ما حكم قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر؟
ورد سؤال إلي دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر الأمر فيه واسع، وقد ورد الأمر الرباني بالذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فإذا قَضَيتم الصلاةَ فاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِكم﴾ [النساء: 103].
الجهر والإسرار بالذكر بعد الصلاة
والمطلق يؤخذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّدُه في الشرع، فمَن شاء جَهَرَ ومَن شاء أَسَرَّ؛ لأن أمر الذكر على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه.
فيروس كورونا
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "في ظل انتشار الوباء في هذه الآونة: هل يكتفي الإنسان بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يستعين في ذلك بما ورد من الأدعية والأذكار غيرِ المأثورة الواردة عن العلماء والأولياء، بما يُعرف بالمجربات؟".
وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتالي:
السُّنة عند نزول الآيات وحلول المُلِمَّات الاستغفارُ والذِّكْر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيَّات بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وبذلك يكشفُ الله تعالى البأس، ويرفع البلاء، ويزيح الوباء، فهو سبحانه كاشف الضُرِّ ورافع البلوى؛ قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۞ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۞ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]، وقال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقل جل شأنه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 17]، وقال عز وجل: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"الأوسط"، و"الدعاء"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 542، ط. دار المعرفة): [المبادرةُ إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه، واستدفاع البلاء بذكر الله تعالى وأنواع طاعته] اهـ.
والذكر والدعاء وإن كان الأفضل فيهما التيمن بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسلف الصالح؛ تبركًا بألفاظهم، واستشعارًا لأنفاسهم، إلَّا أنه يجوز لكل أحد من العلماء بالله تعالى والصالحين أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشْف الشَّدائدِ والنوازلِ والأزمات، ولا يعتبر هذا الأمر من البِدَع في شيء؛ لأنَّ البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع، بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديثِ الآمرة بالذكر.
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكيُّ في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 422، ط. دار الغرب الإسلامي): [والفائدة في إدخال مالك رضي الله عنه لحديث أبي الدرداء ها هنا أنَّ الدعاء -وإن كان الأفضل فيه التيمن بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرك بألفاظه الصحيحة الفصيحة- فإنه يجوز لكلِّ أحدٍ من العلماء بالله تعالى أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، ولكن لا يخرج عن التوحيد، ألا ترى إلى قول أبي الدرداء رضي الله عنه: "نَامَتِ الْعُيُون وَصَدَقَ، وَغَارَتِ النُّجُومُ وَصَدَقَ، وَأنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَصَدَقَ". والحيُّ في الحقيقة: هو الذي لا ينام، والقيوم: هو الذي لا يحول ولا يزول] اهـ.
وأول المجربات من الأدعية والصلوات في رفع الطواعين والمُلِمَّات: الإكثارُ من الصلاة على سيِّد الأرض والسماوات صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة ابن نُجيم (ت970هـ) في "ضبْط أهل النقل في خبر الفصل في حق الطاعون والوباء" (ص: 8): [وذكر بعض الصالحين أنَّ من أعظم الأشياء الرافعةِ للطاعونِ وغيرِه من البلايا العظام: كثرةَ الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى" (ص: 327-328، ط. دار الكتب العلمية): [ومنها: الصلاةُ عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند وقوع الطاعون: ذكر ابن أبي حَجَلة، عن ابن خطيب يَبْرُود، أن رجلًا من الصالحين أخبره: أنَّ كثرةَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدفعُ الطاعون] اهـ.
وقال العلامة إسماعيل حقي (ت1127هـ) في "روح البيان" (1/ 164، ط. دار الفكر): [قال الشافعي رحمه الله: أنفس ما يداوى به الطاعون التسبيح، ووجهه: بأن الذكر يرفع العقوبة والعذاب؛ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين﴾ [الصافات: 143]، وكذا كثرة الصلاة على النبي المحترم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم] اهـ.
ومن المُجربات أيضًا: قراءة سورة "نوح" على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ قال العلامة ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (10/ 203، ط. وزارة الثقافة) في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة:
[وكان ابتداء الوباء عندهم من أوَّل فصل الصيف الموافق لأثناء شهر ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ففاحت الطُّرقات بالموتى، ومات سكان بيوت الشعر ودوابهم ومواشيهم، وامتلأت مساجد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى، ولم يبق مؤذِّن، وطرحت الموتى بجامعها، وصارت الكلاب فيه تأكل الموتى.
ثم قدم الخبر من دمشق أنَّ الوباء كان بها آخر ما كان بطرابلس وحماة وحلب، فلمَّا دخل شهر رجب والشمس في برج الميزان أوائل فصل الخريف، هبَّت في نصف اللَّيل ريح شديدة جدًّا، واستمرَّت حتى مضى من النهار قدر ساعتين، فاشتدت الظُّلمة حتى كان الرجل لا يرى مَن بجانبه. ثم انجلت وقد علت وجوهَ الناس صفرةٌ ظاهرةٌ في وادي دمشق كلِّه، وأخذ فيهم الموت مدَّة شهر رجب
فبلغ في اليوم ألفًا ومائتي إنسان، وبطل إطلاق الموتى من الديوان، وصارت الأمواتُ مطروحةً في البساتينِ على الطُّرقات، فقدم على قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي قاضي دمشق رجل من جبال الرُّوم، وأخبر أنه لما وقع الوباء ببلاد الروم رأى في نومه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه ما نزل بالناس من الفناء، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولَ لهم: اقرءوا سورة نوح ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين مرَّة، واسألوا الله في رفع ما أنتم فيه. فعرَّفهم ذلك فاجتمع الناس في المساجدِ، وفعلوا ما ذكر لهم، وتضرَّعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه من ذنوبهم، وذبحوا أبقارًا وأغنامًا كثيرة للفقراء مدَّة سبعة أيام، والفناء يتناقصُ كلَّ يوم حتى زال] اهـ.
وذكره الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (18/ 503، ط. هجر) بقوله: [إنَّ الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض في السواحل وغيرها من أرجاء البلاد يتوهمون ويخافون من وقوعه بمدينة دمشق حماها الله وسلمها، مع أنه قد بلغهم أنه قد مات جماعة من أهلها بهذا الداء، وفي صبيحة يوم الأحد تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة، وقرؤوا متوزعين سورة نوح ثلاثة آلاف مرة وثلاثمائة وثلاثًا وستين مرَّة، عن رؤيا رجل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشده إلى قراءة ذلك كذلك] اهـ.
وذكر هذه الواقعة بنصها أيضًا العلامة تقي الدين المقريزي في "السلوك لمعرفة دول الملوك" (4/ 85، ط. دار الكتب العلمية).
كما ورد أيضًا جملة من المجربات من أذكار الصالحين وأدعيتهم: قال الإمامُ الشاعر الأديب شهاب الدين أبو العباس بن أبي حَجَلة التلمساني الحنفي (ت776هـ) في كتابه "دفْع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة" (ق: 56ب-57أ):
[ومما يُدفَع به الطاعون أيضًا: الدعاء. فمن ذلك ما شاع في هذه الأيام بالقاهرة المحروسة، وهو أنَّ بعضَ الصالحين حين كثر الموت بالطاعون في المحلة، ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وشكا إليه حال الناس، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء الآتي ذكره، فقال: أخافُ أن أنساه، فقال: اكتبه، وأشار إلى إصبعه الشريفة إلى كف الرجل الصالح بكتابته، فاستيقظ فوجده مكتوبًا في كفه، وهو:"بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، اللهم نعوذ بك من الطعن والطاعون، وعظم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبينا فأمهلنا واعمر بنا منازلنا ولا تهلكنا بذنوبنا، يا أرحمَ الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم".
قلت: وما تبعد صحَّة هذا المنام؛ لأنه عليه ديباجة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضًا فيه موافقة الحديث المتقدم الموفي عشرين من كون الصلاة عليه في أوله وأوسطه وآخره] اهـ.
دعاء فيروس كورونا
وقال العلامة الفيروزآبادي في "الصِّلات والبُشَر في الصلاة على خير البشر" (ص: 169، ط. دار سماح):
[ومما نقل عن غير الصحابة من الأئمَّة السادة الأولياء والأئمة العلماء، فمنها: ما أخبرني العلامة محمد بن يوسف بن الحسن محدث مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة قال: نقل الإمام عمر بن علي اللخمي المالكي قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير: أنه ركب في مركب في البحر المالح قال: وقامت علينا ريح تسمى "الإقلابية" قلَّ من ينجو منها من الغرق، فضجَّ الناس خوفًا من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمتُ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، قال: فاستيقظت وأعلمت أهل المركب بالرؤيا، فصلينا نحو ثلاثمائة مرة ففرَّج الله عنا هذا أو قريبًا منه.
قال أبو عبد الله: وأخبرني الشيخ الصالح الفقيه حسن بن علي بن سيد الكل المهلني الأسواني، رحمه الله تعالى بهذه الصلاة، وقال: من قالها في كل مهم ونازلة ألف مرة فرَّج الله عنه وأدرك مرامه] اهـ.
وقال الحافظ شمس الدين السخاوي (ت902هـ) في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 221، ط. دار الريان): [ذكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة أيضًا أنَّ بعض الصالحين حين كثُر الطاعون في المحلة ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وشكا إليه الحال، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من الطعن والطاعون وعظيم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر وصلى الله على محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبيك فينا فأمهلتنا وعمرت بنا منازلنا فلا تهلكنا يا أرحم الراحمين] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى" (ص: 327-328):
[قال ابن أبي حَجَلة: أقول في كل حين: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صل
اةً تنجينا بها من الأهوال والآفات، وتطهرنا بها من جميع السيئات.
وأنه استدلَّ لذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث «إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ»، وأن آخر رأى النبيَ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وشكا إليه كثرة الطاعون إذ ذاك، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء: اللهم إنَّا نعوذ بك من الطعن والطاعون، وعظيم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفَّعت نبيكَ فينا؛ فأمهلتنا وعمَّرت بنا منازلنا؛ فلا تهلكنا بذنوبنا يا أرحم الراحمين] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت974هـ) في "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" (ص: 231، ط. دار المنهاج): [أخرج الطبراني عن جعفر الصادق قال: كان أبي إذا كربه أمر.. قام فتوضأ وصلَّى ركعتين، ثم قال في دبر صلاته: اللهمَّ أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدَّة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدَّة، فكم من كرْب قد يضعف عنه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويرغب عنه الصديق، ويشمت به العدو.. أنزلته بك، وشكوته إليك، ففرَّجتَه وكشفتَه، فأنت صاحب كل حاجة، ووليُّ كل نعمة، وأنت الذي حفظت الغلام بصلاح أبويه، فاحفظني بما حفظته به، ولا تجعلني فتنةً للقوم الظالمين، اللهمَّ وأسألك بكل اسم هو لك سميته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأسألك بالاسم الأعظم الأعظمالأعظم الذي إذا سُئلت به كان حقًّا عليك أن تجيب أن تصلِّيَ على محمد وعلى آل محمد، وأسألك أن تقضي حاجتي.. ويسأل حاجته] اهـ.
وقال العلامة شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 282، ط. دار الفكر):
[قال البدر القرافي: إن سيدي أحمد زروق والقلشاني استعملا أدعية للحفظ منه -أي الطاعون- وهي تدلُّ على الحوازة، دعوات سيدي أحمد زروق: تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اصرف عنا الأذى إنك على كل شيء قدير. يقول ذلك ثلاثًا.
ودعوات القلشاني: اللهم سكن فتنة صدمت قهرمان الجبروت، بألطافك الخفية الواردة النازلة من باب الملكوت، حتى نتشبث بألطافك ونعتصم بك عن إنزال قدرتك، يا ذا القدرة الكاملة والرحمة الشاملة، يا ذا الجلال والإكرام] اهـ.
أدعية فيروس كورونا
قال العلامة السجاعي في "الفوائد اللطيفة في شرح ألفاظ الوظيفة" (ص: 120، ط. كشيدة): [هذه الصيغة من الدعاء: ترفع الوباء والمضرات.. كذا أخذناها عن بعض من نتجت عندنا ولايته، وظهرت كرامتهم من مشايخنا] اهـ.
وقال العلامة الجمل في حاشيته "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (2/ 193، ط. دار الفكر): [ومما جرب لعدم دخوله -أي الطاعون- الدار أن يكتب في ورقة وتلصق ببابها: حيٌّ صمدٌ باقٍ وله كنف واقي الشيخ شهاب الدين البلقيني أو الباقي الخلاق، ولو على الباب نفسه. ومما جُرِّب للسلامة منه: أن يدهن محل الطعن بالطين الأرمني، فإنه يبرأ منه اهـ. برماوي] اهـ.
ومما جرب لدفع الطاعون كذلك: قراءة الأحزاب والصلوات: كحزب الإخفاء، وحزب الطمس، لسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، والصلاة المشيشية لسيدي عبد السلام بن مشيش، ونحو ذلك؛ قال العلامة أحمد ضياء الدين الكمشخانوي في "مجموعة الأحزاب الشاذلية" (ص: 51، ط. تركيا): [هذا الحزب -أي حزب الطمس- يقرأ صباحًا ومساءً لدفع العدو، وكل ذي شر، وعقال لسان كل خصم، وإذا قرئ في زمن الطاعون وقصد دفع ذلك عن نفسه وعمن يقصد حفظه، فإن الله يدفعُ عنه وعمن قصد حفظه شر ذلك] اهـ.
وقال في (ص: 57): [حزب الإخفاء.. يقرأ صباحًا ومساءً؛ لدفع الأعداء، وكل ذي شر، وفي المخاوف، وعند لقاء الجبابرة والخصوم، وفي زمن الطاعون] اهـ.
وقال في (ص: 148) عن الصلاة المشيشية: [تقرأ في الشاذلية وغيرها لدفع خوف الأعداء، والحفظ من كل مُضِرٍّ وبلاء وأمراض، بعد الصبح وبعد العشاء وبعد المغرب] اهـ.
وبناءً على ذلك: فالسُّنة عند حلول الأوبئة الاستغفارُ والذكر والدعاء، وهي وإن كان الأفضل فيها التيمن بما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسلف الصالح رضوان الله عليهم، إلَّا أنه يجوز الدعاء والذكر بما ورد عن الصالحين من غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشف الشدائدِ والنوازل؛ كالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعدد صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وكقراءة سورة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكقراءة أدعية الحفظ والاعتصام الواردة عن بعض الصالحين، والمجربة في رفْع الطواعين، وكقراءة الأحزاب والصلوات: كحزب الإخفاء وحزب الطمس لسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، والصلاة المشيشية لسيدي عبد السلام بن مشيش، ونحو ذلك.
ولاتعتبر هذه الأدعية والأذكار من البدع في شيء؛ لأن البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع؛ بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديث الآمرة بالذكر والتضرُّع في الدعاء.
قراءة الأذكار بعد الصلاة في السر وفي الجهر الأمر فيه واسع، وقد ورد الأمر الرباني بالذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فإذا قَضَيتم الصلاةَ فاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِكم﴾ [النساء: 103].
الجهر والإسرار بالذكر بعد الصلاة
والمطلق يؤخذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّدُه في الشرع، فمَن شاء جَهَرَ ومَن شاء أَسَرَّ؛ لأن أمر الذكر على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه.
فيروس كورونا
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "في ظل انتشار الوباء في هذه الآونة: هل يكتفي الإنسان بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يستعين في ذلك بما ورد من الأدعية والأذكار غيرِ المأثورة الواردة عن العلماء والأولياء، بما يُعرف بالمجربات؟".
وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية على هذا السؤال كالتالي:
السُّنة عند نزول الآيات وحلول المُلِمَّات الاستغفارُ والذِّكْر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيَّات بالتوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، وبذلك يكشفُ الله تعالى البأس، ويرفع البلاء، ويزيح الوباء، فهو سبحانه كاشف الضُرِّ ورافع البلوى؛ قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۞ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ۞ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]، وقال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقل جل شأنه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُون﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: 17]، وقال عز وجل: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: 53].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"الأوسط"، و"الدعاء"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه، وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 542، ط. دار المعرفة): [المبادرةُ إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه، واستدفاع البلاء بذكر الله تعالى وأنواع طاعته] اهـ.
والذكر والدعاء وإن كان الأفضل فيهما التيمن بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والسلف الصالح؛ تبركًا بألفاظهم، واستشعارًا لأنفاسهم، إلَّا أنه يجوز لكل أحد من العلماء بالله تعالى والصالحين أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشْف الشَّدائدِ والنوازلِ والأزمات، ولا يعتبر هذا الأمر من البِدَع في شيء؛ لأنَّ البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع، بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديثِ الآمرة بالذكر.
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكيُّ في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 422، ط. دار الغرب الإسلامي): [والفائدة في إدخال مالك رضي الله عنه لحديث أبي الدرداء ها هنا أنَّ الدعاء -وإن كان الأفضل فيه التيمن بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرك بألفاظه الصحيحة الفصيحة- فإنه يجوز لكلِّ أحدٍ من العلماء بالله تعالى أن يدعوَ بما شاء غير المأثور، ولكن لا يخرج عن التوحيد، ألا ترى إلى قول أبي الدرداء رضي الله عنه: "نَامَتِ الْعُيُون وَصَدَقَ، وَغَارَتِ النُّجُومُ وَصَدَقَ، وَأنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فَصَدَقَ". والحيُّ في الحقيقة: هو الذي لا ينام، والقيوم: هو الذي لا يحول ولا يزول] اهـ.
وأول المجربات من الأدعية والصلوات في رفع الطواعين والمُلِمَّات: الإكثارُ من الصلاة على سيِّد الأرض والسماوات صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة ابن نُجيم (ت970هـ) في "ضبْط أهل النقل في خبر الفصل في حق الطاعون والوباء" (ص: 8): [وذكر بعض الصالحين أنَّ من أعظم الأشياء الرافعةِ للطاعونِ وغيرِه من البلايا العظام: كثرةَ الصلاةِ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى" (ص: 327-328، ط. دار الكتب العلمية): [ومنها: الصلاةُ عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند وقوع الطاعون: ذكر ابن أبي حَجَلة، عن ابن خطيب يَبْرُود، أن رجلًا من الصالحين أخبره: أنَّ كثرةَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدفعُ الطاعون] اهـ.
وقال العلامة إسماعيل حقي (ت1127هـ) في "روح البيان" (1/ 164، ط. دار الفكر): [قال الشافعي رحمه الله: أنفس ما يداوى به الطاعون التسبيح، ووجهه: بأن الذكر يرفع العقوبة والعذاب؛ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِين﴾ [الصافات: 143]، وكذا كثرة الصلاة على النبي المحترم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم] اهـ.
ومن المُجربات أيضًا: قراءة سورة "نوح" على نبينا وعليه الصلاة والسلام؛ قال العلامة ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (10/ 203، ط. وزارة الثقافة) في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة:
[وكان ابتداء الوباء عندهم من أوَّل فصل الصيف الموافق لأثناء شهر ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ففاحت الطُّرقات بالموتى، ومات سكان بيوت الشعر ودوابهم ومواشيهم، وامتلأت مساجد بلبيس وفنادقها وحوانيتها بالموتى، ولم يبق مؤذِّن، وطرحت الموتى بجامعها، وصارت الكلاب فيه تأكل الموتى.
ثم قدم الخبر من دمشق أنَّ الوباء كان بها آخر ما كان بطرابلس وحماة وحلب، فلمَّا دخل شهر رجب والشمس في برج الميزان أوائل فصل الخريف، هبَّت في نصف اللَّيل ريح شديدة جدًّا، واستمرَّت حتى مضى من النهار قدر ساعتين، فاشتدت الظُّلمة حتى كان الرجل لا يرى مَن بجانبه. ثم انجلت وقد علت وجوهَ الناس صفرةٌ ظاهرةٌ في وادي دمشق كلِّه، وأخذ فيهم الموت مدَّة شهر رجب
فبلغ في اليوم ألفًا ومائتي إنسان، وبطل إطلاق الموتى من الديوان، وصارت الأمواتُ مطروحةً في البساتينِ على الطُّرقات، فقدم على قاضي القضاة تقي الدين السُّبكي قاضي دمشق رجل من جبال الرُّوم، وأخبر أنه لما وقع الوباء ببلاد الروم رأى في نومه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه ما نزل بالناس من الفناء، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولَ لهم: اقرءوا سورة نوح ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين مرَّة، واسألوا الله في رفع ما أنتم فيه. فعرَّفهم ذلك فاجتمع الناس في المساجدِ، وفعلوا ما ذكر لهم، وتضرَّعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه من ذنوبهم، وذبحوا أبقارًا وأغنامًا كثيرة للفقراء مدَّة سبعة أيام، والفناء يتناقصُ كلَّ يوم حتى زال] اهـ.
وذكره الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" (18/ 503، ط. هجر) بقوله: [إنَّ الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض في السواحل وغيرها من أرجاء البلاد يتوهمون ويخافون من وقوعه بمدينة دمشق حماها الله وسلمها، مع أنه قد بلغهم أنه قد مات جماعة من أهلها بهذا الداء، وفي صبيحة يوم الأحد تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة، وقرؤوا متوزعين سورة نوح ثلاثة آلاف مرة وثلاثمائة وثلاثًا وستين مرَّة، عن رؤيا رجل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشده إلى قراءة ذلك كذلك] اهـ.
وذكر هذه الواقعة بنصها أيضًا العلامة تقي الدين المقريزي في "السلوك لمعرفة دول الملوك" (4/ 85، ط. دار الكتب العلمية).
كما ورد أيضًا جملة من المجربات من أذكار الصالحين وأدعيتهم: قال الإمامُ الشاعر الأديب شهاب الدين أبو العباس بن أبي حَجَلة التلمساني الحنفي (ت776هـ) في كتابه "دفْع النقمة في الصلاة على نبي الرحمة" (ق: 56ب-57أ):
[ومما يُدفَع به الطاعون أيضًا: الدعاء. فمن ذلك ما شاع في هذه الأيام بالقاهرة المحروسة، وهو أنَّ بعضَ الصالحين حين كثر الموت بالطاعون في المحلة، ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وشكا إليه حال الناس، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء الآتي ذكره، فقال: أخافُ أن أنساه، فقال: اكتبه، وأشار إلى إصبعه الشريفة إلى كف الرجل الصالح بكتابته، فاستيقظ فوجده مكتوبًا في كفه، وهو:"بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، اللهم نعوذ بك من الطعن والطاعون، وعظم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبينا فأمهلنا واعمر بنا منازلنا ولا تهلكنا بذنوبنا، يا أرحمَ الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم".
قلت: وما تبعد صحَّة هذا المنام؛ لأنه عليه ديباجة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضًا فيه موافقة الحديث المتقدم الموفي عشرين من كون الصلاة عليه في أوله وأوسطه وآخره] اهـ.
دعاء فيروس كورونا
وقال العلامة الفيروزآبادي في "الصِّلات والبُشَر في الصلاة على خير البشر" (ص: 169، ط. دار سماح):
[ومما نقل عن غير الصحابة من الأئمَّة السادة الأولياء والأئمة العلماء، فمنها: ما أخبرني العلامة محمد بن يوسف بن الحسن محدث مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشافهة قال: نقل الإمام عمر بن علي اللخمي المالكي قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير: أنه ركب في مركب في البحر المالح قال: وقامت علينا ريح تسمى "الإقلابية" قلَّ من ينجو منها من الغرق، فضجَّ الناس خوفًا من الغرق، قال: فغلبتني عيناي فنمتُ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: قل لأهل المركب يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا عندك بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، قال: فاستيقظت وأعلمت أهل المركب بالرؤيا، فصلينا نحو ثلاثمائة مرة ففرَّج الله عنا هذا أو قريبًا منه.
قال أبو عبد الله: وأخبرني الشيخ الصالح الفقيه حسن بن علي بن سيد الكل المهلني الأسواني، رحمه الله تعالى بهذه الصلاة، وقال: من قالها في كل مهم ونازلة ألف مرة فرَّج الله عنه وأدرك مرامه] اهـ.
وقال الحافظ شمس الدين السخاوي (ت902هـ) في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 221، ط. دار الريان): [ذكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة أيضًا أنَّ بعض الصالحين حين كثُر الطاعون في المحلة ذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وشكا إليه الحال، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك من الطعن والطاعون وعظيم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر وصلى الله على محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفعت نبيك فينا فأمهلتنا وعمرت بنا منازلنا فلا تهلكنا يا أرحم الراحمين] اهـ.
وقال العلامة القسطلاني في "مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى" (ص: 327-328):
[قال ابن أبي حَجَلة: أقول في كل حين: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صل
اةً تنجينا بها من الأهوال والآفات، وتطهرنا بها من جميع السيئات.
وأنه استدلَّ لذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث «إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ»، وأن آخر رأى النبيَ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وشكا إليه كثرة الطاعون إذ ذاك، فأمره أن يدعوَ بهذا الدعاء: اللهم إنَّا نعوذ بك من الطعن والطاعون، وعظيم البلاء في النفس والمال والأهل والولد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تُغفَر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم كما شفَّعت نبيكَ فينا؛ فأمهلتنا وعمَّرت بنا منازلنا؛ فلا تهلكنا بذنوبنا يا أرحم الراحمين] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت974هـ) في "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود" (ص: 231، ط. دار المنهاج): [أخرج الطبراني عن جعفر الصادق قال: كان أبي إذا كربه أمر.. قام فتوضأ وصلَّى ركعتين، ثم قال في دبر صلاته: اللهمَّ أنت ثقتي في كل كرب، وأنت رجائي في كل شدَّة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدَّة، فكم من كرْب قد يضعف عنه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويرغب عنه الصديق، ويشمت به العدو.. أنزلته بك، وشكوته إليك، ففرَّجتَه وكشفتَه، فأنت صاحب كل حاجة، ووليُّ كل نعمة، وأنت الذي حفظت الغلام بصلاح أبويه، فاحفظني بما حفظته به، ولا تجعلني فتنةً للقوم الظالمين، اللهمَّ وأسألك بكل اسم هو لك سميته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وأسألك بالاسم الأعظم الأعظمالأعظم الذي إذا سُئلت به كان حقًّا عليك أن تجيب أن تصلِّيَ على محمد وعلى آل محمد، وأسألك أن تقضي حاجتي.. ويسأل حاجته] اهـ.
وقال العلامة شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 282، ط. دار الفكر):
[قال البدر القرافي: إن سيدي أحمد زروق والقلشاني استعملا أدعية للحفظ منه -أي الطاعون- وهي تدلُّ على الحوازة، دعوات سيدي أحمد زروق: تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اصرف عنا الأذى إنك على كل شيء قدير. يقول ذلك ثلاثًا.
ودعوات القلشاني: اللهم سكن فتنة صدمت قهرمان الجبروت، بألطافك الخفية الواردة النازلة من باب الملكوت، حتى نتشبث بألطافك ونعتصم بك عن إنزال قدرتك، يا ذا القدرة الكاملة والرحمة الشاملة، يا ذا الجلال والإكرام] اهـ.
أدعية فيروس كورونا
قال العلامة السجاعي في "الفوائد اللطيفة في شرح ألفاظ الوظيفة" (ص: 120، ط. كشيدة): [هذه الصيغة من الدعاء: ترفع الوباء والمضرات.. كذا أخذناها عن بعض من نتجت عندنا ولايته، وظهرت كرامتهم من مشايخنا] اهـ.
وقال العلامة الجمل في حاشيته "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (2/ 193، ط. دار الفكر): [ومما جرب لعدم دخوله -أي الطاعون- الدار أن يكتب في ورقة وتلصق ببابها: حيٌّ صمدٌ باقٍ وله كنف واقي الشيخ شهاب الدين البلقيني أو الباقي الخلاق، ولو على الباب نفسه. ومما جُرِّب للسلامة منه: أن يدهن محل الطعن بالطين الأرمني، فإنه يبرأ منه اهـ. برماوي] اهـ.
ومما جرب لدفع الطاعون كذلك: قراءة الأحزاب والصلوات: كحزب الإخفاء، وحزب الطمس، لسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، والصلاة المشيشية لسيدي عبد السلام بن مشيش، ونحو ذلك؛ قال العلامة أحمد ضياء الدين الكمشخانوي في "مجموعة الأحزاب الشاذلية" (ص: 51، ط. تركيا): [هذا الحزب -أي حزب الطمس- يقرأ صباحًا ومساءً لدفع العدو، وكل ذي شر، وعقال لسان كل خصم، وإذا قرئ في زمن الطاعون وقصد دفع ذلك عن نفسه وعمن يقصد حفظه، فإن الله يدفعُ عنه وعمن قصد حفظه شر ذلك] اهـ.
وقال في (ص: 57): [حزب الإخفاء.. يقرأ صباحًا ومساءً؛ لدفع الأعداء، وكل ذي شر، وفي المخاوف، وعند لقاء الجبابرة والخصوم، وفي زمن الطاعون] اهـ.
وقال في (ص: 148) عن الصلاة المشيشية: [تقرأ في الشاذلية وغيرها لدفع خوف الأعداء، والحفظ من كل مُضِرٍّ وبلاء وأمراض، بعد الصبح وبعد العشاء وبعد المغرب] اهـ.
وبناءً على ذلك: فالسُّنة عند حلول الأوبئة الاستغفارُ والذكر والدعاء، وهي وإن كان الأفضل فيها التيمن بما ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسلف الصالح رضوان الله عليهم، إلَّا أنه يجوز الدعاء والذكر بما ورد عن الصالحين من غير المأثور، وروي في ذلك جملة من الأذكار والصلوات والأدعية والأحزاب، وصارت من المجربات في كشف الشدائدِ والنوازل؛ كالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعدد صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وكقراءة سورة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكقراءة أدعية الحفظ والاعتصام الواردة عن بعض الصالحين، والمجربة في رفْع الطواعين، وكقراءة الأحزاب والصلوات: كحزب الإخفاء وحزب الطمس لسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمه الله، والصلاة المشيشية لسيدي عبد السلام بن مشيش، ونحو ذلك.
ولاتعتبر هذه الأدعية والأذكار من البدع في شيء؛ لأن البدعة كل ما اختُرع في الدين مما يتعارضُ مع الشرع؛ بل يدخلُ ذلك في عموم الندب والاستحباب المذكور في الآيات والأحاديث الآمرة بالذكر والتضرُّع في الدعاء.