البطل إسماعيل بيومى فى ذكرى نصر 10 رمضان : نلت عددًا من الأوسمة على جسدى .. وصارعت الأمواج 3 ساعات أثناء عبورى القناة بعين وذراع واحدة ( حوار)
قبلت يدى وصليت عليها ثم دفنتها فى الحفرة التى كنت أختبئ بها بعدما سقطت عليها قذيفة فهشمتها تماما
تطوعت فى المقاومة وكان عمرى 19 عاما.. وحطمنا «بارليف» الأسطورة الإسرائيلية بالخراطيم
حزنت كثيرًا يوم استشهاد قائدنا اللواء أحمد حمدي
خرجت من منزلى عقب النكسة وأقسمت ألا أعود إليه إلا بعد تحرير سيناء المغتصبة
القادة حاولوا إخلائى من موقع القتال لكننى رفضت وظللت مع زملائى فى عملية الفتح الثانى لإقامة المعابر
الشيخ حافظ سلامة كان يأتى إلينا فى مستشفى السويس ببعض الكعك والمياه من الآبار التى فتحوها خلال أيام الحصار
حضرت 72 مشروعًا خلال 4 سنوات كنا نتدرب فى جزيرة البلاح أمام العدو بالقرب من مدينة القنطرة
العدو الصهيونى كان يستهزئ بحجم قوتنا والغطرسة كانت تسيطر عليهم ولديهم ثقة شديدة فى دفاعاتهم التى أعدوها بملايين الدولارات
البطل إسماعيل بيومى.. بطل من نوع خاص، يمتلك حكايات فريدة من نوعها ومدهشة فى تفاصيلها، سواء تلك المتعلقة بأيامه فى المقاومة الشعبية التى انضم إلى صفوفها قبل الالتحاق بالقوات المسلحة.
البطل «إسماعيل» التقته «فيتو» وحاورته فى ذكرى نصر العاشر من رمضان المجيد للحديث معه عن تفاصيل التدريبات التى تلقاها لسنوات على اقتحام «الساتر الترابي» وتحطيم «خط بارليف» الذى كانت تتفاخر إسرائيل بأنه «غير قابل للسقوط»، كما امتد الحوار إلى كواليس إصابته وفقدانه إحدى عينيه، وبعدها إصابته فى ذراعه وفقدانه إياها ودفنها فى رمال «سيناء».. وكان الحوار التالى:
*بداية.. ما الأسباب التى دفعتك للالتحاق بالقوات المسلحة؟
أنا من مواليد 20 يناير عام 1948 فى مدينة الإسماعيلية، وتربيت وسط الفدائيين لأن المدينة منذ لحظة ميلادها كانت بمثابة الجوهرة التى يشتهيها كل مستعمر أو محتل من الاحتلال الإنجليزى إلى الإسرائيليين، وكنت طالبًا عاديًّا مثل كل أبناء مصر ، عشقت عبد الناصر كزعيم لأنه كان يتحدث مثلنا بنفس الإصرار والعزيمة على حرية مصر واستعادة كرامتها.
عندما تنحى الزعيم عن منصبه يوم 10 يونيو 67 عقب النكسة والهزيمة المريرة خرجت من منزلى وأقسمت ألا أعود إليه إلا بعد تحرير سيناء المغتصبة ، وتطوعت فى المقاومة الشعبية منذ هذا اليوم ولمدة عام ونصف العام، وكنا نوجه ضربات إلى قوات الاحتلال الإسرائيلى المتواجدة على ضفة القناة بالبنادق والقنابل البسيطة وهم يردون علينا بالمدافع والصواريخ القاتلة.
وكنت أتردد كل عدة أيام على مكتب التجنيد لأنضم إلى الجنود على جبهة القتال حتى جاء دورى فى التجنيد تحديدا فى 25 فبراير 1969 وكان سنى وقتها 21 عاما، وانضممت إلى صفوف القوات المسلحة الباسلة.
*من واقع متابعتك.. كيف اقتحم المصريون خط بارليف الذى صنعته إسرائيل وروجت عنه الأساطير؟
بعد انضمامى لصفوف القوات المسلحة التحقت بسلاح المهندسين، وكان مركز تدريبى فى الهرم، وهناك بدأنا التدريب على عبور الساتر الترابى الذى كنت أراه وأنا جالس فى منزلى بالإسماعيلية وأتمنى عبوره، لكن هناك أساطير نسجت عنه فهو عبارة عن ساتر ترابى بارتفاع كبير بميل لا يستطيع أي جندى يحمل ذخيره عبوره.
كما أن إسرائيل وضعت فى مجرى القناة مواسير موصلة بصهاريج من النابالم إذا حاول الجيش المصرى الاقتراب من القناة تفتح النابالم فى المواسير فتشوى من فى القاع ومن على السطح، إضافة إلى النقاط القوية المحصنة التى أقامتها إسرائيل بعد احتلال سيناء لرد أي هجوم مصرى لعبور القناة، كل هذه التكاليف التى قامت بها إسرائيل وكلفت بها المانع الأسطورة، قدم البطل باقى زكى يوسف أحد قيادات سلاح المهندسين فى الكتيبة (19) فكرة كانت معجزة حرب أكتوبر الحقيقية وهى خراطيم المياه لإزالة الساتر الترابى، وهذه الفكرة استوحاها من بناء السد العالى الذى عمل فيه قبل التحاقه بصفوف القوات المسلحة.
*كيف جرت التدريبات على اقتحام الساتر الترابى وعبور مجرى القناة؟
تم تدريبنا فى سلاح المهندسين من عام 1969 وحتى حرب أكتوبر على عبور الساتر الترابى وإزالته بالمياه فى أماكن شبيهة بالقناة والضفة الغربية فى منطقة الخطاطبة وبنى سلامة والبعالوه فى الإسماعيلية وجزيرة البلاح، وكل هذا من أجل العبور العظيم، وحضرت 72 مشروعًا خلال 4 سنوات كنا نتدرب فى جزيرة البلاح أمام العدو بالقرب من مدينة القنطرة.
وكنا نشعر أنه يستهزئ بحجم قوتنا من الغطرسة التى كانت تسيطر عليهم، والثقة الشديدة فى دفاعاتهم التى أعدوها بملايين الدولارات، وفعلا نجحت التجربة وأذهلت العالم، وانتهت أسطورة إسرائيل فى خط بارليف التى أسقطها الجندى المصرى بمياه القناه وعبرنا القناه فى 6 ساعات.
*صف لنا شعورك عندما علمت بنبأ العبور فى 6 أكتوبر؟
كما قلت سابقا تدربنا على العبور عشرات المرات وكان سلاحى سريا جدا؛ لأنه المفاجأة التى ستنهى أسطورة إسرائيل فى شهر مارس 73 تحركنا من الجيزة إلى مقر كتيبتى فى منطقة الروبيكى التابعة للجناين بالجيش الثالث بالسويس، ثم إلى معسكر الشلوفة ومعنا كل معدات العبور، وكنا ننفذ المشروعات حتى أول يوم رمضان.
وأذكر أننى كنت يومها خدمة تدريب على معدات العبور، وفجأة وجدت الطيران المصرى يحلق فوق رءوسنا متجهًا إلى سيناء، فعلمت أننا لسنا فى مشروع عادى بل إنها ساعة الصفر، وارتفعت أيادينا للسماء نحيى الطيران مهللين فى صوت واحد: «الله أكبر.. الله أكبر»، كلمات ارتفعت لعنان السماء تزلزل الأرض تحت أقدام العدو الإسرائيلى، وبدأت المدافع تطلق نيرانها.
وقلت.. أخيرا بعد أربعة أعوام من التدريب جاء اليوم الذى كنا نحلم بيه وكان دورى وقتها فتح الثغرات لإزالة الساتر الترابى، وعبرنا القناة الساعة 2 ونصف ظهرا، وأزلنا الساتر الترابى وأقمنا أول معبر مرت عليه الفرقة 19 بقيادة بطل سلاح المهندسين اللواء أحمد حمدى قائد سلاح الكبارى، وفى اليوم الثانى بدأت عبور المدرعات منذ الصباح، وكانت بعض قوات المشاة عبرت فعلا لتعطيل مدرعات العدو من الاقتراب إلى المعبر ولكنهم كانوا محاصرين من على الأطراف.
والعدو كان يصب غضبه عليهم وعلينا، وفى هذا اليوم كنت مكلفًا بنقل بعض المعدات بلنش، فسقط علينا صاروخ وطار اللنش بمن فيه، ووجدنا أنفسنا فى المياه وحولى لهب ودماء، ظللت أسبح حتى وصلت إلى منطقة الجناين، وكنت مصابًا بشظايا فى عينى وأماكن متفرقة من جسدى واستشهد اثنين من زملائى، وعند طلوع الفجر ذهبت إلى سريتى وقام الدكتور الميدانى بعمل إسعافات أولية وضمادة على الوجه وحاول القادة إخلائى من الموقع.
لكننى رفضت وقلت سأظل مع زملائى فى عملية الفتح الثانى وواصلنا العمل بالليل والنهار لإقامة المعابر.
*كيف كان شعورك وزملائك عندما استشهد اللواء البطل أحمد حمدى قائد سلاح الكبارى والمهندسين؟
لا أنسى هذا اليوم، تحديدا يوم 14 أكتوبر كنا فى سلاح المهندسين لدينا إصرار على العمل لاستكمال إقامة الكبارى للعبور، وأيضا على صيانتها وحل أي مشكلة فيها، وفى هذا اليوم حدثت مشكلة فى مجموعة من «البراطيم» بأحد الكبارى، وكان بينها وبين موقعى نحو 500 متر، فبدأ البطل القائد بنفسه فى عملية تصليح الكوبرى وبعد الانتهاء من تصليحه سقطت دانة قريبة منه، فأصيب واستشهد على الفور وهو يعمل جنبا إلى جنب وسط جنوده فى ميدان القتال، وهذا اليوم كان حزينًا جدا على وعلى كل زملائى.
لأن الشهيد البطل أحمد حمدى لم يكن قائدًا عاديًّا، بل كان شعلة نشاط لا يكل ولا يمل، يعمل ليل نهار على الجبهة وسط الجنود مما كان له عامل كبير فى رفع الروح المعنوية لى ولزملائى، وعندما استشهد زاد إصرارنا على العمل لاستكمال المهمة التى بدأها معنا البطل الشهيد حتى نثأر لروحه الطاهرة برحيل المحتل الإسرائيلى من سيناء والضفة الشرقية بالكامل.
*ماذا عن تعرضك للإصابة الثانية؟
بعد اكتمال المعابر كانت مهمتنا الثانية حمايتها من أي اعتداء عليها، ويوم 22 أكتوبر صدر قرار وقف إطلاق النار، لكن إسرائيل كالعادة لم تلتزم، وبدأ العدو يحاصر الجيش بالتحرك من الثغرة فى الدفرسوار إلى طريق السويس بعدما فشلوا فى الدخول إلى مدينة الإسماعيلية، فجاءت لنا الأوامر بأن يحمى كل جندى الموقع الموجود فيه، وبالفعل قمنا بعمل حفر برميلية نزلنا فيها لضرب أي قوات معادية تتقدم إلى مواقعنا وكمائننا، ويوم 23 و24 ظل العدو يرسل قوات جوية منخفضة لاستطلاع مدينة السويس ودفاعاتها ويلقى بصواريخ ارتفاعها 3 أمتار وعرضها متر علينا.
وكنا نطلق على هذا الصاروخ «المقبرة» لأنه عبارة عن مستودع زخيرة به عدد كبير من القنابل الصغيرة عندما تلقيه الطائرة على الأرض تخرج منه عشرات القنابل، يوم 24 وصلت على مدخل السويس 16 دبابة إسرائيلية دمرناها فى قرية عامر، فعاد الطيران الإسرائيلى لضرب موقعنا مرة أخرى، فنزلت قذيفة بجوار الحفرة التى أختبئ بها، وعندما حاولت نفض التراب عن جسدى لم أكن أشعر بيدى، ووجدتها متهشمة تماما فقبلتها وصليت عليها ودفنتها فى نفس الحفرة، لم أغضب لأنه كان الهدف الأساسى لى منذ دخولى القوات المسلحة النصر أو الشهادة.
وقررت عبور القناة إلى الضفة الشرقية ومواصلة القتال لأموت على أرض سيناء الطاهرة، وبالفعل عبرت القناة بعين وذراع، وظللت 3 ساعات أصارع الأمواج، ولم أكن أشعر بجسدى والنزيف مستمر، فأصبحت لا أقوى على الحركة حتى وصلت الضفة الشرقية ليلًا وفقدت كل قوتى وارتميت بين الشعب المرجانية وفوقى بعض جنودنا، لم أستطيع طلب مساعدتهم لإنقاذى حتى لمحنى اثنان من الجنود ونزلا ناحيتى ورفعانى ونقلانى إلى المستشفى الميدانى التابع لفرقتى الفرقة 19، ثم نقلونى إلى مستشفى السويس فى 27 أكتوبر.
وكانت السويس وقتها محاصرة، وكان يأتى إلينا الشيخ حافظ سلامة ببعض الكعك والمياه من الآبار التى فتحوها خلال أيام الحصار، وحاولوا ضرب المستشفى التى كنت بها لكنهم توقفوا؛ لأن بها أسرى من العدو.
ظللت أتلقى العلاج حتى اتفاقية الكليو 101 وإخلاء مستشفى السويس من الجرحى ونقلهم إلى مستشفى المعادى العسكرى فى 17 نوفمبر، وبقيت تحت العلاج لمدة عام حتى عام 1974 زارتنى فى المستشفى خلال هذه الفترة السيدة جيهان السادات ومعها عدد من الفنانين وزوجات السفراء.
وقالت لى اطلب أي شيء لنحققه لك، فقلت لها طلبت النصر أو الشهادة، والحمد لله نالت مصر كلها النصر، ولم أنل الشهادة، لكننى نلت عددًا من الأوسمة على جسدى، وفقدت عينى وذراعى.
*ما أهم الدروع والنياشين التى حصلت عليها بعد انتهاء الحرب تقديرًا لبطولتك؟
حصلت على العديد من الأوسمة والنياشين وشهادات تقدير من العديد من الهيئات والجامعات أهمها نوط الشجاعة من الدرجة الثانية ودرع الجيش الثانى الميدانى ودرع الجيش الثالث الميدانى.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
تطوعت فى المقاومة وكان عمرى 19 عاما.. وحطمنا «بارليف» الأسطورة الإسرائيلية بالخراطيم
حزنت كثيرًا يوم استشهاد قائدنا اللواء أحمد حمدي
خرجت من منزلى عقب النكسة وأقسمت ألا أعود إليه إلا بعد تحرير سيناء المغتصبة
القادة حاولوا إخلائى من موقع القتال لكننى رفضت وظللت مع زملائى فى عملية الفتح الثانى لإقامة المعابر
الشيخ حافظ سلامة كان يأتى إلينا فى مستشفى السويس ببعض الكعك والمياه من الآبار التى فتحوها خلال أيام الحصار
حضرت 72 مشروعًا خلال 4 سنوات كنا نتدرب فى جزيرة البلاح أمام العدو بالقرب من مدينة القنطرة
العدو الصهيونى كان يستهزئ بحجم قوتنا والغطرسة كانت تسيطر عليهم ولديهم ثقة شديدة فى دفاعاتهم التى أعدوها بملايين الدولارات
البطل إسماعيل بيومى.. بطل من نوع خاص، يمتلك حكايات فريدة من نوعها ومدهشة فى تفاصيلها، سواء تلك المتعلقة بأيامه فى المقاومة الشعبية التى انضم إلى صفوفها قبل الالتحاق بالقوات المسلحة.
البطل «إسماعيل» التقته «فيتو» وحاورته فى ذكرى نصر العاشر من رمضان المجيد للحديث معه عن تفاصيل التدريبات التى تلقاها لسنوات على اقتحام «الساتر الترابي» وتحطيم «خط بارليف» الذى كانت تتفاخر إسرائيل بأنه «غير قابل للسقوط»، كما امتد الحوار إلى كواليس إصابته وفقدانه إحدى عينيه، وبعدها إصابته فى ذراعه وفقدانه إياها ودفنها فى رمال «سيناء».. وكان الحوار التالى:
*بداية.. ما الأسباب التى دفعتك للالتحاق بالقوات المسلحة؟
أنا من مواليد 20 يناير عام 1948 فى مدينة الإسماعيلية، وتربيت وسط الفدائيين لأن المدينة منذ لحظة ميلادها كانت بمثابة الجوهرة التى يشتهيها كل مستعمر أو محتل من الاحتلال الإنجليزى إلى الإسرائيليين، وكنت طالبًا عاديًّا مثل كل أبناء مصر ، عشقت عبد الناصر كزعيم لأنه كان يتحدث مثلنا بنفس الإصرار والعزيمة على حرية مصر واستعادة كرامتها.
عندما تنحى الزعيم عن منصبه يوم 10 يونيو 67 عقب النكسة والهزيمة المريرة خرجت من منزلى وأقسمت ألا أعود إليه إلا بعد تحرير سيناء المغتصبة ، وتطوعت فى المقاومة الشعبية منذ هذا اليوم ولمدة عام ونصف العام، وكنا نوجه ضربات إلى قوات الاحتلال الإسرائيلى المتواجدة على ضفة القناة بالبنادق والقنابل البسيطة وهم يردون علينا بالمدافع والصواريخ القاتلة.
وكنت أتردد كل عدة أيام على مكتب التجنيد لأنضم إلى الجنود على جبهة القتال حتى جاء دورى فى التجنيد تحديدا فى 25 فبراير 1969 وكان سنى وقتها 21 عاما، وانضممت إلى صفوف القوات المسلحة الباسلة.
*من واقع متابعتك.. كيف اقتحم المصريون خط بارليف الذى صنعته إسرائيل وروجت عنه الأساطير؟
بعد انضمامى لصفوف القوات المسلحة التحقت بسلاح المهندسين، وكان مركز تدريبى فى الهرم، وهناك بدأنا التدريب على عبور الساتر الترابى الذى كنت أراه وأنا جالس فى منزلى بالإسماعيلية وأتمنى عبوره، لكن هناك أساطير نسجت عنه فهو عبارة عن ساتر ترابى بارتفاع كبير بميل لا يستطيع أي جندى يحمل ذخيره عبوره.
كما أن إسرائيل وضعت فى مجرى القناة مواسير موصلة بصهاريج من النابالم إذا حاول الجيش المصرى الاقتراب من القناة تفتح النابالم فى المواسير فتشوى من فى القاع ومن على السطح، إضافة إلى النقاط القوية المحصنة التى أقامتها إسرائيل بعد احتلال سيناء لرد أي هجوم مصرى لعبور القناة، كل هذه التكاليف التى قامت بها إسرائيل وكلفت بها المانع الأسطورة، قدم البطل باقى زكى يوسف أحد قيادات سلاح المهندسين فى الكتيبة (19) فكرة كانت معجزة حرب أكتوبر الحقيقية وهى خراطيم المياه لإزالة الساتر الترابى، وهذه الفكرة استوحاها من بناء السد العالى الذى عمل فيه قبل التحاقه بصفوف القوات المسلحة.
*كيف جرت التدريبات على اقتحام الساتر الترابى وعبور مجرى القناة؟
تم تدريبنا فى سلاح المهندسين من عام 1969 وحتى حرب أكتوبر على عبور الساتر الترابى وإزالته بالمياه فى أماكن شبيهة بالقناة والضفة الغربية فى منطقة الخطاطبة وبنى سلامة والبعالوه فى الإسماعيلية وجزيرة البلاح، وكل هذا من أجل العبور العظيم، وحضرت 72 مشروعًا خلال 4 سنوات كنا نتدرب فى جزيرة البلاح أمام العدو بالقرب من مدينة القنطرة.
وكنا نشعر أنه يستهزئ بحجم قوتنا من الغطرسة التى كانت تسيطر عليهم، والثقة الشديدة فى دفاعاتهم التى أعدوها بملايين الدولارات، وفعلا نجحت التجربة وأذهلت العالم، وانتهت أسطورة إسرائيل فى خط بارليف التى أسقطها الجندى المصرى بمياه القناه وعبرنا القناه فى 6 ساعات.
*صف لنا شعورك عندما علمت بنبأ العبور فى 6 أكتوبر؟
كما قلت سابقا تدربنا على العبور عشرات المرات وكان سلاحى سريا جدا؛ لأنه المفاجأة التى ستنهى أسطورة إسرائيل فى شهر مارس 73 تحركنا من الجيزة إلى مقر كتيبتى فى منطقة الروبيكى التابعة للجناين بالجيش الثالث بالسويس، ثم إلى معسكر الشلوفة ومعنا كل معدات العبور، وكنا ننفذ المشروعات حتى أول يوم رمضان.
وأذكر أننى كنت يومها خدمة تدريب على معدات العبور، وفجأة وجدت الطيران المصرى يحلق فوق رءوسنا متجهًا إلى سيناء، فعلمت أننا لسنا فى مشروع عادى بل إنها ساعة الصفر، وارتفعت أيادينا للسماء نحيى الطيران مهللين فى صوت واحد: «الله أكبر.. الله أكبر»، كلمات ارتفعت لعنان السماء تزلزل الأرض تحت أقدام العدو الإسرائيلى، وبدأت المدافع تطلق نيرانها.
وقلت.. أخيرا بعد أربعة أعوام من التدريب جاء اليوم الذى كنا نحلم بيه وكان دورى وقتها فتح الثغرات لإزالة الساتر الترابى، وعبرنا القناة الساعة 2 ونصف ظهرا، وأزلنا الساتر الترابى وأقمنا أول معبر مرت عليه الفرقة 19 بقيادة بطل سلاح المهندسين اللواء أحمد حمدى قائد سلاح الكبارى، وفى اليوم الثانى بدأت عبور المدرعات منذ الصباح، وكانت بعض قوات المشاة عبرت فعلا لتعطيل مدرعات العدو من الاقتراب إلى المعبر ولكنهم كانوا محاصرين من على الأطراف.
والعدو كان يصب غضبه عليهم وعلينا، وفى هذا اليوم كنت مكلفًا بنقل بعض المعدات بلنش، فسقط علينا صاروخ وطار اللنش بمن فيه، ووجدنا أنفسنا فى المياه وحولى لهب ودماء، ظللت أسبح حتى وصلت إلى منطقة الجناين، وكنت مصابًا بشظايا فى عينى وأماكن متفرقة من جسدى واستشهد اثنين من زملائى، وعند طلوع الفجر ذهبت إلى سريتى وقام الدكتور الميدانى بعمل إسعافات أولية وضمادة على الوجه وحاول القادة إخلائى من الموقع.
لكننى رفضت وقلت سأظل مع زملائى فى عملية الفتح الثانى وواصلنا العمل بالليل والنهار لإقامة المعابر.
*كيف كان شعورك وزملائك عندما استشهد اللواء البطل أحمد حمدى قائد سلاح الكبارى والمهندسين؟
لا أنسى هذا اليوم، تحديدا يوم 14 أكتوبر كنا فى سلاح المهندسين لدينا إصرار على العمل لاستكمال إقامة الكبارى للعبور، وأيضا على صيانتها وحل أي مشكلة فيها، وفى هذا اليوم حدثت مشكلة فى مجموعة من «البراطيم» بأحد الكبارى، وكان بينها وبين موقعى نحو 500 متر، فبدأ البطل القائد بنفسه فى عملية تصليح الكوبرى وبعد الانتهاء من تصليحه سقطت دانة قريبة منه، فأصيب واستشهد على الفور وهو يعمل جنبا إلى جنب وسط جنوده فى ميدان القتال، وهذا اليوم كان حزينًا جدا على وعلى كل زملائى.
لأن الشهيد البطل أحمد حمدى لم يكن قائدًا عاديًّا، بل كان شعلة نشاط لا يكل ولا يمل، يعمل ليل نهار على الجبهة وسط الجنود مما كان له عامل كبير فى رفع الروح المعنوية لى ولزملائى، وعندما استشهد زاد إصرارنا على العمل لاستكمال المهمة التى بدأها معنا البطل الشهيد حتى نثأر لروحه الطاهرة برحيل المحتل الإسرائيلى من سيناء والضفة الشرقية بالكامل.
*ماذا عن تعرضك للإصابة الثانية؟
بعد اكتمال المعابر كانت مهمتنا الثانية حمايتها من أي اعتداء عليها، ويوم 22 أكتوبر صدر قرار وقف إطلاق النار، لكن إسرائيل كالعادة لم تلتزم، وبدأ العدو يحاصر الجيش بالتحرك من الثغرة فى الدفرسوار إلى طريق السويس بعدما فشلوا فى الدخول إلى مدينة الإسماعيلية، فجاءت لنا الأوامر بأن يحمى كل جندى الموقع الموجود فيه، وبالفعل قمنا بعمل حفر برميلية نزلنا فيها لضرب أي قوات معادية تتقدم إلى مواقعنا وكمائننا، ويوم 23 و24 ظل العدو يرسل قوات جوية منخفضة لاستطلاع مدينة السويس ودفاعاتها ويلقى بصواريخ ارتفاعها 3 أمتار وعرضها متر علينا.
وكنا نطلق على هذا الصاروخ «المقبرة» لأنه عبارة عن مستودع زخيرة به عدد كبير من القنابل الصغيرة عندما تلقيه الطائرة على الأرض تخرج منه عشرات القنابل، يوم 24 وصلت على مدخل السويس 16 دبابة إسرائيلية دمرناها فى قرية عامر، فعاد الطيران الإسرائيلى لضرب موقعنا مرة أخرى، فنزلت قذيفة بجوار الحفرة التى أختبئ بها، وعندما حاولت نفض التراب عن جسدى لم أكن أشعر بيدى، ووجدتها متهشمة تماما فقبلتها وصليت عليها ودفنتها فى نفس الحفرة، لم أغضب لأنه كان الهدف الأساسى لى منذ دخولى القوات المسلحة النصر أو الشهادة.
وقررت عبور القناة إلى الضفة الشرقية ومواصلة القتال لأموت على أرض سيناء الطاهرة، وبالفعل عبرت القناة بعين وذراع، وظللت 3 ساعات أصارع الأمواج، ولم أكن أشعر بجسدى والنزيف مستمر، فأصبحت لا أقوى على الحركة حتى وصلت الضفة الشرقية ليلًا وفقدت كل قوتى وارتميت بين الشعب المرجانية وفوقى بعض جنودنا، لم أستطيع طلب مساعدتهم لإنقاذى حتى لمحنى اثنان من الجنود ونزلا ناحيتى ورفعانى ونقلانى إلى المستشفى الميدانى التابع لفرقتى الفرقة 19، ثم نقلونى إلى مستشفى السويس فى 27 أكتوبر.
وكانت السويس وقتها محاصرة، وكان يأتى إلينا الشيخ حافظ سلامة ببعض الكعك والمياه من الآبار التى فتحوها خلال أيام الحصار، وحاولوا ضرب المستشفى التى كنت بها لكنهم توقفوا؛ لأن بها أسرى من العدو.
ظللت أتلقى العلاج حتى اتفاقية الكليو 101 وإخلاء مستشفى السويس من الجرحى ونقلهم إلى مستشفى المعادى العسكرى فى 17 نوفمبر، وبقيت تحت العلاج لمدة عام حتى عام 1974 زارتنى فى المستشفى خلال هذه الفترة السيدة جيهان السادات ومعها عدد من الفنانين وزوجات السفراء.
وقالت لى اطلب أي شيء لنحققه لك، فقلت لها طلبت النصر أو الشهادة، والحمد لله نالت مصر كلها النصر، ولم أنل الشهادة، لكننى نلت عددًا من الأوسمة على جسدى، وفقدت عينى وذراعى.
*ما أهم الدروع والنياشين التى حصلت عليها بعد انتهاء الحرب تقديرًا لبطولتك؟
حصلت على العديد من الأوسمة والنياشين وشهادات تقدير من العديد من الهيئات والجامعات أهمها نوط الشجاعة من الدرجة الثانية ودرع الجيش الثانى الميدانى ودرع الجيش الثالث الميدانى.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"