رئيس التحرير
عصام كامل

من الطائفية التقليدية إلى الطائفية الجديدة


كما سبق أن تناولنا فى مقال سابق بأن الطائفية تعد أحد المتغيرات الهامة والمحورية فى السياسة الخارجية والتى ركزت عليها القوى الكبرى وقد زاد التركيز عليها فى الآونة الأخيرة بالنظر للنتائج المغرية التى حققتها كأداة للتدخل ليس فقط فى الشئون السياسية الداخلية للدول ولكن أيضاً كأحد الأدوات التى من خلالها يمكن لهذه الدول أن تحقق بها أهدافها الخارجية..


وكما رأينا أنها كانت تلجأ إلى العديد من الطرق منها الطرق المعروفة وهى التدخل العسكرى فى شئون هذه الدول حتى إن كان ذلك يعد من السبل القديمة من خلال ما يعرف بظاهرة الاستعمار التقليدى.. وهى احتلال هذه الدول وتبدأ فى عمليات زرع مفاهيمها وقيمها وعاداتها وتقاليدها ومحاولة توليفة هذه الشعوب من خلال تعليمها لغتها.. وهذه قد تكون المهمة الأولى لأي استعمار لأنه من خلال اللغة يمكن تغيير هوية الدولة وممكن أن يتم نزع قوميتها عنها.. وقد سمعنا أيضاً عن تلك الظاهرة المتعلقة بالدول الفرانكوآراب والتى حدث بينها خلط ما بين لغة الدول المستعمرة وثقافتها وكذلك ما تبقى لها من لغتها العربية..

وكان ذلك فى محاولة منها للتمسك بهويتها ولغتها.. تلمح ذلك فى كل من المغرب والجزائر وأيضاً من خلال نشر الدين من خلال ما يعرف بالتبشير لدين هذه الدولة وبذلك تضمن سيطرتها عليها وأيضاً تصبح هذه الدولة بمثابة إحدى المقاطعات التابعة لها أو امتداد لها ليس فقط سياسياً واقتصادياً ولكن أيضاً ثقافياً ولغوياً.. وهنا تتم لها السيطرة الكاملة.. ولكن هذه المحاولات قد فشلت ولم يتحقق لها النجاح الكامل ولكنها ظلت إحدى الخطوات التمهيدية.. وقد عادت هذه الدول إلى استغلالها والاستفادة منها لاستكمال مخططها فى تقسيم منطقة الشرق الأوسط وذلك حسب تسميتها لها ولكى ما تنزع عن هذه المنطقة العربية تكاملها وامتدادها الإقليمى..

ويمكن إضافة كيانات أخرى إليها كإسرائيل وذلك هو الهدف الأساسى إذ أنها دولة عبرية ولا وجود لها فى وسط منطقة عربية لها لغتها وكذلك هويتها وثقافتها وتاريخها .. وكانت هذه الدول الاستعمارية عادة ما تلجأ إلى استخدام الطائفية للتفريق ما بين الشعب الواحد من خلال اللعب على وتر الدين وكانت الطائفية فى وجهها التقليدى وقتذاك تنصب على الصراع ما بين المسيحية على اعتبارها الدين الأساسى للمستعمر والإسلام على اعتباره الدين الرسمى أو الغالب فى المنطقة العربية وذلك من خلال محاولات التبشير والتنصير..

ولكن فيما بعد قد بدأت مرحلة جديدة تتمثل فى الفتنة والوقيعة ما بين أبناء الوطن الواحد وقد كان ذلك على أمل أن تكون ذريعة لإعادة تدخلها مرة أخرى فى شئون هذه الدول.. ولكى ما يكون لها يد فى إدارة شئونها وأيضاً تغيير العلاقات فى هذه الدولة نحو إضغافها والوصول بها إلى مرحلة الحرب الأهلية وبذلك يتم القضاء على عوامل تماسكها ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية وهى تحويل ذلك إلى صراع مسلح وتقاتل قد يأخذ صورة أشكال مختلفة..

تبدأ فى الغالب بعدة أحداث متفرقة تمهد الطريق نحو الحرب الأهلية ولكن هذه الأيام قد توسع ذلك المفهوم ولم يعد فى شكله التقليدى الذى اعتدنا وتعودنا عليه فى دولنا العربية ما بين أصحاب الدين الواحد.. رأينا ذلك ما بين الشيعة والسنة فى العراق.. وكيف أنه قد صار على نحو أكثر دموية وكانت فتنة كبرى تمثلت فى حرق المساجد لكلا الطرفين وقد كان مدمراً وأن خطره لا يقتصر وحده على تدمير الأوطان ولكن تدمير الديانة ذاتها ..

ذلك ما بدأنا نخشاه الآن فى أن يحدث فى مصر ولاسيما مع تلك الحادثة التى ترتب عليها مقتل أربعة أشخاص شيعيين فى زاوية أبو مسلم وقد سبقتها بالقطع تصاعد التيارات الدينية فى أعقاب الثورة والتى بدأت مرحلة جديدة من خلال التصارع اللفظى يمكن أن يحرك ويقود البسطاء على نحو غير مباشر للإتيان بمثل هذه الأفعال التى لا تقرها الأديان وهى القتل والتدمير الذى يمكن أن يتحول لصراع طائفى مرير لا يقتصر أثره فقط على الداخل ولكنه لابد أن يتم على المستوى الإقليمى من خلال تدخل أتباع كل مذهب وقد يكون بداية ليس فقط لحروب أهلية مدعومة من الخارج ولكنه قد يكون بداية لحروب إقليمية من جانب الدول التى يوجد بها أغلبية لكل مذهب من هذه المذاهب.. وهذه هى الفتنة الكبرى والتى لا تمثل الدول التى تستهدف المنطقة وتصل إلى هدفها فى التقسيم للمنطقة إلى دويلات عريقة ودينية متصارعة ولكن لمحوها وتجعلها كالنار التى تأكل بعضها البعض دون أن يكلفها ذلك شىء على الإطلاق وهو ما يجب أن نلتفت له قبل فوات الأوان .
الجريدة الرسمية