هلاوس إخوانية وجهالة سياسية
لم تكن هناك أى مبالغة فى توصيفنا المتكرر لجماعة الإخوان المسلمين بأنها مفلسة فكرياً! وعنينا بذلك على وجه الدقة أنه ليس لديها مشروع فكرى يعرض مختلف جوانب أيديولوجيتها فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
وقد دللنا على ذلك بأننا لو فحصنا بدقة تراث جماعة الإخوان المسلمين منذ أن أنشأها الشيخ "حسن البنا" عام 1928 حتى الآن، فإننا لن نجد سوى رسائل الشيخ "حسن البنا" وهى موضوعات مبسطة ثم بعد ذلك بسنوات طويلة الفكر التكفيرى "لسيد قطب"! وبين الرسائل وكتاب "قطب" الشهير "معالم على الطريق" الذى شرح فيه باستفاضة نظريته عن جاهلية المجتمع وكفر الحكام فراغ فكرى موحش!
لن نجد نظرية إخوانية فى السياسة ماعدا إصرارهم على أن الشورى أفضل من الديمقراطية، والتى هى فى عرفهم بدعة غربية! وذلك قبل أن يغيروا بصورة انتهازية فكرهم ويقبلون بالديمقراطية ودخول الانتخابات فى ظلها، بل تكوين حزب سياسى باسمهم وهو حزب "الحرية والعدالة" الذى حصل على الأكثرية فى مجلسى الشعب والشورى.
ومنذ نجاح الدكتور "محمد مرسى" فى الانتخابات الرئاسية وتنصيبه رئيساً للجمهورية والجماعة تمارس ديكتاتورية غير مسبوقة مستندة فى ذلك الي هيمنتها على مجمل الفضاء السياسى المصرى، وذلك لأن جماعة الإخوان المسلمين سيطرت على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وطرح مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبى بغير مشاركة من التيارات الليبرالية واليسارية وتقديم نتيجة هى 67% ادعت أنهم وافقوا على الدستور. ومعنى ذلك أنها أصبحت قادرة على إصدار ما نشاء من تشريعات وبغير معارضة حقيقية. قضى الأمر إذن وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين هى المهيمنة سياسياً على البلاد مع أنها لا تمتلك أى مشروع فكرى، وقد وضح ذلك جلياً فى القرارات العشوائية المتخبطة التى أصدرها رئيس الجمهورية من ناحية، وفشل وزارة "هشام قنديل" فى أن تقدم أى رؤية مستقبلية للنهوض بالوضع المتردى فى البلاد اقتصاديا واجتماعياً.
غير أنه مع علمى بأن الجماعة لا تمتلك أى مشروع فكرى إلا أننى دهشت – كما دهش غيرى- دهشة بالغة من تصريحات "عصام العريان" فيما يتعلق بدعوتهم ليهود مصر الذين هاجروا طواعية لإسرائيل وأصبحوا مواطنين إسرائيليين، لكى يعودوا إلى مصر حتى يفسحوا مكاناً لملايين الفلسطينيين لكى يعودوا إلى فلسطين ليحلوا محلهم!
لم أتصور من سياسى مخضرم مثل "عصام العريان" الذى كان فى فترة "مبارك" عضوا بمجلس الشعب وهو الآن زعيم الأغلبية فى مجلس الشورى، أن تصدر عنه هذه الهلاوس السياسية التى تعكس جهلاً سياسياً عميقاً!
لم يدرك الرجل أنه بعد أكثر من أربعين عاماً ما أطلق عليهم اليهود المصريين فى إسرائيل رحل أغلبهم، ولم يبق منهم سوى أحفادهم الذين لا يعرفون شيئاً عن مصر!
ومن ناحية أخرى أيظن حقاً أن مئة يهودى مصرى إسرائيلى لو تركوا إسرائيل وقبلوا دعوته غير الكريمة لهم لكى يعودوا إلى مصر، سيتركون المساحة التى يشغلونها كى يشغلها ملايين الفلسطينيين؟
وألم يدرك أن تصريحاته تعطى شرعية للدعاوى الصهيونية عن طرد اليهود من مصر، وهذا غير صحيح تاريخياً لأنه منذ عام 1948 وهم يهاجرون تباعاً لإسرائيل لأنهم يعتنقون الصهيونية، ويؤمنون بحق اليهود فى استيطان أرض فلسطين، التى هى أرضهم التاريخية كما يزعمون؟
وألم يلتفت وهو فى حّمى دفاعه المستميت فى إحدى الفضائيات المصرية عن هلاوسه السياسية أنه يفتح الباب لبقايا هؤلاء اليهود لكى يطلبوا مليارات الدولارات تعويضات تدفعها الحكومة المصرية عن أملاكهم السابقة؟
ثم ما هذا الجهل السياسى المركب بأبعاد القضية الفلسطينية وطرق حلها؟ لقد سبق أن نشرت بحوثا مستفيضة لباحثين مصريين عن الرؤى المستقبلية للقضية الفلسطينية تعرض مختلف جوانب المشكلة والحلول المقترحة. راجع كتاب، "الدولة الفلسطينية رؤية مستقبلية" بإشرافنا ودراسات محمد السعيد إبراهيم والسيد زهرة وإبراهيم متولى نوار ووحيد عبد المجيد) الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (الطبعة الثانية مكتبة الأسرة 2009).
لو كان اطلع على هذا الكتاب وغيره من المراجع الموثقة عن القضية الفلسطينية ما كان أوقع نفسه فى هذا المأزق السياسى الخطير!
ومن المضحك أن يزعم المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أن "عصام العريان" مستشار رئيس الجمهورية، وزعيم الأغلبية البرلمانية فى مجلس الشورى، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، لا يمثل إلا نفسه فى هذه التصريحات!
ولو كان هذا صحيحاً لكان من الواجب على الرئاسة والحزب ومجلس الشورى أن يخضع العريان لمساءلة سياسية، لأن المسألة أخطر من أن تكون اجتهاداً شخصياً، حتى ولو كانت مجموعة هلاوس هلامية تعكس جهالة حقيقية بحقائق النظام الدولى من ناحية، وبالصراع العقيم بين حماس والسلطة الفلسطينية من ناحية أخرى!