رئيس التحرير
عصام كامل

هاتولى مبارك.. أنا عايز مبارك !! (1)



أبدأ معك أيها القارئ.. باحترام عقلك، فلا أعتدى عليه فى حاضره، بينما تحلُم بما تستحق، وأنت بالنسبة لى: الأفضل، "فأنا مريض بعنصرية شديدة للمصرى، أينما وجد، وبترحيب بضيوفه من الخارج، طالما يحترمونه"، ولا أنافق الماضى، وقد ولى، ولكنى أحترم حقائقه، ولا أعتدى على المستقبل وأدنسه، لمولود مصرى لم يولد بعد أوعله يخطو خطواته الأولى على هذا التُراب الطاهر، فأنا لا أملك هذا المُستقبل ولا أحد يمتلكه، وأُريد لهذا المولود، حياة أفضل مما مضى.. ولكنى أيضاً لن أخدع نفسى، وقد عشت الأيام ورأيت بعض أسرارها، وإن كانت كثيرة، ولكن من أكون غير باحث وطالب علم فى العلوم السياسية، وتحديداً فى العلاقات الدولية، لأقول إننى رأيت كل شىء، بل من منا رأى الصورة كاملة؟! .


واعذرنى أيها القارئ، إن كنت سأُطيل عليك، رغم أننى أختصر الكثير، حتى لا أُنهكك بالتفاصيل، التى ربما تملها، بل هى بالفعل مُملة ومؤلمة، "وليعذرنى الموقع المُحترم لجريدة فيتو أيضاً، لأننى أتجاوز المساحة المُخصصة لى بكثير"، ولكننى رأيت أن هذا المقال، ضرورة مُلحة فى وسط ما نحياه من "مأساة بل ملهاة وطنية"، لعلنى أُساهم ولو بجزء يسير، فى مُراجعة الكثيرين ممن يقرأونه، بل أتمنى أن يراجعونى هم بما يعرفون وبالتأكيد هم سيُفيدوننى بمعلوماتهم، لنفتح نقاشا وطنيا، نُصحح به معاً مسار المُستقبل، حيث لا أحد منا جميعاً، يمتلك الحقيقة وحده)!!.

لقد خلق الله فى الإنسان السوى، طبيعة الثورة على الخطأ، فإن أدرك أن البدائل أسوأ بكثير، استكان وحاول المُساهمة بعمله السلمى فى الوصول للأفضل، قدر المُستطاع.. وهذا تحديداً ما حدث لى وعشته، فى الفترة ما بين 2005، وبدايات 2011، عندما قارنت بين نقيضين، أحدهما فى الحُكم.. والثانى خارجه!!.

لقد كان ظهور "حركة كفاية" فى عام 2005، بالنسبة لى، كما كان الحال بالنسبة للكثير من المصريين غيرى، بُشرة خير للتغيير السلمى فى مصر.

 وقتها.. كنت مثل تلك النخبة، التى تراها خارجة علينا فى الإعلام، اليوم أجلس فقط فى محرابى العلمى، أقرأ وأُشاهد الشارع السياسى المصرى، من بُرجى العاجى، فلا أصدر إلا أحكاماً مبنية على ضيقى الشديد مما نحياه، بينما كانت تلك الأحكام مُعلبةً لمشاكل مُزمنة، وما كانت حلولى تلك وقتها، إلا سطحية، لأنها لم تُدرك تطور وتفاصيل المُشكلات!!.

اشتركت فى كفاية فى 28 مارس 2005، دونما قراءة لبيانها التأسيسى، مجرد لأنها كانت تقول "بإنهاء احتكار السلطة، وفتح الباب لتداولها ابتداءً من موقع رئيس الدولة"!! كنت يومها أرى مبارك "وحده" المسئول، ولم أكن أدرى أن الدولة يُديرها "متعددون" وليس "الواحد"، وتؤثر وتتأثر بالمناخ الدولى العام، وصعوده أو هبوطه فى مختلف الأزمنة، (وكان الكثير من "النخبة المُثقفة" الثورية اليوم، أعضاءً فى الحزب الوطنى أو مُمالئين للنظام ولو على استحياء ممن يُعارضه، تماماً مثلما يُمالئون الثورة اليوم،.. وبالطبع كلُ حر فى مواقفه)!!، ومع الوقت، ومع حضور إحدى وقفات "حركة كفاية"، عند نقابة الصحفيين، يوم 27 إبريل 2005، ثم فعاليات أخرى كثيرة، أدركت أن هناك شيئا غير طبيعى فى تلك الحركة، ولا يتماشى مع المنطق السليم.

فبينما كُتب فى بيانها التأسيسى، الذى قرأته عقب انضمامى لها، أنها تحوى مصريين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، وجدت أن أغلبيتهم القصوى متطرفة الهوى السياسى، ولا يمتون للاعتدال المصرى بصلة، (وهم أحرار بالطبع، ولكن هذا يعيب البيان).. والعقلانية السياسية لا يمكن أن تتفق مع المُبالغات، لأنها تتمخض عن أكاذيب فى أغلب الأوقات.. ولقد أكد البيان، ضمن نقاطه الأربع الأساسية، والتى رأى وجوب تضمينها فى أى إصلاح لمصر، على ضرورة "إنهاء احتكار الثروة"!!، كانت تلك الكلمات لافتة لى، حيث سبق وأن قرأتها "بالنص"، فى النقاط "الـ 6"، لثورة يوليو 52، وكان الخط "الناصرى" بذا، واضحاً للغاية على البيان التأسيسى للحركة، وليس كما قيل فى الديباجة، بأن الحركة تُمثل كل المصريين!!.

ولم يكن عندى اعتراض على الإصلاح الاقتصادى الذى نادت به الحركة، ولكن الاعتراض،كل الاعتراض، كان على سيطرة الفصيل الواحد على الحركة، (وهو الأمر، الذى يرفضه اليوم عموم المصريين، فيما يتعلق بانفراد الإخوان فى حكم مصر، ولا فرق عندى فى هذا الصدد، بين مدنى ودينى، لأننى أبتغى مصلحة بلادى التعددية فقط)..

 كما أكد البيان التأسيسى للحركة، على ضرورة "العمل على استعادة دور مكانة مصر الذى فقدته منذ التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيونى وحليفة الولايات المتحدة الأمريكية"!!، اتضح لى وقتها، أن الأمر يتجاوز الإصلاح فى مصر، ويخلُق جوا من "طفولة الرؤيا" و"الفوضى" فى التكوين المصرى، ولا ينظر بعين الاعتبار لتوازنات القوى فى منطقة الشرق الأوسط والمصالح المُتعارضة، فالتبسنى الشك، فى الذهنية السياسية لمن كتب هذا الكلام ووقعه، موافقاً عليه!!.

وكانت الصدمة الكُبرى، فى البيان الذى يراد منه إصلاح الداخل المصرى، الحديث فى ديباجته، عن الأحداث فى العراق وفلسطين، وهو بذلك كان يأخذ بُعداً قومياً للأحداث، بعيداً جداً عن النسق المحلى!! ومع كامل الاحترام للشعبين العراقى والفلسطينى، فإن النص على ذلك فى بيان يُراد من خلاله إصلاح الداخل، لا علاقة له به، ويؤدى للتشتيت، وليس التركيز!!.
 
لقد كانت الحركة "ناصرية يسارية راديكالية" باقتدار، لا لبس فيه، وكان بها وجوه "قيادات إخوانية"، لم أستطع التوافق معهم على الإطلاق، (لما أعرفه من تلوث تاريخ بعض قادة الإخوان المهمين، بمُخططات المُستعمرين على مر الأزمنة وعدم توافق كلامهم المُعلن مع ما يكنونه من رغبات).. ذلك أننى ليبرالى الهوى، ساداتى النشأة (ولا يعنى كونى ساداتى أننى على عداء مع المعسكر الناصرى أو اليسارى، حيث إن تلك المُعتقدات فى نظرى، ما هى إلا تعبير عن "مُراهقة سياسية مُتأخرة".. ولكنى بالتأكيد على عداء مع الراديكالية أو التطرف سواءً مدنيا أو دينيا)!!.

يُتبع غداً إن شاء الله ...
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية..
الجريدة الرسمية