رئيس التحرير
عصام كامل

أمريكا تحرض عواصم «القارة العجوز» من بوابة «أوكرانيا».. و«توسعات الناتو» كلمة السر لحرب «الجائزة الكبرى» بين روسيا والغرب

طائرة عسكرية
طائرة عسكرية
منذ ثلاثة عقود تقريبًا لم تلتهب الأجواء بين الولايات المتحدة الأمريكية -والغرب عمومًا- وروسيا بالشكل الذى أصبحت عليه الآن، لا سيما أن الأسابيع القليلة الماضية، شهدت تصاعدًا فى معدلات التوتر بين «موسكو» من جهة، و«واشنطن» وبقية العواصم الغربية من جهة أخرى، والذى ظهر فى شكل تصريحات قاسية واتهامات متبادلة وطرد جماعى للدبلوماسيين، وهو ما ينذر بجولة جديدة من جولات الحرب الباردة، التى يمكن -وفقًا لبعض التحليلات- أن تتطور إلى حرب دبلوماسية وصدام عسكرى.


جذور الصراع ما بين روسيا والعالم الغربى، تمتد لما أبعد من «التربة السياسية»، فالطالما كانت «موسكو» بمثابة الكنز الذى يتهافت عليه الجميع لتحقيق أطماعهم، لذا تنتهج الدول الأوروبية سياسة معادية لروسيا تحت تأثير «واشنطن» نظرًا لتطابق وتوافق مصالحهم وأهدافهم ورغبة فى إضعاف الدور الروسى خاصة بعد أن نهضت روسيا لتثبت حضورها كمركز مستقل للسياسة العامة، وباتت تسير على طريق المنافسة لتأكيد دورها القوى وفق رؤيتها للعلاقات الدولية. الجولة الجديدة فى الحرب الباردة بين روسيا والغرب، بدأت قبل شهرين بعد أن خرج من الدبلوماسيين الأوروبيين للمشاركة فى التظاهرات الاحتجاجية للاعتراض على حبس المعارض الروسى أليكسى نافالنى، مخالفين بذلك مهمتهم وعملهم الدبلوماسى على الأراضى الروسية، ما دفع «موسكو» لاتخاذ قرار الأمر بطرد الدبلوماسيين الأوروبيين، ليأتى الرد الأوروبى أسرع مما كان متوقعا وفق القاعدة الدبلوماسية الشهيرة «المعاملة بالمثل»، لتعلن كل من ألمانيا والسويد وبولندا طرد 3 دبلوماسيين روس.

لم ينته الصراع عند هذا الحد، ففى مطلع الشهر الجارى طالبت «موسكو» سفير أوكرانيا مغادرة أراضيها، بعد توقيفه لمدة وجيزة من جانب جهاز الأمن الروسى بتهمة حصوله على معلومات سرية، وأنه أصبح شخصًا غير مرغوب فيه، لترد «كييف» بالاحتجاج على الخطوة الروسية، وتنفى الاتهامات الموجهة إلى سفيرها ألكسندر سوسونيوك، وتقرر طرد دبلوماسى روسى كبير اعتمادا على مبدأ «المعاملة بالمثل».


وعلى غرار الخطوات السابقة دخلت التشيك على خط الأزمة مع روسيا، وقررت طرد 18 موظفا بالسفارة الروسية بتهمة التورط مع المخابرات الروسية فى انفجار بمخزن أسلحة عام 2014، لترد روسيا بطرد 20 دبلوماسيا تشيكيا، الأمر الذى أشعل فتيل الصراع الدبلوماسى.

الولايات المتحدة الأمريكية، لم تقف من «معركة الطرد الدبلوماسي»، موقف المتفرج، لكنها دخلت على خط الأزمة، حيث أعلنت عن فرض عقوبات على روسيا تستهدف عشرات الكيانات والمسئولين والدبلوماسيين الروس بزعم هجمات إلكترونية، شملت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 وأعمالًا عدائية أخرى، رغم نفى الحكومة الروسية لتلك الاتهامات بشكل مستمر، والتأكيد على أن تلك العقوبات غير شرعية.

من جهته، أوضح الدكتور محمد فراج، الخبير فى العلاقات الروسية، أن أسباب احتدام التوتر الروسى الأمريكى بسبب أوكرانيا، يشير إلى قضية حساسة تتصل بمؤامرة (أمريكية ــ أوكرانية ــ أطلسية) للإطاحة بالرئيس البيلاروسى لضم بيلاروسيا ــ أقرب حلفاء وجيران روسيا إلى حلف «الناتو»، وهو ما دفع المخابرات الروسية فى وقت سابق للقبض على القنصل الأوكرانى فى بطرسبورج متلبسًا بتسلم معلومات حسَّاسة من عميل روسى وصدر أمر بطرده.

وأضاف: أوكرانيا ستظل بمثابة الجائزة الكبرى فى سياسة توسيع «الناتو» باتجاه الشرق، لما لها من وزن اقتصادى وسكانى، ولما لها من أهمية إستراتيجية كمنطقة عازلة بين روسيا وشرق ووسط أوروبا، إلى جانب إطلالتها العريضة على البحر الأسود وكونها ممر الترانزيت الرئيسى لأنابيب الغاز الطبيعى الروسى إلى أوروبا، ولهذه الأسباب الرئيسية فإن ضم أوكرانيا إلى التحالف الغربى يظل باستمرار هدفًا رئيسيًا للولايات المتحدة وحليفاتها من الدول الغربية، كما يظل إحباط هذا المخطط هدفًا رئيسيًا للسياسة الرئيسية، لما تمثله من خطر إستراتيجى بالنسبة لروسيا.


بدوره.. قال الدكتور أشرف كمال، مدير المركز المصرى الروسى للدراسات: حالة من القلق تسيطر على الساحة الدولية من احتمالات المواجهة بين موسكو وواشنطن نتيجة تصاعد التوتر على كافة المستويات العسكرية والسياسية ودخول حلف شمال الأطلسى على خط الأزمة، ومحاولات تركيا استغلال الموقف بهدف استعادة ثقة إدارة بايدن.


وتابع: المثير للقلق هو ما صدر من قبل الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى من دعم للقرار الأمريكى، والذى وصل حده إلى قيام عدد من الدول بطرد دبلوماسيين روس والسير فى ركب التوجه الأمريكى المعادى لروسيا، ووتيرة تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن تتسارع منذ استلام بايدن مهام منصبه، ومن الطبيعى أن تكون هناك ردود أفعال مماثلة من الجانب الروسى تجاه كافة الأطراف التى تقف على الجانب الغربى من الأطلسى وأدواتها فى القارة العجوز.. الأمر الذى يقلل من فرص نجاح محاولات الحوار الإيجابى فى إطار من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.


وأوضح «د. أشرف» أنه بتحريض من الولايات المتحدة لم تلتزم «كييف» بتنفيذ بنود اتفاق «مينسك» الذى تمت صياغته من خلال اجتماعات «رباعية النورماندي» التى تضم روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، مسلطًا الضوء على الجولة الخارجية التى قام بها الرئيس الأوكرانى، فلاديمير زيلنسكى والتى بدأت من تركيا مستهدفة حشد الغرب سياسيا وعسكريا ضد روسيا، وذلك نظرًا لأن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى لا يعترف بانضمام «القرم» إلى روسيا ويدعم «تتار القرم» فى مواجهة روسيا، مستغلًا فى ذلك الأزمة لاستعادة ثقة الإدارة الأمريكية عن طريق إعلان تنفيذ قناة إسطنبول على البحر الأسود، ما يعنى منح القطع الحربية الأمريكية والتابعة لحلف شمال الأطلسى حق المرور إلى البحر الأسود والتحايل على بنود معاهدة «مونترو 1936» التى تنظم المرور من وإلى البحر الأسود وفق ضوابط محددة وعبر مضيق البوسفور. وأكمل: إطلاق الرئيس الروسى مبادرة للحوار بين الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن حول الاستقرار الإستراتيجى، هو دعوة للتهدئة على الساحة الدولية، وسعى موسكو لمواصلة الحوار من أجل تطبيع العلاقات وضمان الأمن الدولى رغم الخطوات غير البناءة من جانب الولايات المتحدة، وما أكد ذلك بحث سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى نيكولاى باتروشيف، مؤخرا مع مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سليفان، فرص انعقاد القمة المرتقبة بين الرئيسين «بوتين» و«بايدن»، ورغبته فى التأكيد على عدم قبول التدخل الأمريكى فى الشئون الداخلية لروسيا، وأنه لا صحة للاتهامات الموجهة إلى روسيا التى قامت عليها حزمة العقوبات المناهضة لبلاده، ومع ذلك فإن التحركات العسكرية الأمريكية وحلف شمال الأطلسى وما تقوم به تركيا يثير قلق وزارة الدفاع الروسية التى رفعت درجة الاستعداد لمواجهة أي خطر يهدد أمنها القومى.

«د. أشرف»، أشار أيضا إلى أن المشهد فى البحر الأسود، معقد ومفتوح على كافة السيناريوهات ما لم تتوقف واشنطن عن تحريض الحكومة المركزية فى كييف للمواجهة وعدم الالتزام باتفاق «مينسك»، مضيفا أن جميع الأطراف تسعى للضغط السياسى والعسكرى لتحقيق بعض المكتسبات، وسط مخاوف من انفلات الوضع والدخول من جديد فى دوامة من عدم الاستقرار، ربما تدفع الحكومة المركزية فى «كييف» فاتورة الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية، لا سيما أن «الكرملين» لن يقف مكتوف الأيدى أمام توسع حلف الأطلسى شرقا ولا بوجود قطع حربية أو بؤر إرهابية أو قواعد عسكرية غربية فى المنطقة تمثل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار الشعب الروسى.
الجريدة الرسمية