قانون الانتخابات واغتيال الشباب المصرى
تعيش مصر هذه الأيام جدلًا مزيفًا، وحوارات وهمية تحت مسمى مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية القادمة، وهى فى مجملها حوارات من طراز الحوارات السياسية المفرغة من مضمونها، والتى لا تقدم شيئًا، وهى مجرد ثمثيلية عبثية فى محاولة لخداع الشعب المصرى أن الحكومة تحاور المعارضة؛ لتقديم قانون يعبر عن المصريين، ولا أعلم هل يصدقون أنفسهم قبل تخيلهم أننا نصدقهم؛ لأن قانون الانتخابات لا قيمة له فى واقعنا؛ لأن العملية انتهت من خلال شكل العملية الانتخابية فى الدستور المصرى، والاتفاق الجائر على نظام الثلث للفردى، والثلثين للقوائم؛ لأنه ظلم قطاع كبير من المصريين فى المشاركة، وصناعة المستقبل، واغتال أحلام قطاع كبير من الشباب المستقل فى خوض الانتخابات؛ لتحرير مصر من أزمتها، وأمراضها المزمنة.
بنظرة سريعة على النظام الانتخابى وفق الدستور، نرى أننا أمام خدعة كبرى تطيح بالكيانات الحزبية الوليدة، والشباب، والمستقلين؛ لأن تقسيم الثلث والثلثين جعلنا أمام سياسة الدوائر المفتوحة الواسعة، فمثلًا محافظة كشمال سيناء دائرة واحدة فردى، ودائرة واحدة قائمة، ولك أن تتخيل المحافظة كلها دائرة واحدة، فكيف لشاب مستقل يخوض الانتخابات على النظام الفردى، هل يستطيع عمل الدعاية الانتخابية، وتكوين مقار، والقيام بجولات، وحوارات مجتمعية مع أهل دائرته الانتخابية، ولم أضرب مثالًا بمحافظة كبرى سكانها بالملايين، ففى إحدى المحافظات الدائرة الفردية سكانها يتعدى المليون، مثل القاهرة الدائرة الفردى بها عدة مراكز، وأقسام، وعلى الجميع أن يفهم الرسالة من سياسة الدوائر المفتوحة الواسعة، والتى لن ينجح فيها غير أصحاب التنظيم القوى المنتشر فى كل مكان، وأصحاب المليارات من رجال الأعمال.
عدد كبير من الشباب المصرى بعد الثورة قرر المشاركة فى الحياة السياسية بشكل فعال عبر النزول لسباق الانتخابات، لكنه صدم فى نظام الدوائر المفتوحة الواسعة التى تحتاج لتمويلات ضخمة تفوق تصورهم، والأهم هو قدرتهم على استيعاب حجم الدوائر، والعمل على الانتشار بها، سواء من خلال مقار، أو مؤتمرات، أو حتى زيارات ميدانية؛ للحوار مع المواطنين، فالدائرة الواحدة كانت ثلاثًا فى الماضى، وبالتالى نحن هنا نغتال الشباب المصرى تحت مسمى الديمقراطية، ولا ندعمهم، بل نشارك فى القضاء عليهم، وإرسال رسالة للجميع لن ينجح سوى الكبار تنظيميًا، وماليًا، والشباب لا مكان لهم الآن.
وطن بلا شباب بلا مستقبل ولا أعلم كيف قام صناع الدستور بهذه الجريمة الكبرى، والخطيئة العظمى فى حق الشباب المصرى، ولماذا يصادرون حقه فى صناعة مستقبل مصر بهذا الشكل العنصرى المتعصب، الخالى من الوطنية والديمقراطية، فهل يدركون أنهم يصنعون حياة سياسية مشوهة ستخرج برلمانات من فصائل محددة معروفة للجميع، وهل لم يدركوا أهمية مشاركة الشباب السياسية أم ماذا؟ لأن النظام الانتخابى بهذا الشكل عملية إقصاء حقيقية لهم، بكل المقاييس السياسية والانتخابية.
كيف يطالبون الشباب الذى لا يملك سوى أفكاره، وآماله، وطموحاته، أن يخوض هذه الانتخابات بنظامها الفردى، والقائمة، وهل يدركون أن الشباب لم يدرك خبايا، وتفصيلات العملية الانتخابية من صراع المصالح السياسية، والتربيطات العائلية، ودور المال والدين، فشباب مصر الطاهر يخوض الانتخابات ببراءة المصريين عبر أفكاره، ومبادئه، ورغبته فى إنقاذ مصر من أزمتها، والعبور بها نحو المستقبل ولا يملك ماكينة الانتخابات، ولا يتورط فى كواليس الصفقات الحزبية التى تجرى فى مصر الآن، عبر ما يسمى القوائم الحزبية الموحدة .
إن غالبية الأحزاب والتيارات السياسية فى مصر تشارك فى هذه المهزلة عبر إقصاء الشباب، ووضعهم فى ذيل القوائم الانتخابية، والاعتماد على المشاهير، ورجال الأعمال، وهذه كارثة سيدفع الجميع ثمنها فى المستقبل؛ لأن تهيئة المناخ للشباب مسئولية الجميع فهم رهان المستقبل، والأمل الحقيقى فى بناء مصر.
رسالة لكل من يهمه مستقبل مصر: "إن النظام الانتخابى الحالى هو عملية اغتيال حقيقية للشباب المصرى، وإقصاء متعمد لهم من المشهد، وعلينا جميعًا المشاركة فى وقف هذه الكارثة بكل الطرق السلمية من أجل مصر.