينما لم يتم التعرف عليه فى أي عينة من عينات محافظة القاهرة.

وبلغ متوسط نسبة إضافة سكر القصب 25٪ بكلتا المحافظتين، وبلغت نسبة إضافة كل من النشا ولبن البودرة 2٪ بكل من المحافظتين، أما بالنسبة لعينات الألبان المعبأة فقد أشارت النتائج إلى وجود إضافة لمحلول الفورمالين والكربونات بنسبة 6٪ و2٪ على التوالى، وبلغت نسبة إضافة لبن البودرة وسكر القصب 48، 5٪ و27٪ على التوالى.

استخدام الفورمالين
 
وكشفت التحاليل أن عينات الجبن القريش المتحصل عليها من محافظتى القاهرة والجيزة، كانت خالية تمامًا من الفورمالين على عكس الجبن الطرى، حيث أظهرت التحاليل وجود نسبة بسيطة من العينات مضافًا إليها الفورمالين.

أما بالنسبة للغش بالنشا، فقد وجد أن نسبة العينات المضاف إليها نشا سواء فى الجبن الطرى أو الجبن القريش كانت أكبر فى محافظة القاهرة عنها فى محافظة الجيزة، وتمثلت أكثر طرق الغش شيوعًا فى صناعة الجبن فى إضافة اللبن البودرة، وتتم بنسبة أكبر فى محافظة القاهرة عن محافظة الجيزة، كما أظهرت النتائج أن جميع العينات سواء كانت من الجبن الطرى أو القريش فى كلا المحافظتين كانت خالية تمامًا من اليوريا.
 
وأوضحت نتائج التحاليل الميكروبيولوجية أن هناك إهمالا وعدم اتباع للمعايير الصحية المتبعة أثناء الإنتاج والتناول والتوزيع لألبان الأسواق الخام فى محافظتى القاهرة والجيزة، وكانت معظم العينات التى خضعت للفحص عالية التلوث بأعداد هائلة من العد الكلى للبكتريا؛ بكتريا القولون والبكتريا البرازية، وكذلك البكتريا العنقودية السمية، والعصوية المتجرثمة الهوائية، والفطريات والخمائر.

تصاريح للعمل
 
وأوصت الدكتور سعاد جمعة، المشرفة على البحث بالمركز القومى للبحوث، بقصر الاتجار فى الألبان ومنتجاتها على المصانع المرخص لها والمستوفاة للشروط الصحية مع محاولة توفير اللبن السائل المعامل حراريًّا على مستوى واسع وبأسعار تقارب تلك التى يباع بها لبن الأسواق الخام.

وطالبت «د. سعاد» بعدم إصدار تصاريح لمصانع ألبان جديدة إلا بعد معرفة مصدر اللبن الذى سوف يرد إليهم، ويفضل أن يكون لهذه المصانع مزارعها الخاصة، كما يراعى ضرورة التحقق من توافر المعايير والمواصفات القياسية المحددة من قبل الهيئة العامة للمواصفات والجودة، وكذلك مراجعة هذه المعايير كل فترة لإضافة ما قد يتوافر من معلومات بحثية من الجهات المتخصصة فى ذلك.
 
ومن ضمن التوصيات التى قدمها البحث أيضا توفير الأعلاف خاصة المصنعة بأسعار مناسبة مع توفير الرعاية والأدوية البيطرية، واستنباط أصناف وسلالات عالية الإنتاجية مقاومة للأمراض، وذلك لتحسين النواحى الإنتاجية، هذا إلى جانب المطالبة بتوفير أجهزة التبريد والتخزين والحفظ بأسعار مناسبة، مع إقامة مراكز لتجميع الألبان ومنافذ لتوزيعها، كما يجب توفير معدات تصنيع الألبان بأسعار مناسبة، وذلك لتحسين النواحى التسويقية.

التفتيش الدوري
 
وأوصت الدراسة بالتفتيش الدورى للأسواق بواسطة مفتشى وزارة الصحة، وكذلك تحديث معامل وزارة الصحة وغيرها من المعامل المتخصصة فى ذلك وتدعيمها حتى تكون قادرة على تأدية عملها فى اختبار العينات الواردة إليها، وذلك لحماية المستهلكين من مخاطر الغش.
 
وتطلع الباحثين إلى عقد برامج تثقيفية للمنتجين للبعد عن إضافة المواد الكيميائية للبن الخام، وذلك لتحسين نوعيته، وبالتالى منتجاته وضمان أمانها بالنسبة للمستهلك، والاهتمام بتوعية المستهلك بأهمية شراء الألبان السائلة من محال بيع الألبان وليس من الباعة الجائلين، وزيادة التعاون بين الوزارات ومنظمات المجتمع المدنى للحد من الغش فى مجال الأغذية.

وتفعيل دور الأجهزة الرقابية للغذاء من مفتشى التموين أو التابعين لوزارة التجارة أو الصناعة أو الزراعة، أو الشرطة المختصة وتزويدهم بالأجهزة الحديثة القادرة على كشف الغش، وتطبيق معايير نظام (HACCP) فى مجال اللبن ومنتجاته.
 
كما شددت الدراسة على أهمية إخضاع العاملين بصناعات الألبان لفحص طبى دورى، وتجريم كل صور الغش فى مجال الأغذية، على أن يتم الاسترشاد فى هذا المجال بالتشريعات السارية فى الدول المتقدمة، وتحديث القوانين المتعلقة بالغذاء، ورفع الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الغرامة، وعقوبة الحبس الخاص بقانون التدليس والغش الصادر سنة 1941، والمعدل بقانون 281 لسنة 1994.

حماية المستهلك
 
وطالب الفريق البحثى بتفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، وذلك بتوسيع مجال صلاحياتها وإعطائها حق تلقى الشكاوى من المتضررين من غش الألبان وإبلاغ الجهات المختصة، ومتابعة قضايا الغش أمام النيابات والمحاكم، وإعطائها حق الانضمام للدعوى الجنائية للدفاع عن حقوق المتضررين من الغش وفى مقدمتها حقهم فى التعويض.

وإعطاء ممثلى هذه الجمعيات حق المشاركة فى اجتماعات المجلس القومى للغذاء وصندوق حماية الغذاء، وإنشاء نيابات ودوائر متخصصة للفصل فى قضايا الغش التجارى أو غش الأغذية لسرعة الفصل فى هذه القضايا.

الإصابة بالسرطان
 
وعن خطورة الفورمالين على الصحة، كشف الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الكبد فى معهد الأورام، أن الفورمالين يستخدم فى الأساس لحفظ الأنسجة والجثث، ويضاف إلى الألبان ومنتجات الألبان لزيادة مدة صلاحيتها ومنع تعرضها لسرعة التلف، لا سيما أن الالبان إذا تعرضت لدرجة الحرارة العادية والرطوبة العادية تتكاثر بداخلها الميكروبات ويتبستر اللبن، وأيضا يضاف الفورمالين لمنتجات الأجبان لإعطائها ملمسًا ناعمًا ولينًا.
 
«د. عز العرب» أوضح أن لمادة الفورمالين آثارًا صحية قصيرة وطويلة، تكمن الآثار القصيرة فى تهيج الأنسجة، حيث إن التعرض المباشر للفورمالين يصيب أيضا بالحساسية وتهيج العين والتهابات بالأنف والبلعوم والمريء والمعدة.

كما لها تأثير طويل المدى على الكبد ووظائف الكلى، خاصة أن لها تفاعلات كيميائية تمتد إلى خلل الكثير من أجهزة الجسم، كما تم تصنيفها عالميا ضمن المواد المسرطنة، لأنها تصيب بسرطان الكبد والبلعوم والمعدة والأمعاء، وكثيرا ما تم التحذير من استخدامها بأى نسبة فى منتجات الألبان خصوصا والأغذية عموما.

وأضاف: هناك مواد مسموح بها ويمكن استخدامها فى حفظ الألبان والتخزين والنقل مثل حمض البنزويك وأملاحه وحمض السوربيك وأملاحه، وهما مواد حافظة مسموح بها وفقا لهيئة المواصفات والجودة بنسبة لا تتجاوز 3%، لكن الفورمالين محرم عموما بأى تركيز.

كما شدد «عز العرب» على خطورة مادة الفورمالين وتنبيه مؤسسات المجتمع المدنى أكثر من مرة على تلك الخطورة، وأهمية مراقبة هيئة سلامة الغذاء على تلك المنتجات والتفتيش على مصنعى ومنتجى الألبان، وكذلك المرور الدورى على مصانع منتجات الألبان للتأكد من عدم استخدام هذه المادة الخطيرة، كما ننبه المواطنين بضرورة شراء هذه المنتجات من أماكن موثوق فيها، وأن يحتوى المنتج المشترى على تاريخ إنتاج وتاريخ صلاحية.

نقلًا عن العدد الورقي..
الجريدة الرسمية