رئيس التحرير
عصام كامل

الريشة!

فى قديم الزمان قرر أحد الرجال السفر إلى بلدة أخرى غير التي نشأ بها طلبًا لحياة أفضل ورزق أوسع.. فأحضر جمله، وبدأ في تحميل متاعه على ظهره حتى حملة بأمتعة كثيرة تحتاج إلى عدة جمال لحملها..


قسمت ظهر البعير
وقبل أن يهم بالمسير.. تذكر أنه نسى ريشته الصغيرة الملونة التي أهداها له والده، منذ أن كان طفلًا صغيرًا، فعاد أدراجه وبحث عنها إلى أن وجدها، ثم وضعها داخل متاعه الكبير الجاثم على ظهر الجمل.. لكن المفاجأة أن الجمل لم يتحمل هذا الحمل البسيط، وانهار ووقع على الأرض.

نظر الرجل مصدومًا إلى الجمل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وصاح مندهشًا: "كيف تستطيع ريشة صغيرة أن تفعل هذا بجمل قوى مثله"؟!.

لم يدرك الرجل أن معاناة جمله كانت قد بلغت ذروتها وحدها الأقصى، وأنه لم يكن من المناسب أبدًا أن يضع على ظهره أي حمل إضافي آخر، حتى وإن كان في وزن ريشة صغيرة.. مع الأسف لم يتفهم أن ما قصم الظهر هو الحماقة والتحامل، والنظر إلى الأمور بعين تفتقر إلى الإحساس والفطنة وحسن التقدير والتدبير.

وكثير من الناس -مع الأسف- يقع في مثل هذا المأزق لأنه يتعامل مع الأمور ببلادة شديدة وعدم وعى واهتمام، فيجد نفسه قد خسر كل شىء في لحظة خاطفة.

 كلمة عابرة
فهذا رجل قد وهبه الله عائلة طيبة رائعة، فلا يشكر نعمة الله ويتعامل معها بقسوة ولا مبالاة إلى أن تأتى اللحظة الحاسمة التي تنهار فيها حياته بسبب "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهذا رجل أكرمه الله بصديق وفى، مخلص، ولكنه لم يحفظ حق الصداقة إلى أن تجىء القشة التي تعصف بالزمالة والأخوة، وهذه إمرأة رائعة طيبة القلب، جمعها الله بزوج مثلها، ولكنها عندما تغضب من أى موقف مهما كان بسيطًا، تنقلب إلى شخص آخر تمامًأ لا سقف لحدود غضبه، وبتكرار تطاولها  العنيف تأتى القشة التى يستحيل معها استمرار العشرة.

هذه القشة الصغيرة يمكن أن تكون كلمة عابرة، أو سلوكًا تافهًا، لكنها قاصمة لأنها أتت فوق ظهر قد أثقلته فترة طويلة من الصبر والتحمل والمعاناة، لذلك يقولون أن "لكل شخص طاقة على التحمل".

لا يوجد خارقون في الحياة، ربما تتفاوت قدرتنا على التحمل، لكن من المؤكد أن هناك لحظة ما يمكن أن ينتهى فيها كل شىء.. ويمكن لكل إنسان أن يتجنب الوصول إلى هذه اللحظة إذا لم يستخف بالصغائر التي تتراكم فوق ظهر العلاقات حتى تثقلها.. فلننتبه قبل أن نقول، ونفكر قبل أن نفعل، ونصلح سريعًا من عيوبنا حتى لو اضطررنا للجوء إلى المتخصصين، لكى لا نصل إلى مرحلة "القشة التي قصمت ظهر البعير".
الجريدة الرسمية