خطة باريس لطرد الإخوان من عالم البحوث الجامعية.. وزير فرنسي يقود معركة التوعية بمخاطر الجماعة.. ودعم ماكرون سر قوته
فرنسا.. ساحة معركة متجددة تحاول جماعة الإخوان الإرهابية أن تجد لها فيها موضع قدم، متجاهلة التراكمات الثقافية والحضارية التي يزيد عمرها عن 300 عام، والتي تقف حائلا دون استغلال الجماعة لـ«أنصاف الفرص» على أمل اختراق الحظر المفروض عليها من جانب الحكومة الفرنسية الرافضة لها بقيادة الرجل الأول داخل قصر الإليزيه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
معركة الوعي
وزير التعليم العالي الفرنسي فريديريك فيدال، أحد الأعمدة الأساسية الآن في الحرب التي أعلنتها باريس على الإسلام السياسي وليس الإخوان وحدهم، لا سيما وأنه يدرك جيدًا أنها رأس الحربة، والقضاء عليها يعني إبطال سموم الفكرة ومنعها من الانتشار عبر الكهوف السرية التي تفننت الإخوان وخلفها تيارات الإسلام السياسي في بنائها على مدار العقود الماضية.
وخاصة عالم البحوث الجامعية، الذي اقتحمته الجماعة بالتمويل تارة وتحت اسم حرية البحث تارة أخرى لتقديم نفسها بطريقة مختلفة، وإن كانت بنفس المدرسة القديمة «المظلومية».
التحالف مع اليسار
«فيدال» كشف عن آخر أساليب الإخوان للنفاذ إلى مجتمع التعليم والبحوث، عبر طريق التحالف مع اليسار، واليسار بدوره يميل إلى التعاطف مع اليسار الإسلامي، ويدفع كل منهم الآخر إلى مغازلة المجتمع الأكاديمي، لتشكيل جبهة قوية ضد محاولة استئصال الفكرة من الحياة الفرنسية والأوروبية بشكل عام بما يضر بخطط الدولة لحماية الهوية الوطنية.
ولجأ وزير التعاليم العالي إلى «تجريس التحالف» وتدميره في المهد وأعلن عن تحقيق في الجامعات، ولم يلتفت إلى المثاليات التي يحاول ترويجها رؤساء الجامعات، الذين اتهموه بمطاردة الساحرات، وإقامة محاكم تفتيش تعيد أوروبا للعصور الوسطى، لكن الرجل الخبير في كيفية معرفة أساليب التمكين رفض ذلك، وأصر على موقفه، مدعوما من الحكومة الفرنسية.
اتهامات ماكرون
الجماعة من جانبها لم تترك الفرصة، ولا تزال تتهم ماكرون وإدارته بتدبير حرب صليبية ضد الإسلام وليس ضد الجماعات الراديكالية المتطرفة، وشنت حروبا شرسة وجندت شركات علاقات عامة بالتعاون مع اليسار لتزكية هذه الصورة، لكن ضغوط فيدال أجبرت المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) على إعادة النظر في تقييم جميع الأبحاث التي جرت في فرنسا حول الإسلام السياسي، والتحري عن مصادر معلوماتها وتمويلها وخلفيات من قاموا بها.
وفي مقابل هذا اتبع الوزير الفرنسي تكتيكا «شرق أوسطي» كثيرا ما انتقدته أوروبا في السابق، ولكنه أصبح الطريق الوحيد لمقاومة نبتة الإسلام السياسي واجتثاث جذورها من الأرض، عبر توسيع دوائر الاشتباه، وتخيير كل التيارات بين العمل في الإطار الشرعي والهُوية الوطنية، أو تطبيق القانون بكل حسم على من يتحالف مع الإسلاميين ولو بطريق غير مباشر لتحقيق أغراضهم.
سواء كان ذلك بالقصد أو بجهل، أو لمصالح مادية رخيصة تساوي تسليم المجتمع لتيارات منغلقة تريد تحويله إلى أمة غير مبدعة، تفضل النقل على العقل، وتريد تجنيد كل بلدان العالم لصالح أوهام، ومع أنها تفشل لكنها تفسد في المجتمع.
على مدار العقود الماضية أثبتت التجرِبة أن الجامعة ليست بيئة محصنة، وهو ما أثبته فيدال بالتوثيق، فهناك من الجامعات ما تحول بسبب الاقتراب من أفكار التطرف إلى إرهابي لا يجيد إلا لغة الدماء والقتل.
وبالتالي مثل هذه الخطوات كفيلة بدفع المجتمع البحثي إلى المشاركة في المسئولية ومعالجة الخلل الذي أحدثه الإسلاميون في البيئة الأوروبية بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، بشرط تنقيتها أولًا وتخليصها من الازدواجية والعمل لصالح أجندات خارجية.
ويستند الوزير الفرنسي على قوة ماكرون وشعبيته التي زادت بعد المواجهة الدامية مع تيار الإسلام السياسي، ولاسيما أن بعض نجوم اليسار في مؤسسات الحكم، ولاسيما مجلس الأمة، حاولوا وصمه وشن الحروب الشرسة ضده باعتباره يعيد فرنسا إلى عقلية التفتيش التي تليق بالقرون الوسطى.
في المقابل يدعم نواب اليمين بدرجاته، الوزير، وطالبوا معارضيه اليسار بتقديم تحليلات وليس تناقضات أو خطابات عاطفية ساذجة، فالإسلام السياسي بخلاف الحسم الأمني يحتاج إلى خطاب علمي يساعد المجتمع على فهم الظاهرة وأخطارها الشديدة، ومدى الضرر الذي يمكن أن يحدث.
كما يدعم الوزير في مواجهة زحف الإسلاميين إلى العمل البحثي مخاوف شرسة في عموم الثقافة الأوروبية من تأثير الإسلام السياسي على دفع القارة العجوز للتطرف، وأصبحت هناك قناعة بضرورة الإيمان بتدخل الدولة بسبب تسارعت ما يسمى بالانفصالية الإسلامية خلال السنوات العشرين الماضية
أدوار الإسلاميين
ما يعزز المخاوف أن الإسلام هو الآن الديانة الثانية في فرنسا، وتغير حال المسلمون خلال الثلاثين عامًا الماضية، وأصبح قطاع منهم يلعبون أدوارًا مثل تلك التي يلعبونها في الشرق الأوسط.
فالإسلام السياسي، يجب أن يكون دوره بعيدًا عن الأقبية والمساجد والمساحة الخاصة للإنسان التي يتعبد فيها لله تعالى دون مآرب سياسية، اليوم أصبح الإسلام قضية تثير أزمة في المجتمع، ليس بسبب الديانة ولكن ما يحاك للمجتمع من مؤامرات على يد الإسلاميين، وتستغل في ذلك تمسك شريحة متزايدة من المسلمين بجميع التعاليم الدينية، الصلوات اليومية، وارتداء الحجاب، وإيجاد مسافة ضرورية بين الرجال والنساء، واحترام القيود الغذائية.
كل هذا جعل الوزير الفرنسي الذي يمثل حكومته، يتخوف من زحف الإسلاميين للمجتمع الجامعي، ويواجه بكل قوة تحدي الإسلاموية كأيديولوجية مهما جلب عليه ذلك من اتهامات بالفاشية.
فالدافع وراء التطرف الديني دائما بالنسبة للثقافة الفرنسية إيجاد دور سياسي للدين بحيث يتحكم في شئون السلطة والحكم، لهذا جعل ماكرون لنفسه دورا أكبر هذه المرحلة، وهو مكافحة ظاهرة الإسلام السياسي، واعتبارها الأولوية القصوى للدولة لو كان تريد الاستمرار في الحداثة، دولة عصرية تحترم العقل وتعطيه التقدير الذي يستحق، وفرض ذلك بدوره على حكومته التزامات مشابهة، وكل يسير في مجاله، وعلى رأسهم وزير التعليم العالي.
اليمين الفرنسي
وفي هذا السياق قال كمال العيفي، الكاتب والباحث في شئون الجماعات: إن «تعدد العمليات الإرهابية التي يقوم بها منتسبون إلى الإسلام، وتزايد حدة التطرف، أوجد الفرصة لليمين الفرنسي لإحراج السياسة والإعلام، ودفعهم إلى التحرك بقوة ضد الانتشار المضاد للوجود الإسلامي، وفاقم من أزمة الإسلاموفوبيا».
وأشار «العيفي» أيضا إلى أنه أمام تحدي اليمين كان لا بد من تبني بعض مقولاته وسياساته "الإسلام في العالم يعيش أزمة ويجب أن تعالج"، ليطرح علاجًا للإسلام بفرنسا يتمثل في ترويض الجمعيات والمؤسسات والمدارس والمساجد والأئمة الذين يراهم خطرًا على المجتمع والدولة.
ولفت الباحث إلى أن المشكلة تجاوزت ماكرون إلى رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، الذي تجاوز الحديث بشكل عام وأصبح يتحدث عن مظاهر دينية مثل إطلاق اللحية وزيادة ارتياد المساجد في رمضان، ومداومة الصلاة في المساجد وإرسال الأبناء إلى مدارس اللغة العربية دون غيرها والتي اعتبرها من مظاهر التطرف.
إغلاق المساجد
وأضاف: كل هذه التفاصيل جعلت الحكومة الحالية ممثلة في وزير الداخلية الحالي جيرالد دارمانان تعلن البدء في إغلاق 76 مسجدًا ومؤسسة دينية ومنع الأئمة والدعاة والعلماء غير الفرنسيين من مخاطبة المسلمين الفرنسيين، ثم يعلن عن منع التعاون مع الدول الإسلامية في إرسال مدرسي اللغة والتربية الإسلامية والأئمة، ولا سيما تركيا.
وكل الإجراءات هدفها تحصين القانون وتعزيز مبادئ الجمهورية الفرنسية وليس ضد الأديان، وإن كان يستهدف الفكر الخبيث الذي ينشر التطرف في البلاد.
قانون الانفصالية
بدوره تحدث الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، عن قانون "الانفصالية" في فرنسا والذي أثار جدلًا واسعا في الفترة الأخيرة بعدما تم تفعيله ومراقبة 89 مسجدًا، موضحًا أن القرارات التي أطلقتها فرنسا وجرى تفعيلها مؤخرًا لا تستهدف المسلمين بشكل عام.
ولكنها تستهدف جماعات الإسلام السياسي (الإخوان الإرهابية – حركة بي كيب وهي حركة تركية تقوم بالإشراف على المساجد أو ما يسمى بالمساجد التركية في فرنسا وفي أوروبا) هدف تلك الجماعات وتلك الحركة إلي جانب حركة "الذئاب الرمادية" هو خدمة القضايا التي تهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكذلك الحزب الحاكم في تركيا، وبشكل عام جماعة الإخوان الإرهابية.
وتابع الدكتور أيمن سمير، هذه التيارات الثلاثة التي سبق ذكرها تعمل على خلق مجتمع موازٍ أملًا في إحباط ما يسعى إليه المجتمع الفرنسي من دمج كافة المواطنين وجعلهم وحدة واحدة ، لكن هذه الجماعات الإرهابية تسعى لعزل أتباعها عن المجتمع الفرنسي لعدة أهداف.
تتمثل في أولًا: الحصول على أموال من هؤلاء، وتسخيرهم لقضايا وأجندات خاصة بهم وأيضًا لخدمة ومهاجمة أعداء التنظيمات الثلاثة وتحديدًا تركيا والجماعات الإخوانية.
ثانيًا: رفضت الدولة الفرنسية والمخابرات الفرنسية قبل وقت سابق دخول أموال طائلة من قبل تركيا لدعم تلك المراكز التي تعمل على نشر الفكر العثماني والخرائط العثمانية، كما أن هناك مسجدًا تم التحفظ عليه في مدينة "تولوز" الفرنسية.
وكذلك رفضت المخابرات الفرنسية ما يقارب من 35 مليون يورو في سنة 2020 من أجل بناء ما يسمي بالمركز الثقافي الملحق بتلك المسجد الذي عثروا بداخله على الخريطة العثمانية التي تزعم أن الدولة التركية والدولة العثمانية التي يسعى أردوغان لتأسيسها تمتد من شبه جزيرة القرم شمالًا حتى الصومال وأريتريا جنوبًا ومن مناطق الإيجور في الصين شرقًا حتى منطقة البلقان في أوروبا غربًا والمغرب العربي غربًا.
مشيرًا إلى أن الترويج لهذا الأمر يتم بشكل كبير للغاية من خلال هذه المساجد التي هدفها التجسس على أعداء أردوغان سواء من الأكراد أو المعارضين أو الأحزاب الأخرى من الشعوب الديمقراطية.
الذئاب الرمادية
وأضاف الدكتور سمير، أن الأمر اتضح بعدما تم رصد والتأكد من أن حركة الذئاب الرمادية التي تتخذ من المساجد الفرنسية مقرًا للاختباء من الحكومة الفرنسية والبوليس الفرنسي أنها في الأساس منظمة مدنية غير إسلامية تسعى للقيام بعمليات إرهابية والتصفية الجسدية ضد أعداء الإخوان وأردوغان في الأراضي الفرنسية.
مشيرًا إلى أنهم وجدوا ضمن هذه المساجد التي تم التحفظ عليها وجود مناهج ثقافية وتعليمية وكتب ليست لها علاقة من قريب أو من بعيد بالمناهج الفرنسية وجميعها مناهج تدعو للإرهاب والقتل، إلى جانب أنهم وجدوا بعض الأقراص المدمجة التي توثق معارك عثمانية سواء في الحرب العالمية الأولي أو ما قبلها، كل ذلك يجعل من فرنسا تحديدًا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي ممولة لـ"داعش" من حيث الأفراد.
ووفق لإحصائيات دولية منذ الفترة 2014 حتى 2020 أكثر فئات منضمة لداعش وكبار الإرهابيين وعتاة من قام بعمليات ذبح وقتل في سوريا وفي الرقة والعراق جاء من مناطق موجودة في فرنسا.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية، إلى أنه نتيجة لهذا التطرف ظهرت بعض الخلايا النائمة في فرنسا منها تنظيم "التنورات القصيرة" – تنظيم يعتمد على مهاجمة وقتل أي سيدة ترتدي ملابس قصيرة تكشف عن جسدها – وبالفعل تم قتل واختطاف عدد كبير من النساء من قبل تلك التنظيم لأنهم يرتدون ثياب لا تليق بالنهج الخاص بهم.
وأكد سمير، على أن فرنسا تقوم بهذه الأنشطة ومراقبة المساجد وفقًا لما يسمى بقانون الانفصالية لاستبعاد الأئمة الأتراك من الذهاب إلي فرنسا، كما أنها عملت على مشروع لتدريب الأئمة الفرنسيين ذوي النشأة الأصلية في فرنسا بدلًا من استيراد الأئمة المتشددين من تركيا والتابعين لجماعة الإخوان الإرهابية سعيًا للحفاظ على أمنها.
مشيرًا إلى أن الإحصائيات أثبتت أن أغلب من يرتاد تلك المساجد لا يركعون بها نهائيًا بل يذهبوا للمشاركة في اجتماعات سياسية وتحويل بيوت الله من مساجد للعبادة إلى ملجأ للجماعات الإرهاب، وذلك حسبما أكد تقرير المفوض الأوروبي لشؤون الإرهاب في 2019، والذي أكد أيضًا على وجود 50 ألف داعشي في أوروبا غالبيتهم في فرنسا.
نقلًا عن العدد الورقي...
معركة الوعي
وزير التعليم العالي الفرنسي فريديريك فيدال، أحد الأعمدة الأساسية الآن في الحرب التي أعلنتها باريس على الإسلام السياسي وليس الإخوان وحدهم، لا سيما وأنه يدرك جيدًا أنها رأس الحربة، والقضاء عليها يعني إبطال سموم الفكرة ومنعها من الانتشار عبر الكهوف السرية التي تفننت الإخوان وخلفها تيارات الإسلام السياسي في بنائها على مدار العقود الماضية.
وخاصة عالم البحوث الجامعية، الذي اقتحمته الجماعة بالتمويل تارة وتحت اسم حرية البحث تارة أخرى لتقديم نفسها بطريقة مختلفة، وإن كانت بنفس المدرسة القديمة «المظلومية».
التحالف مع اليسار
«فيدال» كشف عن آخر أساليب الإخوان للنفاذ إلى مجتمع التعليم والبحوث، عبر طريق التحالف مع اليسار، واليسار بدوره يميل إلى التعاطف مع اليسار الإسلامي، ويدفع كل منهم الآخر إلى مغازلة المجتمع الأكاديمي، لتشكيل جبهة قوية ضد محاولة استئصال الفكرة من الحياة الفرنسية والأوروبية بشكل عام بما يضر بخطط الدولة لحماية الهوية الوطنية.
ولجأ وزير التعاليم العالي إلى «تجريس التحالف» وتدميره في المهد وأعلن عن تحقيق في الجامعات، ولم يلتفت إلى المثاليات التي يحاول ترويجها رؤساء الجامعات، الذين اتهموه بمطاردة الساحرات، وإقامة محاكم تفتيش تعيد أوروبا للعصور الوسطى، لكن الرجل الخبير في كيفية معرفة أساليب التمكين رفض ذلك، وأصر على موقفه، مدعوما من الحكومة الفرنسية.
اتهامات ماكرون
الجماعة من جانبها لم تترك الفرصة، ولا تزال تتهم ماكرون وإدارته بتدبير حرب صليبية ضد الإسلام وليس ضد الجماعات الراديكالية المتطرفة، وشنت حروبا شرسة وجندت شركات علاقات عامة بالتعاون مع اليسار لتزكية هذه الصورة، لكن ضغوط فيدال أجبرت المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) على إعادة النظر في تقييم جميع الأبحاث التي جرت في فرنسا حول الإسلام السياسي، والتحري عن مصادر معلوماتها وتمويلها وخلفيات من قاموا بها.
وفي مقابل هذا اتبع الوزير الفرنسي تكتيكا «شرق أوسطي» كثيرا ما انتقدته أوروبا في السابق، ولكنه أصبح الطريق الوحيد لمقاومة نبتة الإسلام السياسي واجتثاث جذورها من الأرض، عبر توسيع دوائر الاشتباه، وتخيير كل التيارات بين العمل في الإطار الشرعي والهُوية الوطنية، أو تطبيق القانون بكل حسم على من يتحالف مع الإسلاميين ولو بطريق غير مباشر لتحقيق أغراضهم.
سواء كان ذلك بالقصد أو بجهل، أو لمصالح مادية رخيصة تساوي تسليم المجتمع لتيارات منغلقة تريد تحويله إلى أمة غير مبدعة، تفضل النقل على العقل، وتريد تجنيد كل بلدان العالم لصالح أوهام، ومع أنها تفشل لكنها تفسد في المجتمع.
على مدار العقود الماضية أثبتت التجرِبة أن الجامعة ليست بيئة محصنة، وهو ما أثبته فيدال بالتوثيق، فهناك من الجامعات ما تحول بسبب الاقتراب من أفكار التطرف إلى إرهابي لا يجيد إلا لغة الدماء والقتل.
وبالتالي مثل هذه الخطوات كفيلة بدفع المجتمع البحثي إلى المشاركة في المسئولية ومعالجة الخلل الذي أحدثه الإسلاميون في البيئة الأوروبية بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، بشرط تنقيتها أولًا وتخليصها من الازدواجية والعمل لصالح أجندات خارجية.
ويستند الوزير الفرنسي على قوة ماكرون وشعبيته التي زادت بعد المواجهة الدامية مع تيار الإسلام السياسي، ولاسيما أن بعض نجوم اليسار في مؤسسات الحكم، ولاسيما مجلس الأمة، حاولوا وصمه وشن الحروب الشرسة ضده باعتباره يعيد فرنسا إلى عقلية التفتيش التي تليق بالقرون الوسطى.
في المقابل يدعم نواب اليمين بدرجاته، الوزير، وطالبوا معارضيه اليسار بتقديم تحليلات وليس تناقضات أو خطابات عاطفية ساذجة، فالإسلام السياسي بخلاف الحسم الأمني يحتاج إلى خطاب علمي يساعد المجتمع على فهم الظاهرة وأخطارها الشديدة، ومدى الضرر الذي يمكن أن يحدث.
كما يدعم الوزير في مواجهة زحف الإسلاميين إلى العمل البحثي مخاوف شرسة في عموم الثقافة الأوروبية من تأثير الإسلام السياسي على دفع القارة العجوز للتطرف، وأصبحت هناك قناعة بضرورة الإيمان بتدخل الدولة بسبب تسارعت ما يسمى بالانفصالية الإسلامية خلال السنوات العشرين الماضية
أدوار الإسلاميين
ما يعزز المخاوف أن الإسلام هو الآن الديانة الثانية في فرنسا، وتغير حال المسلمون خلال الثلاثين عامًا الماضية، وأصبح قطاع منهم يلعبون أدوارًا مثل تلك التي يلعبونها في الشرق الأوسط.
فالإسلام السياسي، يجب أن يكون دوره بعيدًا عن الأقبية والمساجد والمساحة الخاصة للإنسان التي يتعبد فيها لله تعالى دون مآرب سياسية، اليوم أصبح الإسلام قضية تثير أزمة في المجتمع، ليس بسبب الديانة ولكن ما يحاك للمجتمع من مؤامرات على يد الإسلاميين، وتستغل في ذلك تمسك شريحة متزايدة من المسلمين بجميع التعاليم الدينية، الصلوات اليومية، وارتداء الحجاب، وإيجاد مسافة ضرورية بين الرجال والنساء، واحترام القيود الغذائية.
كل هذا جعل الوزير الفرنسي الذي يمثل حكومته، يتخوف من زحف الإسلاميين للمجتمع الجامعي، ويواجه بكل قوة تحدي الإسلاموية كأيديولوجية مهما جلب عليه ذلك من اتهامات بالفاشية.
فالدافع وراء التطرف الديني دائما بالنسبة للثقافة الفرنسية إيجاد دور سياسي للدين بحيث يتحكم في شئون السلطة والحكم، لهذا جعل ماكرون لنفسه دورا أكبر هذه المرحلة، وهو مكافحة ظاهرة الإسلام السياسي، واعتبارها الأولوية القصوى للدولة لو كان تريد الاستمرار في الحداثة، دولة عصرية تحترم العقل وتعطيه التقدير الذي يستحق، وفرض ذلك بدوره على حكومته التزامات مشابهة، وكل يسير في مجاله، وعلى رأسهم وزير التعليم العالي.
اليمين الفرنسي
وفي هذا السياق قال كمال العيفي، الكاتب والباحث في شئون الجماعات: إن «تعدد العمليات الإرهابية التي يقوم بها منتسبون إلى الإسلام، وتزايد حدة التطرف، أوجد الفرصة لليمين الفرنسي لإحراج السياسة والإعلام، ودفعهم إلى التحرك بقوة ضد الانتشار المضاد للوجود الإسلامي، وفاقم من أزمة الإسلاموفوبيا».
وأشار «العيفي» أيضا إلى أنه أمام تحدي اليمين كان لا بد من تبني بعض مقولاته وسياساته "الإسلام في العالم يعيش أزمة ويجب أن تعالج"، ليطرح علاجًا للإسلام بفرنسا يتمثل في ترويض الجمعيات والمؤسسات والمدارس والمساجد والأئمة الذين يراهم خطرًا على المجتمع والدولة.
ولفت الباحث إلى أن المشكلة تجاوزت ماكرون إلى رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، الذي تجاوز الحديث بشكل عام وأصبح يتحدث عن مظاهر دينية مثل إطلاق اللحية وزيادة ارتياد المساجد في رمضان، ومداومة الصلاة في المساجد وإرسال الأبناء إلى مدارس اللغة العربية دون غيرها والتي اعتبرها من مظاهر التطرف.
إغلاق المساجد
وأضاف: كل هذه التفاصيل جعلت الحكومة الحالية ممثلة في وزير الداخلية الحالي جيرالد دارمانان تعلن البدء في إغلاق 76 مسجدًا ومؤسسة دينية ومنع الأئمة والدعاة والعلماء غير الفرنسيين من مخاطبة المسلمين الفرنسيين، ثم يعلن عن منع التعاون مع الدول الإسلامية في إرسال مدرسي اللغة والتربية الإسلامية والأئمة، ولا سيما تركيا.
وكل الإجراءات هدفها تحصين القانون وتعزيز مبادئ الجمهورية الفرنسية وليس ضد الأديان، وإن كان يستهدف الفكر الخبيث الذي ينشر التطرف في البلاد.
قانون الانفصالية
بدوره تحدث الدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، عن قانون "الانفصالية" في فرنسا والذي أثار جدلًا واسعا في الفترة الأخيرة بعدما تم تفعيله ومراقبة 89 مسجدًا، موضحًا أن القرارات التي أطلقتها فرنسا وجرى تفعيلها مؤخرًا لا تستهدف المسلمين بشكل عام.
ولكنها تستهدف جماعات الإسلام السياسي (الإخوان الإرهابية – حركة بي كيب وهي حركة تركية تقوم بالإشراف على المساجد أو ما يسمى بالمساجد التركية في فرنسا وفي أوروبا) هدف تلك الجماعات وتلك الحركة إلي جانب حركة "الذئاب الرمادية" هو خدمة القضايا التي تهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكذلك الحزب الحاكم في تركيا، وبشكل عام جماعة الإخوان الإرهابية.
وتابع الدكتور أيمن سمير، هذه التيارات الثلاثة التي سبق ذكرها تعمل على خلق مجتمع موازٍ أملًا في إحباط ما يسعى إليه المجتمع الفرنسي من دمج كافة المواطنين وجعلهم وحدة واحدة ، لكن هذه الجماعات الإرهابية تسعى لعزل أتباعها عن المجتمع الفرنسي لعدة أهداف.
تتمثل في أولًا: الحصول على أموال من هؤلاء، وتسخيرهم لقضايا وأجندات خاصة بهم وأيضًا لخدمة ومهاجمة أعداء التنظيمات الثلاثة وتحديدًا تركيا والجماعات الإخوانية.
ثانيًا: رفضت الدولة الفرنسية والمخابرات الفرنسية قبل وقت سابق دخول أموال طائلة من قبل تركيا لدعم تلك المراكز التي تعمل على نشر الفكر العثماني والخرائط العثمانية، كما أن هناك مسجدًا تم التحفظ عليه في مدينة "تولوز" الفرنسية.
وكذلك رفضت المخابرات الفرنسية ما يقارب من 35 مليون يورو في سنة 2020 من أجل بناء ما يسمي بالمركز الثقافي الملحق بتلك المسجد الذي عثروا بداخله على الخريطة العثمانية التي تزعم أن الدولة التركية والدولة العثمانية التي يسعى أردوغان لتأسيسها تمتد من شبه جزيرة القرم شمالًا حتى الصومال وأريتريا جنوبًا ومن مناطق الإيجور في الصين شرقًا حتى منطقة البلقان في أوروبا غربًا والمغرب العربي غربًا.
مشيرًا إلى أن الترويج لهذا الأمر يتم بشكل كبير للغاية من خلال هذه المساجد التي هدفها التجسس على أعداء أردوغان سواء من الأكراد أو المعارضين أو الأحزاب الأخرى من الشعوب الديمقراطية.
الذئاب الرمادية
وأضاف الدكتور سمير، أن الأمر اتضح بعدما تم رصد والتأكد من أن حركة الذئاب الرمادية التي تتخذ من المساجد الفرنسية مقرًا للاختباء من الحكومة الفرنسية والبوليس الفرنسي أنها في الأساس منظمة مدنية غير إسلامية تسعى للقيام بعمليات إرهابية والتصفية الجسدية ضد أعداء الإخوان وأردوغان في الأراضي الفرنسية.
مشيرًا إلى أنهم وجدوا ضمن هذه المساجد التي تم التحفظ عليها وجود مناهج ثقافية وتعليمية وكتب ليست لها علاقة من قريب أو من بعيد بالمناهج الفرنسية وجميعها مناهج تدعو للإرهاب والقتل، إلى جانب أنهم وجدوا بعض الأقراص المدمجة التي توثق معارك عثمانية سواء في الحرب العالمية الأولي أو ما قبلها، كل ذلك يجعل من فرنسا تحديدًا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي ممولة لـ"داعش" من حيث الأفراد.
ووفق لإحصائيات دولية منذ الفترة 2014 حتى 2020 أكثر فئات منضمة لداعش وكبار الإرهابيين وعتاة من قام بعمليات ذبح وقتل في سوريا وفي الرقة والعراق جاء من مناطق موجودة في فرنسا.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية، إلى أنه نتيجة لهذا التطرف ظهرت بعض الخلايا النائمة في فرنسا منها تنظيم "التنورات القصيرة" – تنظيم يعتمد على مهاجمة وقتل أي سيدة ترتدي ملابس قصيرة تكشف عن جسدها – وبالفعل تم قتل واختطاف عدد كبير من النساء من قبل تلك التنظيم لأنهم يرتدون ثياب لا تليق بالنهج الخاص بهم.
وأكد سمير، على أن فرنسا تقوم بهذه الأنشطة ومراقبة المساجد وفقًا لما يسمى بقانون الانفصالية لاستبعاد الأئمة الأتراك من الذهاب إلي فرنسا، كما أنها عملت على مشروع لتدريب الأئمة الفرنسيين ذوي النشأة الأصلية في فرنسا بدلًا من استيراد الأئمة المتشددين من تركيا والتابعين لجماعة الإخوان الإرهابية سعيًا للحفاظ على أمنها.
مشيرًا إلى أن الإحصائيات أثبتت أن أغلب من يرتاد تلك المساجد لا يركعون بها نهائيًا بل يذهبوا للمشاركة في اجتماعات سياسية وتحويل بيوت الله من مساجد للعبادة إلى ملجأ للجماعات الإرهاب، وذلك حسبما أكد تقرير المفوض الأوروبي لشؤون الإرهاب في 2019، والذي أكد أيضًا على وجود 50 ألف داعشي في أوروبا غالبيتهم في فرنسا.
نقلًا عن العدد الورقي...