عمرو خالد: «شبعت شهرة وفلوس».. واستفدت من أخطاء الماضى .. وأعيش أجمل فترات حياتى وأسعى لتحرير «التدين» من فكرة الكم | حوار
أعمل على تنفيذ مشروع روحى كبير وأقدمه على «سوشيال ميديا»
الروحانيات فى العالم الإسلامى قدمت بشكل يميل إلى العشوائية
التدين الكمى سيطر على عقول الناس
أحلم بالمساهمة فى إعادة الإحسان فى أمة «محمد».... ودفعت ثمن دخولى مجال السياسة وندمت على هذه الخطوة
المؤسسات الدينية لا تستطيع تجديد الخطاب الدينى بمفردها ولا بد من تكاتف الجميع
على العالم أن يدرك حجمه ويتواضع بين يدى الله عز وجل بعد كورونا
«دعاة يوتيوب» نتيجة المرحلة الحالية
رائد مدرسة «الدعاة الجدد».. لقب يستحقه عن جدارة الدكتور عمرو خالد، لا سيما أنه كان له السبق فى تقديم المحتوى الدينى على القنوات الفضائية بشكل مختلف غير متعارف عليه عند الناس وحقق نجاحات كبيرة ، غير أن هذا لم يمنع أن يرتبط اسمه ببعض الأزمات التى مرت به مؤخرًا، لكنه فضل الابتعاد عن ضجة وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ، وعمل على تقديم الدعوة لمتابعيه على صفحاته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى.
«فيتو».. التقت الدكتور عمرو خالد، وحاورته ، حيث أكد أنه يعيش حاليًا مرحلة وصفها بـ«الأجمل» فى مسار حياته، موضحًا أنه يعمل حاليا على تنفيذ مشروع «روحي» كبير يتمثل فى إعادة قيم الإحسان فى المجتمع من خلال تقديم الروحانيات بالشكل العملى المطلوب الذى يستفيد منه الإنسان فى حياته العملية.. وعن تفاصيل هذا المشروع، وموقفه من تحركات المؤسسات الرسمية فيما يتعلق بـ«تجديد الخطاب الديني»، وسر ابتعاده عن الساحة، وتفاصيل رحلاته إلى الهند واليابان وإنجلترا، وأمور أخرى كان الحوار التالى :
*بداية.. ما أسباب اختفائك عن الساحة خلال الفترة الماضية؟
ليس غياب أو اختفاء، لا سيما أننى متواجد بشكل دائم فى مصر، وأعمل على مشروع روحى وفكرى، وأنفذه على «سوشيال ميديا» فى ضوء المتاح، وأدعى أنه على مستوى عال من الفهم والنضج، وبمعنى أن الروحانيات فى العالم الإسلامى قدمت خلال الـ 100 سنة الأخيرة، بشكل غير منهجى.
فالروحانيات لها ضوابط معينة إذا طبقها الإنسان، يكتب منها أخلاقيات ومهارات محددة يستفيد منها فى حياته، وللأسف الروحانيات خلال السنوات الماضية لم تقدم بهذا الشكل، بل قدمت للناس بشكل يميل إلى العشوائية، ولا أعفى نفسى من هذه العشوائية، رغم فخرى بما قدمته، وإن كنت لا أدعى أنى قدمته بمنهجية لأننى لم أكن أمتلك الأدوات التى تؤهلنى لتقديمها بالشكل الصحيح.
*برأيك.. هل ترى أن التيارات المتطرفة قدمت الروحانيات بشكل أساء إليها؟
الروحانيات التى قدمتها التيارات المتشددة لم تؤد إلا إلى مزيد من التشدد، لأن الكثير منها بشكل مادى بمعنى إفهام الناس أنه كلما زدت فى الطاعة من صلاة وغيرها تكون بذلك متدينًا.
*إذن.. هل يمكن القول إن «التدين الكمي» كان المسيطر على العقول خلال الفترة الماضية؟
بالفعل هذا حدث، لأن التدين الكمى سيطر على عقول الناس، والفكرة التى أعمل عليها قائمة على تحرير التدين من فكرة الكم، ولا يمكن أن تستخدم الروحانيات من أجل أي موقف سياسى، فلا يجب أن تتحول الروحانيات إلى طريقة سياسية وأن تستخدم الروحانيات كطريقة احتجاجية، فالمعنى الكبير فى الروحانيات «أن المتلفت لا يصل» والحقيقة أن هذا هو واقع ومشكلة تقديم الروحانيات فى العالم العربى خلال الفترة الماضية على حسب معلوماتى.
*هل نستطيع أن نقدم الروحانيات بشكل يؤدى إلى تفعيل الأخلاق ومهارات النجاح فى الحياة؟
بالفعل يبقى هذا السؤال الأكبر، لا سيما فى ظل تسارع نسق الحياة وعدم صلاحية الوسائل التقليدية لتقديم الروحانيات للجيل الصاعد فى ظل وسائل التواصل الحديثة التى طغت على الجميع، فكانت الفكرة هي البحث عن مظلة روحية كبيرة لها جذور عميقة فى القرآن والسنة ، حتى تكون هناك مرجعية لحديثنا، فكان الاكتشاف من هذه الرحلة هو «الإحسان».
*وما قيمة «الإحسان» فى الشريعة الإسلامية؟
«الإحسان» ثلث الدين الإسلامى، والحديث النبوى الشريف، عندما جاء جبريل إلى الرسول (ص) فى صورة رجل عادى وقال له: «يا رسول الله، أخبرنى ما الإيمان، وما الإسلام، وما الإحسان؟»، فهذه الأركان الثلاثة صنفها العلماء أنها أركان الدين الثلاثة، وقالوا كلمة قوية جدا وهى أن: كل ما أشُكل عليك فى شيء فمرده إلى الثلاثة، فالإحسان هنا أصل ثالث للدين، وللأسف الأمة الإسلامية تعيش بركنين وتتجاهل الركن الثالث.
والتعريف النبوى للإحسان هو: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك»، ووقفت كثيرًا عند هذا المعنى، وعلماء المسلمين إلا القليل منهم وقفوا عند هذا المعنى، لا نعرف كيف نطبق هذه المعانى، لأنها ليست مجرد كلمات، فما كان منى إلا أن أخذت كلمة الإحسان وعدت إلى التراث الروحى للمسلمين وقرأته بنية فهم الإحسان، وهذا الأمر احتاج إلى عام «شغل» حتى أتمكن من فهم الموضوع.
*ما أبرز المعانى الجديدة التى وقفت عليها خلال رحلتك فى البحث عن معنى «الإحسان»؟
المعنى الكبير الجديد الذى وصلت إليه هو أن الإحسان يبدأ روحانيًّا ثم ينتقل إلى تطبيقات الحياة، وفهمى لحديث النبى فى الإحسان هو إحسان عميق للإحسان يجعلك تحسن؛ لأنه يراك فى كل جزئيات حياتك، فيتحول الإحسان هنا إلى ثلاثة أبعاد، أولها مع الله وهو أن تعبد الله كأنك تراه، ومع الناس فتكون حسن الخلق بينهم، ومع الحياة فتحسن الحياة؛ بمعنى إتقان وإبداع الأمور.
وهذه الثلاثية هى التى تحتاج إليها مصر والأجيال القادمة، كما يحتاج إليها المسلمون، وينبغى أن يكون هذا الفهم المتجدد للإسلام، خاصة أن الإحسان هو الثلث المهمل من حياة المسلمين، ثلث تركوه وهو المادة الفعالة للركنين الباقيين، والإحسان معنى عميق وحقيقى، لا يجعل الأجيال القادمة تقلد، والمسألة ليست بالكم، وإنما هو إحساس عميق بالله، والقرآن لا توجد به صفحة تخلو من الإحسان، فالإحسان بالمعنى البسيط هو أن تخرج أحسن ما عندك لأن الله يراك، والإحسان لم يعد إحساسًا دينيًّا فقط، بل أصبح إحساسًا وطنيًّا.
والمعنى الذى أقوله معنى عميق، وقد مات لأن التدين الكمى طغى عليه، لأنه لم يكن مطلوبًا الروحينات الرقيقة بل كان المطلوب التشدد، وبدأت أقرأ القرآن بعين جديدة، واكتشفت أن الإحسان بمثابة أسلوب حياة فى القرآن الكريم، من خلال الآيات المتعددة التى تحدثت عن جوانب الإحسان فى شتى تعاملات ومناحى الحياة التى ينبغى أن نتبعها، ولك أن تتخيل لو الإحسان بهذه الطريقة جرى تقديمه للناس وتدريسه فى المناهج للطلاب، كما أنى وجدت أن طريقة الذكر فى الإنسان تقود للإحسان.
*خلال رحلة البحث عن معنى «الإحسان».. ما أبرز الدول التى زرتها؟
حرصت على زيارة الهند لتجاربهم القوية فى علم الروحانيات، وبعدها زرت اليابان ووجدتهم يقولون الكلام ذاته، كما حضرت كورسًا متخصصًا فى تصفية النفس الروح، فى إنجلترا واكتشفت أن كلهم «فاضيين» حرفيا، وأن المعانى الأصلية للوصول لقيم الإحسان تكمن فى تعليم الإسلام.
*من وجهة نظرك.. ما الطرق الصحيحة التى توصلنا للمعنى الحقيقى للذكر؟
الذكر من أهم وسائل الوصول لقيم الإحسان، لكن بالطريقة الصحيحة التى تحدث تأثيرًا فى النفس، وتجعل الإنسان يشعر بالله سبحانه وتعالى بشكل مختلف.
*لماذا وقع اختيارك على «منازل الروح» ليكون محور البرنامج الرمضانى الذى تقدمه هذا العام؟
لأن سيدنا على، كرم الله وجهه، هو من أول قال إن الروحانيات تحت مظلة الإحسان تشبه المنازل، ووهى عبارة عن معنى روحى يملأ روحك فيصل بك فى رحلة الإحسان، وسبب اختيارى الـ 7 منازل أنهم كلهم يؤدون إلى الإحسان، وخصصت كل 4 حلقات لمنزلة منهم، وهى: (التقوى، التسليم، اليقين، التوكل، الرضا، العبودية لله، ومحبة لله) فهذه المنازل السبعة اقترنت فى القرآن الكريم بالإحسان لله.
وعلى ذكر هذه المنازل أريد أن أذكر هنا على سبيل المثال أن «محمد صلاح» نجم المنتخب المصرى ونادى ليفربول الإنجليزى، ليس أحرف لاعب كرة احترف خارج مصر، لكنه أكثر لاعب كرة مصرى احترف فى أوروبا لديه تحكم فى الذات، وهذا نكتسبه من خلال التقوى.
وأحلم بالمساهمة فى إعادة الإحسان فى أمة «محمد»، من خلال البرامج المتخصصة والتدريب والأعمال الأدبية المختلفة، وكان كتاب «حياة الذاكرين» هو أول هذه الخطوات، وإن شاء الله هناك مشروعات أدبية قادمة خلال الفترة القادمة، فنخلص إلى أن الدين يعد ثلاثي الأبعاد، وأبعاده: «الإيمان، الإسلام، والإحسان»، والإحسان ذاته ثلاثى الأبعاد، وأبعاده: «مع الله، مع الناس، ومع الحياة».
*وفقًا لكل ما سبق.. هل نستطيع القول إن عمرو خالد يعيش الجزء الثانى والجديد من حياته؟
بالطبع.. وأدعى أن هذه الفترة الأحلى فى حياتى، وأعيش فترة صفاء ورضا وتسليم، ولدى طموح لتنفيذ مشروع ضخم وهو المساهمة فى إحياء الإحسان، دون تعجل أو توتر، ولا أريد شهرة، لأننى «شبعت شهرة»، ولا أبحث عن مال لأننى «أبحث فى الحياة عن مصادر رزق تعيش بيتى وآكل منها عيش، فأنا مستريح ومش عايز حاجة ولست متعجلا».
*إذن.. هل يمكن القول إنك استفدت من أخطاء الماضى؟
بالتأكيد أنا استفد من أخطاء الماضى، فتجربة الدخول فى معترك السياسة على سبيل المثال، وكم كانت تجربة خاطئة، ودفعت ثمنها وندمت عليها، واعتذرت عنها واستفدت منها؛ لأن «المتلفت لا يصل»، وتعلمت أن «الدنيا واسعة ولو قفلت معاك فى باب الرزق لا تعتمد أن الرزق يأتي من سكة معينة أو محددة لكن يجب أن تسعى وتجتهد فى الأرض».
*بعيدًا عن تجربتك الشخصية.. هل ترى أن المؤسسات الدينية حققت أي إنجاز فى ملف تجديد الخطاب الدينى؟
لا نزال بعيدًا، ونحتاج إلى أن نطور الفكر، لأن الأفكار الجيدة هى التى تغير الحياة، ولا تزال تنقصنا الفكرة الحلوة المتعمقة فى ديننا، نحتاج فكرة براقة قوية مناسبة لتطورات العصر؛ لأن الفكرة هى إلى يلتف حولها الناس، ولا يزال تنقصنا جهود كبير.
ويجب أن يكون هناك عمل يتواصل الليل والنهار، ونحتاج إلى تكاتف مؤسسات كثيرة، لأن المؤسسة الدينية لا تستطيع وحدها القيام بهذه المهمة، من الواجب أن يكون هناك تكاتف من الإعلام والمساجد وعناصر أخرى، وعندما تقرأ عن انتشار الأفكار فى العالم الغربى نجد أنه منظومة كاملة تدور عليها الأفكار ودورتها فى المجتمع، ولهذا يجب أن يكون هناك تكاتف من أجل القيام بهذه المهمة.
*هناك من يتخذ ملف تجديد الخطاب الدينى بابًا للهجوم على المؤسسات الدينية.. كيف ترى ذلك؟
النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، فكلمة التجديد ليست مخترعة، وأرى أن الأزهر مؤسسة حارسة للدين منذ سنوات طويلة، لكن يجب أن تكون لديه الرغبة فى طرح الأفكار باستنارة وحرية، والحارس موجود وهو الأزهر.
*وكيف ترى مسيرة الأزهر الشريف تحت قيادة الدكتور أحمد الطيب؟
أنا أقل وأضعف من أن أقيِّم مسيرة الأزهر، وأنا داعية إسلامى لكن الأزهر يجمع العلماء الذين درسوا الشريعة بشكلها الواسع، وهذا لا أعتبره هروبًا من جانبى، لكنه احترام للنفس، وأنا حجمى وقدراتى لا تسمح لى أن أقيِّم الأزهر، لكننى فى الوقت ذاته أدرك أنه حارس على الشريعة والأزهر كغيره من المؤسسات يحتاج إلى تطوير.
*بعد مرور ما يزيد على عام منذ بدء الجائحة.. ما أهم الدروس المستفادة من تجربة فيروس كورونا المستجد؟
نستفيد منها أن الحول والقوة بيد الله، وأن العالم لا يتمادى فى رؤية ذاته لأنه لا يملك لنفسه شيئا، وهذا معنى «لا حول ولا قوة إلا بالله» والدرس الكبير فى 2020 و2021، هو أن العالم أن يدرك حجمه ويتواضع بين يدى الله بعد هذه الأزمة، لأن الآية تقول: {فَمَا استكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} وأن الآوان أن الناس تستكين، بحيث تدرك حقيقتها وحجمها فى هذا الكون.
*ما رأيك فى ظاهرة «دعاة اليوتيوب».. وهل هناك نصائح تقدمها لهم؟
التغيرات التكنولوجية تفرض نفسها دائما، ويخرج في كل مرحلة من يعبر عن ذاته فى ضوء الوسائل المتاحة، وفى الآخر هى محاولات لأشخاص يرغبون فى تقديم محتوى بإحساسهم وفيه شيء لله، المهم ألا يتورطوا علميًا فى فتاوى مخالفة أو ينجرفوا خلف تيارات معينة أو يتكلموا فيما لا يفهمون، أو يظنوا أنهم يفهمون وهم لا يفهمون.
ويجب على الشخص أن يقول أو يتكلم فيما يفهم، وأن يعتمد على مخاطبة الإنسان، وكل عشر سنوات تظهر أشكال جديدة من التعبير فى كل المجالات، فهناك على سبيل المثال ممثلون يظهرون على «يوتيوب» فقط، وغير هذا من المهن، والفكرة أنها ليست ظاهرة «دعاة يوتيوب»، فكل مرحلة لها نتاج معين.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الروحانيات فى العالم الإسلامى قدمت بشكل يميل إلى العشوائية
التدين الكمى سيطر على عقول الناس
أحلم بالمساهمة فى إعادة الإحسان فى أمة «محمد».... ودفعت ثمن دخولى مجال السياسة وندمت على هذه الخطوة
المؤسسات الدينية لا تستطيع تجديد الخطاب الدينى بمفردها ولا بد من تكاتف الجميع
على العالم أن يدرك حجمه ويتواضع بين يدى الله عز وجل بعد كورونا
«دعاة يوتيوب» نتيجة المرحلة الحالية
رائد مدرسة «الدعاة الجدد».. لقب يستحقه عن جدارة الدكتور عمرو خالد، لا سيما أنه كان له السبق فى تقديم المحتوى الدينى على القنوات الفضائية بشكل مختلف غير متعارف عليه عند الناس وحقق نجاحات كبيرة ، غير أن هذا لم يمنع أن يرتبط اسمه ببعض الأزمات التى مرت به مؤخرًا، لكنه فضل الابتعاد عن ضجة وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ، وعمل على تقديم الدعوة لمتابعيه على صفحاته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى.
«فيتو».. التقت الدكتور عمرو خالد، وحاورته ، حيث أكد أنه يعيش حاليًا مرحلة وصفها بـ«الأجمل» فى مسار حياته، موضحًا أنه يعمل حاليا على تنفيذ مشروع «روحي» كبير يتمثل فى إعادة قيم الإحسان فى المجتمع من خلال تقديم الروحانيات بالشكل العملى المطلوب الذى يستفيد منه الإنسان فى حياته العملية.. وعن تفاصيل هذا المشروع، وموقفه من تحركات المؤسسات الرسمية فيما يتعلق بـ«تجديد الخطاب الديني»، وسر ابتعاده عن الساحة، وتفاصيل رحلاته إلى الهند واليابان وإنجلترا، وأمور أخرى كان الحوار التالى :
*بداية.. ما أسباب اختفائك عن الساحة خلال الفترة الماضية؟
ليس غياب أو اختفاء، لا سيما أننى متواجد بشكل دائم فى مصر، وأعمل على مشروع روحى وفكرى، وأنفذه على «سوشيال ميديا» فى ضوء المتاح، وأدعى أنه على مستوى عال من الفهم والنضج، وبمعنى أن الروحانيات فى العالم الإسلامى قدمت خلال الـ 100 سنة الأخيرة، بشكل غير منهجى.
فالروحانيات لها ضوابط معينة إذا طبقها الإنسان، يكتب منها أخلاقيات ومهارات محددة يستفيد منها فى حياته، وللأسف الروحانيات خلال السنوات الماضية لم تقدم بهذا الشكل، بل قدمت للناس بشكل يميل إلى العشوائية، ولا أعفى نفسى من هذه العشوائية، رغم فخرى بما قدمته، وإن كنت لا أدعى أنى قدمته بمنهجية لأننى لم أكن أمتلك الأدوات التى تؤهلنى لتقديمها بالشكل الصحيح.
*برأيك.. هل ترى أن التيارات المتطرفة قدمت الروحانيات بشكل أساء إليها؟
الروحانيات التى قدمتها التيارات المتشددة لم تؤد إلا إلى مزيد من التشدد، لأن الكثير منها بشكل مادى بمعنى إفهام الناس أنه كلما زدت فى الطاعة من صلاة وغيرها تكون بذلك متدينًا.
*إذن.. هل يمكن القول إن «التدين الكمي» كان المسيطر على العقول خلال الفترة الماضية؟
بالفعل هذا حدث، لأن التدين الكمى سيطر على عقول الناس، والفكرة التى أعمل عليها قائمة على تحرير التدين من فكرة الكم، ولا يمكن أن تستخدم الروحانيات من أجل أي موقف سياسى، فلا يجب أن تتحول الروحانيات إلى طريقة سياسية وأن تستخدم الروحانيات كطريقة احتجاجية، فالمعنى الكبير فى الروحانيات «أن المتلفت لا يصل» والحقيقة أن هذا هو واقع ومشكلة تقديم الروحانيات فى العالم العربى خلال الفترة الماضية على حسب معلوماتى.
*هل نستطيع أن نقدم الروحانيات بشكل يؤدى إلى تفعيل الأخلاق ومهارات النجاح فى الحياة؟
بالفعل يبقى هذا السؤال الأكبر، لا سيما فى ظل تسارع نسق الحياة وعدم صلاحية الوسائل التقليدية لتقديم الروحانيات للجيل الصاعد فى ظل وسائل التواصل الحديثة التى طغت على الجميع، فكانت الفكرة هي البحث عن مظلة روحية كبيرة لها جذور عميقة فى القرآن والسنة ، حتى تكون هناك مرجعية لحديثنا، فكان الاكتشاف من هذه الرحلة هو «الإحسان».
*وما قيمة «الإحسان» فى الشريعة الإسلامية؟
«الإحسان» ثلث الدين الإسلامى، والحديث النبوى الشريف، عندما جاء جبريل إلى الرسول (ص) فى صورة رجل عادى وقال له: «يا رسول الله، أخبرنى ما الإيمان، وما الإسلام، وما الإحسان؟»، فهذه الأركان الثلاثة صنفها العلماء أنها أركان الدين الثلاثة، وقالوا كلمة قوية جدا وهى أن: كل ما أشُكل عليك فى شيء فمرده إلى الثلاثة، فالإحسان هنا أصل ثالث للدين، وللأسف الأمة الإسلامية تعيش بركنين وتتجاهل الركن الثالث.
والتعريف النبوى للإحسان هو: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك»، ووقفت كثيرًا عند هذا المعنى، وعلماء المسلمين إلا القليل منهم وقفوا عند هذا المعنى، لا نعرف كيف نطبق هذه المعانى، لأنها ليست مجرد كلمات، فما كان منى إلا أن أخذت كلمة الإحسان وعدت إلى التراث الروحى للمسلمين وقرأته بنية فهم الإحسان، وهذا الأمر احتاج إلى عام «شغل» حتى أتمكن من فهم الموضوع.
*ما أبرز المعانى الجديدة التى وقفت عليها خلال رحلتك فى البحث عن معنى «الإحسان»؟
المعنى الكبير الجديد الذى وصلت إليه هو أن الإحسان يبدأ روحانيًّا ثم ينتقل إلى تطبيقات الحياة، وفهمى لحديث النبى فى الإحسان هو إحسان عميق للإحسان يجعلك تحسن؛ لأنه يراك فى كل جزئيات حياتك، فيتحول الإحسان هنا إلى ثلاثة أبعاد، أولها مع الله وهو أن تعبد الله كأنك تراه، ومع الناس فتكون حسن الخلق بينهم، ومع الحياة فتحسن الحياة؛ بمعنى إتقان وإبداع الأمور.
وهذه الثلاثية هى التى تحتاج إليها مصر والأجيال القادمة، كما يحتاج إليها المسلمون، وينبغى أن يكون هذا الفهم المتجدد للإسلام، خاصة أن الإحسان هو الثلث المهمل من حياة المسلمين، ثلث تركوه وهو المادة الفعالة للركنين الباقيين، والإحسان معنى عميق وحقيقى، لا يجعل الأجيال القادمة تقلد، والمسألة ليست بالكم، وإنما هو إحساس عميق بالله، والقرآن لا توجد به صفحة تخلو من الإحسان، فالإحسان بالمعنى البسيط هو أن تخرج أحسن ما عندك لأن الله يراك، والإحسان لم يعد إحساسًا دينيًّا فقط، بل أصبح إحساسًا وطنيًّا.
والمعنى الذى أقوله معنى عميق، وقد مات لأن التدين الكمى طغى عليه، لأنه لم يكن مطلوبًا الروحينات الرقيقة بل كان المطلوب التشدد، وبدأت أقرأ القرآن بعين جديدة، واكتشفت أن الإحسان بمثابة أسلوب حياة فى القرآن الكريم، من خلال الآيات المتعددة التى تحدثت عن جوانب الإحسان فى شتى تعاملات ومناحى الحياة التى ينبغى أن نتبعها، ولك أن تتخيل لو الإحسان بهذه الطريقة جرى تقديمه للناس وتدريسه فى المناهج للطلاب، كما أنى وجدت أن طريقة الذكر فى الإنسان تقود للإحسان.
*خلال رحلة البحث عن معنى «الإحسان».. ما أبرز الدول التى زرتها؟
حرصت على زيارة الهند لتجاربهم القوية فى علم الروحانيات، وبعدها زرت اليابان ووجدتهم يقولون الكلام ذاته، كما حضرت كورسًا متخصصًا فى تصفية النفس الروح، فى إنجلترا واكتشفت أن كلهم «فاضيين» حرفيا، وأن المعانى الأصلية للوصول لقيم الإحسان تكمن فى تعليم الإسلام.
*من وجهة نظرك.. ما الطرق الصحيحة التى توصلنا للمعنى الحقيقى للذكر؟
الذكر من أهم وسائل الوصول لقيم الإحسان، لكن بالطريقة الصحيحة التى تحدث تأثيرًا فى النفس، وتجعل الإنسان يشعر بالله سبحانه وتعالى بشكل مختلف.
*لماذا وقع اختيارك على «منازل الروح» ليكون محور البرنامج الرمضانى الذى تقدمه هذا العام؟
لأن سيدنا على، كرم الله وجهه، هو من أول قال إن الروحانيات تحت مظلة الإحسان تشبه المنازل، ووهى عبارة عن معنى روحى يملأ روحك فيصل بك فى رحلة الإحسان، وسبب اختيارى الـ 7 منازل أنهم كلهم يؤدون إلى الإحسان، وخصصت كل 4 حلقات لمنزلة منهم، وهى: (التقوى، التسليم، اليقين، التوكل، الرضا، العبودية لله، ومحبة لله) فهذه المنازل السبعة اقترنت فى القرآن الكريم بالإحسان لله.
وعلى ذكر هذه المنازل أريد أن أذكر هنا على سبيل المثال أن «محمد صلاح» نجم المنتخب المصرى ونادى ليفربول الإنجليزى، ليس أحرف لاعب كرة احترف خارج مصر، لكنه أكثر لاعب كرة مصرى احترف فى أوروبا لديه تحكم فى الذات، وهذا نكتسبه من خلال التقوى.
وأحلم بالمساهمة فى إعادة الإحسان فى أمة «محمد»، من خلال البرامج المتخصصة والتدريب والأعمال الأدبية المختلفة، وكان كتاب «حياة الذاكرين» هو أول هذه الخطوات، وإن شاء الله هناك مشروعات أدبية قادمة خلال الفترة القادمة، فنخلص إلى أن الدين يعد ثلاثي الأبعاد، وأبعاده: «الإيمان، الإسلام، والإحسان»، والإحسان ذاته ثلاثى الأبعاد، وأبعاده: «مع الله، مع الناس، ومع الحياة».
*وفقًا لكل ما سبق.. هل نستطيع القول إن عمرو خالد يعيش الجزء الثانى والجديد من حياته؟
بالطبع.. وأدعى أن هذه الفترة الأحلى فى حياتى، وأعيش فترة صفاء ورضا وتسليم، ولدى طموح لتنفيذ مشروع ضخم وهو المساهمة فى إحياء الإحسان، دون تعجل أو توتر، ولا أريد شهرة، لأننى «شبعت شهرة»، ولا أبحث عن مال لأننى «أبحث فى الحياة عن مصادر رزق تعيش بيتى وآكل منها عيش، فأنا مستريح ومش عايز حاجة ولست متعجلا».
*إذن.. هل يمكن القول إنك استفدت من أخطاء الماضى؟
بالتأكيد أنا استفد من أخطاء الماضى، فتجربة الدخول فى معترك السياسة على سبيل المثال، وكم كانت تجربة خاطئة، ودفعت ثمنها وندمت عليها، واعتذرت عنها واستفدت منها؛ لأن «المتلفت لا يصل»، وتعلمت أن «الدنيا واسعة ولو قفلت معاك فى باب الرزق لا تعتمد أن الرزق يأتي من سكة معينة أو محددة لكن يجب أن تسعى وتجتهد فى الأرض».
*بعيدًا عن تجربتك الشخصية.. هل ترى أن المؤسسات الدينية حققت أي إنجاز فى ملف تجديد الخطاب الدينى؟
لا نزال بعيدًا، ونحتاج إلى أن نطور الفكر، لأن الأفكار الجيدة هى التى تغير الحياة، ولا تزال تنقصنا الفكرة الحلوة المتعمقة فى ديننا، نحتاج فكرة براقة قوية مناسبة لتطورات العصر؛ لأن الفكرة هى إلى يلتف حولها الناس، ولا يزال تنقصنا جهود كبير.
ويجب أن يكون هناك عمل يتواصل الليل والنهار، ونحتاج إلى تكاتف مؤسسات كثيرة، لأن المؤسسة الدينية لا تستطيع وحدها القيام بهذه المهمة، من الواجب أن يكون هناك تكاتف من الإعلام والمساجد وعناصر أخرى، وعندما تقرأ عن انتشار الأفكار فى العالم الغربى نجد أنه منظومة كاملة تدور عليها الأفكار ودورتها فى المجتمع، ولهذا يجب أن يكون هناك تكاتف من أجل القيام بهذه المهمة.
*هناك من يتخذ ملف تجديد الخطاب الدينى بابًا للهجوم على المؤسسات الدينية.. كيف ترى ذلك؟
النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، فكلمة التجديد ليست مخترعة، وأرى أن الأزهر مؤسسة حارسة للدين منذ سنوات طويلة، لكن يجب أن تكون لديه الرغبة فى طرح الأفكار باستنارة وحرية، والحارس موجود وهو الأزهر.
*وكيف ترى مسيرة الأزهر الشريف تحت قيادة الدكتور أحمد الطيب؟
أنا أقل وأضعف من أن أقيِّم مسيرة الأزهر، وأنا داعية إسلامى لكن الأزهر يجمع العلماء الذين درسوا الشريعة بشكلها الواسع، وهذا لا أعتبره هروبًا من جانبى، لكنه احترام للنفس، وأنا حجمى وقدراتى لا تسمح لى أن أقيِّم الأزهر، لكننى فى الوقت ذاته أدرك أنه حارس على الشريعة والأزهر كغيره من المؤسسات يحتاج إلى تطوير.
*بعد مرور ما يزيد على عام منذ بدء الجائحة.. ما أهم الدروس المستفادة من تجربة فيروس كورونا المستجد؟
نستفيد منها أن الحول والقوة بيد الله، وأن العالم لا يتمادى فى رؤية ذاته لأنه لا يملك لنفسه شيئا، وهذا معنى «لا حول ولا قوة إلا بالله» والدرس الكبير فى 2020 و2021، هو أن العالم أن يدرك حجمه ويتواضع بين يدى الله بعد هذه الأزمة، لأن الآية تقول: {فَمَا استكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} وأن الآوان أن الناس تستكين، بحيث تدرك حقيقتها وحجمها فى هذا الكون.
*ما رأيك فى ظاهرة «دعاة اليوتيوب».. وهل هناك نصائح تقدمها لهم؟
التغيرات التكنولوجية تفرض نفسها دائما، ويخرج في كل مرحلة من يعبر عن ذاته فى ضوء الوسائل المتاحة، وفى الآخر هى محاولات لأشخاص يرغبون فى تقديم محتوى بإحساسهم وفيه شيء لله، المهم ألا يتورطوا علميًا فى فتاوى مخالفة أو ينجرفوا خلف تيارات معينة أو يتكلموا فيما لا يفهمون، أو يظنوا أنهم يفهمون وهم لا يفهمون.
ويجب على الشخص أن يقول أو يتكلم فيما يفهم، وأن يعتمد على مخاطبة الإنسان، وكل عشر سنوات تظهر أشكال جديدة من التعبير فى كل المجالات، فهناك على سبيل المثال ممثلون يظهرون على «يوتيوب» فقط، وغير هذا من المهن، والفكرة أنها ليست ظاهرة «دعاة يوتيوب»، فكل مرحلة لها نتاج معين.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"