رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«الحاجر».. عن الصعيد المُدهش الذي يحبه «أشرف»

«من سمع ليس مثل من رأى».. مقولة يمكن أن تنطبق على كثير من الأمور في حياتنا، غير أن القاص الجنوبي، الكاتب الصحفي أشرف التعلبي، استطاع القفز على هذا الحاجز، بل وتقديم رؤية جديدة بلغة بسيطة مفادها أنه يمكن أن «ترى وأنت تقرأ»، وذلك على مدار 23 قصة قصيرة ضمتها مجموعته القصصية الجديدة التي اختار لها «التعلبي» عنوانًا جنوبيًا بامتياز وهو «الحاجر».


«حاجر التعلبي».. بضاعة مختلفة في الكتابة، بل يمكن القول أيضا أنها بضاعة مُدهشة ستحملك إلى عالم الجنوب، الذي – للأسف – هناك شريحة من المجتمع تتعامل معه بمنطق «المسلسلات والأفلام» التي تقدم شخصية الرجل الصعيدي الجامدة، أو السيدة الصعيدية الجاهلة المُغيبة، إلا من رحم ربي، فشخصيات «حاجر التعلبي» تنبض بالحياة، تكشف أن المعاناة هناك أشد قسوة من شمس يوليو وبرد «طوبة».

قصص الحاجر
«التعلبي» الذي قطع شوطًا لا بأس به في «مباراة العمر»، لا يزال يحتفظ بـ«خفة الأطفال»، والبراءة المدهشة التي تُغلف أرواحهم، وهو ما يظهر جليًا في مشاهد كثيرة بقصص «الحاجر»، فهو الطفل الهارب من منزله على «عجلة سوداء» حملته إلى رحلة «شم النسيم»، واصفًا إياها بـ«الطائرة النفاثة»، متحدثًا عن رحلته إلى «الخزان»، حيث الساحر و«الغجرية» و«صيد البمبم»، والأخيرة يعشقها، كما هو حال غالبية أطفال الجنوب، الذي يوجهون بنادقهم الملتوية بفعل الصدأ إلى «حبات البمب» طمعا في أن «يفرقع واحدة» فينشرح صدره وينتفخ مبشرًا بـ«نشانجي برنجي».

الطفل الموهوب الذي كتب «الحاجر»، تخلى قليلًا عن دهشته وهو يروي حكاية «بئر عزيزة» ليكشف لنا وجه آخر  لم يخل هو الآخر من دهشة، وإن كانت دهشة ممزوجة بالحزن الطفولي الصافي، بعدما تابع غضب أمه الرافضة «ردم البئر»، ليقدم في نهاية القصة مفاجأة ستدفعك – عزيزي القارئ- إلى اتهامه – مثلما فعلت – بأنه كان بخيلًا في الكتابة، حيث كنت أنتظر الكثير والكثير عن «الأم والبئر والشقيقة عزيزة».

ما يميز «حاجر التعلبي» أن قصصها كُتبت بطريقة أقرب إلى الكتابة السينمائية، حيث الصورة تتجلى أمامك بشكل كامل، فقطعًا عندما ستصل إلى حكاية «الغجرية» ستشم رائحة التراب الذي سيطر على الأجواء بعدما يفقد البطل «رزانته» ويقرر الدوران في «عالم الغجرية» التي تختاره رفيقًا لها في رقصتها الطويلة، المتعبة، المرهقة، المتقلبة ما بين الفتنة و«الدروشة»، وستلمس وجهها وستشعر بملمسه الناعم على يدك الخشنة، وعندما ستسقط قبل انتهاء الرقصة بلحظات، ستشعر بطعم التراب في فمك.. والمتعة في قلبك.. والحزن يغلف روحك، فالأنوار ستضاء والجمهور سيكافئك بتصفيق حاد لبضع ثواني.. و«الغجرية» سترحل ساحبة خلفها روحك معلقة بـ«شعرها الطويل».

قصص الصعايدة
في قصته التي منحها اسم «القِمرية»، يحملنا «التعلبي» إلى مساحة براح كبير في «دُنيا أطفال الصعيد»، فصيد «القماري»، كما يصفون «الحمام القِمري» هناك في الجنوب، واحدة من أبرز هوايات رجال الصعيد الصغار، غير أن «التعلبي» يوجعنا كثيرًا في قصته هذه، بحكاية «القِمرية» صاحبة المنقار الأسود، والعينان البرتقاليتان، والجفون الحمراء، ورحلة العائلة التي اتبعت «قِمريتها» الصغيرة بعدما وضعها الطفل الصغير في «قفص الجريد».

«حورس».. اسم أطلقته وزارة النقل والمواصلات على أحد قطارات «الدرجة الثالثة» التي يجبر الفقر أهل الجنوب على ارتيادها واللجوء إليها في رحلاتهم إلى القاهرة التي يُعرِفها الصعايدة باسم «مصر»، وكأنهم من بلد ثاني غير مصر التي تضم خريطتها الصعيد والقاهرة وما إلى ذلك.

بخفة واضحة ينقلنا «التعلبي» إلى منطقة «القروي الساذج»، ورغم النمطية المعروفة عن هذه الصورة لـ«أبناء الأرياف» الذين يهبطون إلى القاهرة، فإن «التعلبي» استطاع بـ«بخفة» وأسلوب بسيط تقديم حكاية ممتعة عن «القروي» ورحلته مع «كُوباية البيرة» والفتاة التقليدية التي تشق طريقها بين طاولات السكاري بحثًا عن القروي الساذج وفلوس «محصول القطن»، غير أن «قروي التعلبي» لم يكن صاحب محصول أو «أطيان»، ولهذا كان على موعد مع مفاجأة عندما حان «وقت الحساب».
Advertisements
الجريدة الرسمية