نبيل فهمي وزير الخارجية الأسبق: وصلنا لمفترق طرق فى مفاوضات سد النهضة.. والحكمة مطلوبة في اتخاذ القرار | حوار
مياه النيل قضية وجودية.. والعلاقات مع السودان ترتبط مباشرة بالأمن القومى المصرى
أحمل الجانب الإثيوبى مسؤولية تعثر ملف سد النهضة والموقف القانونى المصرى سليم 100%
حالة الجامعة العربية محزنة ونعيش فضاء سياسيا عربيا شجع الغير على المساس بحقوقنا
الوضع العربي بالغ الصعوبة والسوء والعالم العربى وضع نفسه في حالة غريبة إما الادعاء بوجود تطابق كامل المواقف أو الفرقة الكاملة
الحق المصرى التاريخى في المياه يجب أن يحترم ومصر ستحتاج لمزيد من المياه فوق حقها التاريخى بسبب النمو السكانى
أولوية القضايا بين القاهرة وواشنطن فى عهد بايدن ستختلف وستحسمها مصالح الدولتين
يعتبر السفير نبيل فهمي من أكفأ الدبلوماسيين المصريين والعرب، بسبب خبراته التي تراكمت من المحطات التى تنقل بينها، ولعل أبرزها عمله سفيرًا لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمله وزيرًا للخارجية المصرية في فترة شديدة الصعوبة والحساسية.
وفي ظل كثير من الملفات المتشابكة والمعقدة محليًا وعربيًا وعالميًا، لم نجد أفضل من السفير نبيل فهمي، باعتباره أيضًا مختصًا فى شؤون الأمن الإقليمي والدولي ونزع السلاح، وعميدًا لكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، لنذهب إليه في مكتبه بضاحية جاردن سيتى القاهرية، ونطرح كثيرًا مما التساؤلات الضاغطة والملحة والشائكة أيضًا عن حاضر ومستقبل عدد من القضايا المهمة، سواء المحلية مثل: ملف سد النهضة، وعربيًا مثل: حال الجامعة العربية والأزمات العربية- العربية وغيرها.. فإلى نص الحوار :
*بداية.. كيف ترى سيناريوهات حل أزمة سد النهضة في ظل التعقيدات المستمرة والاستفزازات الإثيوبية؟
هناك وفرة في المياه واهتمام بالمشروعات الاستثمارية لذا لا تعارض بين تحقيق التنمية لإثيوبيا واستقرار تدفق المياه سودانيا وضمان وفرته لمصر، وإنما للأسف.. أنا قلق للغاية لما وصلت إليه الأمور؛ لأنها تعكس رغبة الجانب الإثيوبى في فرض الأمر الواقع.
وسندخل في بداية الصيف وما يتوقعه الكثير من الملء الثانى من السد، وهي نقطة فارقة، فإذا تم ذلك دون اتفاق على آليات الملء وإدارة المياه سيعني ذلك أن إثيوبيا تريد الاستحواذ على قرارات المياه في مخالفة صريحة للأسس القانونية المرتبطة بالأنهار العابرة لأكثر من دولة.
وهي حقوق سيادية وقضايا وجودية للدول الثلاث خاصة لمصر، تتطلب من الكل الحكمة وتفرض علينا اتخاذ مواقف حاسمة، لأننا في مفترق طرق لا رجعة فيه إذا عبرناه. كما أن تصريح الرئيس السيسي الأخير كان قويا للغاية، حيث أكد الرئيس أن مصر لا تهدد أحدا وأن كل الخيارات مفتوحة، وإنما من الواضح أنه كان تحذيرا واضحا بعدم المساس بالحق المصرح أو الاستهانة بعزيمتنا.
كما ذكرت وصلنا إلى مفترق طرق في قضية وجودية، فخيارات المياه المتاحة لمصر محدودة للغاية مهما رفعنا من كفاءة استخدام أو توريد المياه من مصادر أخرى فحتما نهر النيل هو المنبع الأساسى، عندما تكون القضايا وجودية تصبح الخيارات محدودة للغاية، مرة أخرى أكتفى بمقولة أننا وصلنا إلى مفترق طرق يتطلب الحكمة والحسم، فإما تحدث انفراجة مفاجئة في المفاوضات، أو سنواجه قرارات صعبة وضرورية لها تداعيات خطيرة..
* لماذا تعنت رئيس الوزراء الأثيوبى أبى أحمد المستمر.. وهل يرتبط بمساندة بعض الدول له؟
الجدل حول المياه امتد سنوات طويلة قبل ذلك، فالأمر ليس مرتبطًا بآبى أحمد تحديدا، غير أن الرئيس الإثيوبي الذي يقود بلاده الآن، لذا يتحمل مسئولية اتخاذ القرار الصائب. وبصرف النظر عن أن وضعه الداخلى لا يساعد في حل القضية؛ لأنه تحت ضغط من توجهات مختلفة.
لكن هذا لا يعطى له حق المساس بحقوق الآخرين، آبي أحمد يتحمل مسئولية اتخاذ القرارات الإستراتيجية الصائبة لشعبه بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود دعم من دول خارجية، والوضع القانونى يرتبط بثلاث دول هي: إثيوبيا والسودان ومصر، ونرجو أن يراجع نفسه سريعا، لأننا على أعقاب مرحلة حاسمة، أقولها مرة أخرى: نحن في مفترق طرق إما نستفيد من فرص قد تكون أخيرة في المسار التفاوضى، وإما لحل سلمى أو تحمل مغبة تعقيدات وتوترات نحن جميعا في غنى عنها.
*ما أبرز الدول الداعمة لإثيوبيا في هذا الأمر؟
هي الدول غير المحبة الخير لمصر، واختلفت عبر السنين لأن القضية ممتدة، وجميعهم مخطئون، اختلفت الدول لأن التقليد وهو عدم المشاركة في مشروعات وقضايا خلافية حول أنهار أو مصادر مائية تمر بأكثر من دولة إلى أن يتم التواصل إلى تفاهم أو اتفاق تفاوضى قانونى لحل هذه الخلافات، وهناك شركات تقوم بتعاقدات مع الجانب الإثيوبى وتستفيد من المشروع، وإنما في النهاية المسئول قانونا هو إثيوبيا.
* كيف ترى العلاقات المصرية مع السودان وخاصة في أزمة سد النهضة؟
أول توقف لى كوزير خارجية سابق في 2013 في مرحلة حساسة وتطورات صعبة لنا جميعا كان في الخرطوم، رغم وجود حكومة في هذا الوقت ذات توجه إسلام سياسي، وكان يجب أن تعطي اهتماما كبيرا ورعاية خاصة، فعلاقات الجيرة لها وضعية خاصة، واهتمام مصر بالسودان شىء منطقى وطبيعى، والعلاقات المصرية السودانية الآن في ظل الظروف السودانية الحالية تشهد تحسنا عاما.
وتبادل زيارات من مسئولين سودانين لمصر وزيارة الرئيس السيسي للسودان والعلاقات شهدت تطورات إيجابية ومفيدة، تشمل السد وغيرها، وأرى أن العلاقات مع السودان في تطور إيجابى، ويجب استثمارها الاستثمار الأكمل مع الأخذ في الاعتبار محورية الوضع السودانى بالنسبة لمصر والعكس صحيح.
* كيف ترى اللجوء لبعض الدول الكبرى في هذا الأمر؟
يجب دائما السعي إلى إيجاد الحل السلمى أولا وثانيا وثالثا قبل كل شىء، والاتصال بدول على المستوى الثنائى أو الاتصال بمجموعات إقليمية في إطار الاتحاد الإفريقى، أو منظمات دولية مثل الأمم المتحدة كل ذلك يجب أن يوجه لتحقيق الحل السلمى التفاوضى، وهو الحل المرجو والمفضل.
لأن تداعيات تفاقم الأمور جد خطيرة ولها انعكاسات على مصالح دول كثيرة، وأحذر دائما من ترك زمام الأمور واتخاذ مواقف من موقع ردود الفعل، كما لا أثق كثيرا في الاعتماد على الغير؛ خاصة الدول الكبرى لحماية مصالحنا الإقليمية، ولا مفر الآن ونحن على مفترق طرق من التحرك سياسيا ودبلوماسيا على المستوى الدولي في نفس الوقت الذي تتفاوض فيه الأطراف مباشرة.
* كيف ترى موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من هذا الأمر؟
إدارة ترامب اتخذت مواقف متناقضة، البيت الأبيض كان يؤيد حسم القضية والتوصل إلى حل سريع، في نفس الوقت وزير الخارجية الأمريكى زار إثيوبيا، وذكر أن القضية ستستغرق أشهر عديدة، والمبعوث الأمريكي للسودان كان بالقاهرة أخيرا وبحث هذا الموضوع.
ومن السابق لأوانه الحسم بأنها مستعدة لاتخاذ أمور حاسمة لدفع الأطراف إلى التفاوض، لأنها ما زالت في مرحلة ترتيب أوراقها وتركيزها الأساسي على الداخل ومواجهة جائحة كورونا، لكن المشكلة أن الوقت لم يعد متاحا طويلا، ولا أستطيع أن أجزم اليوم بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة لأن الإدارة استلمت منذ أشهر قليلة، وموضوع مياه النيل هو موضوع خطير، نحن وإثيوبيا والسودان أصحاب الشأن.
* متى بدأت أزمة سد النهضة.. وهل كان الرئيس الراحل مبارك سببا فيها؟
لن نضيف كثيرا بالدخول في الماضى وتحميل المسئولية لمرحلة معينة هنا وهناك، وإنما مطلوب دائما في قضايا الموارد الطبيعية للدول أن يتم تناولها بشكل إستراتيجى طويل الأجل أخذا في الاعتبار الحقوق التاريخية للدول والتطور الطبيعى للمصالح والاحتياجات والعلاقات.
ولست من أصحاب الرأى الذين يقول بأن الأخطاء كلها كانت في الماضى أو أن حدثا بعينه هو الذي أدى لخلق هذه المشكلة، إنما هي تراكمات من الأخطاء عبر السنين من جميع الأطراف، ومع تطور الأوضاع يجب أن تتطور المواقف والتعامل مع احترام الحقوق، وما أريد أن أؤكده أن المسألة في العلاقات يجب أن تتطور بشقين المحافظة على الحقوق ومراعاة الجديد.
ومن ثمَّ فإن الحق المصرى التاريخى في المياه يجب أن يحترم، وأضيف إلى ذلك طبيعة أن مصر ستحتاج لمزيد من المياه فوق حقها التاريخى لأن النمو السكانى في الماضى كان لا يتجاوز 20 أو 30 مليونا والعدد تجاوز هذا بكثير، في نفس الوقت حق إثيوبيا في التنمية تطورًا مع الزمن لا يمكن أن يقف عند لحظة معينة، وبالتالى الخطأ هو من الجميع في عدم التواصل بشكل مستمر وتطوير العلاقة مع الزمن، لو على مدى السبعين عاما الماضية كانت هناك مشروعات بيننا وبين إثيوبيا والسودان كنا سنخلق مزيدا من مصالح مشتركة للبلدين.
وكان هذا سيخلق ما يسمى مؤيدين للعلاقات داخل النظام الإثيوبى، وأيضا في السودان، والتواصل الإستراتيجي والمستمر كان سيخلق مصالح للبلاد الثلاث في تنمية العلاقة ووعي وتفاهمات أعمق بينها ويسهل من استباق الأحداث أو على الأقل تجنب الأزمات، وأحمل الجانب الإثيوبى مسئولية عدم التفاوض بجدية في المرحلة الحالية، لكن الخطأ من الجميع هو عدم التعامل مع القضية إستراتيجيا على أنها مزيج من الحفاظ على الحقوق والتعامل مع المصالح المتطورة والمتغيرة مع الزمن.
* كيف كانت تدار الأمور فترة توليك وزارة الخارجية في هذا الملف؟
أنا خدمت في العمل الحكومى لسنوات طويلة منذ عام 1974 في ديوان رئاسة الجمهورية ثم بوزارة الخارجية اعتبارا من مارس 1976 إلى أن أصبحت وزيرا للخارجية عام 2013، هذا الملف ظل جزءا من اهتمامات مصر طويلا وأن لم يكن دائما من أولى أولويات الحكومة المصرية، القضية امتدت كثيرا واستمرت قبل أن أكون وزيرا ومستمرة بعدما تركت الوزارة.
والأمر ليس مرتبطا بوزير بعينه، لأنها قضية وجودية، فقد كنت وزير خارجية في مرحلة ما بعد 30 يونيو، وكان أمامنا قضايا كثيرة وحظي هذا الأمر بأولوية رئيسية، واتصالاتى ولقاءاتى مع المسئولين الإثيوبيين كانت مكثفة للغاية بما فيهم وزير الخارجية الإثيوبى الذي يشغل حاليا رئيس منظمة الصحة العالمية.
والرئيس عدلي منصور التقى الرئيس الإثيوبى في محافل مختلفة، وكان محل بحث في الوزارات وقتها برئاسة الببلاوى ومحلب وبحضور كافة الوزارات السيادية، جميعهم كانوا يتابعون هذا الملف، خاصة والإعلان عن بناء السد بهذا الحجم قد صدر، وهو ما فرض علينا التعامل مع احتمالية عدم وجود الكم الكافى للمياه مستقبلا.
* هل كنت تتوقع عرقلة الأمور ووصولها لهذا الموقف؟
كنت أتوقع، نظرا لأن المسألة ستصل لمرحلة بالغة الحساسية لشعورى بأن هناك هوى وعدم تواصل كاف بين المؤسسات الإثيوبية والمؤسسات المصرية وشعورى بأن المؤسسات الإثيوبية تنظر خطأ للجانب المصرى على أنه يتعدى على حقوقها.
وكان هناك حدة في المؤسسات الإثيوبية غير منطقية وخاصة المؤسسات الأمنية الإثيوبية ، وهذا غير صحيح وأحد أسبابه عدم التواصل، فعندما تكون قضية أمن قومى لابد من التواصل في التوافق والاختلاف وهذا جعلنى أشعر بأن هذا الأمر لن يكون سهلا، ولاحظت مبكرا أن إثيوبيا تماطل لذا أبرزت مكررا أن هناك تباينا واضحا في المواقف وخلافات حساسة.
*ماذا عن الموقف القانونى المصرى؟
الموقف القانونى المصرى سليم 100% ليس لدى أدنى شك في ذلك ، والحلول متاحة وإنما إثيوبيا تريد السيطرة وحدها على مياه النيل بما يعطي لها ميزة ووضعية إستراتيجية تتجاوز المسالة الاقتصادية أو المائية.
*كيف ترى الضعف المستمر في حالة الجامعة العربية والتشكيك والتقليل دائما من دورها؟
لا يمكن أن يرضى طرف عربى أمين على وضع الجامعة العربية، فهو وضع محزن ومخزل ومقلق لنا جميعا،والوضع وصل إلى التشكيك في جدوى العنوان السياسي العربى، عندما نصل لهذه المرحلة لا بد من وقفة ومصارحة وموقف، حاليا لا تأخذ الجامعة العربية بمأخذ الجدية، والوضع العربى عموما سيئ.
هناك أسباب كثيرة لذلك أولها أن العالم العربى وضع نفسه في حالة غريبة للغاية، إما الادعاء بوجود تطابق كامل المواقف، أو حالة من الفرقة الكاملة، والأمور لا تسير هكذا، فحتى بين الدول الحليفة في الغرب على سبيل المثال عندما تم غزو العراق رفضت فرنسا وألمانيا وهما عضوان في الحلف مرور الطائرات الأمريكية فوق أراضيهم وبالتالى حتى داخل الحلف الواحد تتخذ مواقف مختلفة.
ويجب أن يكون هناك تقدير بأن هناك مصلحة للجميع في أكبر قدر من التعامل الإيجابى العربى، هناك حاليا للأسف فضاء سياسي عربى، والفضاء السياسي العربى فتح شهية الأطراف الإقليمية غير العربية ووفر لها فرصة لمحاولة فرض هيمنتها، نجد ذلك في سوريا وليبيا والعراق واليمن والتعنت الإسرائيلى تجاه حل القضية الفلسطينية.
كل هذا ازداد حدته وتنامى معه الطموح لهذه الدول في ظل الفضاء العربى، الجامعة العربية لم تعد الأطراف العربية تأخذها بالجدية الكافية ،والفضاء العربى خلق مناخا من الغياب العربى الكامل، فالوضع العربى بالغ الصعوبة والسوء ولن يتغير ذلك إلا بواقعية عربية جديدة وإدارة عربية للقضايا من منطلق تحقيق أكبر استفادة من نقاط التوافق العربى والتعامل بمهنية وكفاءة مع نقاط الاختلاف دون أن ننكرها أو ندعى عدم وجودها، وهذا يتطلب أيضا مبادرات من الجامعة لتحريك دفة المياه الراكدة.
*هل هناك خطة لتفعيل دور الجامعة والتعظيم من شأنه؟
الفضاء العربى يخلق عقبات كثيرة حول تفعيل الجامعة العربية، في نفس الوقت الجامعة العربية مؤسسة شكلت منذ 1945، أي حتى قبل الأمم المتحدة وقبل أي منظمة إقليمية أخرى، هي منظمة إقليمية أنشأتها مجموعة من الدول العربية كان لديها قناعة بأن التعاون فيما بيننا مفيد للجميع.
المفهوم الإقليمى بدأ عربيا قبل أن يبدأ في مناطق أخرى، بدأ مع انكماش الإمبراطوريات الأوروبية القديمة بالتالى التوجه الإقليمى العربى كان توجها له منظور مستقبلى، العالم كان داخل في عصر مختلف، وكان علينا التعامل مع بعضنا الآخر حتى نتفاعل مع هذا العصر، المطلوب مرة أخرى أن نملأ الفضاء العربى بمفاهيم جديدة لها نظرة مستقبلية، بصرف النظر عن الاختلافات في الماضى.
هذه مسئولية الدول في حد ذاتها إنما بوجود المنظمة ولها رصيدها لابد يكون لها أولوية، أرى أن الجامعة العربية من الطبيعى أن يكون لها صوت على كل القضايا الشائكة الحالية، وأن تبادر الجامعة بخلق حوارات سياسية وفنية حول مستقبل العالم العربى والشرق الأوسط، التعداد السكانى العربى يميل إلى الإطار الشبابى وهم ينظرون للمستقبل، يجب تبادر الجامعة بطرح النقاش حول المستقبل حتى تحافظ على جدواها ومصداقيتها،خاصة وتعاملها مع القضاية الانية اصبح تقليديا.
*كيف ترى خريطة الصراعات العربية الحالية والقضايا الإقليمية؟
هناك صراعات شرق أوسطية أكثر من الصراعات العربية، نعم هناك مشكلات في بعض الدول العربية، وما زالت ليبيا تخرج من المعضلة التي كانت فيها وهناك خطوات إيجاببة، وهناك تحسن بسيط في الوضع السورى، هناك مزيد من استقرار في العراق.
وهناك مشكلة في اليمن ومنطقة الخليج للدور الإيرانى، وهناك قضية الاحتلال الإسرائيلى للدول العربية يجب أن لا تنسى وترتبط بالحق الفلسطينى بإقامة دولته وأيضا بعض النقاط الخلافية مع لبنان، بعض المشكلات العربية داخلية، وأيضا تدخل لأطراف غير عربية شرق أوسطية منها الحالة التركية.
الخلافات العربية العربية ليست بالحجم الذي يراه البعض، هناك فجوة في الرؤى بين سوريا وبعض الدول العربية ولكن ليس هناك صراع حاليا، أتمنى أن نشهد خطوات من الجانب السورى تجاه العرب وخطوات لاستيعاب سوريا في المنظومة العربية مرة أخرى بما في ذلك الجامعة العربية، ما يقلقنى هو الفضاء السياسي العربي،وتم ملئه من أطراف غير عربية شجعها من اتخاذ مواقف وطموحات غير سوية في بعض الأحيان وبالتحديد تركيا وإيران وإسرائيل.
* كيف ترى التقارب المصرى مع قطر وتركيا هل حقيقى وسوف يكتمل للنهاية؟
أتمنى أن يكون كذلك، العلاقات مرت بظروف سلبية للغاية، هناك بعض البوادر للابتعاد عن هذه النقطة، وآمل ذلك لكن من السابق لأوانه الحكم على الأمور، والتوجه نحو التقارب شىء مهم، هل يصل إلى تقارب بالأفعال والمواقف المستقرة؟ ياريت!.
* كيف ترى مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن في زمن بايدن؟
بايدن اتخذ مواقف في الحملة الانتخابية مخالفة لمواقف ترامب، وبعد انتخابه كرر أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتسق مع مبادئها، وأمريكا تسعى دائما لتحقيق مصالحها، ومن ثم فالإدارة الجديدة ستتحدث كثيرا عن المبادئ وأنها ستحسم امورها حسب المصلحة.
وستبرر ذلك حسب الظرف والحاجة، وبالتالى مفتاح العلاقة لدينا وليس لديهم، وما دمت أنت طرفا فاعلا ومهما في الشرق الأوسط سيهتمون، مفتاح العلاقة الأمريكية لدى العرب وليس أمريكا.
* كيف ترى البيانات الدولية التي تتعرض للملف الحقوقى في مصر ومدى دقتها؟
هذه بيانات سلبية ومزعجة بصرف النظر عن عدم صحتها، عدد كبير من الدول أخذت موقفا سلبيا تجاه مصر، وبالتالى هناك حاجة لتوضيح الرؤى وباستمرار، أولا علينا السعي دائما لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بدافع وطني حتى إذا لم تكن هناك انتقادات خارجية وثانيا يجب أن نقوم بشرح جهودنا دوليا بشكل مستمر وليس كرد فعل وثالثا لا توجد دولة في العالم لا تنتقد في مجال حقوق الإنسان.
منظمات حقوق الإنسان الدولية حتى الصادقة منها تريد الحالة المثلى، أي إن القضية بالنسبة لها غير مقبولة حتى لو مصحوبة بظرف طارئ، بالتالى مواقفهم ستستمر كذلك، يجب أن نكون نحن أصحاب الصوت وننشر جهودنا، الخطأ الأكبر أن نكون دائما في موقف رد الفعل.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
أحمل الجانب الإثيوبى مسؤولية تعثر ملف سد النهضة والموقف القانونى المصرى سليم 100%
حالة الجامعة العربية محزنة ونعيش فضاء سياسيا عربيا شجع الغير على المساس بحقوقنا
الوضع العربي بالغ الصعوبة والسوء والعالم العربى وضع نفسه في حالة غريبة إما الادعاء بوجود تطابق كامل المواقف أو الفرقة الكاملة
الحق المصرى التاريخى في المياه يجب أن يحترم ومصر ستحتاج لمزيد من المياه فوق حقها التاريخى بسبب النمو السكانى
أولوية القضايا بين القاهرة وواشنطن فى عهد بايدن ستختلف وستحسمها مصالح الدولتين
اظهار ألبوم
يعتبر السفير نبيل فهمي من أكفأ الدبلوماسيين المصريين والعرب، بسبب خبراته التي تراكمت من المحطات التى تنقل بينها، ولعل أبرزها عمله سفيرًا لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمله وزيرًا للخارجية المصرية في فترة شديدة الصعوبة والحساسية.
وفي ظل كثير من الملفات المتشابكة والمعقدة محليًا وعربيًا وعالميًا، لم نجد أفضل من السفير نبيل فهمي، باعتباره أيضًا مختصًا فى شؤون الأمن الإقليمي والدولي ونزع السلاح، وعميدًا لكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، لنذهب إليه في مكتبه بضاحية جاردن سيتى القاهرية، ونطرح كثيرًا مما التساؤلات الضاغطة والملحة والشائكة أيضًا عن حاضر ومستقبل عدد من القضايا المهمة، سواء المحلية مثل: ملف سد النهضة، وعربيًا مثل: حال الجامعة العربية والأزمات العربية- العربية وغيرها.. فإلى نص الحوار :
*بداية.. كيف ترى سيناريوهات حل أزمة سد النهضة في ظل التعقيدات المستمرة والاستفزازات الإثيوبية؟
هناك وفرة في المياه واهتمام بالمشروعات الاستثمارية لذا لا تعارض بين تحقيق التنمية لإثيوبيا واستقرار تدفق المياه سودانيا وضمان وفرته لمصر، وإنما للأسف.. أنا قلق للغاية لما وصلت إليه الأمور؛ لأنها تعكس رغبة الجانب الإثيوبى في فرض الأمر الواقع.
وسندخل في بداية الصيف وما يتوقعه الكثير من الملء الثانى من السد، وهي نقطة فارقة، فإذا تم ذلك دون اتفاق على آليات الملء وإدارة المياه سيعني ذلك أن إثيوبيا تريد الاستحواذ على قرارات المياه في مخالفة صريحة للأسس القانونية المرتبطة بالأنهار العابرة لأكثر من دولة.
وهي حقوق سيادية وقضايا وجودية للدول الثلاث خاصة لمصر، تتطلب من الكل الحكمة وتفرض علينا اتخاذ مواقف حاسمة، لأننا في مفترق طرق لا رجعة فيه إذا عبرناه. كما أن تصريح الرئيس السيسي الأخير كان قويا للغاية، حيث أكد الرئيس أن مصر لا تهدد أحدا وأن كل الخيارات مفتوحة، وإنما من الواضح أنه كان تحذيرا واضحا بعدم المساس بالحق المصرح أو الاستهانة بعزيمتنا.
كما ذكرت وصلنا إلى مفترق طرق في قضية وجودية، فخيارات المياه المتاحة لمصر محدودة للغاية مهما رفعنا من كفاءة استخدام أو توريد المياه من مصادر أخرى فحتما نهر النيل هو المنبع الأساسى، عندما تكون القضايا وجودية تصبح الخيارات محدودة للغاية، مرة أخرى أكتفى بمقولة أننا وصلنا إلى مفترق طرق يتطلب الحكمة والحسم، فإما تحدث انفراجة مفاجئة في المفاوضات، أو سنواجه قرارات صعبة وضرورية لها تداعيات خطيرة..
* لماذا تعنت رئيس الوزراء الأثيوبى أبى أحمد المستمر.. وهل يرتبط بمساندة بعض الدول له؟
الجدل حول المياه امتد سنوات طويلة قبل ذلك، فالأمر ليس مرتبطًا بآبى أحمد تحديدا، غير أن الرئيس الإثيوبي الذي يقود بلاده الآن، لذا يتحمل مسئولية اتخاذ القرار الصائب. وبصرف النظر عن أن وضعه الداخلى لا يساعد في حل القضية؛ لأنه تحت ضغط من توجهات مختلفة.
لكن هذا لا يعطى له حق المساس بحقوق الآخرين، آبي أحمد يتحمل مسئولية اتخاذ القرارات الإستراتيجية الصائبة لشعبه بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود دعم من دول خارجية، والوضع القانونى يرتبط بثلاث دول هي: إثيوبيا والسودان ومصر، ونرجو أن يراجع نفسه سريعا، لأننا على أعقاب مرحلة حاسمة، أقولها مرة أخرى: نحن في مفترق طرق إما نستفيد من فرص قد تكون أخيرة في المسار التفاوضى، وإما لحل سلمى أو تحمل مغبة تعقيدات وتوترات نحن جميعا في غنى عنها.
*ما أبرز الدول الداعمة لإثيوبيا في هذا الأمر؟
هي الدول غير المحبة الخير لمصر، واختلفت عبر السنين لأن القضية ممتدة، وجميعهم مخطئون، اختلفت الدول لأن التقليد وهو عدم المشاركة في مشروعات وقضايا خلافية حول أنهار أو مصادر مائية تمر بأكثر من دولة إلى أن يتم التواصل إلى تفاهم أو اتفاق تفاوضى قانونى لحل هذه الخلافات، وهناك شركات تقوم بتعاقدات مع الجانب الإثيوبى وتستفيد من المشروع، وإنما في النهاية المسئول قانونا هو إثيوبيا.
* كيف ترى العلاقات المصرية مع السودان وخاصة في أزمة سد النهضة؟
أول توقف لى كوزير خارجية سابق في 2013 في مرحلة حساسة وتطورات صعبة لنا جميعا كان في الخرطوم، رغم وجود حكومة في هذا الوقت ذات توجه إسلام سياسي، وكان يجب أن تعطي اهتماما كبيرا ورعاية خاصة، فعلاقات الجيرة لها وضعية خاصة، واهتمام مصر بالسودان شىء منطقى وطبيعى، والعلاقات المصرية السودانية الآن في ظل الظروف السودانية الحالية تشهد تحسنا عاما.
وتبادل زيارات من مسئولين سودانين لمصر وزيارة الرئيس السيسي للسودان والعلاقات شهدت تطورات إيجابية ومفيدة، تشمل السد وغيرها، وأرى أن العلاقات مع السودان في تطور إيجابى، ويجب استثمارها الاستثمار الأكمل مع الأخذ في الاعتبار محورية الوضع السودانى بالنسبة لمصر والعكس صحيح.
* كيف ترى اللجوء لبعض الدول الكبرى في هذا الأمر؟
يجب دائما السعي إلى إيجاد الحل السلمى أولا وثانيا وثالثا قبل كل شىء، والاتصال بدول على المستوى الثنائى أو الاتصال بمجموعات إقليمية في إطار الاتحاد الإفريقى، أو منظمات دولية مثل الأمم المتحدة كل ذلك يجب أن يوجه لتحقيق الحل السلمى التفاوضى، وهو الحل المرجو والمفضل.
لأن تداعيات تفاقم الأمور جد خطيرة ولها انعكاسات على مصالح دول كثيرة، وأحذر دائما من ترك زمام الأمور واتخاذ مواقف من موقع ردود الفعل، كما لا أثق كثيرا في الاعتماد على الغير؛ خاصة الدول الكبرى لحماية مصالحنا الإقليمية، ولا مفر الآن ونحن على مفترق طرق من التحرك سياسيا ودبلوماسيا على المستوى الدولي في نفس الوقت الذي تتفاوض فيه الأطراف مباشرة.
* كيف ترى موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من هذا الأمر؟
إدارة ترامب اتخذت مواقف متناقضة، البيت الأبيض كان يؤيد حسم القضية والتوصل إلى حل سريع، في نفس الوقت وزير الخارجية الأمريكى زار إثيوبيا، وذكر أن القضية ستستغرق أشهر عديدة، والمبعوث الأمريكي للسودان كان بالقاهرة أخيرا وبحث هذا الموضوع.
ومن السابق لأوانه الحسم بأنها مستعدة لاتخاذ أمور حاسمة لدفع الأطراف إلى التفاوض، لأنها ما زالت في مرحلة ترتيب أوراقها وتركيزها الأساسي على الداخل ومواجهة جائحة كورونا، لكن المشكلة أن الوقت لم يعد متاحا طويلا، ولا أستطيع أن أجزم اليوم بموقف الإدارة الأمريكية الجديدة لأن الإدارة استلمت منذ أشهر قليلة، وموضوع مياه النيل هو موضوع خطير، نحن وإثيوبيا والسودان أصحاب الشأن.
* متى بدأت أزمة سد النهضة.. وهل كان الرئيس الراحل مبارك سببا فيها؟
لن نضيف كثيرا بالدخول في الماضى وتحميل المسئولية لمرحلة معينة هنا وهناك، وإنما مطلوب دائما في قضايا الموارد الطبيعية للدول أن يتم تناولها بشكل إستراتيجى طويل الأجل أخذا في الاعتبار الحقوق التاريخية للدول والتطور الطبيعى للمصالح والاحتياجات والعلاقات.
ولست من أصحاب الرأى الذين يقول بأن الأخطاء كلها كانت في الماضى أو أن حدثا بعينه هو الذي أدى لخلق هذه المشكلة، إنما هي تراكمات من الأخطاء عبر السنين من جميع الأطراف، ومع تطور الأوضاع يجب أن تتطور المواقف والتعامل مع احترام الحقوق، وما أريد أن أؤكده أن المسألة في العلاقات يجب أن تتطور بشقين المحافظة على الحقوق ومراعاة الجديد.
ومن ثمَّ فإن الحق المصرى التاريخى في المياه يجب أن يحترم، وأضيف إلى ذلك طبيعة أن مصر ستحتاج لمزيد من المياه فوق حقها التاريخى لأن النمو السكانى في الماضى كان لا يتجاوز 20 أو 30 مليونا والعدد تجاوز هذا بكثير، في نفس الوقت حق إثيوبيا في التنمية تطورًا مع الزمن لا يمكن أن يقف عند لحظة معينة، وبالتالى الخطأ هو من الجميع في عدم التواصل بشكل مستمر وتطوير العلاقة مع الزمن، لو على مدى السبعين عاما الماضية كانت هناك مشروعات بيننا وبين إثيوبيا والسودان كنا سنخلق مزيدا من مصالح مشتركة للبلدين.
وكان هذا سيخلق ما يسمى مؤيدين للعلاقات داخل النظام الإثيوبى، وأيضا في السودان، والتواصل الإستراتيجي والمستمر كان سيخلق مصالح للبلاد الثلاث في تنمية العلاقة ووعي وتفاهمات أعمق بينها ويسهل من استباق الأحداث أو على الأقل تجنب الأزمات، وأحمل الجانب الإثيوبى مسئولية عدم التفاوض بجدية في المرحلة الحالية، لكن الخطأ من الجميع هو عدم التعامل مع القضية إستراتيجيا على أنها مزيج من الحفاظ على الحقوق والتعامل مع المصالح المتطورة والمتغيرة مع الزمن.
* كيف كانت تدار الأمور فترة توليك وزارة الخارجية في هذا الملف؟
أنا خدمت في العمل الحكومى لسنوات طويلة منذ عام 1974 في ديوان رئاسة الجمهورية ثم بوزارة الخارجية اعتبارا من مارس 1976 إلى أن أصبحت وزيرا للخارجية عام 2013، هذا الملف ظل جزءا من اهتمامات مصر طويلا وأن لم يكن دائما من أولى أولويات الحكومة المصرية، القضية امتدت كثيرا واستمرت قبل أن أكون وزيرا ومستمرة بعدما تركت الوزارة.
والأمر ليس مرتبطا بوزير بعينه، لأنها قضية وجودية، فقد كنت وزير خارجية في مرحلة ما بعد 30 يونيو، وكان أمامنا قضايا كثيرة وحظي هذا الأمر بأولوية رئيسية، واتصالاتى ولقاءاتى مع المسئولين الإثيوبيين كانت مكثفة للغاية بما فيهم وزير الخارجية الإثيوبى الذي يشغل حاليا رئيس منظمة الصحة العالمية.
والرئيس عدلي منصور التقى الرئيس الإثيوبى في محافل مختلفة، وكان محل بحث في الوزارات وقتها برئاسة الببلاوى ومحلب وبحضور كافة الوزارات السيادية، جميعهم كانوا يتابعون هذا الملف، خاصة والإعلان عن بناء السد بهذا الحجم قد صدر، وهو ما فرض علينا التعامل مع احتمالية عدم وجود الكم الكافى للمياه مستقبلا.
* هل كنت تتوقع عرقلة الأمور ووصولها لهذا الموقف؟
كنت أتوقع، نظرا لأن المسألة ستصل لمرحلة بالغة الحساسية لشعورى بأن هناك هوى وعدم تواصل كاف بين المؤسسات الإثيوبية والمؤسسات المصرية وشعورى بأن المؤسسات الإثيوبية تنظر خطأ للجانب المصرى على أنه يتعدى على حقوقها.
وكان هناك حدة في المؤسسات الإثيوبية غير منطقية وخاصة المؤسسات الأمنية الإثيوبية ، وهذا غير صحيح وأحد أسبابه عدم التواصل، فعندما تكون قضية أمن قومى لابد من التواصل في التوافق والاختلاف وهذا جعلنى أشعر بأن هذا الأمر لن يكون سهلا، ولاحظت مبكرا أن إثيوبيا تماطل لذا أبرزت مكررا أن هناك تباينا واضحا في المواقف وخلافات حساسة.
*ماذا عن الموقف القانونى المصرى؟
الموقف القانونى المصرى سليم 100% ليس لدى أدنى شك في ذلك ، والحلول متاحة وإنما إثيوبيا تريد السيطرة وحدها على مياه النيل بما يعطي لها ميزة ووضعية إستراتيجية تتجاوز المسالة الاقتصادية أو المائية.
*كيف ترى الضعف المستمر في حالة الجامعة العربية والتشكيك والتقليل دائما من دورها؟
لا يمكن أن يرضى طرف عربى أمين على وضع الجامعة العربية، فهو وضع محزن ومخزل ومقلق لنا جميعا،والوضع وصل إلى التشكيك في جدوى العنوان السياسي العربى، عندما نصل لهذه المرحلة لا بد من وقفة ومصارحة وموقف، حاليا لا تأخذ الجامعة العربية بمأخذ الجدية، والوضع العربى عموما سيئ.
هناك أسباب كثيرة لذلك أولها أن العالم العربى وضع نفسه في حالة غريبة للغاية، إما الادعاء بوجود تطابق كامل المواقف، أو حالة من الفرقة الكاملة، والأمور لا تسير هكذا، فحتى بين الدول الحليفة في الغرب على سبيل المثال عندما تم غزو العراق رفضت فرنسا وألمانيا وهما عضوان في الحلف مرور الطائرات الأمريكية فوق أراضيهم وبالتالى حتى داخل الحلف الواحد تتخذ مواقف مختلفة.
ويجب أن يكون هناك تقدير بأن هناك مصلحة للجميع في أكبر قدر من التعامل الإيجابى العربى، هناك حاليا للأسف فضاء سياسي عربى، والفضاء السياسي العربى فتح شهية الأطراف الإقليمية غير العربية ووفر لها فرصة لمحاولة فرض هيمنتها، نجد ذلك في سوريا وليبيا والعراق واليمن والتعنت الإسرائيلى تجاه حل القضية الفلسطينية.
كل هذا ازداد حدته وتنامى معه الطموح لهذه الدول في ظل الفضاء العربى، الجامعة العربية لم تعد الأطراف العربية تأخذها بالجدية الكافية ،والفضاء العربى خلق مناخا من الغياب العربى الكامل، فالوضع العربى بالغ الصعوبة والسوء ولن يتغير ذلك إلا بواقعية عربية جديدة وإدارة عربية للقضايا من منطلق تحقيق أكبر استفادة من نقاط التوافق العربى والتعامل بمهنية وكفاءة مع نقاط الاختلاف دون أن ننكرها أو ندعى عدم وجودها، وهذا يتطلب أيضا مبادرات من الجامعة لتحريك دفة المياه الراكدة.
*هل هناك خطة لتفعيل دور الجامعة والتعظيم من شأنه؟
الفضاء العربى يخلق عقبات كثيرة حول تفعيل الجامعة العربية، في نفس الوقت الجامعة العربية مؤسسة شكلت منذ 1945، أي حتى قبل الأمم المتحدة وقبل أي منظمة إقليمية أخرى، هي منظمة إقليمية أنشأتها مجموعة من الدول العربية كان لديها قناعة بأن التعاون فيما بيننا مفيد للجميع.
المفهوم الإقليمى بدأ عربيا قبل أن يبدأ في مناطق أخرى، بدأ مع انكماش الإمبراطوريات الأوروبية القديمة بالتالى التوجه الإقليمى العربى كان توجها له منظور مستقبلى، العالم كان داخل في عصر مختلف، وكان علينا التعامل مع بعضنا الآخر حتى نتفاعل مع هذا العصر، المطلوب مرة أخرى أن نملأ الفضاء العربى بمفاهيم جديدة لها نظرة مستقبلية، بصرف النظر عن الاختلافات في الماضى.
هذه مسئولية الدول في حد ذاتها إنما بوجود المنظمة ولها رصيدها لابد يكون لها أولوية، أرى أن الجامعة العربية من الطبيعى أن يكون لها صوت على كل القضايا الشائكة الحالية، وأن تبادر الجامعة بخلق حوارات سياسية وفنية حول مستقبل العالم العربى والشرق الأوسط، التعداد السكانى العربى يميل إلى الإطار الشبابى وهم ينظرون للمستقبل، يجب تبادر الجامعة بطرح النقاش حول المستقبل حتى تحافظ على جدواها ومصداقيتها،خاصة وتعاملها مع القضاية الانية اصبح تقليديا.
*كيف ترى خريطة الصراعات العربية الحالية والقضايا الإقليمية؟
هناك صراعات شرق أوسطية أكثر من الصراعات العربية، نعم هناك مشكلات في بعض الدول العربية، وما زالت ليبيا تخرج من المعضلة التي كانت فيها وهناك خطوات إيجاببة، وهناك تحسن بسيط في الوضع السورى، هناك مزيد من استقرار في العراق.
وهناك مشكلة في اليمن ومنطقة الخليج للدور الإيرانى، وهناك قضية الاحتلال الإسرائيلى للدول العربية يجب أن لا تنسى وترتبط بالحق الفلسطينى بإقامة دولته وأيضا بعض النقاط الخلافية مع لبنان، بعض المشكلات العربية داخلية، وأيضا تدخل لأطراف غير عربية شرق أوسطية منها الحالة التركية.
الخلافات العربية العربية ليست بالحجم الذي يراه البعض، هناك فجوة في الرؤى بين سوريا وبعض الدول العربية ولكن ليس هناك صراع حاليا، أتمنى أن نشهد خطوات من الجانب السورى تجاه العرب وخطوات لاستيعاب سوريا في المنظومة العربية مرة أخرى بما في ذلك الجامعة العربية، ما يقلقنى هو الفضاء السياسي العربي،وتم ملئه من أطراف غير عربية شجعها من اتخاذ مواقف وطموحات غير سوية في بعض الأحيان وبالتحديد تركيا وإيران وإسرائيل.
* كيف ترى التقارب المصرى مع قطر وتركيا هل حقيقى وسوف يكتمل للنهاية؟
أتمنى أن يكون كذلك، العلاقات مرت بظروف سلبية للغاية، هناك بعض البوادر للابتعاد عن هذه النقطة، وآمل ذلك لكن من السابق لأوانه الحكم على الأمور، والتوجه نحو التقارب شىء مهم، هل يصل إلى تقارب بالأفعال والمواقف المستقرة؟ ياريت!.
* كيف ترى مستقبل العلاقات بين القاهرة وواشنطن في زمن بايدن؟
بايدن اتخذ مواقف في الحملة الانتخابية مخالفة لمواقف ترامب، وبعد انتخابه كرر أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتسق مع مبادئها، وأمريكا تسعى دائما لتحقيق مصالحها، ومن ثم فالإدارة الجديدة ستتحدث كثيرا عن المبادئ وأنها ستحسم امورها حسب المصلحة.
وستبرر ذلك حسب الظرف والحاجة، وبالتالى مفتاح العلاقة لدينا وليس لديهم، وما دمت أنت طرفا فاعلا ومهما في الشرق الأوسط سيهتمون، مفتاح العلاقة الأمريكية لدى العرب وليس أمريكا.
* كيف ترى البيانات الدولية التي تتعرض للملف الحقوقى في مصر ومدى دقتها؟
هذه بيانات سلبية ومزعجة بصرف النظر عن عدم صحتها، عدد كبير من الدول أخذت موقفا سلبيا تجاه مصر، وبالتالى هناك حاجة لتوضيح الرؤى وباستمرار، أولا علينا السعي دائما لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بدافع وطني حتى إذا لم تكن هناك انتقادات خارجية وثانيا يجب أن نقوم بشرح جهودنا دوليا بشكل مستمر وليس كرد فعل وثالثا لا توجد دولة في العالم لا تنتقد في مجال حقوق الإنسان.
منظمات حقوق الإنسان الدولية حتى الصادقة منها تريد الحالة المثلى، أي إن القضية بالنسبة لها غير مقبولة حتى لو مصحوبة بظرف طارئ، بالتالى مواقفهم ستستمر كذلك، يجب أن نكون نحن أصحاب الصوت وننشر جهودنا، الخطأ الأكبر أن نكون دائما في موقف رد الفعل.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..