رئيس التحرير
عصام كامل

أثر تقبيل الزوجة على صحة الصوم

تقبيل الزوجة
تقبيل الزوجة

التّقبيل الذي يُفطر الصائم بسببه هو ما نتج عنه إنزال، وهذا بإجماع أهل العلم، أمّا إن لم ينتج عن التقبيل إنزالٌ؛ فيعتمد الحُكم على طبيعة الصائم نفسه؛ فإن كانت القُبلة تُؤثّر فيه، وتُحرّك شهوته، فحُكمها الكراهة، إلّا أنّها لا تُعَدّ مُبطلةٌ للصيام.



وقد صحّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهو صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهو صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ). 

أثر التقبيل
يختلف أثر تقبيل الزوجة على الصيام بحسب الحال، وفيما يأتي تفصيلٌ لهذه الحالات عند الفقهاء:

أثر الإنزال بسبب التقبيل على الصوم: اتّفق الفُقهاء على أن نزول المنيّ سواءً كان باللّمس أم القُبلة أم المُعانقة مُفسدٌ للصوم؛ لأن نزوله كان بمباشرة الزوجة، فأشبه الجماع في غير الفرج.

أثر الإمذاء بسبب التقبيل على الصوم: تعدّدت آراء الفُقهاء في أثر نزول المذيّ بسبب القُبلة على الصيام على قولين، وهي كما يأتي: القول الأول: المذي مُفسِدٌ للصوم؛ وهو قول الحنابلة والمالكية، حيث قالوا إن نزول المذيّ يُفسد عبادة الصيام.

ويرى الإمام أحمد أن خروج المذي تحقيقٌ للشهوة وناتجٌ عن طريق المُباشرة، فأشبه المنيّ، واختلف عن البول، وجاء عن المالكية جواز القُبلة للصائم ما لم يَنزل منه المذيّ، فإن خرج وجب إمساك باقي اليوم، وقضاءه في يومٍ آخر.

القول الثاني: خروج المذيّ لا يفسد الصوم؛ وهو قول الشافعية والحنابلة، فقد قال الشافعية: لو قبّل الزوج أو لمس زوجته وهو صائمٌ فأمذى، فلا غُسل عليه؛ لأنه كالبول، وورد عن الحنفيّة أن إنزال المذي بسبب القُبلة لا يؤثر على صحّة الصيام؛ لأن المذيّ عندهم ليس بشيء.

واستدلّ القائِلون بأن القُبلة لا تُفطّر ولو كانت بشهوةٍ بقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للنبي -عليه الصلاة والسلام-: (هششتُ فقبَّلتُ وأنا صائمٌ، فجئتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ:

لقد صنعَتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، قال: وما هو؟ قلتُ: قبَّلتُ وأنا صائمٌ، قال: أرأيتَ لَو تمَضمَضْتَ من الماءِ؟ قلتُ: إذًا لا يضرُ؟ قال: ففيمَ) الاحتياط في الطاعات تُبنى العبادات والطاعات على الاحتياط، والقيام بها على أكمل صورة؛ ليكون المُكلّف بريء الذمّة، ويحصل بها على الأجر والثواب.

ومن هذه العبادات؛ عبادة الصيام، فقد أوجب الله -تعالى- علينا الاحتياط في أدائها في عددٍ من الآيات، قال -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، فالمُسلم مُطالبٌ بالمُحافظة على صيامه، والبُعد عن كُل ما يُفسده.

حُكم المُداعبة بين الزوجين أثناء الصيام
حُكم المُداعبة بين الزوجين أثناء الصيام من أحكام الصيام المُتعلِّقة بالمتزوّجين، وقد ذهب أهل العلم إلى جواز المُداعبة بين الرجل وزوجته أثناء الصيام، بشرط التأكُّد من عدم اشتداد الشهوة إلى الحدّ الذي يتمّ فيه إنزال المذي أو المني.

وفي حال خشية أحدهما، أو كليهما من إنزال المني أو المذي، فلا تجوز المداعبة؛ لأنّ ذلك ممّا يُعرّض الصيام للفساد، وأخرج البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صَائِمٌ، وكانَ أمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ).

بالإضافة إلى ما رُوِي عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنّه سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: سَلْ هذِه لِأُمِّ سَلَمَةَ فأخْبَرَتْهُ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ ذلكَ، فَقالَ:

يا رَسولَ اللهِ، قدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَما وَاللَّهِ، إنِّي لأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ له)، وفي الحديث دليلٌ على جواز التقبيل للصائم، ويُقاس عليه حُكم المُداعبة، والضمّ، وغير ذلك من مُقدّمات الجماع.

الجريدة الرسمية