رئيس التحرير
عصام كامل

تجديد الخطاب الديني.. ضرورة زمانية

بين الحين والآخر تثار قضية تجديد الخطاب الديني، والأصل في هذا الأمر ليس بدعا من القول، فهناك قول رسولنا الكريم إن الله يبعث على كل رأس مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، وهذا الحديث الصحيح يؤكد على أن باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة، ومن هذا الحديث أيضا اقتبست عنوان مقالي هذا. 


وعليه أقول إن دعوة تجديد الخطاب الديني ليست بدعا من القول قولا واحد، ولكن أخشى أن تتحول هذه المقولة في وقتنا الحالي إلى الحق الذي أريد به الباطل، وخاصة إذا جاء من قوم ليسوا من أهل العلم الشرعي، وقد أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على مقولتي تلك وهي بأن أهل العلم الشرعي هم أولى الناس بحمل لواء التجديد ، حينما قال في برنامجه الرمضاني ، اليوم لا يخامرنا أدنى شك في أن التيار الإصلاحي الوسطي هو الجدير وحده بمهمة التجديد، الذي تتطلع إليه الأمة، وأضاف وأعني به التجديد الذي لا يشوه الدين ولا يلغيه، وإنما يأخذ من كنوزه ويستضيء بهديه، ويترك ما لا يناسب من أحكامه الفقهية إلى فتراتها التاريخية التي قيلت فيها.

 إعادة نظر
ونوه إلى أنه بالفعل هناك أمور كثيرة جدا تحتاج إلى إعادة نظر في أحكامها، بالعودة الى أصلها قد جنح بها المسلمون عن الأصل الذي من أجله اقرها الرسول صلى الله عليه وسلم او خلفائه الراشدين، وغالبا هذه الأمور من الفروع وليس من أصول الدين الذى أجمع عليها علماء المسلمين في الحديث والقديم.

انتهى كلام شيخ الأزهر الذي وجد هجوما لاذعا من معارضيه ، وقالوا عنه أنه تراجع عن موقفه السابق الرافض للتجديد ، وهم في ذلك يجهلون حقيقة موقف شيخ الأزهر، منذ بداية الدعوة إلى التجديد، وحقيقة موقفه كما أعلمه أنه لا يرفض ذات الدعوة ولكن يرفض أن يتصدى لها من ليسوا من أهل العلم الشرعي، أو أن يتطرق التجديد إلى ثوابت الدين ، فيصبح الأمر مرتعا وكلأ مباح لمن يريد النيل من الدين فيتستر تحت عباءة التجديد وهو الحق الذي يراد به الباطل.

هنا أود أن اذكر أمرا واحدا يوضح ما اقصده وأريد الحديث فيه، وهو على سبيل المثال لا الحصر، وهو أمر بسيط في ظاهره للغاية وهو مشروعية الاذانيين في صلاة الجمعة، اكيد الجميع يعلم أن الأمر كان على عهد النبي ﷺ أذان واحد مع الإقامة فكان إذا دخل النبي ﷺ للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي ﷺ الخطبتين،ثم يقام للصلاة هذا هو الأمر المعلوم ، وهو الذي جاءت به السنه وهو أمر معروف عند أهل العلم الشرعي .

الأذان الثانى
ثم إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة فرأى أن يزاد الأذان الثاني، ويقال له: الأذان الأول  لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم الجمعة، حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال، وكان هذا الآذان ينادى به في مكان عمل الناس والأسواق، وقبل الصلاة على ما اتوقع بساعة ونصف، وتابعه على هذا العمل الصحابة في عهده كان في عهده علي وعبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة والزبير بن العوام أحد العشرة أيضًا وطلحة بن عبيد الله، وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعًا لما فعله الخليفة الراشد عثمان، وتابعه عليه الخليفة الراشد أيضًا علي  وأرضاه وهكذا بقية الصحابة، حتى يومنا هذا.

مما ذكرت آنفا يتبين الحكمة من مشروعية الأذان الثاني وهو تنبيه الناس الى قرب صلاة الجمعة التي تعتبر بالنسبة للمسلمين عيد الاسبوع،  فيتنبه الناس الى أن يتركوا التجارة وأمور الدنيا لأمر جليل وعظيم وهو صلاة الجمعة، الذي قال عنه رسولنا صلى عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس.

نأتي الى حال الآذان الثاني في هذه الأيام فهو يأتي بعد الأذان الأصلي للوقت وبعد صعود الإمام على المنبر مباشرة، وفي الغالب يكون بين الآذانيين وقت لا يتعدى خمس دقائق يستغلها البعض في أداء ركعتين، هنا يتبين أن الحكمة من الآذان الثاني التي من أجلها شرع سيدنا عثمان الاذان الثاني، قد انتفت تماما ولو سيدنا عثمان يعيش بيننا الآن لعاد الى العهد الأول وهو الآذان الواحد كما كان حال المسلمين منذ بداية الإسلام حتى جاء عثمان بن عفان رضى الله عنه.

 تجديد الخطاب الديني 
هكذا يتم النظر في تجديد الخطاب الديني من قبل أهل العلم الشرعي في كثير من المسائل التي انحرفت عن مقصدها الأساسي، وليس كمطالبة الذين لا يركعون لله ركعة ويظنون في أنفسهم انهم أوصياء على الناس بزعم انهم مثقفون او علماء طبيعة او سياسة او إقتصاد ، ويقودون الدعوة لتجديد الخطاب الديني بل ويهاجمون الأزهر الشريف وشيخه الموقر فضيلة الأمام الدكتور أحمد الطيب، ويريدون  ان يخلعوا  عن الأزهر الشريف دوره الرئيسي وهو أنه المسئول الشرعي في تحديد المشروع وغير المشروع في الأحوال الشخصية للمسلمين وفي نفس الوقت لا يجرأ هؤلاء ان يتدخلوا في الأحوال الشخصية لأصحاب الديانات الأخرى.

ارجوا أن يتولى دعوة تجديد الخطاب الديني أهلها من علماء الأزهر ومن أهل الثقة من علماء الشرع، وليمتنع المتطاولون عن الأزهر الشريف من المشاركة في هذه الدعوة التي هي من أجل الدين، وليس كما يريد هؤلاء إقصاء الدين عن مناحي حياتنا.
هذه دعوتي التي أُريد لها مجيب
الجريدة الرسمية