رئيس التحرير
عصام كامل

مافيا المستريحين.. ملايين مهدرة والضحايا من جميع الفئات.. وغياب الثقافة المالية والطمع وراء السقوط السريع في الفخ

أرشيفية
أرشيفية
شهدت الأيام القليلة الماضية عددًا من وقائع الاستيلاء على أموال المصريين؛ بزعم توظيفها نظير فوائد شهرية كبيرة تفوق فوائد البنوك، دون أي ضمانات.

والغريب أن الأموال المرتبطة بكل واقعة على حدة تتجاوز عشرات الملايين من الجنيهات، وفي قضية "مستريح المنيا" قيل إنها كسرت حاجز المليار جنيه، وفي واقعة "مستريحة التجمع" التي تم الإعلان عنها أثناء مثول الجريدة للطبع، وصلت الحصيلة الأولية إلى 50 مليونًا، وهي حصيلة مرشحة للزيادة بطبيعة الحال.




تورط المصريين

كيف يفرط المصريون في أموالهم بهذه السذاجة المفرطة؟ لماذا لم يتعلموا من دروس الماضى، عندما استولى "الريان" و"السعد" على أموال عملائهم؟ هل تراجع نسبة فوائد البنوك هو السبب الوحيد، علمًا بأن البنوك وعاء ادخارى آمن غير قابل للتلاعب ولا التدليس ولا الخداع؟ أم أن بعض أصحاب هذه الأموال المنهوبة يخشون سؤالهم عن مصدرها، كما تفعل البنوك؟ أم هو الطمع الذي لا يقبل بوسيلة قانونية آمنة، ويلهث وراء مكاسب وأرباح غير مضمونة ولا آمنة تصل إلى حد المغامرة؟

"مستريح المنيا" لم يكن الأول و"مستريحة التجمع" لن تكون الأخيرة، ولن يتوقف المصريون أبدًا عن إهدار أموالهم ومنحها لعدد من النصابين الذين يجيدون نصب الأفخاخ وإتقان حبائلها؛ لاصطياد ضحاياهم من البسطاء والمتعلمين وأصحاب الدرجات العلمية الرفيعة.

هذه الظاهرة بتشابكاتها وتعقيداتها شديدة الخطورة، ولا يجب أن تكون مدعاة للسخرية والاستظراف، ولكنها تستحق الدراسة من جميع الجوانب الاقتصادية والقانونية والتشريعية والاجتماعية والنفسية، لكبح جماحها، والحفاظ على أموال الضحايا من مافيا كبيرة تمتلك أدوات النصب والاحتيال واستنزاف ثروات المصريين وإهدارها في غمضة عين، وهو ما تسعى "فيتو" إلى مناقشته في هذا الملف.

حيل النصّابين 

وزادت في الفترة الأخيرة قضايا القبض على شركات توظيف أموال تقوم بالنصب على المواطنين أو ما يعرفون "بالمستريح"، متخذين حيلا عديدة مثل: إيهام الضحايا بأرباح ضخمة على أموالهم أو بأنهم يتمتعون بعلاقات قوية مع مسئولين نافذين.

فضلا عن إيهامهم بامتلاكهم العديد من الشركات والعقارات والأصول، على خلاف الحقيقة، لإقناعهم بتسليمهم المبالغ من أجل استثمارها في مشروعاتهم، وهي طريقة سهلة لجنى أموال طائلة في فترة قصيرة.

الثقافة المالية

وعلى الرغم من وجود استثمارات آمنة مثل وضع الأموال في البنوك والبورصة أو الاستثمار العقاري إلا أن غياب الثقافة المالية لدى قاعدة كبيرة من المواطنين تجعلهم يلجأون إلى "الحلول السهلة"، فمثلا تتيح البنوك أوعية ادخارية تتناسب وجميع أنواع فئات المجتمع بسعر فائدة مناسب مثل شهادات الاستثمار وحسابات التوفير والودائع حيث تشير الأرقام الواردة عن البنك المركزي المصري إلى أن ودائع العملاء بالقطاع المصرفى بخلاف البنك المركزى شهدت ارتفاعًا ملحوظًا لتسجل 5.052 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2020، مقابل 4.898 تريليون جنيه بنهاية أغسطس 2020.

ولكن يبقى السؤال هنا: لماذا يلجأ البعض إلى شركات توظيف الأموال مع وجود أدوات استثمارية متعددة آمنة ومضمونة مثل أوعية البنوك الادخارية والبورصة أو غيرها؟

فوائد البنوك

من جانبه.. قال الخبير المصرفى هانى عدلي "إن البنوك المصرية تقدم سعر فائدة كبيرا على الأوعية الادخارية المختلفة ولا يوجد مبرر للجوء المواطن للاستثمار في شركات توظيف الأموال التي تقوم بالنصب والاحتيال غير عدم وجود ثقافة مالية لديهم، لافتًا إلى الأموال في البنوك أكثر أمانًا ويضمنها البنك المركزي المصري.

وأضاف الخبير المصرفي: ودائع العملاء في ارتفاع مستمر في ظل الثقة الكبيرة في القطاع المصرفي، مشيرًا إلى أن البنوك تقوم بدورها في رفع الثقافة المالية لدى المواطنين لتتماشى وتعزيز الشمول المالى وهو ما ظهر جليًا من خلال ارتفاع نسبة الودائع في البنوك خلال السنوات الماضية.

من جانبه.. أكد باسم رضا رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المتخصصة في تداول الأوراق المالية أن الظروف والمتغيرات الجديدة فرضت علينا سياسات وأساليب جديدة أولها: ضرورة طرح بضاعة جديدة تسمح باستيعاب المزيد من السيولة التي زادت بشكل ملحوظ الفترة الأخيرة، ويجب أن تسارع الجهات الحكومية المسئولة عن السوق لفتح مجالات جديدة.

ومن المؤكد أنه في ظل غياب المنتجات الجديدة يظهر محترفو النصب على المواطنين وهو ما عُرف إعلاميًا باسم "المستريح"، وأضاف بأن النصابين أو ما يطلق عليهم "المستريح: يستغل حاجة المواطنين بإطلاق حيل وجود أرباح كبيرة على أموالهم لافتًا إلى أن طرح اكتتاب ضخم سيجلب المستثمرين للسوق وبالتالى سيزيد السوق، ولنا في طرح المصرية للاتصالات منذ عدة سنوات خير مثل؛ حيث جذبت مستثمرين جددًا وحققت طفرة كبيرة، فبدأت تحقق معدلات تداول غير مسبوقة.

لافتًا إلى أنه يجب أن تراعى أنه لم يعد هناك مضاربات على العملات كما أن القطاع العقارى لم يعد بقوته السابقة، ولم يعد أمام المستثمرين والمواطنين سوى البورصة التي يمكنها استيعاب أموالهم وتحقيق أرباح.

أسواق المال

وقال أيمن فودة، رئيس لجنة أسواق المال بالمجلس الاقتصادي الإفريقي: إن سوق المال المصري أصبح ذا أهمية كبرى، وإن كان له نصيب من تداعيات تفشي هذا الفيروس واستمرار خروج الأجانب من الأسواق ومنها السوق المصرى، فتراجعت المؤشرات الرئيسية والأسهم القائدة بها.

وكانت بعض القطاعات هي الأكثر تضررا بطبيعتها مع انتشار الآثار السلبية لتلك الأزمة على نشاطها، مثل قطاع السياحة المتضرر الأول من وقف حركة الطيران والسفر، وكذلك قطاع الشحن مع تراجع حركة النقل البحرى ونقل البضائع إلا على السلع الأساسية والمستلزمات الطبية.

كما تأثر القطاع العقارى بتلك الأزمة وانصراف الجميع عن البيع والشراء، فيما تراجعت حركة الصناعة والإنتاج مع ما تطلبته هذه المرحلة من تقييد حركة الأفراد وفرض حظر التجوال الجزئي، لتتأثر بذلك أسهم تلك القطاعات والذي كان واضحا من تراجع شركاتها المقيدة من أسهم البنوك والعقارات والموارد الأساسية والسياحة والبتروكيماويات.

إلا أن هناك أسهما تأثرت إيجابيا وانعكس ذلك على المدى المتوسط والطويل مثل أسهم قطاعات الأغذية والرعاية الصحية والأدوية والمنتجات المنزلية، وعلى الرغم من المحفزات الحكومية التي أثرت بصورة إيجابية على السوق المصري بإيقاف نزيف الهبوط الا أنه لا تزال المحفزات ومحاولات الحكومة الداعمة للسوق متوقفة منذ ضخ 3 مليارات جنيه من بنكي الأهلي ومصر وتدخل البنك المركزي بأول وأكبر محفظة أسهم للبنك بقيمة 20 مليار جنيه.

والتي عززت معها ثقة المستثمرين في السوق المصري خلال الأزمة وتوقف معها البيع العشوائي وتراجعت نسبة الهبوط وعوضت بعض الأسهم من 20% إلى 25% من خسائرها خلال الأسبوع الأول من إعلان تلك المحفزات أن المحفزات تتآكل مع الوقت.

وأوضح أن الأسهم المصرية لم تتأثر بالمحفزات الداعمة للسوق بسبب استمرار كورونا على الساحة، إلا أن تلك المحفزات سوف تنعكس آثارها الإيجابية بعد انتهاء الأزمة لما تشمله حزمة المحفزات من خفض سعر الفائدة والضرائب وأسعار الغاز للشركات الصناعية وتقليص تكلفة التداول، وسيكون السوق المصري على موعد مع الصعود المتتالي بعد البت في قضية الطروحات الحكومية المؤجلة منذ سنوات.

مضيفًا: هناك مطالب من الحكومة بتحسين أداء القطاعات الاقتصادية وبالتالى البورصة، فهناك ترقب لتخفيض سعر الغاز الذي سيقلل من نفقات تلك الشركات ويخفض من تكاليف الإنتاج لتعزيز تنافسيتها عالميا والتي يقيد منها العديد من الشركات في البورصة وسوف تستفيد من تلك المبادرة مع توفير السيولة المالية لتوفير احتياجاتها.

وإعادة هيكلة المصانع غير المنتجة بسبب غياب السيولة المالية وعدم توافر المواد الخام المطلوبة لينعكس ذلك إيجابا على نتائج أعمال تلك الشركات مع اكتمال المنظومة بالإعلان عن تخفيض الغاز والذي تعتمد عليه تلك القطاعات في إنتاجها، ما سيكون فرصة عظيمة للاقتصاد المصرى في ظل تطوير مناخ الاستثمار وما يصاحبه من برامج عديدة لتيسير الإجراءات والدفع بعجلة الإنتاج، وجذب شرائح جديدة لا يجب أن تقع في فخ النصابين كالمستريح وغيره.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية