السودان على خريطة الروس والأمريكان.. سفن موسكو وواشنطن ترسو على شواطئه.. وتوسيع النفوذ في القارة السمراء هدف التحركات
«بورتسودان» منطقة إستراتيجية تفصلها آلاف الكيلومترات بين الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، غير إن هذه المسافة البعيدة لم تمنع وضعها على «جدول اهتمامات» واشنطن وموسكو، حيث تحولت المنطقة المطلة على ساحل البحر الأحمر، إلى أرض معركة جديدة بين العدوين التقليديين منذ سنوات طويلة.
الصراع على السودان
لتشهد الأيام القليلة الماضية سباقًا أمريكيًّا روسيًّا على التواجد في تلك المنطقة ومناطق إستراتيجية سودانية أخرى، من خلال وصول بعض السفن العسكرية من كلتا البلدين إلى ميناء بورتسودان، بعد فترة من التغييرات والتقلبات التي شهدها السودان، وبحث الإدارة الجديدة للبلاد عن حلول ناجزة لتحسين أوضاع السودان الاقتصادية، بعد خطوة رفعها من قوائم الإرهاب الأمريكية، والتي تم على إثرها وقف العقوبات التي أدت لخسائر اقتصادية ضخمة على مدار سنوات طويلة من حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
الدور الأمريكي
منذ أيام رست السفينة ونستون تشرشل في مدينة بورتسودان، وكانت تحمل على متنها نحو 300 جندي من البحرية الأمريكية في مختلف التخصصات، كما توقفت السفينة العسكرية الأمريكية «يو إس إس ونستون تشرشل»، في ساحل السودان على البحر الأحمر، وذلك بعد أن رست بارجة تابعة لقيادة النقل البحري الأمريكي «يو س إن إس كارسون سيتي»، بالقرب من نفس النقطة في 24 فبراير الماضي.
بورتسودان
وذكر بيان صادر عن السفارة الأمريكية أن القائم بالأعمال الأمريكي لدى الخرطوم براين شوكان، وصل إلى مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر للقاء الحكومة والمجتمع المدني وقادة المجتمع، واعتبرت السفارة الأمريكية أن هذه الزيارات تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، واستعدادها لتعزيز الشراكة معه.
وعلق قائد القوات البحرية الأمريكية وقيادة النقل البحري في أوروبا وأفريقيا، قائد فرقة العمل 63، النقيب فرانك أوكاتا، على هذه التحركات قائلًا: «يشرفنا العمل مع شركائنا السودانيين في تعزيز الأمن البحري، وترغب القوات المسلحة الأمريكية في تعزيز شراكتها المتجددة مع القوات المسلحة السودانية»، لتبدأ نتائج الزيارة التي أجراها أندرو يانج نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم»، إلى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في الظهور.
روسيا تتحرك
وتزامنًا مع التحركات الأمريكية دخول مدمرة حربية روسية ميناء بورتسودان، وحسبما ذكرت وكالة أنباء انترفاكس الروسية، فإن المدمرة التي تحمل اسم «الأدميرال جريجوروفيتش» وهي السفينة الحربية الروسية الأولى التي تدخل الميناء، بناءً على اتفاقية وقعت في ديسمبر الماضي، حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر بهدف تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
ولا تستهدف أطرافًا أخرى، حسبما جاء في مقدمة الاتفاقية التي تنص على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وستكون المنشأة الجديدة المقرر بناؤها بالقرب من ميناء بورتسودان، قادرة على استيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني.
كما يسمح للمنشأة استقبال أربع سفن في وقت واحد، وستستخدم القاعدة في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين وكمكان يمكن أن يرتاح فيه أفراد البحرية الروسية، وتقدم الحكومة السودانية الأرض مجانًا وستحصل موسكو على الحق في جلب أي أسلحة وذخيرة وغيرها من المعدات التي تحتاجها عبر مطارات وموانئ السودان لدعم المنشأة، ومدة الاتفاقية 25 عامًا قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين، ويمكن للحكومة السودانية استعمال أرصفة المنشأة بموافقة الجانب الروسي.
صراع النفوذ
صراع النفوذ بين روسيا وأمريكا على السودان، اشتعل بعد إعلان روسيا في ديسمبر 2020 اعتزامها إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية قرب بورتسودان، ونشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية مع السودان، مما دفع الولايات المتحدة لتتحرك سريعًا نحو المياه السودانية.
وبحسب محللين، فإن الولايات المتحدة ستنفذ العديد من المناورات العسكرية المشتركة على مستوى عدد من دول القارة الأفريقية والمقررة في يونيو 2021، وتخطط لتوسيع دوائر نفوذها عبر فتح مجالات للاستثمار بمختلف المجالات في الدول النامية بالقارة، لتواجه التحركات الروسية التي بدأت تظهر بجدية في أكتوبر 2019، عندما كانت روسيا تستقبل أول قمة أفريقية، أعلن بوتين خلالها أن أفريقيا تعتبر بالنسبة له هدفًا إستراتيجيًّا وسياسيًّا كبيرًا للغاية.
القارة السمراء
وقال: إن «روسيا ستعود إلى أفريقيا لتحقيق أهداف عدة، بينها تأمين الأسواق لمنتجاتها الزراعية وتسويق المنتجات والخدمات العسكرية شأنها شأن الأمريكيين والأوروبيين»، وقد استوردت أفريقيا ما بين 2015 و2019 نسبة 49% من تجهيزاتها العسكرية من روسيا وهو ما يصل إلى ضعفي حجم مستورداتها من الموردين الكبيرين الآخرين وهما الولايات المتحدة 14% والصين 13%.
وتعقيبًا على هذه التحركات، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: إن «وصول سفن حربية أمريكية للسودان حدث مهم جدًا؛ باعتباره لم يحدث منذ 25 سنة، وهذه السفن تتبع قيادة النقل البحري العسكرية التي تعمل في مناطق عابرة، والمعلن حتى الآن عن الهدف من تواجدها في السودان هو تعزيز الشراكة مع القوات المسلحة السودانية».
وكشف أستاذ العلوم السياسية، أن سفن النقل تابعة لقيادة النقل البحري العسكرية والهدف ليس كما هو معلن تعزيز الشراكة فقط، وإنما تواجد القوات الأمريكية البحرية في مناطق إستراتيجية ومتماسة في المناطق الأمن البحري، لأن هناك قيادة أمريكية تعرف باسم الفيلق الجنوبي الأمريكي في الجنوب وموجودة في مناطق حوض البحر الأحمر.
وأيضًا في مناطق التماس الإستراتيجي، لكن الجديد أن هذه الزيارة تعتبر خطوة أمريكية مهمة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وتأمين المؤانئ البحرية الأفريقية تجاه مضيق باب المندب ومناطق التماس الإستراتيجية له، كما أنها تعكس عملية التعاون العسكري والسياسي بين واشنطن والخرطوم والتي ستشهد تطورًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة.
مكافحة الإرهاب
وأوضح أن «تواجد تلك السفن له دلالات في استئناف العلاقات الأمريكية السودانية، وسبق ذلك زيارة وفد أمريكي برئاسة السفير أندرو يونج نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا، وكان معه رئيس المخابرات التابعة لأفريكوم.
وبالتالي هذه ليست أول زيارة عسكرية لكن هناك تحركات في هذا الإطار، والعنوان الرئيسي الذي يمكن أن نضعه لتلك التحركات هو مكافحة الإرهاب وبحث القدرات الأمنية والدفاعية».
مشيرًا إلى أن هناك سفنًا أمريكية ستزور السودان خلال الأشهر المقبلة، وبالتالي سيكون هناك حركة عسكرية إستراتيجية، فالأمريكيون يؤكدون وجودهم في السودان باعتباره مدخلًا للجنوب الأفريقي وامتداده.
قواعد أجنبية
«د.طارق» أكد أن وصول سفن حربية روسية إلى السودان أيضًا يأتي تمهيدا لبناء قاعدة روسية بحرية هناك، وتتواجد تلك السفن بالقرب من ميناء بورتسودان، وهو ميناء إستراتيجي هام على البحر الأحمر، لافتًا إلى أن القاعدة ستكون أول قاعدة روسية في أفريقيا، وستضم 300 فرد من العسكريين والمدنيين، وستؤدي دورًا مهمًا في ذلك التوقيت.
وتوقع أنه سيكون هناك صراع بين الأطراف المختلفة على وضع السودان، باعتبارها دولة مهمة وتربطها علاقات جديدة بأمريكا، والسودان سيحصل مقابل القاعدة على معدات وأسلحة روسية، ويأتي ذلك بعد الاتفاقية التي وقعت بين السودان وروسيا على إنشاء قاعدة تعمل بالطاقة النوية وستستوعب سفنًا كثيرة وسيكون لها إمداد وتموين من أفراد البحرية الروسية، على أن تكون مدة ذلك الاتفاق 25 سنة.
وسيتم تمديده بصورة أو بأخرى، وهناك تحركات مهمة من الجانب الأمريكي والروسي في إطار تمركز قوات البلدين، وسيكون هناك تغيرات في الأجواء الإستراتيجية العسكرية على طول هذه المناطق.
في نفس السياق، قال رامي زهدي، الخبير في الشئون الأفريقية: من الواضح أن الهدف هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية حجز مكانا لها في هذه النقطة المهمة من العالم والمؤثرة بشكل واضح في أمن منطقة الشرق الأوسط، وقد تكون محورًا هامًا ومسرح عمليات لما هو قادم ومتوقع من أحداث في هذا الإقليم.
كما أن الوجود العسكري في هذه المنطقة له بعد أمني عميق في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وعابرة الحدود خاصة وأن منطقة جنوب البحر الأحمر تعتبر مدخلًا إستراتيجيًا لكل من قارتي أفريقيا وآسيا، كما انها منطقة اقتصادية غنية بالموارد الطبيعية ومقومات الاستثمار سواء السياحي والتعديني والصناعي مستقبلًا.
وأضاف أن «تواجد السفن العسكرية الأمريكية يعد خطوة هامة في إطار عودة العلاقات القوية التاريخية بين السودان وأمريكا بعد رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب وبعد عقود من تضييق اقتصادي ومالي وعقوبات أضرت كثيرا بخطط التنمية في السودان».
مشيرًا إلى أن مشاركة أمن منطقة البحر الأحمر بين القوى الدولية والدول المطلة على البحر الأحمر أصبح مثار اهتمام كبير من كافة الأطراف، وكذلك ضرورة لتبادل الخبرات والمعلومات فيما يتوافق مع مصالح الأمن والسلم في المنطقة.
كما لفت «زهدي» النظر إلى أنه منذ أيام سفينة حربية تابعة لإسطول البحر الأسود الروسي -وفق بيان رسمي من قيادة الأسطول- رست في ميناء بورتسودان السوداني المطل على البحر الأحمر، لأول مرة في تاريخ روسيا المعاصر، وبالفعل يوجد الاتفاق المبرم بين حكومتي موسكو والخرطوم، باعتماد ميناء بورتسودان مركزا لوجستيا للبحرية الروسية، بينما الحديث عن قواعد عسكرية روسية في بورتسودان هو أمر لا يمكن التنبؤ بحدوثه من عدمه ما لم يعلن ذلك من الجانبين.
وتابع: لميناء بورتسودان أهمية عظيمة، كونه الوحيد لدولة السودان، ويخدم عدد كبير من الدول المتاخمة للحدود السودانية ويقع في المواجهة مع ميناء جدة وهو أحد أهم موانئ المنطقة، وهناك سباق محموم يجري الآن بين قوى دولية مختلفة للتواجد في هذه المنطقة.
لكن يجب أن تعي القوى الدولية وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أهمية المنطقة اقتصاديا وحاجاتها للتطوير وأن تكون مصالح الشعب السوداني وحقهم في التنمية هي الأساس، فالمنطقة رغم المقومات الاقتصادية تعاني شحا في المياه ومياه الشرب منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلى جانب غياب للبنية التحتية والصرف الصحي وتراجع في كل الخدمات الإنسانية.
نقلًا عن العدد الورقي...
الصراع على السودان
لتشهد الأيام القليلة الماضية سباقًا أمريكيًّا روسيًّا على التواجد في تلك المنطقة ومناطق إستراتيجية سودانية أخرى، من خلال وصول بعض السفن العسكرية من كلتا البلدين إلى ميناء بورتسودان، بعد فترة من التغييرات والتقلبات التي شهدها السودان، وبحث الإدارة الجديدة للبلاد عن حلول ناجزة لتحسين أوضاع السودان الاقتصادية، بعد خطوة رفعها من قوائم الإرهاب الأمريكية، والتي تم على إثرها وقف العقوبات التي أدت لخسائر اقتصادية ضخمة على مدار سنوات طويلة من حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
الدور الأمريكي
منذ أيام رست السفينة ونستون تشرشل في مدينة بورتسودان، وكانت تحمل على متنها نحو 300 جندي من البحرية الأمريكية في مختلف التخصصات، كما توقفت السفينة العسكرية الأمريكية «يو إس إس ونستون تشرشل»، في ساحل السودان على البحر الأحمر، وذلك بعد أن رست بارجة تابعة لقيادة النقل البحري الأمريكي «يو س إن إس كارسون سيتي»، بالقرب من نفس النقطة في 24 فبراير الماضي.
بورتسودان
وذكر بيان صادر عن السفارة الأمريكية أن القائم بالأعمال الأمريكي لدى الخرطوم براين شوكان، وصل إلى مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر للقاء الحكومة والمجتمع المدني وقادة المجتمع، واعتبرت السفارة الأمريكية أن هذه الزيارات تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، واستعدادها لتعزيز الشراكة معه.
وعلق قائد القوات البحرية الأمريكية وقيادة النقل البحري في أوروبا وأفريقيا، قائد فرقة العمل 63، النقيب فرانك أوكاتا، على هذه التحركات قائلًا: «يشرفنا العمل مع شركائنا السودانيين في تعزيز الأمن البحري، وترغب القوات المسلحة الأمريكية في تعزيز شراكتها المتجددة مع القوات المسلحة السودانية»، لتبدأ نتائج الزيارة التي أجراها أندرو يانج نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم»، إلى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في الظهور.
روسيا تتحرك
وتزامنًا مع التحركات الأمريكية دخول مدمرة حربية روسية ميناء بورتسودان، وحسبما ذكرت وكالة أنباء انترفاكس الروسية، فإن المدمرة التي تحمل اسم «الأدميرال جريجوروفيتش» وهي السفينة الحربية الروسية الأولى التي تدخل الميناء، بناءً على اتفاقية وقعت في ديسمبر الماضي، حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر بهدف تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
ولا تستهدف أطرافًا أخرى، حسبما جاء في مقدمة الاتفاقية التي تنص على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وستكون المنشأة الجديدة المقرر بناؤها بالقرب من ميناء بورتسودان، قادرة على استيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني.
كما يسمح للمنشأة استقبال أربع سفن في وقت واحد، وستستخدم القاعدة في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين وكمكان يمكن أن يرتاح فيه أفراد البحرية الروسية، وتقدم الحكومة السودانية الأرض مجانًا وستحصل موسكو على الحق في جلب أي أسلحة وذخيرة وغيرها من المعدات التي تحتاجها عبر مطارات وموانئ السودان لدعم المنشأة، ومدة الاتفاقية 25 عامًا قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية بموافقة الطرفين، ويمكن للحكومة السودانية استعمال أرصفة المنشأة بموافقة الجانب الروسي.
صراع النفوذ
صراع النفوذ بين روسيا وأمريكا على السودان، اشتعل بعد إعلان روسيا في ديسمبر 2020 اعتزامها إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية قرب بورتسودان، ونشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية مع السودان، مما دفع الولايات المتحدة لتتحرك سريعًا نحو المياه السودانية.
وبحسب محللين، فإن الولايات المتحدة ستنفذ العديد من المناورات العسكرية المشتركة على مستوى عدد من دول القارة الأفريقية والمقررة في يونيو 2021، وتخطط لتوسيع دوائر نفوذها عبر فتح مجالات للاستثمار بمختلف المجالات في الدول النامية بالقارة، لتواجه التحركات الروسية التي بدأت تظهر بجدية في أكتوبر 2019، عندما كانت روسيا تستقبل أول قمة أفريقية، أعلن بوتين خلالها أن أفريقيا تعتبر بالنسبة له هدفًا إستراتيجيًّا وسياسيًّا كبيرًا للغاية.
القارة السمراء
وقال: إن «روسيا ستعود إلى أفريقيا لتحقيق أهداف عدة، بينها تأمين الأسواق لمنتجاتها الزراعية وتسويق المنتجات والخدمات العسكرية شأنها شأن الأمريكيين والأوروبيين»، وقد استوردت أفريقيا ما بين 2015 و2019 نسبة 49% من تجهيزاتها العسكرية من روسيا وهو ما يصل إلى ضعفي حجم مستورداتها من الموردين الكبيرين الآخرين وهما الولايات المتحدة 14% والصين 13%.
وتعقيبًا على هذه التحركات، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية: إن «وصول سفن حربية أمريكية للسودان حدث مهم جدًا؛ باعتباره لم يحدث منذ 25 سنة، وهذه السفن تتبع قيادة النقل البحري العسكرية التي تعمل في مناطق عابرة، والمعلن حتى الآن عن الهدف من تواجدها في السودان هو تعزيز الشراكة مع القوات المسلحة السودانية».
وكشف أستاذ العلوم السياسية، أن سفن النقل تابعة لقيادة النقل البحري العسكرية والهدف ليس كما هو معلن تعزيز الشراكة فقط، وإنما تواجد القوات الأمريكية البحرية في مناطق إستراتيجية ومتماسة في المناطق الأمن البحري، لأن هناك قيادة أمريكية تعرف باسم الفيلق الجنوبي الأمريكي في الجنوب وموجودة في مناطق حوض البحر الأحمر.
وأيضًا في مناطق التماس الإستراتيجي، لكن الجديد أن هذه الزيارة تعتبر خطوة أمريكية مهمة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وتأمين المؤانئ البحرية الأفريقية تجاه مضيق باب المندب ومناطق التماس الإستراتيجية له، كما أنها تعكس عملية التعاون العسكري والسياسي بين واشنطن والخرطوم والتي ستشهد تطورًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة.
مكافحة الإرهاب
وأوضح أن «تواجد تلك السفن له دلالات في استئناف العلاقات الأمريكية السودانية، وسبق ذلك زيارة وفد أمريكي برئاسة السفير أندرو يونج نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا، وكان معه رئيس المخابرات التابعة لأفريكوم.
وبالتالي هذه ليست أول زيارة عسكرية لكن هناك تحركات في هذا الإطار، والعنوان الرئيسي الذي يمكن أن نضعه لتلك التحركات هو مكافحة الإرهاب وبحث القدرات الأمنية والدفاعية».
مشيرًا إلى أن هناك سفنًا أمريكية ستزور السودان خلال الأشهر المقبلة، وبالتالي سيكون هناك حركة عسكرية إستراتيجية، فالأمريكيون يؤكدون وجودهم في السودان باعتباره مدخلًا للجنوب الأفريقي وامتداده.
قواعد أجنبية
«د.طارق» أكد أن وصول سفن حربية روسية إلى السودان أيضًا يأتي تمهيدا لبناء قاعدة روسية بحرية هناك، وتتواجد تلك السفن بالقرب من ميناء بورتسودان، وهو ميناء إستراتيجي هام على البحر الأحمر، لافتًا إلى أن القاعدة ستكون أول قاعدة روسية في أفريقيا، وستضم 300 فرد من العسكريين والمدنيين، وستؤدي دورًا مهمًا في ذلك التوقيت.
وتوقع أنه سيكون هناك صراع بين الأطراف المختلفة على وضع السودان، باعتبارها دولة مهمة وتربطها علاقات جديدة بأمريكا، والسودان سيحصل مقابل القاعدة على معدات وأسلحة روسية، ويأتي ذلك بعد الاتفاقية التي وقعت بين السودان وروسيا على إنشاء قاعدة تعمل بالطاقة النوية وستستوعب سفنًا كثيرة وسيكون لها إمداد وتموين من أفراد البحرية الروسية، على أن تكون مدة ذلك الاتفاق 25 سنة.
وسيتم تمديده بصورة أو بأخرى، وهناك تحركات مهمة من الجانب الأمريكي والروسي في إطار تمركز قوات البلدين، وسيكون هناك تغيرات في الأجواء الإستراتيجية العسكرية على طول هذه المناطق.
في نفس السياق، قال رامي زهدي، الخبير في الشئون الأفريقية: من الواضح أن الهدف هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية حجز مكانا لها في هذه النقطة المهمة من العالم والمؤثرة بشكل واضح في أمن منطقة الشرق الأوسط، وقد تكون محورًا هامًا ومسرح عمليات لما هو قادم ومتوقع من أحداث في هذا الإقليم.
كما أن الوجود العسكري في هذه المنطقة له بعد أمني عميق في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وعابرة الحدود خاصة وأن منطقة جنوب البحر الأحمر تعتبر مدخلًا إستراتيجيًا لكل من قارتي أفريقيا وآسيا، كما انها منطقة اقتصادية غنية بالموارد الطبيعية ومقومات الاستثمار سواء السياحي والتعديني والصناعي مستقبلًا.
وأضاف أن «تواجد السفن العسكرية الأمريكية يعد خطوة هامة في إطار عودة العلاقات القوية التاريخية بين السودان وأمريكا بعد رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب وبعد عقود من تضييق اقتصادي ومالي وعقوبات أضرت كثيرا بخطط التنمية في السودان».
مشيرًا إلى أن مشاركة أمن منطقة البحر الأحمر بين القوى الدولية والدول المطلة على البحر الأحمر أصبح مثار اهتمام كبير من كافة الأطراف، وكذلك ضرورة لتبادل الخبرات والمعلومات فيما يتوافق مع مصالح الأمن والسلم في المنطقة.
كما لفت «زهدي» النظر إلى أنه منذ أيام سفينة حربية تابعة لإسطول البحر الأسود الروسي -وفق بيان رسمي من قيادة الأسطول- رست في ميناء بورتسودان السوداني المطل على البحر الأحمر، لأول مرة في تاريخ روسيا المعاصر، وبالفعل يوجد الاتفاق المبرم بين حكومتي موسكو والخرطوم، باعتماد ميناء بورتسودان مركزا لوجستيا للبحرية الروسية، بينما الحديث عن قواعد عسكرية روسية في بورتسودان هو أمر لا يمكن التنبؤ بحدوثه من عدمه ما لم يعلن ذلك من الجانبين.
وتابع: لميناء بورتسودان أهمية عظيمة، كونه الوحيد لدولة السودان، ويخدم عدد كبير من الدول المتاخمة للحدود السودانية ويقع في المواجهة مع ميناء جدة وهو أحد أهم موانئ المنطقة، وهناك سباق محموم يجري الآن بين قوى دولية مختلفة للتواجد في هذه المنطقة.
لكن يجب أن تعي القوى الدولية وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أهمية المنطقة اقتصاديا وحاجاتها للتطوير وأن تكون مصالح الشعب السوداني وحقهم في التنمية هي الأساس، فالمنطقة رغم المقومات الاقتصادية تعاني شحا في المياه ومياه الشرب منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلى جانب غياب للبنية التحتية والصرف الصحي وتراجع في كل الخدمات الإنسانية.
نقلًا عن العدد الورقي...