سنية صالح «الإلهة النحيلة» التي أحبها «محمد الماغوط»
في العام 1963 كتب الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط رسالة إلى الشاعرة خالدة سعيد، وذلك بعد تعرفه إلى شقيقتها وزوجته، الشاعرة الراحلة سنية صالح، وقال «الماغوط» في جزء من الرسالة: أيتها العزيزة خالدة،منذ شهور وفكرة واحدة تضرب رأسي وأعصابي كالرصاصة: ما هو العالم لولا تلك الإلهة النحيلة، تلك الإلهة الرقيقة الحنونة، تلك التي سميت صدفة (سنية) والتي كان يجب أن تُسمّى «العالم يبكي» أو العالم ذو القدمين الصغيرتين. خالدة، لتذهب الكلمات الشعرية إلى الجحيم، «سنية حياتي» آه يا خالدة، أنت شقيقتها! هل تأملتِ أصابعها ذات يوم؟ أبدًا.. أنه جاهل وطائش كل من يقول إنها أصابع… إنها مجموعة مشردة من القيثارات. أبواق بدائية تغني لوحوش تقوست ظهورها من الزمهرير والوحدة…أروع ما في سنية روحها… إنني أستطيع أن أراها تمامًا… كما أرى قطرة المطر وراء الزجاج… كما أرى الطائر بين الأغصان.
اللقاء الاول بين الماغوط وزوجته
وعن تفاصيل لقائهما الأول كتبت الشاعرة الراحلة سنية صالح، في مجلة «موقف» عام 1972 عن لقائهما الأول قائلة: كان محمد الماغوط غريباً ووحيدًا في بيروت، وعندما قدمه أدونيس في أحد اجتماعات مجلة «شعر» المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب، دون أن يعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون ( بردلير؟.. رامبو؟..) لكن «أدونيس» لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق، أشعث الشعر وقال : «هو الشاعر». لا شك أن المفاجأة أدهشتهم وانقلب فضولهم إلى تمتمات. أما هو، وكنت أراقبه بصمت، ارتبك واشتد لمعان عينيه، بلغة هذه التفاصيل وفي هذا الضوء الشخصي، نقرأ غربة محمد الماغوط، ومع الأيام لم يخرج من عزلته بل غير موقعها من عزلة الغريب إلى عزلة الرافض.
تقديم سنية صالح لأعمال الماغوط الكاملة
وفي تقديمها لـ«أعمال الماغوط الكاملة»، تحدثت «سنية» عن رحلتها اليومية إلى «غرفة السقف الواطئ» التي عاش فيها «الماغوط» فترة من الزمن هربًا من مطاردة الشرطة له، وقالت «سنية»: مأساة محمد الماغوط أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، ومنذ مجموعته الأولى «حزن في ضوء القمر» وهو يحاول توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم الحرية، وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع، وحيدًا، لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر، فبقدر ما تكون الكلمة في الحلم طريقًا إلى الحرية، نجدها في الواقع طريقًا إلى السجن، ولأنها كانت دائما إحدى أبرز ضحايا الاضطرابات السياسية في الوطن العربي، فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعًا إثر كل انقلاب مرَّ على الوطن، وفى إحداها خرجت أبحث عنه، كان في ضائقة قد تجره إلى السجن أو ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار، غرفة صغيرة ذات سقف واطئ، حشرت حشرًا في خاصرة أحد المباني بحيث كان على كل من يعبر عتبتها أن ينحني كأنه يعبر بوابة ذلك الزمن.. سرير قديم.. ملاءات صفراء، كنبة زرقاء، طويلة سرعان ما هبط مقعدها، ستارة حمراء من مخلفات مسرح قديم، في هذا المناخ عاش محمد الماغوط أشهرًا عديدة.
الماغوط جزء من المستقبل
وأكملت: لنفترض أن الشرق العربي بقعة سوداء على خريطة الماضي والحاضر، فما يكون لون المستقبل؟ ولنبحث بعد ذلك عن مصير الشعر والشعراء من خلال ذلك الظلام الدامس. وإذا ما استعملنا ضوء الذاكرة وجدنا أن محمد الماغوط في وجه من الوجوه جزء من المستقبل، لذا كان لابد من حمايته من غباء الحاضر، ألا يكون مستقبل شعرنا رمادًا لو تركنا الشعراء للسلطة؟ ولأن هذا الشاعر محترق بنيران الماضي والحاضر، لجأ إلى نيران المستقبل وهو جزء منها بحثًا عن وجود آخر وكينونة جديدة. بدت الأيام الأولى كاللعبة البطولية لنا نحن الاثنين، ولكن لما شحب لونه ومال إلى الإصفرار المرضي وبدأ مزاجه يحتد بدت لي خطورة اللعبة، كان همي الكبير أن يتلاشى الإعصار دون أن يخنق غباره «النسر».
يوميات رحلة الاختفاء
وحول «يوميات رحلة الاختفاء» قالت «سنية»: كنت أنقل له الطعام والصحف والزهور خفية. كنا نعتز بانتمائنا للحب والشعر كعالم بديل متعال على ما يحيط بنا. كان يقرأ مدفوعًا برغبة جنونية. وكنت أركض في البرد القارس والشمس المحرقة لأشبع له هذه الرغبة، فلا ألبث أن أرى أكثر الكتب أهمية وأغلاها ثمنا ممزقة أو مبعثرة فوق الأرض مبقعة بالقهوة حيث ألتقطها أو أغسلها ثم أرصفها على حافة النافذة حتى تجف. كان يشعل نيرانه الخاصة في روائع أدبية بينما كانت الهتافات في الخارج تأخذ من بعيد شكلًا معاديًا.
اللقاء الاول بين الماغوط وزوجته
وعن تفاصيل لقائهما الأول كتبت الشاعرة الراحلة سنية صالح، في مجلة «موقف» عام 1972 عن لقائهما الأول قائلة: كان محمد الماغوط غريباً ووحيدًا في بيروت، وعندما قدمه أدونيس في أحد اجتماعات مجلة «شعر» المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب، دون أن يعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون ( بردلير؟.. رامبو؟..) لكن «أدونيس» لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق، أشعث الشعر وقال : «هو الشاعر». لا شك أن المفاجأة أدهشتهم وانقلب فضولهم إلى تمتمات. أما هو، وكنت أراقبه بصمت، ارتبك واشتد لمعان عينيه، بلغة هذه التفاصيل وفي هذا الضوء الشخصي، نقرأ غربة محمد الماغوط، ومع الأيام لم يخرج من عزلته بل غير موقعها من عزلة الغريب إلى عزلة الرافض.
تقديم سنية صالح لأعمال الماغوط الكاملة
وفي تقديمها لـ«أعمال الماغوط الكاملة»، تحدثت «سنية» عن رحلتها اليومية إلى «غرفة السقف الواطئ» التي عاش فيها «الماغوط» فترة من الزمن هربًا من مطاردة الشرطة له، وقالت «سنية»: مأساة محمد الماغوط أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، ومنذ مجموعته الأولى «حزن في ضوء القمر» وهو يحاول توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم الحرية، وذروة هذه المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع، وحيدًا، لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر، فبقدر ما تكون الكلمة في الحلم طريقًا إلى الحرية، نجدها في الواقع طريقًا إلى السجن، ولأنها كانت دائما إحدى أبرز ضحايا الاضطرابات السياسية في الوطن العربي، فقد كان هذا الشاعر يرتعد هلعًا إثر كل انقلاب مرَّ على الوطن، وفى إحداها خرجت أبحث عنه، كان في ضائقة قد تجره إلى السجن أو ما هو أمرّ منه، وساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار، غرفة صغيرة ذات سقف واطئ، حشرت حشرًا في خاصرة أحد المباني بحيث كان على كل من يعبر عتبتها أن ينحني كأنه يعبر بوابة ذلك الزمن.. سرير قديم.. ملاءات صفراء، كنبة زرقاء، طويلة سرعان ما هبط مقعدها، ستارة حمراء من مخلفات مسرح قديم، في هذا المناخ عاش محمد الماغوط أشهرًا عديدة.
الماغوط جزء من المستقبل
وأكملت: لنفترض أن الشرق العربي بقعة سوداء على خريطة الماضي والحاضر، فما يكون لون المستقبل؟ ولنبحث بعد ذلك عن مصير الشعر والشعراء من خلال ذلك الظلام الدامس. وإذا ما استعملنا ضوء الذاكرة وجدنا أن محمد الماغوط في وجه من الوجوه جزء من المستقبل، لذا كان لابد من حمايته من غباء الحاضر، ألا يكون مستقبل شعرنا رمادًا لو تركنا الشعراء للسلطة؟ ولأن هذا الشاعر محترق بنيران الماضي والحاضر، لجأ إلى نيران المستقبل وهو جزء منها بحثًا عن وجود آخر وكينونة جديدة. بدت الأيام الأولى كاللعبة البطولية لنا نحن الاثنين، ولكن لما شحب لونه ومال إلى الإصفرار المرضي وبدأ مزاجه يحتد بدت لي خطورة اللعبة، كان همي الكبير أن يتلاشى الإعصار دون أن يخنق غباره «النسر».
يوميات رحلة الاختفاء
وحول «يوميات رحلة الاختفاء» قالت «سنية»: كنت أنقل له الطعام والصحف والزهور خفية. كنا نعتز بانتمائنا للحب والشعر كعالم بديل متعال على ما يحيط بنا. كان يقرأ مدفوعًا برغبة جنونية. وكنت أركض في البرد القارس والشمس المحرقة لأشبع له هذه الرغبة، فلا ألبث أن أرى أكثر الكتب أهمية وأغلاها ثمنا ممزقة أو مبعثرة فوق الأرض مبقعة بالقهوة حيث ألتقطها أو أغسلها ثم أرصفها على حافة النافذة حتى تجف. كان يشعل نيرانه الخاصة في روائع أدبية بينما كانت الهتافات في الخارج تأخذ من بعيد شكلًا معاديًا.