رئيس التحرير
عصام كامل

"30 يونيو" بداية أيام صعبة وحاسمة في تاريخ تحول مصر الديمقراطي.. مراقبون دوليون يتوقعون خروج التظاهرات عن السلمية.. والسيناريوهات تشير إلى تدخل الجيش في حالة العنف

جانب من الاعتصام
جانب من الاعتصام بالتحرير

تتنظر مصر عقب مرور الـ24 ساعة المقبلة، مرحلة صعبة وحاسمة في تاريخ تحولها الديمقراطي منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وجاءت بجماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وذلك من خلال مظاهرات 30 يونيو، التي تأمل قوى المعارضة فيها نزول ملايين المواطنين المصريين.


وتوقع مراقبون دوليون أن تخرج تلك المظاهرات عن إطار السلمية، لتشهد عنفًا غير مسبوق قد يحدث، إما لوقوع اشتباكات بين المعارضين وأنصار الرئيس مرسى من جماعات التيار الإسلامي، وهو ما حدث خلال الأيام الثلاثة الماضية، وإما لاندساس أطراف سميت "بالطرف الثالث"، والتي دائمًا ما يُشار إلى أنها مجموعات من "البلطجية"، مدفوعة الأجر من بقايا النظام السابق.

وهذه الأيام لن تكون صعبة فقط، بحسب المراقبين، ولكنها أيضًا ستكون حاسمة، في عواقبها وتحقيق الغَلبة والانتصار لأحد أطراف اللعبة السياسية، وهو ما يتأهب إليه المصريون ويراقبه العرب والعالم، لما للحدث من تأثير على المنطقة بأكملها.

وفي ذكرى مرور العام الأول من توليه الحكم، جاءت مظاهرات قوى المعارضة الرئيسية ضد الرئيس محمد مرسي، للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعدما وجهت له خلال الشهور الماضية انتقادات حادة لأدائه السياسي، متهمة إياه بأنه "لا يتخذ قراراته بمعزل عن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، وبذلك لم يعد رئيسًا لكل المصريين".

لكن بتسليط الضوء على الفصيل المعارض الرئيسي لمظاهرات 30 يونيو، نجد أنها حركة شعبية (حركة تمرد) يقول عنها طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنها "ربما تكون امتدادا ثاني للثورة المصرية"، خاصة بعدما عجزت قوى المعارضة من أحزاب وتيارات منضوية في كيان عمره عام "جبهة الإنقاذ الوطني" عن إيجاد بديل للمواطن المصري عن الخروج في مليونيات متكررة، ترفع مطالب مثل إقالة الحكومة التي تشكك في قدرتها على تلبية حاجات المصريين، وإقالة النائب العام (طلعت عبد الله) الذي عينه الرئيس، وإجراء تعديل على الدستور الجديد الذي انسحبت المعارضة من إعداده وانتقدت الكثير من مواده.

وهذه المطالب لم تلق استجابة من الرئيس الجديد، فظهرت حملة تمرد التي طرحت خيارًا جديدًا، دعمته قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، وهو سحب الثقة من الرئيس مرسى، عبر جمع 15 مليون توقيع شعبي، ثم الإنطلاق إلى قصر الاتحادية لمطالبة الرئيس بالرحيل.

وتواجه التوقيعات التي أعلنت "تمرد" عن جمعها (أكثر من 22 مليون توقيع) خلافًا قانونيًا حادًا حول مدى دستوريتها، حيث يعتبر عدد من الفقهاء القانونيين أنه لا سند قانونيا لها، ولا للتصور الذي طرحته في تولي رئيس المحكمة الدستورية (أعلى سلطة قضائية في مصر) الحكم في الفترة الانتقالية، فيما تعتمد الحملة على المادة الثالثة من الدستور الجديد الذي يقول إن "السيادة للشعب المصري"، بحسب ما صرح به محمود بدر، مؤسس الحملة للأناضول.

ورغم أنه لا تواجد آليات محددة لتحديد ما إذا كانت الحملة وصلت بالفعل إلى جمع هذا العدد من التوقيعات أو لا، لكنها في حال استطاعتها حشد هذا العدد، فستكون نجحت في إرسال رسالة هامة للرئيس مرسي بشأن تآكل شرعيته، لكن تبقى المعضلة في كيفية تعامل أطراف رئيسية هي مؤسسة الرئاسة وجماعات التيار الإسلامي، والجيش والشرطة، مع هذه المظاهرات، وهو ما سيحدد حجم العنف المتوقع أن يحدث هذا اليوم.

مؤسسة الرئاسة استطاعت طوال عام منقضٍ، وحتى الجمعة الماضي، تأكيد شرعيتها عبر حشد أنصارها من الجماعات الإسلامية المختلفة، التي ترى في حكم مرسي حماية للمشروع الإسلامي، خاصة أن تلك التيارات واجهت إقصاء خلال الـ30 عامًا الماضية، وبالتالي فهي تدافع عن شرعية الرئيس "بالدماء" كما جاءت تصريحات قيادات إسلامية في الأيام الأخيرة.

وذلك التأييد يضع احتمالية وقوع سيناريو العنف بين معارضي الرئيس ومؤيديه، فدفع القوى الإسلامية وأنصار الرئيس مرسي، الذي قدرت أعدادهم في مليونية نظموها الجمعة بأكثر من 100 ألف مؤيد بالقاهرة، للاشتباك والصدام، سيتسبب في وقوع كثير من الدماء، وزهق الأرواح، والتي يتوقع خبراء أن تكون أكبر مما حدث في ثورة يناير.

طارق فهمي، الخبير السياسي قال إنه "في حال وقوع هذ السيناريو سيلجأ الرئيس للضغط على الجيش والشرطة للنزول ومواجهة العنف، وفي حال رفض الجيش ذلك، وإصراره على أن يقوم الرئيس بمطالبه أنصاره بالانسحاب أو تقديم تنازلات للمعارضة، سيضطر الرئيس لأخذ موقف المتفرج لحين تحقيق الغلبة والسيطرة له ولشرعيته، وعقب ذلك سيقوم باتخاذ إجراءات مباشرة يحيل بها المتقاعسين من المؤسسات إلى التقاعد وربما الإطاحة بهم".

واستند فهمي في نزول جماعات التيار الإسلامي لدعم الرئيس، إلى ما هو أكثر من نزولهم سابقًا في أحداث عنف وقعت أمام قصر الاتحادية في ديسمبر الماضي، خلفت 8 قتلى، حيث استشهد بالتصريحات الأخيرة لقيادات التيار الإسلامي منذ مؤتمر نصرة سوريا الذي حضره الرئيس الأسبوع الماضي، وأظهرت فيه تلك التيارات استعدادها للدفاع عن الشرعية، وما تلاه من تصريحات حادة بشأن سحق المعارضة، والدفاع عن الرئيس بالدماء، وغيره في مليونية نظمها المؤيدون 21 يونيو الجاري.

وأشار فهمي إلى تصريح أحد قيادات الجماعة الإسلامية مطلع الشهر الحالي، وهي تيار إسلامي له قواعد حاشدة في الجنوب المصري، كما لتنظيم الجهاد في سيناء، بشأن تشكيل لجان شعبية تقوم بدور الشرطة في حال تقاعسها عن أداء مهامها، وهو ما استنكرته قيادات أمنية.

وتابع فهمي: "هذا التصريح الذي غفله البعض قد يحين وقت تنفيذه في حال تقاعس المؤسسة العسكرية عن النزول لمواجهة العنف لصالح الرئيس، خاصة أن الرئيس نفسه أرسل في خطابه الأخير إشارات لكافة أركان نظامه بأنه هو الرئيس، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي المرة الأولى منذ توليه أن يذكر ذلك بخطابه، وفي حال انتصار مجموعات التيار الإسلامي وقدرتها على إنهاء المواجهة لصالحها، سيتحول الرئيس بكامل سلطاته وصلاحياته وربما يتخذ عددا من الإجراءات، ويقوم بتنقية مؤسسات الدولة من الإعلام والاقتصاد والأمن والجيش".

لكن سيناريوهين آخرين، بعيدًا عن العنف، يبقيا محل ترقب، السيناريو الأول هو أن يستبق الرئيس تلك المظاهرات بالقبض على العناصر المثيرة للقلق بالنسبة له قبل حدوث العنف، وذلك عن طريق الأجهزة قيام المعنية بدورها، وتبقى احتمالية هذا السيناريو ضعيفة، خاصة مع وقوع اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين بمختلف المحافظات أسفرت عن قتلى ومئات المصابين ولم يتحرك الرئيس نحو تنفيذ هذا السيناريو.والسيناريو الثاني فأن يمر الحدث شأنه شأن أحداث عنف أخرى، مثل أحداث "الاتحادية" (ديسمبر الماضي) وأخرى وقعت في الذكرى الثانية من الثورة، وجميعها اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين، دون أي تأثير على الأرض سوى أنها خلفت 28 قتيلا ومئات المصابين.

أما عن موقف الجيش، فيبقى تدخله الرهان الذي تعلق عليه المعارضة المصرية، هي الأخرى، آمالها في إنهاء المشهد لصالحها، وما يدعم ذلك الانتظار تأويل تصريحات الفريق أول عبد الفتاح السيسي، والتي غالبًا ما تأتي حمّالة أوجه، حيث دائمًا ما يجمع بين أن الجيش لن يتدخل في المشهد السياسي وبين أنه لن يسمح بحالة الاستقطاب أن تستمر، لكن هذه التصريحات يتراجع تأثيرها وسط وقائع أخرى، إشارات الرئيس للمؤسسة العسكرية في خطابه الأخير، ومراقبة الجيش لما يدور بترقب لأن أي حركة غير محسوبة من شأنها أن تدفع الرئيس بالإطاحة بعدد لا بأس به من القيادات.

ورجّح "فهمي" لتدخل الجيش سيناريوهين، إما أن تستمر المؤسسة العسكرية كقيادة منضبطة يبقى دورها في تأمين المنشآت الحيوية، وإما أن تخرج من بين صفوف الجيش قيادة وسطى ترفض الوضع الراهن، لإنهاء مشهد الاحتدام، وهو ما لم يرجحه، حتى في حال نزول التيارات الإسلامية لحماية شرعية الرئيس، فلن يكون للجيش رد فعل قوى، لأنه يفضل حرب النفس الطويل، وهو ما قد يتغير فجأة، لتأتي الأحداث بما لا يتوقعه أحد.
الجريدة الرسمية