رئيس التحرير
عصام كامل

الخنفشاريون يتآمرون على فلسطين

يحفل التراث العربي بالعديد من كنوز النوادر واللغة، ومنها قصة رجل كان يزعم أنه «العالم الأوحد والمفتي الألمعي الأقوى بين أبناء جيله»، وكان لذلك المفتي، رغم ضعف مستواه العلمي قدرة عجيبة على إدعاء الإفتاء بزعمه أن لديه علمًا بكل شيء.


اتفقت مجموعة من الأذكياء على اختبار ذلك المفتي بطريقة ماكرة؛ فاخترعوا لفظًا لشئ غير موجود أصلاً أسموه «الخنفشار»، وسألوه باعتبار أن طبيعة السؤال تقتضي احترام المسؤول لذاته بأن يكون رده: «الله أعلم»، لكن المفاجأة أن ذلك الرجل انبرى يرد بسرعة مماثلة لسرعة أصحاب التحليلات «المضروبة»، فأجابهم قائلاً: الخنفشارُ نباتٌ يُزرَع في أرض اليمن (مكان بعيد عن السائلين يصعب وصولهم إليه)، يُدْهَن به ضرعُ الناقة، فيحبس اللبن. قال الشاعر (لم يحدد اسمه يعني أن البيت من تأليفه)، قد عقدت محبتكم فؤادي / كما عقد الحليبَ الخنفشارُ»، وقال داود الأنطاكي في (تذكرته) كذا وكذا ، وقال فلان وفلان .. ومضى الرجل يُعدد فوائد الخنفشار (غير الموجود أصلا) إلى أن حاول «تأليف» حديث نبوي شريف بشأن الخنفشار ومضى يقول.. وقال – صلى الله عليه وسلم- وهنا كان الاستفزاز قد وصل بالسائلين ذروته فأوقفوه قائلين : «يا عدوّ نفسه، كذبت على لسان العرب، وتريد أن تكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم».

متآمر واحد على فلسطين
تذكرني تلك القصة، بكوارث التحليل السياسي لدى من يزعمون أنهم خبراء في تناول قضايا الأمن القومي، وقد تأكد لي أن لدينا كثيرًا من «الخنفشاريين» الذين يفتون في أي شئ ويزعمون معرفتهم بكل شئ، فلقد تربينا صغارًا على وجود متآمر واحد على فلسطين والعرب، وهو الكيان الصهيوني الذي ترعاه الإدارات الأمريكية المتعاقبة برؤية راسخة لدى واشنطن تقوم على أن «ضمان أمن وسلامة إسرائيل ركيزة حيوية للأمن القومي الأمريكي»، لكن الكارثة التي لم تكن في الحسبان هى الجهل الكارثي، لأن الذين أعماهم الجهل وأصم آذانهم الحقد الدفين ضد أي جهود ناجحة، أطلقوا «التحليلات العدائية» ضد الدور المصري بشأن القضية الفلسطينية وجهود القاهرة بشأن إعادة إعمار غزة.

انبرى أولئك الضائعون يرددون على صفحاتهم الإلكترونية أصواتا نشازا بانتقاد مصر عقب إعلانها تقديم 500 مليون دولار دعما لجهود إعمار غزة؛ وتناسوا ركائز أساسية للأمن القومي العربي والمصري مفادها أن ذلك هو الدور الطبيعي لمصر بحكم التاريخ والجغرافيا والهوية العربية والإسلامية التي ينبغي حمايتها مهما كان الثمن.. لقد ذكرني أصحاب «التحليلات النشاز» بقصة الرجل الخنفشاري حينما انبروا يقولون: «مصر أولى.. الفقراء أولى» والحقيقة أن عقول هؤلاء هي الأولى بأن يعترفوا بجهلهم وبحاجتهم لإعادة التعليم والتربية.. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية