رئيس التحرير
عصام كامل

سوق التأمين السوداء

فيتو

يُخطئ من يعتقد أن قطاع التأمين المصرى كان بمعزل عن أزمة الدولار.. ففى الوقت الذى انهار فيه الجنيه المصرى، وسقط صريعا أمام الدولار وبمعدلات قياسية لم تحدث منذ قرابة عقد من الزمان، شاء القدر أن يتواكب ذلك، ويصادف الوقت الذى تسعى فيه شركات التأمين لتجديد اتفاقيات إعادة وثائقها خارجيا، ورغم محاولاتها لإدراك عمليات التجديد قبل استفحال الأزمة، فهى تدرك تماما أن انهيار الجنيه يعنى مزيدا من الخسائر، وتشددا فى شروط تجديد العمليات، إلا أن بعضها سقط ضحية الدولار، وواجهت بعض الشركات شروطا قاسية للموافقة على تجديد الاتفاقيات للعام الحالى، حيث لجأت شركات الإعادة لاتخاذ إجراءات احترازية للحفاظ على مستحقاتها، كاحتجاز جزء من التعويضات أو الإفراج عن الأقساط و تثبيت سعر الدولار، وقت كشف الحسابات الختامية، ووفقا لتلك الإجراءات فإن شركات التأمين التى تعرضت لتلك الصعوبات قد تلجأ للاحتفاظ بالمخصصات الفنية لتعويض تضاؤل قيمة الممتلكات والمعدات والآلات الاستثمارية المؤمن عليها.


وقد تلجأ بعض شركات التأمين إلى السوق غير الرسمية أو ما يطلق عليها "السوق السوداء"، لتوفير العملة الأجنبية، فى حالة عدم توافر السيولة الدولارية بالبنوك، بما يفى بمتطلبات شركات التأمين لشركائها بالخارج أو شركات الإعادة على أن تتحمل الفارق بين السعر الرسمى وغير الرسمى، ويزيد الأمر سوءا عندما نعلم أن أغلب شركات التأمين تقوم بإصدار بعض التغطيات بالعملة الأجنبية، خاصة فى فروع كالطيران والبترول وبعض تغطيات التأمين الهندسى، وفقاً لرغبات العملاء.

ورغم كل المحاولات التى تقوم بها الشركات لمواجهة أزمة الجنيه والدولار.. فإن شركات التأمين لا يمكنها تعويض الفارق بين سعر الدولار فى حال عدم توافره بالسوق الرسمية من خلال زيادة الأقساط على العملاء، لسببين.. أولهما: ارتفاع حدة المنافسة بين قطاعات وشركات التأمين، وثانيهما: لأن شركات إعادة التأمين ستحصل على جزء من تلك الزيادات، وفقاً لشروط اتفاقيات الإعادة، التى تنص على حصول معيدى التأمين على نسبة من القسط، أياً كانت قيمتها، وفقاً للشروط الفنية والاكتوارية التى تم الاتفاق عليها وقت إبرام الاتفاقيات.

إذن.. لا مفر من تلك الأزمة الطاحنة إلا بإصلاحات اقتصادية سريعة وشاملة، تستهدف تقديم حوافز تشجيعية وتبعث برسائل تطمينية للسوق الخارجية تؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة الأزمات بصلابة، حتى لا تستمر مأساة الجنيه كثيرا، ولا تفقد شركات التأمين مكانتها الإقليمية فى دائرة السوق السوداء.
الجريدة الرسمية