د. أحمد عبد الرحمن يكتب: تكريم المرأة في التسمية
كثيرا ما يرد في القرآن الكريم لفظ "الناس"، وكذلك في الحديث النبوي، وفي لغة العرب،
وهذا اللفظ خطاب عام لنوعي الجنس البشري؛ آدم وحواء، على حد سواء، وذلك من حيث
أصل الوضع، فقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، هو خطاب للإنسان عامة؛ فالله رب النوعين، وهو خالقهما، وكلاهما مأمور
بتقواه، ولايقول أحد بأن هذا خطاب لجهة دون أخرى، لتعلق الخطاب هنا بالربوبية
والخلق والتكليف بالتقوى، وهذه كلها مشتركات بين نوعى البشر الرجل والمرأة .
وقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".. وهذا الخطاب متوجه الى الناس وقت نزول القرآن وهم بنو آدم وبناته، يقول للذرية: لقد خلقتم من رجل ومن امرأة - ذكر وأنثى- وفي سورة النساء يتكلم عن هذه الأنثى ويبين أنها خلقت من النفس الأولى - آدم- فهى مشتقة منه، وهي من جنسه، فقوله: "خلق منها" تفيد الاشتقاق والإخراج، وتفيد كذلك التشابه فهى منه، ليست مغايرة له ولا غريبة عنه، إنما هي نوع من جنسه، كما تفيد وحدة الأصل بين نوعي الإنسان، إن قلنا بأن "منها" تعني أصلها، أي خلق النفس الثانية من أصل النفس الأولى؛ ففي ذلك وحدة الأصل بين النوعين.
ويعني لي هنا معنى، أتمنى ألا يجانبني الصواب فيه وهو أن قوله في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..."، هو خطاب إلى نوع النساء بالدرجة الأولى، وذلك لعدة وجوه.
أولا: قوله: "خلقكم من نفس واحدة".. والكل يعترف ويقر، بما فى ذلك المرأة، أن حواء خلقت من ضلع آدم، فهو فى بداية أيامه كان النفس البشرية الوحيدة من جنس البشر، فكلمة "نفس واحدة" تتوجه أول ما تتوجه إلى آدم الذي خلقت منه النفس الثانية حواء "وبالتالي الخطاب متوجه إلى النفس الثانية - حواء- التى خلقت من النفس الوحيدة الأولى؛ آدم.
ثانيا: يقوي هذا المعنى قوله بعدها: "وخلق منها زوجها"، فحواء خلقت من آدم لتكون زوجا له ويكون هو زوجا لها، وحواء فى الخلق جاءت بعد آدم كما هو واضح، وانضمت إليه فكانا زوجين.
ثالثا: بعد التقاء آدم وزوجه الجديدة كان التناسل البشري، وتسلسل الجنس الإنساني "وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"؛ فالرجال والنساء من الذرية جاءوا من الاثنين - آدم وحواء - والنفس الثانية - حواء- جاءت من النفس الأولى - آدم - والخطاب في هذه الآية متوجه إلى النفس التي خلقت من نفس واحدة، ثم يوضح الخطاب أن الذرية جاءت من النفسين؛ الأولى والثانية معا، وبالتالى لهذه الوجوه أرى وأتمنى أن أكون موفقا في هذا الاستنباط، أن الخطاب في أول سورة النساء متوجه إلى النساء بالدرجة الأولى، ولا يمنع ذلك من دخول الرجال فيه ضمنا، لكن الأولوية فى هذا الخطاب للنساء قبل الرجال.
وقد يرجح هذا المنحى أن الآية موضوع البيان قد وردت فى أول سورة سميت باسم "النساء"، وصاحب البيت أولى بتوجيه الخطاب إليه قبل الأولاد، وقبل من معه من السكان لأنه أصل الموجود وصاحب الشأن الأول، وعليه فيمكنني القول بأن قوله تعالى في أول سورة النساء: "يا أيها الناس...." هو خطاب عام، أو خطاب عام أريد به الخصوص، أو هو خطاب عام مخصوص، وفي كل الأحوال فهو خطاب للنساء وتسمية لها "الناس" كما سمي الرجل "الناس".
ومما سبق يتبين لنا أن القرآن كما ساوى بين الرجل والمرأة، وسمى كلا منهما إنسانا، فقد ساوى بينهما أيضا وسمى كلا منهما "الناس"، بل فى بعض المواضع كان اسم "الناس" متوجها إلى النساء قبل توجهه إلى الرجال، فالمرأة يقال لها: "الناس" والرجل يقال له "الناس"، وكلاهما يطلق عليهما معا "الناس"، وهذا نوع من التسوية فى التسمية كما قلنا .
وتظهر لي لطيفة أخرى في سورة الحج، حيث افتتحت السورة بقوله تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ...".
الآيات هنا خاطبت الناس جميعا بتقوى ربهم، وذكرتهم بالزلزلة العظيمة يوم القيامة، وفى هذا اليوم الشديد وفى هذا الهول الرهيب، وفى هذه الزلزلة الرهيبة تذهل الأمهات عن أولادهن الرضع، وتضع ذوات الأحمال حملهن، وفى هذا رابط قوى بين شدة الزلزلة وقوة الأمومة المتمثلة فى الرضاعة والحمل، وهذا ماتختص به المرأة دون الرجل، فكأن الله يقول لنا: إن الزلزلة الرهيبة الشديدة تتغلب على الروابط كلها، وتقهر العواطف جميعها، حتى لوكانت عاطفة الأمومة، وفى ذلك إشارة إلى أن رابطة الأمومة التى اختصت بها المرأة وليس الرجل، والتى تمثلت فى الحمل والرضاعة هي أقوى الروابط وأمتن العلاقات الإنسانية التى لا يفوقها ولا يغلبها إلا زلزلة القيامة العظيمة، أما جميع الأحداث والفواجع والمصائب مهما عظمت فلا تنسى الأم أمومتها وإنسانيتها مهما بلغ خطرها، إلا أن تكون زلزلة القيامة .
لقد ورد حديث صحيح يفيد هذا المعنى "أن امرأة من السبى بعدما انتهت المعركة وفقدت وليدها فى هول الحرب، كانت تجرى فى أرض المعركة تبحث عن طفلها بين الأنقاض والسبايا، بينما هى تجرى لا تلوي على شئ إلا ولدها، وجدته فأخذته وألصقته بصدرها ترضعه رغم فداحة الخطب، ورأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك المشهد الأمومى البالغ فقال لأصحابه: هل ترون هذه الأم طارحة ولدها فى النار وهى قادرة ؟ أي عاقلة؟ قالوا: لا والله يارسول الله لا تفعل ذلك، قال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بولده ".
إن الحر والموت والسبى لم ينس الأم أمومتها وإنسانيتها، لم يشغلها ذلك حتى عن احتضان ابنها وإرضاعه، برغم شدة الكرب الذى تعانيه، إنها المرأة الإنسان التي لا يوازيها بل لا يقاربها شيء مهما كانت درجته.
بل إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرى فى الأمومة مثلا يضربه لتقريب رحمة الله بالخلق، فلا يجد إلا هذا المشهد الأمومي الإنساني يجلى لأصحابه فيه مدى سعة رحمة الله الرحمن الرحيم .
وقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".. وهذا الخطاب متوجه الى الناس وقت نزول القرآن وهم بنو آدم وبناته، يقول للذرية: لقد خلقتم من رجل ومن امرأة - ذكر وأنثى- وفي سورة النساء يتكلم عن هذه الأنثى ويبين أنها خلقت من النفس الأولى - آدم- فهى مشتقة منه، وهي من جنسه، فقوله: "خلق منها" تفيد الاشتقاق والإخراج، وتفيد كذلك التشابه فهى منه، ليست مغايرة له ولا غريبة عنه، إنما هي نوع من جنسه، كما تفيد وحدة الأصل بين نوعي الإنسان، إن قلنا بأن "منها" تعني أصلها، أي خلق النفس الثانية من أصل النفس الأولى؛ ففي ذلك وحدة الأصل بين النوعين.
ويعني لي هنا معنى، أتمنى ألا يجانبني الصواب فيه وهو أن قوله في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..."، هو خطاب إلى نوع النساء بالدرجة الأولى، وذلك لعدة وجوه.
أولا: قوله: "خلقكم من نفس واحدة".. والكل يعترف ويقر، بما فى ذلك المرأة، أن حواء خلقت من ضلع آدم، فهو فى بداية أيامه كان النفس البشرية الوحيدة من جنس البشر، فكلمة "نفس واحدة" تتوجه أول ما تتوجه إلى آدم الذي خلقت منه النفس الثانية حواء "وبالتالي الخطاب متوجه إلى النفس الثانية - حواء- التى خلقت من النفس الوحيدة الأولى؛ آدم.
ثانيا: يقوي هذا المعنى قوله بعدها: "وخلق منها زوجها"، فحواء خلقت من آدم لتكون زوجا له ويكون هو زوجا لها، وحواء فى الخلق جاءت بعد آدم كما هو واضح، وانضمت إليه فكانا زوجين.
ثالثا: بعد التقاء آدم وزوجه الجديدة كان التناسل البشري، وتسلسل الجنس الإنساني "وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"؛ فالرجال والنساء من الذرية جاءوا من الاثنين - آدم وحواء - والنفس الثانية - حواء- جاءت من النفس الأولى - آدم - والخطاب في هذه الآية متوجه إلى النفس التي خلقت من نفس واحدة، ثم يوضح الخطاب أن الذرية جاءت من النفسين؛ الأولى والثانية معا، وبالتالى لهذه الوجوه أرى وأتمنى أن أكون موفقا في هذا الاستنباط، أن الخطاب في أول سورة النساء متوجه إلى النساء بالدرجة الأولى، ولا يمنع ذلك من دخول الرجال فيه ضمنا، لكن الأولوية فى هذا الخطاب للنساء قبل الرجال.
وقد يرجح هذا المنحى أن الآية موضوع البيان قد وردت فى أول سورة سميت باسم "النساء"، وصاحب البيت أولى بتوجيه الخطاب إليه قبل الأولاد، وقبل من معه من السكان لأنه أصل الموجود وصاحب الشأن الأول، وعليه فيمكنني القول بأن قوله تعالى في أول سورة النساء: "يا أيها الناس...." هو خطاب عام، أو خطاب عام أريد به الخصوص، أو هو خطاب عام مخصوص، وفي كل الأحوال فهو خطاب للنساء وتسمية لها "الناس" كما سمي الرجل "الناس".
ومما سبق يتبين لنا أن القرآن كما ساوى بين الرجل والمرأة، وسمى كلا منهما إنسانا، فقد ساوى بينهما أيضا وسمى كلا منهما "الناس"، بل فى بعض المواضع كان اسم "الناس" متوجها إلى النساء قبل توجهه إلى الرجال، فالمرأة يقال لها: "الناس" والرجل يقال له "الناس"، وكلاهما يطلق عليهما معا "الناس"، وهذا نوع من التسوية فى التسمية كما قلنا .
وتظهر لي لطيفة أخرى في سورة الحج، حيث افتتحت السورة بقوله تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ...".
الآيات هنا خاطبت الناس جميعا بتقوى ربهم، وذكرتهم بالزلزلة العظيمة يوم القيامة، وفى هذا اليوم الشديد وفى هذا الهول الرهيب، وفى هذه الزلزلة الرهيبة تذهل الأمهات عن أولادهن الرضع، وتضع ذوات الأحمال حملهن، وفى هذا رابط قوى بين شدة الزلزلة وقوة الأمومة المتمثلة فى الرضاعة والحمل، وهذا ماتختص به المرأة دون الرجل، فكأن الله يقول لنا: إن الزلزلة الرهيبة الشديدة تتغلب على الروابط كلها، وتقهر العواطف جميعها، حتى لوكانت عاطفة الأمومة، وفى ذلك إشارة إلى أن رابطة الأمومة التى اختصت بها المرأة وليس الرجل، والتى تمثلت فى الحمل والرضاعة هي أقوى الروابط وأمتن العلاقات الإنسانية التى لا يفوقها ولا يغلبها إلا زلزلة القيامة العظيمة، أما جميع الأحداث والفواجع والمصائب مهما عظمت فلا تنسى الأم أمومتها وإنسانيتها مهما بلغ خطرها، إلا أن تكون زلزلة القيامة .
لقد ورد حديث صحيح يفيد هذا المعنى "أن امرأة من السبى بعدما انتهت المعركة وفقدت وليدها فى هول الحرب، كانت تجرى فى أرض المعركة تبحث عن طفلها بين الأنقاض والسبايا، بينما هى تجرى لا تلوي على شئ إلا ولدها، وجدته فأخذته وألصقته بصدرها ترضعه رغم فداحة الخطب، ورأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك المشهد الأمومى البالغ فقال لأصحابه: هل ترون هذه الأم طارحة ولدها فى النار وهى قادرة ؟ أي عاقلة؟ قالوا: لا والله يارسول الله لا تفعل ذلك، قال: لله أرحم بعباده من هذه الأم بولده ".
إن الحر والموت والسبى لم ينس الأم أمومتها وإنسانيتها، لم يشغلها ذلك حتى عن احتضان ابنها وإرضاعه، برغم شدة الكرب الذى تعانيه، إنها المرأة الإنسان التي لا يوازيها بل لا يقاربها شيء مهما كانت درجته.
بل إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرى فى الأمومة مثلا يضربه لتقريب رحمة الله بالخلق، فلا يجد إلا هذا المشهد الأمومي الإنساني يجلى لأصحابه فيه مدى سعة رحمة الله الرحمن الرحيم .