باحث في العلاقات الدولية يكتب عن الخط الأحمر المصري - السوداني
بينما يشغلنا
جميعا الرد على الدعاية الإثيوبية السوداء وحرب الشائعات التي تستهدف التقارب غير
المسبوق بين مصر والسودان على المستويين الرسمي والشعبي، أرى أنه من الضروري عدم
المبالغة في الالتفات إلى هذه الزوبعة المصطنعة، والتركيز على تعزيز مسار التكامل
الاستراتيجي بين القاهرة والخرطوم، وخاصة على المستوى الأمني والدفاعي.
لقد أدرك الجميع في القاهرة مدى فداحة الضرر الناتج عن غياب شريك أمني فعال لمصر على حدودها خلال السنوات الماضية وخاصة بالنسبة للحدود الغربية، ما جعلنا نتحمل جهودا مضاعفة وصلت إلى حد التفاعل المباشر مع المشهد الأمني المضطرب وصولا إلى رسم الخط الأحمر المصري "سرت-الجفرة" أمام الأطماع والتدخلات التركية.
وأعتقد أنه خلال العام الصعب الماضي وتحديدا منذ محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك في مارس الماضي، سارعت القيادة السياسية والعسكرية المصرية إلى خطوات ملموسة من أجل دعم الأمن القومي السوداني في مواجهة التهديدات المستجدة والمحتملة والمشتركة.
وكان رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل بعد ساعات في الخرطوم على رأس وفد أمني رفيع المستوى حاملا رسالة دعم وتضامن كامل من القيادة المصرية إلى القيادة السودانية بشقيها المدني والعسكري، كأول مسؤول أجنبي يزور السودان بعد الحادث الذي حمل مؤشرا خطيرا على طبيعة التهديدات التي يواجهها السودان خلال الفترة الراهنة، وصولا إلى خطوات وزيارات أخرى كان أبرزها زيارة رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي وزيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد فريد التي كانت علامة فارقة في التعاون العسكري بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، وصولا إلى الحدث الأبرز في نهاية العام وهو تدريبات الجوية المشتركة "نسور النيل 1".
يبدو أن اتجاه التفاعلات الإقليمية ينتقل تدريجيا من شرق المتوسط والخليج إلى منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وكما كانت ليبيا محور الأحداث خلال العام الماضي، ربما يكون السودان هو المستهدف خلال المرحلة القادمة، ليس فقط من خلال التصعيد الإثيوبي ولكن الأخطر ما يتقاطع مع هذا التصعيد من تدخلات إقليمية ودولية تستهدف بصورة أو بأخرى السيطرة على السودان ومقدراته وتحييد أهميته الاستراتيجية في مواجهة المشروع التفتيتي الذي يستهدف المنطقة لصالح دور الشرطي المطيع الذي تقوم به إثيوبيا وبعض جيرانها في خدمة مصالح قوى إقليمية ودولية غير أفريقية معروفة بأطماعها وتدخلاتها ومساعيها للوجود الدائم في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
لاشك أن النظام الإثيوبي المندفع نحو الحروب واشعال الصراعات في المنطقة وسط صمت دولي مريب، لا يجد رادع أمام مواصلة الطريق نحو حافة الهاوية، فلماذا يدخل في نزاعات وصراعات ومعارك "مجزئة"يخسرها واحدة تلو الأخرى؟، إذا كان بإمكانه ممارسة سياسته المفضلة بخلط الأوراق وكسب الوقت وإدخال لاعبين جدد يحاربون نيابة عنه، ويدعمون موقفه في أزمة "سد النهضة" وغيرها، بينما يوجه ذيوله لإثارة الفتن بين القاهرة والخرطوم أو على الأقل الرهان على انتهاء العمر الافتراضي لهذا التقارب كما كان يحدث في الماضي القريب.
القاهرة لا تفضل الانجرار إلى هذه الحلقة الخبيثة تجنبا لتعقيد ملفات الخلاف مع إثيوبيا، أو بمعنى أدق تحييد مفاوضات سد النهضة عن بقية الممارسات العدائية لإثيوبيا تجاه محيطها الإقليمي، إتساقا مع موقفها المبدئي بضرورة حل هذا الخلاف في اطار تفاوضي مباشر بين البلدان الثلاث حتى إذا جرى اللجوء إلى أي طرف ثالث كمراقب أو وسيط كما يتيح إعلان المبادئ والطرق السلمية المستقرة عالميا لحل النزاعات، وأيضا تأكيدا على مبدأ "الحلول الأفريقية" الذي تتغنى به أديس أبابا، بينما تبحث اليوم عن دور ودعم تركي مباشر ومعلن في أزماتها لا يقف عن حدود التحريض والتآمر والتنسيق السري بين تحركاتهما الموجهة ضد مصر والسودان خلال الفترة الماضية، فإثيوبيا لم تعد تكتفي بنسخ التجربة التركية في الملف المائي كما فعلت أنقرة تجاه العراق وسوريا وبنفس أساليب سياسة فرض الأمر الواقع، ومن هنا يمكن تفسير دعوتها لتركيا للتدخل في "النزاع" الحدودي مع السودان.
لقد حذرنا كثيرا من "معضلة": أن طريقة حسم ملف سد النهضة ستضع إطارا عاما للتفاعلات الإقليمية وحدودا للجموح التوسعي العدواني لأجندة آبي أحمد في القرن الأفريقي، فبعد شهور قليلة من إقدامه على خطوة الملء الأول الصيف الماضي، دخل في حرب التجراي، ثم الفشقة، وصولا إلى التحريض والاستفزاز اليومي ضد القاهرة، وقد تمتد عدوى آبي أحمد لتكون النمط المتبع في القرن الأفريقي لتسوية النزاعات الداخلية والبينية، لتكون ساحات مثل الصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان مسرحا لهذه الممارسات خلال الفترة القادمة.
ولا شك أن عقلية إدارة الصراعات بالانخراط في المزيد منها، لا تبتعد كثيرا عن السياسة الأردوغانية الثابتة خلال العقد الماضي، بل تميل حاليا إلى استدعاء اللاعبون "الأصلاء" بعد أن صارت اللعبة أكبر من "الوكلاء"... في مثل تلك اللحظات التي يطل فيها الأصلاء برؤسهم.. رسمت القاهرة الخط الأحمر في ليبيا، فمصر لا تتعامل مع "الصبية".. وسيكون الخط الأحمر المصري-السوداني مفتاحا للحل وميزانا للتسوية التي تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة بعيدا عن مغامرات آبي أحمد، التي لا طائل من وراءها سوى مزيد من المعارك في حروب غير حقيقية.
لقد أدرك الجميع في القاهرة مدى فداحة الضرر الناتج عن غياب شريك أمني فعال لمصر على حدودها خلال السنوات الماضية وخاصة بالنسبة للحدود الغربية، ما جعلنا نتحمل جهودا مضاعفة وصلت إلى حد التفاعل المباشر مع المشهد الأمني المضطرب وصولا إلى رسم الخط الأحمر المصري "سرت-الجفرة" أمام الأطماع والتدخلات التركية.
وأعتقد أنه خلال العام الصعب الماضي وتحديدا منذ محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك في مارس الماضي، سارعت القيادة السياسية والعسكرية المصرية إلى خطوات ملموسة من أجل دعم الأمن القومي السوداني في مواجهة التهديدات المستجدة والمحتملة والمشتركة.
وكان رئيس جهاز المخابرات المصرية اللواء عباس كامل بعد ساعات في الخرطوم على رأس وفد أمني رفيع المستوى حاملا رسالة دعم وتضامن كامل من القيادة المصرية إلى القيادة السودانية بشقيها المدني والعسكري، كأول مسؤول أجنبي يزور السودان بعد الحادث الذي حمل مؤشرا خطيرا على طبيعة التهديدات التي يواجهها السودان خلال الفترة الراهنة، وصولا إلى خطوات وزيارات أخرى كان أبرزها زيارة رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي وزيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمد فريد التي كانت علامة فارقة في التعاون العسكري بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، وصولا إلى الحدث الأبرز في نهاية العام وهو تدريبات الجوية المشتركة "نسور النيل 1".
يبدو أن اتجاه التفاعلات الإقليمية ينتقل تدريجيا من شرق المتوسط والخليج إلى منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وكما كانت ليبيا محور الأحداث خلال العام الماضي، ربما يكون السودان هو المستهدف خلال المرحلة القادمة، ليس فقط من خلال التصعيد الإثيوبي ولكن الأخطر ما يتقاطع مع هذا التصعيد من تدخلات إقليمية ودولية تستهدف بصورة أو بأخرى السيطرة على السودان ومقدراته وتحييد أهميته الاستراتيجية في مواجهة المشروع التفتيتي الذي يستهدف المنطقة لصالح دور الشرطي المطيع الذي تقوم به إثيوبيا وبعض جيرانها في خدمة مصالح قوى إقليمية ودولية غير أفريقية معروفة بأطماعها وتدخلاتها ومساعيها للوجود الدائم في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
لاشك أن النظام الإثيوبي المندفع نحو الحروب واشعال الصراعات في المنطقة وسط صمت دولي مريب، لا يجد رادع أمام مواصلة الطريق نحو حافة الهاوية، فلماذا يدخل في نزاعات وصراعات ومعارك "مجزئة"يخسرها واحدة تلو الأخرى؟، إذا كان بإمكانه ممارسة سياسته المفضلة بخلط الأوراق وكسب الوقت وإدخال لاعبين جدد يحاربون نيابة عنه، ويدعمون موقفه في أزمة "سد النهضة" وغيرها، بينما يوجه ذيوله لإثارة الفتن بين القاهرة والخرطوم أو على الأقل الرهان على انتهاء العمر الافتراضي لهذا التقارب كما كان يحدث في الماضي القريب.
القاهرة لا تفضل الانجرار إلى هذه الحلقة الخبيثة تجنبا لتعقيد ملفات الخلاف مع إثيوبيا، أو بمعنى أدق تحييد مفاوضات سد النهضة عن بقية الممارسات العدائية لإثيوبيا تجاه محيطها الإقليمي، إتساقا مع موقفها المبدئي بضرورة حل هذا الخلاف في اطار تفاوضي مباشر بين البلدان الثلاث حتى إذا جرى اللجوء إلى أي طرف ثالث كمراقب أو وسيط كما يتيح إعلان المبادئ والطرق السلمية المستقرة عالميا لحل النزاعات، وأيضا تأكيدا على مبدأ "الحلول الأفريقية" الذي تتغنى به أديس أبابا، بينما تبحث اليوم عن دور ودعم تركي مباشر ومعلن في أزماتها لا يقف عن حدود التحريض والتآمر والتنسيق السري بين تحركاتهما الموجهة ضد مصر والسودان خلال الفترة الماضية، فإثيوبيا لم تعد تكتفي بنسخ التجربة التركية في الملف المائي كما فعلت أنقرة تجاه العراق وسوريا وبنفس أساليب سياسة فرض الأمر الواقع، ومن هنا يمكن تفسير دعوتها لتركيا للتدخل في "النزاع" الحدودي مع السودان.
لقد حذرنا كثيرا من "معضلة": أن طريقة حسم ملف سد النهضة ستضع إطارا عاما للتفاعلات الإقليمية وحدودا للجموح التوسعي العدواني لأجندة آبي أحمد في القرن الأفريقي، فبعد شهور قليلة من إقدامه على خطوة الملء الأول الصيف الماضي، دخل في حرب التجراي، ثم الفشقة، وصولا إلى التحريض والاستفزاز اليومي ضد القاهرة، وقد تمتد عدوى آبي أحمد لتكون النمط المتبع في القرن الأفريقي لتسوية النزاعات الداخلية والبينية، لتكون ساحات مثل الصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان مسرحا لهذه الممارسات خلال الفترة القادمة.
ولا شك أن عقلية إدارة الصراعات بالانخراط في المزيد منها، لا تبتعد كثيرا عن السياسة الأردوغانية الثابتة خلال العقد الماضي، بل تميل حاليا إلى استدعاء اللاعبون "الأصلاء" بعد أن صارت اللعبة أكبر من "الوكلاء"... في مثل تلك اللحظات التي يطل فيها الأصلاء برؤسهم.. رسمت القاهرة الخط الأحمر في ليبيا، فمصر لا تتعامل مع "الصبية".. وسيكون الخط الأحمر المصري-السوداني مفتاحا للحل وميزانا للتسوية التي تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة بعيدا عن مغامرات آبي أحمد، التي لا طائل من وراءها سوى مزيد من المعارك في حروب غير حقيقية.