كيف أصبح محمود غلاب.. «سارتر» المصري؟
جان بول سارتر، هو فيلسوف وروائي وناقد أدبي فرنسي، وُلد في 1905 وتُوفي 1980، وبين هذين العامين كانت هناك ملحمة من العطاء تختلف عما نعرفه عن حياة الفلاسفة، ومن أبرز أعماله ذات الرؤية الفلسفية «الذباب» خلاصة تجاربه من خلال طرحه لقضية «الإرادة الحرة»، في إطار المسؤولية، ويرتكز على أنه، على الإنسان تحمل مسؤولية التفكير في كل شيء، مع التفرقة بين الحرية والإرادة.
اكتسبت رواية «الذباب» شهرة كبيرة، ومازالت تعرض بمعالجات مختلفة، وذلك لتشابه أطروحاتها مع ما يجري في العالم اليوم، بل نقول بلا مواربة إن المسرحية عابرة للأزمنة والأمكنة وغوصًا عميقًا داخل النفس البشرية.
ولعل سبب حصول «سارتر» على جائزة نوبل في الأدب هو مطابقة أقواله لأفعاله، ولكن الغريب أنه رفض قبولها عام ١٩٦٤، كما رفض ٢٥٠ ألف كرونة «عملة السويد» قيمة الجائزة، ورفض سارتر الجائزة لأنه يرفض تكريمه أثناء حياته، وأنه سبق له رفض جائزة أخرى كبيرة عن أعماله المتميزة، وأرجع ذلك الى أن قبول الجائزة من شأنه أن يُقيد حريته في الفكر والكتابة.
سيارة غلاب إلى هنا نقف مع «سارتر» الفرنسي لنرى ترجمة عملية لأفكاره في نموذج مصري صميم من أبناء محافظة قنا، يعكس لنا أن مصر بها آلاف مثل «سارتر»، ومثل عظماء العالم أجمع، ولكن أغلبهم بعيدون عن الجوائز التقديرية والتشجيعية.
وتبدأ قصتنا مع المواطن الصعيدي محمود أحمد غلاب «سارتر المصري» ابن محافظة قنا البار، وهو حاصل على مؤهل متوسط، يُكافح من أجل حياة أسرته، يعمل على سيارته الخاصة مع شركة نقل ركاب، وطلبت سيدة في العقد السادس من عمرها سيارة للذهاب من التجمع الخامس إلى الزمالك، وبعد أن وصلت فوجئت بفقد خاتمها الألماس داخل السيارة، وفي الوقت نفسه كان قد أخذ غلاب عميلًا آخر من نفس الزمالك إلى مطار القاهرة، وتواصلت السيدة معه وقالت له أنا بحاجة إلى السيارة فورًا، وألحت في طلبها، فأبلغها بأن معه عميل آخر، ويمكنها طلب سيارة أخرى، فسألته عما إذا كان العميل يجلس بجواره أم في المقعد الخلفي، فأبلغها أن العميل يجلس بجواره.
وقالت السيدة سأروي لك ما حدث وأمري إلى الله، لقد فقدت خاتم لا يقدر بمال بالنسبة لي داخل سيارتك، فطمأنها أنه إذا كان الخاتم داخل السيارة فسيكون معها بعد ساعتين فقط، وبعد أن أوقف محمود غلاب سيارته وأضاءها وبحث في المقعد الخلفي، فوجد الخاتم وأبلغها بوجوده، وأكد أنه سيعيده إليها خلال ساعتين بعد توصيل العميل، ولم تُصدق من الدهشة فأجابها أن هذه ما أمر به الله ورسوله، وازدادت دهشتها وقالت أنها توقعت أن ينكر وجود الخاتم.
أمانة غلاب
«اطمئني أمة سيدنا محمد بخير» كانت هذه الجملة هي رد محمود غلاب، وبعد انتهاء المحادثة سأله العميل الآخر بعد أن فهم ما حدث: هل ستعيد الخاتم رغم أن سعره فلكي؟ فقال غلاب بالطبع سأعيده، فقال الراكب، والله لقد أشعرتني بسعادة بالغة وطمأنتني أن الدنيا بخير، وبعد أن وصل العميل اتجه نحو منزل السيدة صاحبة الخاتم بمنطقة الزمالك.
وعند وصول محمود غلاب وجد أن صاحبة الخاتم أصدرت تعليماتها لأمن العمارة بدخوله فورا، وعند دخوله قالت لقد أشعرتنا بسعادة بالغة، ونحن عاجزون عن شكرك، وسنرسل إلى شركة النقل شكر وتقدير كبير جدًا لأنها تحافظ على مفقودات ومتعلقات العملاء، فقال لها أن الفضل يرجع إلى مركز دندرة الثقافي بقنا، الذي دشن مبادرة «سعيد يا صعيد» ضمن فعاليات بعنوان «قيمة الانسان».
فسألته: هل منحك مركز دندرة الثقافي شهادة؟ فقال لا شهادتي من مركز دندرة هو ما تم في هذا الموقف، إنه مركز خاضع لوزارة التضامن الاجتماعي يهتم ببناء الإنسان وإصلاح حال المواطنين، حتى يطمئن من فقد الأمل أن أمة سيدنا محمد بخير.
وعرضت عليه صاحبة الخاتم مبلغًا من المال خاصة أن قيمته المالية فلكية فرفض، وقال لقد فعلت ذلك إرضاء لله ورسوله، وسأنتظر جزائي من الله ورسوله، فقالت هذا حقك دينيًا وقانونًا، أنت لك عشرة بالمائة من المبلغ، فقال أعلم ذلك، ولكن سعادتي تكمن في عدم أخذ المال، هذا واجبي وواجب كل مسلم، وحاولت السيدة بشتى الطرق أن يأخذ المبلغ، وقيمته عدة آلاف من الجنيهات بالإضافة إلى مبلغ آخر قيمة عودته من المطار إلى الزمالك، فرفض.
رفض المكافأة
وعلقَ محمود غلاب قائلا في عبارة تضاهي أقوال «سارتر» وأفعاله: قائلًا ليس بالضرورة أن كل من يفعل خيرًا يحصل على مقابله، فماذا لو فقد موظف مبلغ مليون جنيهًا من عهدته، وعثر عليه إنسان يخاف الله، ولكن طلب حقه عشرة بالمائة، ألم يكن هذا عبئًا على الموظف البسيط؟ ولكن يقول الله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ»، فلو تعامل الجميع من خلال هذه الآية الكريمة لكان فضل الله علينا عظيما، وكان رد فعل صاحبة الخاتم أنه إن لم يحصل على حقه فستُنفق هذا المبلغ في أوجه الخير ليكون له أجره عند الله، وأصر محمود غلاب على رفض المكافأة.
كانت تلك إحدى الملاحم اليومية، منها ما نرصده، وتبقى آلاف القصص خفية عن الأعين، ولعل منها ما كان في حادث القطارين، ومنها ما كان في حادث انهيار عقار جسر السويس، وستبقى هذه النماذج المصرية الفريدة التي لا تبخل بجهدها وأموالها ودمائها اذا لزم الأمر لتحقيق الخير، فهنيئًا لكِ يا مصر أبنائك العظماء، أفعالهم رغم سوء أحوالهم أفعال الأبطال، وأقوالهم أقوال الفلاسفة والعلماء.. وللحديث بقية
اكتسبت رواية «الذباب» شهرة كبيرة، ومازالت تعرض بمعالجات مختلفة، وذلك لتشابه أطروحاتها مع ما يجري في العالم اليوم، بل نقول بلا مواربة إن المسرحية عابرة للأزمنة والأمكنة وغوصًا عميقًا داخل النفس البشرية.
ولعل سبب حصول «سارتر» على جائزة نوبل في الأدب هو مطابقة أقواله لأفعاله، ولكن الغريب أنه رفض قبولها عام ١٩٦٤، كما رفض ٢٥٠ ألف كرونة «عملة السويد» قيمة الجائزة، ورفض سارتر الجائزة لأنه يرفض تكريمه أثناء حياته، وأنه سبق له رفض جائزة أخرى كبيرة عن أعماله المتميزة، وأرجع ذلك الى أن قبول الجائزة من شأنه أن يُقيد حريته في الفكر والكتابة.
سيارة غلاب إلى هنا نقف مع «سارتر» الفرنسي لنرى ترجمة عملية لأفكاره في نموذج مصري صميم من أبناء محافظة قنا، يعكس لنا أن مصر بها آلاف مثل «سارتر»، ومثل عظماء العالم أجمع، ولكن أغلبهم بعيدون عن الجوائز التقديرية والتشجيعية.
وتبدأ قصتنا مع المواطن الصعيدي محمود أحمد غلاب «سارتر المصري» ابن محافظة قنا البار، وهو حاصل على مؤهل متوسط، يُكافح من أجل حياة أسرته، يعمل على سيارته الخاصة مع شركة نقل ركاب، وطلبت سيدة في العقد السادس من عمرها سيارة للذهاب من التجمع الخامس إلى الزمالك، وبعد أن وصلت فوجئت بفقد خاتمها الألماس داخل السيارة، وفي الوقت نفسه كان قد أخذ غلاب عميلًا آخر من نفس الزمالك إلى مطار القاهرة، وتواصلت السيدة معه وقالت له أنا بحاجة إلى السيارة فورًا، وألحت في طلبها، فأبلغها بأن معه عميل آخر، ويمكنها طلب سيارة أخرى، فسألته عما إذا كان العميل يجلس بجواره أم في المقعد الخلفي، فأبلغها أن العميل يجلس بجواره.
وقالت السيدة سأروي لك ما حدث وأمري إلى الله، لقد فقدت خاتم لا يقدر بمال بالنسبة لي داخل سيارتك، فطمأنها أنه إذا كان الخاتم داخل السيارة فسيكون معها بعد ساعتين فقط، وبعد أن أوقف محمود غلاب سيارته وأضاءها وبحث في المقعد الخلفي، فوجد الخاتم وأبلغها بوجوده، وأكد أنه سيعيده إليها خلال ساعتين بعد توصيل العميل، ولم تُصدق من الدهشة فأجابها أن هذه ما أمر به الله ورسوله، وازدادت دهشتها وقالت أنها توقعت أن ينكر وجود الخاتم.
أمانة غلاب
«اطمئني أمة سيدنا محمد بخير» كانت هذه الجملة هي رد محمود غلاب، وبعد انتهاء المحادثة سأله العميل الآخر بعد أن فهم ما حدث: هل ستعيد الخاتم رغم أن سعره فلكي؟ فقال غلاب بالطبع سأعيده، فقال الراكب، والله لقد أشعرتني بسعادة بالغة وطمأنتني أن الدنيا بخير، وبعد أن وصل العميل اتجه نحو منزل السيدة صاحبة الخاتم بمنطقة الزمالك.
وعند وصول محمود غلاب وجد أن صاحبة الخاتم أصدرت تعليماتها لأمن العمارة بدخوله فورا، وعند دخوله قالت لقد أشعرتنا بسعادة بالغة، ونحن عاجزون عن شكرك، وسنرسل إلى شركة النقل شكر وتقدير كبير جدًا لأنها تحافظ على مفقودات ومتعلقات العملاء، فقال لها أن الفضل يرجع إلى مركز دندرة الثقافي بقنا، الذي دشن مبادرة «سعيد يا صعيد» ضمن فعاليات بعنوان «قيمة الانسان».
فسألته: هل منحك مركز دندرة الثقافي شهادة؟ فقال لا شهادتي من مركز دندرة هو ما تم في هذا الموقف، إنه مركز خاضع لوزارة التضامن الاجتماعي يهتم ببناء الإنسان وإصلاح حال المواطنين، حتى يطمئن من فقد الأمل أن أمة سيدنا محمد بخير.
وعرضت عليه صاحبة الخاتم مبلغًا من المال خاصة أن قيمته المالية فلكية فرفض، وقال لقد فعلت ذلك إرضاء لله ورسوله، وسأنتظر جزائي من الله ورسوله، فقالت هذا حقك دينيًا وقانونًا، أنت لك عشرة بالمائة من المبلغ، فقال أعلم ذلك، ولكن سعادتي تكمن في عدم أخذ المال، هذا واجبي وواجب كل مسلم، وحاولت السيدة بشتى الطرق أن يأخذ المبلغ، وقيمته عدة آلاف من الجنيهات بالإضافة إلى مبلغ آخر قيمة عودته من المطار إلى الزمالك، فرفض.
رفض المكافأة
وعلقَ محمود غلاب قائلا في عبارة تضاهي أقوال «سارتر» وأفعاله: قائلًا ليس بالضرورة أن كل من يفعل خيرًا يحصل على مقابله، فماذا لو فقد موظف مبلغ مليون جنيهًا من عهدته، وعثر عليه إنسان يخاف الله، ولكن طلب حقه عشرة بالمائة، ألم يكن هذا عبئًا على الموظف البسيط؟ ولكن يقول الله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ»، فلو تعامل الجميع من خلال هذه الآية الكريمة لكان فضل الله علينا عظيما، وكان رد فعل صاحبة الخاتم أنه إن لم يحصل على حقه فستُنفق هذا المبلغ في أوجه الخير ليكون له أجره عند الله، وأصر محمود غلاب على رفض المكافأة.
كانت تلك إحدى الملاحم اليومية، منها ما نرصده، وتبقى آلاف القصص خفية عن الأعين، ولعل منها ما كان في حادث القطارين، ومنها ما كان في حادث انهيار عقار جسر السويس، وستبقى هذه النماذج المصرية الفريدة التي لا تبخل بجهدها وأموالها ودمائها اذا لزم الأمر لتحقيق الخير، فهنيئًا لكِ يا مصر أبنائك العظماء، أفعالهم رغم سوء أحوالهم أفعال الأبطال، وأقوالهم أقوال الفلاسفة والعلماء.. وللحديث بقية