انقلاب "إخواني" تركي مزدوج
تتأرجح السياسة التركية
وتنقلب مواقفها من التشدد إلى التودد ومن التهديد والوعيد إلى التنازل وقبول الشروط،
مثلما حصل خلال عهد الرئيس الأميركي السابق ترامب، وكما حدث معنا أخيرا، فبعد سنوات
العداء ومحاربة مصر، بدأت التودد وتليين المواقف وطلبت المصالحة لأن "مصر قلب
العالم العربي وعقله، ودولة محورية لديها دور مهم في المنطقة"، كما قال المتحدث
باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، لشبكة "بلومبرغ"، وسبقه وتلاه رسائل
غزل من وزيري الخارجية والدفاع والرئيس أردوغان أيضا، ولم ترد مصر على التودد إلا بأن
"سياستنا ثابتة ومتزنة وعلى تركيا أن تترجم الأقوال إلى أفعال"..
ومع التواصل الأمني والاستخباري اتخذت تركيا خطوات عملية تلبية للشروط المصرية وإثبات حسن النوايا، قبل تطوير العلاقات على أرض الواقع، وفعلت الشيء نفسه الأيام الماضية مع السعودية مبدية احترامها وقبولها حكم القضاء السعودي في قضية مقتل جمال خاشقجي، بعدما اعتبرتها قضيتها الأولى وطالبت بمحاكمة الجناة في تركيا أو تدويل القضية.
مصر والسعودية
لا يخفى على أحد أن تركيا مضطرة لإعادة علاقتها مع الدول المحورية بالمنطقة، خصوصا مصر والسعودية، في ظل الضغوط القصوى عليها من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وكذلك خلافات مكتومة مع إيران وروسيا في بعض الملفات المتعلقة بالتوغل التركي في سورية والعراق، ما أدى إلى تدهور اقتصادي وتراجع سعر الليرة وزيادة التضخم، ومعه توالت ضغوط أحزاب المعارضة في الداخل، فاضطر النظام إلى تغيير بعض مواقفه وسياسته ومحاولة بناء محاور جديدة ليحظى ببعض العلاقات بعد أن خسر الجميع نتيجة الصدامية وتحول شعاره "صفر مشاكل" إلى "صفر أصدقاء".
بينما أعلن متحدث الرئاسة إبراهيم كالن، زيارة وفد تركي لمصر لبحث استعادة العلاقات بين الدولتين وملف ليبيا، تتبعه مباحثات ولقاءات بمستوى أعلى، نجد أن ياسين أقطاي مستشار الرئيس، ينتقد إعدام إرهابيي مذبحة كرداسة، وقال في بيان "لا شك أننا نريد الأفضل لمصر على الدوام، نريد أن تتصالح الدولة مع شعبها، من أجل أن تكون أقوى وأكثر سلاما وتطورا. لقد تلقينا بأسف وحزن نبأ إعدام 17 شخصا، بينهم عجوز حافظ للقرآن في الثمانين من عمره، خلال شهر رمضان المبارك".
تبنى مستشار الرئيس في بيانه ما يردده "الإخوان" من أن "الاغتيال حلال والإعدام حرام"، رغم أن القصاص شرع الله والجزاء من صنف العمل. كما دعا أقطاي في بيانه إلى "مصالحة مصرية مع الشعب" قاصداً مصالحة "الإخوان" وهي النغمة التي يعزف عليها المنتمين للجماعة الإرهابية وهم يعلمون سلفا أن الشعب المصري لفظهم وباتوا منبوذين ولا مجال لمصالحة مع جرائم وإرهاب واغتيالات دامت عشرات السنين.
تغيير السياسة التركية
كان حري بالمستشار ياسين أقطاي، الدعوة لمصالحة تركية شعبية في ظل اعتقال عشرات الآلاف من المعارضين والمتورطين في الإنقلاب المزعوم، أو على الأقل محاولة منع انسحاب تركيا من "اتفاقية اسطنبول"، التي صدر مرسوما بالخروج منها، ما سيؤدي إلى تفشي العنف الزوجي والأسري، وانعدام أمن ملايين النساء والأطفال.
تدرك تركيا ان مصر لن تقبل استئناف العلاقات دون إنهاء مجموعة ملفات بينها احتضانها قيادات الجماعة الإرهابية لكي يهاجمون مصر عبر منصات تبث من أراضيها، من هنا بدأت تركيا تدير ظهرها للجماعة وأوقفت بث برامج مهاجمي مصر، على أن تستمر إقامتهم فيها، لكنها لم تسلم المطلوبين منهم وغيرهم من القيادات لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، خصوصا أن بعضهم على لائحة الإرهاب الدولي.
تغيير السياسة التركية مع "الإخوان" دفع قيادات الجماعة الإرهابية للتواصل مع مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، قبيل اجتماع القاهرة بين مسؤولين في البلدين، بهدف وضع "المصالحة مع التنظيم كأحد بنود التفاوض"، ورفض تسليم قيادات الجماعة المطلوبين لتنفيذ أحكام قضائية أو حتى السماح لهم بمغادرة تركيا دون عوائق لرفع الحرج عنها، لكن أقطاي لم يلتق أحدا منهم رغم طلبهم المتكرر ولم يعط قيادات الإرهابية ردا واضحا.
اللجوء للمعارضة التركية
انتهز "الإخوان" فرصة تبدل الموقف الرسمي حيالهم وتحسبا لتخلي النظام التركي عنهم كليا، قرروا "الإنقلاب المضاد" وبحثوا سريعا عن حليف جديد يوفر لهم الحماية والأمان أو على أقل تقدير يوقف تسليمهم لمصر، وبدأوا فورا التواصل مع رئيس حزب السعادة التركي المعارض كرم الله أوغلو، "أحد أعداء الرئيس"، الذي اجتمع مع وفد من قيادات التنظيم الإرهابي المتواجدين في تركيا، ووعدوه بالدعم السياسي والمالي السخي مقابل حمايتهم من النظام التركي الساعي للتقارب مع مصر ومنع تضييق الخناق عليهم، والسعي لعرقلة التفاهم بين القاهرة وأنقرة وإطالة أمد الأزمة بين البلدين قدر المستطاع. لكن أوغلو أعلن مباشرة عن اجتماعه مع قيادات "الإخوان" ما يعني أنهم خانوا الرئيس التركي وانقلبوا عليه.
استبقت الجماعة الإرهابية رد فعل تركيا الرسمي إزاء "الإنقلاب والخيانة"، وأطل القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير عبر "الجزيرة" مصرحا بأن "الجماعة هي حليف تركيا، وعليها التراجع عن مصالحة مصر التي تعتبر تركيا عدوا لها"، كما أصدر منير بيان استعطاف واعتذار عن الخيانة ومحاولة لتصحيح صورة التنظيم، مبديا "الاحترام للدستور والقانون والتقدير للرئيس التركي على احتضانه الجماعة، والحرص على استقرار الوضع السياسي في البلد".
إنتهازية الإخوان
حاولت الجماعة في البيان نفي تهمة الانقلاب عن نفسها، لكن البيان فضح انتهازية التنظيم وتفكيره النفعي، وانه لا حليف له ما دام يؤثر ذلك على مصلحته، فالبيان الاستعطافي هدفه تفادي رد فعل الرئيس التركي على تواصلهم مع أحد أعدائه، ومحاولة منعه من إتخاذ قرارات تلاحقهم وتزيد التضييق عليهم أو حتى تقديمهم قرباناً لإعادة العلاقات مع مصر، بعدما أوقف البرامج المهاجمة لمصر والضغط على أعضاء الجماعة ومنعهم من السفر.
فشل "الإخوان" في ابتزاز الرئيس التركي عن طريق التحالف مع أحد خصومه، دليل جديد على انتهازية الجماعة الإرهابية وخيانتها، ومثلما خانوا مصر وسعوا لتدميرها لجأوا الآن لمعارضي الرئيس التركي لحمايتهم من قراراته بعدما احتضنهم ودعمهم سنوات.
والحال مع تركيا ليس أفضل من "الإخوان"، فهي بعد أن استخدمتهم ضد مصر لتنفيذ مهام يريدها النظام الحاكم، ستظل تركيا محتفظة بالإخوان ورقة ضغط تستغلها في حال فشلت مباحثات إستئناف العلاقات وحينها تعيدهم للهجوم على مصر والعمل ضدها مرة أخرى.
ومع التواصل الأمني والاستخباري اتخذت تركيا خطوات عملية تلبية للشروط المصرية وإثبات حسن النوايا، قبل تطوير العلاقات على أرض الواقع، وفعلت الشيء نفسه الأيام الماضية مع السعودية مبدية احترامها وقبولها حكم القضاء السعودي في قضية مقتل جمال خاشقجي، بعدما اعتبرتها قضيتها الأولى وطالبت بمحاكمة الجناة في تركيا أو تدويل القضية.
مصر والسعودية
لا يخفى على أحد أن تركيا مضطرة لإعادة علاقتها مع الدول المحورية بالمنطقة، خصوصا مصر والسعودية، في ظل الضغوط القصوى عليها من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وكذلك خلافات مكتومة مع إيران وروسيا في بعض الملفات المتعلقة بالتوغل التركي في سورية والعراق، ما أدى إلى تدهور اقتصادي وتراجع سعر الليرة وزيادة التضخم، ومعه توالت ضغوط أحزاب المعارضة في الداخل، فاضطر النظام إلى تغيير بعض مواقفه وسياسته ومحاولة بناء محاور جديدة ليحظى ببعض العلاقات بعد أن خسر الجميع نتيجة الصدامية وتحول شعاره "صفر مشاكل" إلى "صفر أصدقاء".
بينما أعلن متحدث الرئاسة إبراهيم كالن، زيارة وفد تركي لمصر لبحث استعادة العلاقات بين الدولتين وملف ليبيا، تتبعه مباحثات ولقاءات بمستوى أعلى، نجد أن ياسين أقطاي مستشار الرئيس، ينتقد إعدام إرهابيي مذبحة كرداسة، وقال في بيان "لا شك أننا نريد الأفضل لمصر على الدوام، نريد أن تتصالح الدولة مع شعبها، من أجل أن تكون أقوى وأكثر سلاما وتطورا. لقد تلقينا بأسف وحزن نبأ إعدام 17 شخصا، بينهم عجوز حافظ للقرآن في الثمانين من عمره، خلال شهر رمضان المبارك".
تبنى مستشار الرئيس في بيانه ما يردده "الإخوان" من أن "الاغتيال حلال والإعدام حرام"، رغم أن القصاص شرع الله والجزاء من صنف العمل. كما دعا أقطاي في بيانه إلى "مصالحة مصرية مع الشعب" قاصداً مصالحة "الإخوان" وهي النغمة التي يعزف عليها المنتمين للجماعة الإرهابية وهم يعلمون سلفا أن الشعب المصري لفظهم وباتوا منبوذين ولا مجال لمصالحة مع جرائم وإرهاب واغتيالات دامت عشرات السنين.
تغيير السياسة التركية
كان حري بالمستشار ياسين أقطاي، الدعوة لمصالحة تركية شعبية في ظل اعتقال عشرات الآلاف من المعارضين والمتورطين في الإنقلاب المزعوم، أو على الأقل محاولة منع انسحاب تركيا من "اتفاقية اسطنبول"، التي صدر مرسوما بالخروج منها، ما سيؤدي إلى تفشي العنف الزوجي والأسري، وانعدام أمن ملايين النساء والأطفال.
تدرك تركيا ان مصر لن تقبل استئناف العلاقات دون إنهاء مجموعة ملفات بينها احتضانها قيادات الجماعة الإرهابية لكي يهاجمون مصر عبر منصات تبث من أراضيها، من هنا بدأت تركيا تدير ظهرها للجماعة وأوقفت بث برامج مهاجمي مصر، على أن تستمر إقامتهم فيها، لكنها لم تسلم المطلوبين منهم وغيرهم من القيادات لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم، خصوصا أن بعضهم على لائحة الإرهاب الدولي.
تغيير السياسة التركية مع "الإخوان" دفع قيادات الجماعة الإرهابية للتواصل مع مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي، قبيل اجتماع القاهرة بين مسؤولين في البلدين، بهدف وضع "المصالحة مع التنظيم كأحد بنود التفاوض"، ورفض تسليم قيادات الجماعة المطلوبين لتنفيذ أحكام قضائية أو حتى السماح لهم بمغادرة تركيا دون عوائق لرفع الحرج عنها، لكن أقطاي لم يلتق أحدا منهم رغم طلبهم المتكرر ولم يعط قيادات الإرهابية ردا واضحا.
اللجوء للمعارضة التركية
انتهز "الإخوان" فرصة تبدل الموقف الرسمي حيالهم وتحسبا لتخلي النظام التركي عنهم كليا، قرروا "الإنقلاب المضاد" وبحثوا سريعا عن حليف جديد يوفر لهم الحماية والأمان أو على أقل تقدير يوقف تسليمهم لمصر، وبدأوا فورا التواصل مع رئيس حزب السعادة التركي المعارض كرم الله أوغلو، "أحد أعداء الرئيس"، الذي اجتمع مع وفد من قيادات التنظيم الإرهابي المتواجدين في تركيا، ووعدوه بالدعم السياسي والمالي السخي مقابل حمايتهم من النظام التركي الساعي للتقارب مع مصر ومنع تضييق الخناق عليهم، والسعي لعرقلة التفاهم بين القاهرة وأنقرة وإطالة أمد الأزمة بين البلدين قدر المستطاع. لكن أوغلو أعلن مباشرة عن اجتماعه مع قيادات "الإخوان" ما يعني أنهم خانوا الرئيس التركي وانقلبوا عليه.
استبقت الجماعة الإرهابية رد فعل تركيا الرسمي إزاء "الإنقلاب والخيانة"، وأطل القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير عبر "الجزيرة" مصرحا بأن "الجماعة هي حليف تركيا، وعليها التراجع عن مصالحة مصر التي تعتبر تركيا عدوا لها"، كما أصدر منير بيان استعطاف واعتذار عن الخيانة ومحاولة لتصحيح صورة التنظيم، مبديا "الاحترام للدستور والقانون والتقدير للرئيس التركي على احتضانه الجماعة، والحرص على استقرار الوضع السياسي في البلد".
إنتهازية الإخوان
حاولت الجماعة في البيان نفي تهمة الانقلاب عن نفسها، لكن البيان فضح انتهازية التنظيم وتفكيره النفعي، وانه لا حليف له ما دام يؤثر ذلك على مصلحته، فالبيان الاستعطافي هدفه تفادي رد فعل الرئيس التركي على تواصلهم مع أحد أعدائه، ومحاولة منعه من إتخاذ قرارات تلاحقهم وتزيد التضييق عليهم أو حتى تقديمهم قرباناً لإعادة العلاقات مع مصر، بعدما أوقف البرامج المهاجمة لمصر والضغط على أعضاء الجماعة ومنعهم من السفر.
فشل "الإخوان" في ابتزاز الرئيس التركي عن طريق التحالف مع أحد خصومه، دليل جديد على انتهازية الجماعة الإرهابية وخيانتها، ومثلما خانوا مصر وسعوا لتدميرها لجأوا الآن لمعارضي الرئيس التركي لحمايتهم من قراراته بعدما احتضنهم ودعمهم سنوات.
والحال مع تركيا ليس أفضل من "الإخوان"، فهي بعد أن استخدمتهم ضد مصر لتنفيذ مهام يريدها النظام الحاكم، ستظل تركيا محتفظة بالإخوان ورقة ضغط تستغلها في حال فشلت مباحثات إستئناف العلاقات وحينها تعيدهم للهجوم على مصر والعمل ضدها مرة أخرى.