رئيس التحرير
عصام كامل

بدأت بأجره وانتهت بعبد الناصر.. حوار صريح بين الولد الشقي ومحفوظ بقهوة عبد الله في ليالي رمضان

الكاتب محمود السعدني
الكاتب محمود السعدني والأديب نجيب محفوظ
فى جلسات الأدباء والمفكرين التى كانت تعقد سابقًا، مفارقات وطرائف جميلة، وتزداد هذه الجلسات طرافة فى شهر رمضان حيث تطول جلسات السمر من بعد الإفطار حتى السحور.


من أطرف وأمتع هذه الجلسات التى كان يتزعمها عمنا محمود السعدنى الشهير بـ"الولد الشقي" والتى كان يرتدي فيها الجلابية البلدي والطاقية.

من هذه الجلسات ما كان يعرض فى مقهى ريش أو مقهى الفيشاوي أو مقهى عبد الله بالجيزة فقد كان السعدني يرى أن رمضان بلا مقهى أو مناقشات وندوات وجلسات سمر كالبحر بلا سمك.

ففى إحدى هذه الجلسات التى حضرها محمود السعدني وشقيقه صلاح السعدنى والأديب نجيب محفوظ فى رمضان عام 1994 كتب عنها عاصم حنفي فى مجلة الهلال قال:
أعلن عمنا محمود السعدني الإضراب عن الطعام الثقيل كاللحمة والطرشي والعكاوي والسمين والفتة بسبب نصيحة الأطباء له بذلك بعد شكوته من آلام بمعدته.

اتصل أديبنا نجيب محفوظ بالولد الشقي يسأل عن صحته ويهنئه بقدوم الشهر الكريم، واشتكى السعدني من الضغط والسكر والمعدة والأطباء والحرمان من الطعام، فقرر عمنا نجيب زيارته فى مقر جلسته بقهوة عبد الله بالجيزة القريبة من مساكن الجميع.

كان نجيب محفوظ من رواد قهوة عبد الله بميدان الجيزة وقد جمعته الصداقة مع السعدني وأنور المعداوي ومحمد عودة ويوسف إدريس والدكتور القط والرسام طوغان ورجاء النقاش هناك فى أواخر الأربعينيات.

حضر اللقاء الدكتور مصطفى الفقي والصحفي مكرم محمد أحمد وعلي والى والرسام طوغان والمخرج توفيق صالح بحضور الحاج إبراهيم نافع عمدة الجيزة.

بعد الإفطار مباشرة حضر نجيب محفوظ وبصحبته جمال الغيطاني ويوسف القعيد ورجل الأعمال عماد العبودي وجلس على منضدة السعدني يحتسى الشاي.

بدأ السعدنى يحكى للحضور ذكريات أول لقاء مع الأديب نجيب محفوظ وقال إنه التقى محفوظ أول مرة بعد أن قرأ له روايته التاريخية "رادوبيس" فلم تعجبه إلا أنه بعد أن قرأ "زقاق المدق" التى اختلسها من صديقه الشاعر صلاح جاهين أصيب بانبهار شديد وكانت أساس محبته لمحفوظ منذ التقى معه فى قهوة عبد الله بالجيزة فى الأربعينيات وبدأ يدور الحديث. 

سأله السعدنى فى البداية: كم من الأجر أخذت عن أول كتاب نشرته؟
قال نجيب: ما أخذتش فلوس ولم آخذ مقابلًا عن أول ثلاثة كتب عن الروايات الفرعونية، لكن لما اشتهرت أصبح أجري 10 و15 جنيهًا، لكن أول فلوس أخذتها من الأدب كانت من مجلة الثقافة لصاحبها أحمد أمين وكانت جنيهًا واحدًا عن القصة.

أما مجلة الرسالة التى يصدرها أحمد حسن الزيات فكانت لا تعطي أجرًا إلا للعقاد وتوفيق الحكيم، وكان الأجر جنيهين عن المقال.. لكن أحمد الصاوي محمد أحدث طفرة حقيقية عندما أصدر "مجلتي" وكان عنده كبرياء وكرامة ووضع أجورًا كبيرة فكتبنا كلنا عنده.

قال السعدنى: مش ملاحظ ياعم نجيب أن العصر الماضى ظهرت فيه آلاف العبقريات من الأدب والموسيقى والطرب والتمثيل والغناء والصحافة حتى فى المقرئين كان هناك جيل عظيم من قراء القران الكريم، الأسماء دلوقت نكرة والموهبة ضاعت وانقرضت العبقرية ، وفى العام اللى فات فى رمضان سألوا الشيخ أبو العينين شعيشع فى إذاعة لندن: ليه مافيش أصوات كويسة فى عالم التلاوة ؟
فقال لهم: دى حاجة فى الجو، وزى الأكل والمية ماهى ملوثة كذلك الأصوات الجديدة ... قال محفوظ: المشكلة مشكلة بيئة .

قال السعدنى: عبد الوهاب قال زمان كان الفرق بين المطرب والمستمع أن كل واحد عارف حدوده، أن المطرب يدخل من باب المطربين والمستمع يدخل من باب الجمهور، ودلوقت الباب أصبح واحد سداح مداح والكل بيغني.

سأله السعدنى: أنت قابلت السادات وعبد الناصر؟ 

قال:لا والله عمري ماقابلت السادات مقابلة شخصية لكن قابلته مرات فى مقابلات عامة وعبد الناصر مقابلات عامة أيضا، لكن عبد الناصر كرمني وفى كل مرة كان بيزور فيها الأهرام يسألني لماذا لم نقرأ لك من فترة يا أستاذ نجيب ؟ فرد هيكل وقال نجيب ناشر فى الأهرام من بكرة رواية حتودي نجيب فى داهية ، فرد عبد الناصر: تودى هيكل فى داهية لكن نجيب ميروحش فى داهية أبدا.

وأضاف كان فيه حرية لانى نشرت "ثرثرة فوق النيل " ونشر ثروت أباظة "شئ من الخوف " ولما واحد مسئول قال إن فيها إسقاطات على حكمك أمر ناصر برفت المسئول وقال أنا لا اصادر على رأى أبدا.

واقتربت الساعة من الواحدة صباحا وحان وقت السحور، وفجأة جاء طعام السحور من المطعم المجاور للمقهى فظهر الفول والبيض المقلي بالسمن البلدى والجبن والزبادى والخس والعيش البيتى وبمجرد اذان الفجر انصرف كل الى المسجد أو الى البيت . 
الجريدة الرسمية