الفنانة إيمان تحكى ذكرياتها عن المرأة الفرنسية
فى مجلة "الكواكب" عام 1958 كتبت الفنانة المصرية إيمان عن ذكرياتها أثناء تواجدها فى رحلة إلى باريس عام 1955 لتصوير فيلم "قصة حبى"، ومعها الفنان فريد الأطرش، مقالة قالت فيها: لا يوجد أطيب ولا أعظم من المرأة المصرية..
وقد صادفت نساء عديدة من بلاد عديدة، وجدت أن المرأة الفرنسية ماكرة ولديها دهاء عظيم؛ فقد حدث أن كنت يوما أجلس فى بهو الفندق بباريس فى انتظار نزول أستاذى وزوجى فؤاد الأطرش، ودخلت الفندق سيدة رشيقة أنيقة تلبس نظارة سوداء، ومعها كلب يتقدمها والكل يفسح لها الطريق حتى الكلب، وهى تجتاز البهو إلى مكتب الاستعلامات.
واسترعى جمال السيدة ونظارتها السوداء والكلب الذى يقودها انتباه الجالسين فى جنبات البهو، وعلت وجوههم مظاهر الإشفاق والأسى لهذه الجميلة الكفيفة، وهى تتحسس ما أمامها، وتنادي موظف الفندق بصوت خفيض حتى لا يكتشف الناس أنها عمياء.
وجاء كاتب الفندق وسألها: أمرك سيدتى.. هل من خدمة أستطيع أن أؤديها ؟ فقالت له: أريد حجرة، فرد عليها الموظف: نعم، نحن على استعداد ياسيدتى، لكن ماذا عن هذا الكلب؟!
قالت: إنه لطيف ووديع، قال لها: أوامر إدارة الفندق الصادرة لنا ونعمل بموجبها تمنع بقاء الكلب فى الفندق مهما كانت الأسباب أو المبررات.
قالت السيدة فى تأثر بالغ: ولكنى أنا لا أستطيع .. وأنت ترى أنى..
فكر موظف الاستعلامات قليلا، ثم قال: ألا يمكن أن تتركيه عند أحد من معارفك أو أصدقائك؟
فردت السيدة: ليس لى معارف أو أصدقاء فى هذه الناحية، ومرت فترة هدوء كان فيها موظف الاستعلامات فى صراع بين العاطفة الإنسانية التى تفرضها عليه ظروف هذه السيدة والواجب المفروض عليه أن يقوم به، ثم قال: لا بأس سيدتى من الممكن أن نستثني حالتك وتستبقي كلبك فى حجرتك.
كادت السيدة تطير من الفرح، وهى تقول: ميرسى للموظف.
ومرت أقل من ساعة ونزلت السيدة الجميلة وحدها، ولم يكن معها الكلب، وكانت ترتدى ثوبا أنيقا رائعا، وتمشى بخطوات الفاتنة كأنها مانيكان رشيقة واثقة بنفسها وجمالها، بينما اختفت النظارة السوداء عن وجهها، وظهر ما كان خافيا تحتها من عينين ساحرتين يتألق فيهما النور ويشع منها دلالات الذكاء.
تقدم موظف الاستعلامات من السيدة الجميلة، وهو يحملق فيها بذهول، إلا أن السيدة أخرجته من الدهشة التى كان بها، وهى تقول: كان لابد أن أبقي معى الكلب، ولم يكن أمامى من وسيلة استخدمها غير تصنع العمى لأصعب عليك".