رئيس التحرير
عصام كامل

سد النهضة يصل إلى محطته الأخيرة.. مهلة الأربعين يومًا.. حاتم باشات يتوقع تدخلًا خليجيًا.. ورسلان "الأمن المائي خط أحمر

اللواء حاتم باشات
اللواء حاتم باشات
وصلت أزمة سد النهضة إلى المحطة الأخيرة التي لا يستطيع أحد التنبؤ بتفاصيلها وأسرارها حتى الآن، حيث تبقى السيناريوهات كلها مفتوحة ومحتملة. الطرف الإثيوبي يتبنى خطابًا استفزازيًا مخالفًا للحد الأدنى من اللياقة والكياسة، والقاهرة لا تزال تتحرى المسارات الدبلوماسية بحثًا عن حقوقها المرعية بحكم المواثيق والاتفاقيات الدولية.


التعنت الإثيوبي


الأيام الماضية بالغت الحبشة في تعنتها عبر تصريحات وزيري الخارجية والري خلال المؤتمر الذي عُقد في أديس أبابا بمناسبة مرور ١٠ سنوات على تدشين السد، تشير إلى اعتزام إثيوبيا استكمال ملء سد النهضة، حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما كشف مجددًا عن رغبتها في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب بالشكل الذي لن يرضي قيادات وشعبي مصر والسودان.

الموقف المصري


في المقابل.. انتقدت القاهرة، سواء عبر رئيس الحكومة أو وزارة الخارجية، استخدام المسؤولين الإثيوبيين لغة السيادة في تصريحاتهم عن استغلال موارد نهر عابر للحدود، لا سيما أن الأنهار الدولية تعتبر ملكية مشتركة للدول المُشاطئة لها ولا يجوز بسط السيادة عليها أو السعي لاحتكارها، بل يتعين أن توظف هذه الموارد الطبيعية لخدمة شعوب الدول التي تتقاسمها على أساس قواعد القانون الدولي وأهمها مبادئ التعاون والإنصاف وعدم الإضرار.



وما يؤكد سوء النوايا والقفز على النتائج أن هذه التصريحات تزامنت مع المجهود المبذولة من جانب الكونغو الديمقراطية التي تقود الاتحاد الأفريقي، بهدف إعادة إطلاق مسار المفاوضات والتوصل لاتفاق قبل موسم الفيضان المقبل، وهو ما يعكس غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإثيوبي للتفاوض من أجل التوصل لتسوية لأزمة سد النهضة.

وتزامن ذلك أيضًا مع تحرك دبلوماسي مصري كبير داخل منظمة الأمم المتحدة، من خلال الحصول على توقيع أكثر من 150 دولة على بيان يؤكد على أن الأمن المائي قضية وجودية.. من أجل ذلك.. نطرح السؤال المهم: وماذا بعد، وما الذي تحمله لنا الأيام المقبلة، ومتى يتم إسدال الستار على هذه الأزمة، وما الطريقة المثلى التي سوف تضع بها أوزارها؟

سياسة الأمر الواقع


خلال كلمة مُسجلة ألقاها في اجتماع رفيع المستوى تم عقده الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على أن إثيوبيا تتبع في أزمة ملف سد النهضة نهج وسياسة تطبيق الأمر الواقع، واتخاذ القرارات الأحادية غير آبهة بدولتي المصب ومصلحتهما وأمنهما القومي المائي، وهذا بعد أن أعلنت إثيوبيا عزمها بدء الملء الثاني للسد في الصيف القادم.

في الوقت نفسه وبعد أن تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تطرق خلالها إلى القضية ذاتها، أكد السيسي خلال هذه المكالمة على أن أزمة ملف سد النهضة قضية أمن قومي ومصر ما زالت متمسكة بحقوقها المائية وضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني يلزم الجميع بقواعد صارمة فيما يتعلق بقضية السد وعملية البناء والملء.

وسط تعنت وإصرار إثيوبي على التصعيد وعدم الالتفات إلى مصالح دولتي المصب، طرحنا التساؤل "كيف يبدو سيناريو النهاية في أزمة سد النهضة، وكيف تبدو ملامح الفصل الأخير في هذه القضية القائمة منذ عدة سنوات بين الشد والجذب بين جميع الأطراف".

متخصصين في الشأن الأفريقي والمائي وضعوا عددا من السيناريوهات لما سيحدث خلال الفترة المقبلة خاصة خلال الثلاثة أشهر القادمة قبل قيام إثيوبيا بعملية الملء الثانية في يوليو القادم بأكثر من 18 مليار متر مكعب، أي أكثر من ضعف عملية الملء الأولى.

تدخل خليجي


اللواء حاتم باشات عضو لجنة الشؤون الأفريقي مجلس النواب السابق ووكيل جهاز المخابرات العامة السابق، رأى أنه يمكن أن يحدث تدخل خليجي على خط الأزمة لتهدئة الموقف خلال الفترة المقبلة، ويمكن أن يكون له تأثير قوي على حد قوله.

فالخلافات بدأت تتحول إلى تهديدات وهذا سيؤثر على الأمن القومي العربي بصفة عامة، ومنطقة الشرق الأفريقي بصفة خاصة، وتتمثل تلك التهديدات في عزم إثيوبيا تعنتها في الملء للمرحلة الثانية خلال الصيف القادم، مما يشكل خطورة على دولتي المصب، متابعًا "دخلنا مرحلة لا تُحمد عواقبها".

كما أشار باشات إلى أن التدخل الإفريقي لم يعد مُجدِيا الآن لأن إثيوبيا لم تحترم التدخل الإفريقي بالأساس بالرغم من عزم الأطراف على أن تُحل كافة القضايا إفريقيا دون تدخل الخارجي، ولكنها ترفض ذلك بعد أن كانت هي من أدخل الأطراف الدولية وأوروبا على خط الأزمة وعلق قائلًا: " إثيوبيا الآن تقول لابد أن يُحل الأمر أفريقيًا – أفريقيًا!".

ونوه باشات أيضا خلال تصريحه لـ«فيتو» إلى نقطة مهمة وهي تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسي بأن أمر التفاوض أمامه أربعين يوما فقط، وهذا تصريح صادر من رئيس دولة قوية لديها جيش قوي للغاية ولها ثقل وتاثير قوي على الاتحاد الأفريقي، واصفا هذا التصريح بأنه لابد من دراسته ووضعه في الاعتبار ودراسته في كافة جوانبه، ولابد أن يتم اتخاذ مواقف إيجابية خلال الأشهر القادمة لأننا نمر بأخطر مرحلة من مراحل أزمة سد النهضة على الإطلاق.

المفاوضات لا تجدي


على نفس النهج أكد أيضا مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية، حيث أشار إلى أن المفاوضات مع الجانب الإثيوبي لن تجدي نفعا لأن هذا الجانب ينكر الحقوق التاريخية لمصر والسودان معًا، فهو سيئ النية ولن لن يعطي مصر حقوقا تاريخية هو ينكرها، بل كان يسوّف واستطاع أن يمر من مرحلة ملء الخزان الأولى التي كانت العام الماضي بواقع 4 مليارات و900 مليون متر مكعب.

كما أضاف أن الجانب الإثيوبي يريد أن يصل إلى مرحلة الملء الثانية وهي من الناحية الفنية والتقنية تعطي أمانا للسد و بعدها يكون من الصعب وجود أية عمليات مؤثرة على السد، لأن هذه المرحلة تكون في حدود 18 مليار متر مكعب، ما يعني نحو 24 مليار وهذا يصنع أزمة كبرى، وفقا لما نوه إليه غباشي خلال حديثه.

كما أوضح رئيس المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية، أن الجانبين المصر والسوداني مُصران على ضرورة التوصل إلى تفاهم أو توقيع قبل مرحلة الملء الثانية، ولكن إثيوبيا تسعى لذلك دون أن تنظر إلى أية اتفاقيات.

وتابع غباشي قائلا :" نتذكر أن السيسي قال إنه لابد ألا يمر 15 أبريل حتى نصل إلى اتفاق فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، والوضع بالنسبة لسد النهضة خطر فهو في أصعب مراحله، ونحن في أخطر ثلاثة أشهر قادمين فيما يتعلق بمسألة سد النهضة تحديدًا أو على مسألة ضمان الحقوق التاريخية لمصر والسودان"، مشيرًا إلى أنه ليس أمام هاتين الدولتين أي وقت آخر لحل الأزمة.

واختتم تصريحه لـ«فيتو» قائلًا : "وبالرغم من ذلك لا نستطيع أن نقول إن هناك تدخلا غير دبلوماسى، ولكن القيادة في مصر والسودان صعب عليها أن تتحمل ضياع حقوق مائية تاريخية في هذا التوقيت الحرج، والإجراء الذي ستتخذه الدولتان حفظًا لهذه الحقوق التاريخية فلنراقب الموقف!".

الأمن المائي خط أحمر


من جانبه أكد هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن مصر والسودان في كافة تصريحاتهما المُعلنة يتحدثان عن استخدام كافة الوسائل القانونية أو المشروعة لمواجهة الأزمة ووصف الأمر بأنه تهديد للأمن القومي ويلحق أضرارا بالأمن المائي والمصال المائية، ولكن في الوقت نفسه لا يُمكن التكهن بما سيحدث في حال فشلت المفاوضات، حيث لا يوجد أي تطرق من كلا الجانبين إلى ماذا سوف يحدث إذا ما فشلت هذه المحاولة في التسوية؟!

ويعلق رسلان على ذلك قائلًا :" يقال إن هناك تنسيقا على أعلى مستوى بين مصر والسودان لاتخاذ خطوات في حالة فشل المفاوضات القادمة وهي الأهم، ولكن لا يوجد إشارة إلى أي وسائل غير سلمية أو صراعية أو تهديد صراعات؛ هذا ليس مُستبعد ولكن هناك حالة صمت ولا يُلوح بها ولكن لا يتم نفيها، فالرئيس السيسي قال قبل ذلك لا يوجد تدخل عسكري وسنقاتل في المفاوضات لكن هذا الأسلوب غير منتج مع إثيوبيا والجهود في المجتمع الدولي والإفريقي لا تعنيها بقليل أو كثير".

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية