الأمويون الجدد
إقصاءٌ وتقسيم وبغضٌ وكراهية ومواجهة واستعلاء وكذب وتهديد ووعيد وتحقير وتجهيل وتكفير وتخوين وترصد وقتل، لا يمكن أن يتمثل خلق المسلم بخصلة منها، بل تأباها تعاليم دينه وصحيح إيمانه، إن ما يحدث الآن فى الشارع المصرى وشيوع تلك المفاهيم العدوانية، فيمن يدَّعى إقامة الدين وما يترتب عليها من انقسام وفرقة وسفك دماء، هو امتدادٌ وتوابع زلزالية لكارثةٍ تاريخية كبرى، تسبب فيها استلاب الدولة الأموية للسلطة، وتأسيس المُلْك العضود، ونبذها لصحيح الإسلام ومفهومه، فعَوَّقَتْ مساره الإنسانى السامى، وَمَثَّلَت ارتداداً لجاهليةٍ صرفة تهتم بالقبض على السلطة والحكم فى المقام الأول، بعد أن غلَّفت هدفها الدنيوى ومطمعها فى الملك بفكرة الخلافة الإسلامية، لتستطيع تعبيد الجماهير لها واستلاب السلطة بتوظيف واستخدام الدين، حيث استخدمت طائفة من الأحاديث المنحولة عن الرسول لابتزاز الناس وتبرير ظلمهم وسلب حقوقهم، وبينما ادّعى الخليفة امتلاك الإسلام لم يتوانَ عن ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدمها فى سبيل حماية سطوته وسلطته الدنيوية، وهو المنهج ذاته الذى تسبب فى نزيف الدماء، وشيوع القهر والذل، والتدمير فى المجتمعات الإسلامية بعد ذلك، وتخلفت بسببه الشعوب وتمكن منها أعداؤها وسيطروا عليها حتى الآن.
وحتى وقتنا هذا نجد جمهرة التابعين لذلك الفكر، لا يزالون يعيشون فى كتب ومفهوم ذلك التاريخ البعيد وأغواره، لا فى فاعليات الحاضر وحقائقه، ولا يمكن فصل ما يحدث الآن فى مصر عن مفهوم هذا السياق التاريخى الأسود، الذى تأسست فيه مفاهيم الاستبداد والظلم والقهر، فالمتأسلمون الجدد يسيرون على درب هؤلاء الأمويين فى السعى للسلطة والحكم بنفس وسائلهم الأولى، فى استخدام وتوظيف الدين، بيد أنهم لا يشبهونهم فى مكرهم ودهائهم، فبينما كان رأس الدولة الأموية يقول: (لو أن بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت)، نجدهم قد سلكوا أقصر الطرق للفشل السياسى على المدى القريب والبعيد، فلم يأخذوا وقتاً طويلاً حتى اصطدموا بكل قوى المجتمع السياسى والفكرى، فلا هم سياسيون يعرفون كيف يتعاملون مع المخالفين بقواعد الحنكة السياسية، ولا هم حكماء فى عرض مشروعهم الأيديولوجى والترغيب فيه، إنهم نموذج للجهل السياسى، وقصور الرؤية وسوء التدبير، فكيف يقودون أمة؟
احمد ابراهيم حلمي