أكثر دمارا وأقل دموية.. "الحروب السيبرانية" تنهى المهمة بضغطة زر
مع انطلاق العقد الثاني من الألفية الجديدة 2021، ظهرت مؤشرات كثيرة تدل على إدراك حكومات الدول المتقدمة مدى خطورة حروب نوعية جديدة يطلق عليها "الحروب السيبرانية"، إذ بدأت تلك البلدان في تطوير بنيتها التحتية وتعزيزها بأحدث وسائل الأمان، بالإضافة إلي تكثيف عمليات البحث وتخصيص فرق عمل مخصصة لدراسة ومتابعة هذا الملف، في محاولة للبحث عن الريادة في هذا المجال الذي يتوقع الخبراء أن يكون له أهمية كبرى في المستقبل القريب بل وفي وقتنا الحاضر أيضاً.
يشار إلي أن الحروب السيبرانية هي التغلغل في شبكات الحواسيب في دولة، عبر شبكات الإنترنت والحواسيب التابعة لدولة أخرى أو منظمة ما، وتجري لثلاثة أغراض رئيسية، هي "التجسس والتخريب والتلاعب"
وفي مؤشر على مدى أهمية هذا الملف، ظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أقل من شهرين من دخوله البيت الأبيض ليحذر من ضرورة تعزيز دور الولايات المتحدة في "الفضاء السيبراني" مؤكدا على مدي أهميته، كما أن أشار قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية إلي اعتزام إدارتة الإستعانة بفريق للأمن الإلكتروني.
وكانت حكومة الولايات المتحدة تعرضت مؤخراً، إلى هجمة إلكترونية موسعة، إذ وقعت هجمات علي وزارتي الخزانة والتجارة واللذان يستخدمان برنامج أو منصة "solar windows orion" الذي تم استخدامه كنقطة انطلاق لعمليات الاختراق، فيما أوضح الخبراء أن هناك مخاوف من أن يكون الاختراق وصل مباشرةً إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي.
أمريكا تبحث عن الريادة
وتعهد بايدن، بعقوبة باهظة الثمن للمسؤولين عن هجمات إلكترونية استهدفت الوزارات والشركات والمؤسسات الحكومية الأمريكية، وقال في بيان: "لقد علمنا في الأيام الأخيرة بما يبدو أنه خرق هائل للأمن السيبراني يؤثر على الآلاف من الضحايا، بما في ذلك الشركات الأمريكية والهيئات الحكومية الفيدرالية".
وأضاف: "هناك الكثير الذي لا نعرفه حتى الآن، ولكن ما نعرفه هو مصدر قلق كبير.. لقد طلبت من فريقي أن يعلم قدر المستطاع عن هذا الانتهاك"، مشددا على أن إدارته المقبلة ستجعل الأمن السيبراني أولوية قصوى على كل مستوى من مستويات الحكومة.
تابع: "سنرتقي بالأمن السيبراني باعتباره ضرورة حتمية عبر الحكومة، وسنعمل على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وسنوسع استثمارنا في البنية التحتية والأشخاص الذين نحتاجهم للدفاع ضد الهجمات الإلكترونية الخبيثة.. يجب أن يعلم خصومنا أنني، كرئيس، لن أقف مكتوف الأيدي في مواجهة الهجمات الإلكترونية على أمتنا"، لافتا إلي أن الدفاع الجيد لا يكفي، وأن أمريكا بحاجة إلى تعطيل وردع خصومها عن شن هجمات إلكترونية كبيرة في المقام الأول.
ليلة الرعب في إيران.. صافرات إنذار وسقوط طائرات والفاعل مجهول
حوادث غامضة
في نفس السياق، شهدت العديد من الدول خلال الـ 10 سنوات الماضية "حوادث غامضة"، نُسب أغلبها إلي مجهول، ولكن أشار الخبراء إلي ارتباط تلك الحوادث بالـ "هجمات السيبرانية".
ولعل من أبرز هذه الحوادث، تسميم محطات مياة في إسرائيل والولايات المتحدة، إذ أفادت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" الأسبوع الماضي بأن إسرائيل تحقق بإمكانية وجود علاقة بين هجوم إلكتروني استهدف تسميم مستودع مياه بولاية فلوريدا الأمريكية ومحاولة مماثلة حدثت في إسرائيل.
وأشارت "كان" إلى أن "الحديث يدور عن هجوم غير اعتيادي"، مؤكدة أن المسؤولين في وحدة السايبر الوطنية الإسرائيلية، على تواصل مع مسؤولين في الولايات المتحدة، بغرض التحقيق بالهجوم الذي وقع في وقت مبكر من شهر فبراير الجاري هناك، للتأكد مما إذا كانت نفس الجهة التي قامت بالهجوم ضد المنشآت الإسرائيلية قبل عدة أشهر، هي نفسها التي هاجمت المنشأة الأمريكية".
وكانت سلطات ولاية فلوريدا الأمريكية، كشفت مؤخراً، أنها "تمكنت من إيقاف هجوم إلكتروني على منشأة لمياه الشرب"، لافتة إلى أن "هذا الهجوم كان محاولة (إلكترونية) لرفع مستوى المواد الكيميائية داخل المياه وتسميمها"، مثلما جرت محاولة مشابهة في إسرائيل قبل عشرة أشهر، كانت تستهدف أيضا رفع مستوى المواد الكيميائية والكلور في منشآت المياه المستهدفة.
ولم تذكر إسرائيل في حينها عن الجهة التي قامت بالهجوم، فيما قالت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية إن "إيران هي التي تقف وراء الهجوم".
كذلك سادت حالة من الارتباك في شوارع العاصمة الإيرانية طهران مع انطلاق صافرات الإنذار يوم 30 يناير الماضي، إذ تحدث البعض عن غارة إسرائيلية على طهران، فيما أشار آخرون إلى وقوع هجوم إلكتروني على المطارات الإيرانية، كذلك تحدثت أنباء عن سقوط طائرة ركاب تركية.
وتوقفت آنذاك جميع الرحلات الجوية سواء الداخلية أو الخارجية في العاصمة الإيرانية طهران، كذلك تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن انقطاع الكهرباء جنوب طهران بالقرب من مطار الخميني.
وأكد مطار الخميني بعدها بفترة وجيزة عودة حركة الملاحة الجوية في طهران إلى طبيعتها بعد تحسن الأحوال الجوية.
من جانبه، قال نائب محافظ طهران للشؤون الأمنية: إن خللًا فنيًّا أدى لانطلاق صافرات الإنذار غرب العاصمة الإيرانية.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من متابعي الشأن الإيراني، أنباء تفيد بأن توقف جميع الرحلات الجوية سواء الداخلية أو الخارجية في العاصمة الإيرانية طهران، جاء جراء هجمة سيبرانية مجهولة المصدر، فيما لفت البعض إلى إمكانية تورط تل أبيب في هذه الهجمة.
يشار إلى أن هذه تعتبر المرة الأولى التي تنطلق فيها صافرات الإنذار في طهران منذ الحرب الإيرانية العراقية.
ناقوس خطر
ويري الخبراء أن الهجمات السيبرانية التي وقعت علي المؤسسات اللوجيتسية خلال الآونة الأخيرة مثل محطات المياة ومحطات الكهرباء، والهيئات والمؤسسات المختلفة، قد تمثل خطراً مباشرةً علي حياة البشر، لافتين إلي أن الحروب في المستقبل قد تندلع وتنتهي دون تحرك الجيوش خارج أراضيها، ويكون الاعتماد بشكل أساسي علي الالكترونيات.
وبرزت "الهجمات السيبرانية" ايضا في الصراع بين أستونيا وروسيا في 2007، والحرب بين روسيا وجورجيا عام 2008، وبين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة عام 2009، وبين كوريا الشمالية وأمريكا ايضاً.
إيران "فأر التجارب"
وتعد "الهجمات السيبرانية" أحدث فصل في النزاع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، إذ أتهم البلدان بعضهما بشن هجمات استهدفت مؤسسات وهيئات حكومية.
وفي العام الماضي، أفادت وسائل إعلام أمريكية، بأن الولايات المتحدة شنت هجمات إلكترونية استهدفت أنظمة حاسوبية إيرانية تستخدم لإطلاق الصواريخ، وشبكة تجسس إيرانية، وذلك بعد إسقاط طهران طائرة أمريكية بدون طيار.
كذلك، اتهمت واشنطن طهران بتصعيد الهجمات الإلكترونية، وقال مدير وكالة الأمن الإلكتروني التابعة لوزارة الأمن الداخلي، كريس كريبس، على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، إن المسؤولين اكتشفوا زيادة في "النشاط الإلكتروني الخبيث" الموجه إلى الولايات المتحدة من قبل أشخاص مرتبطين بالحكومة الإيرانية.
وكانت أبرز الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها إيران، في عام 2010، في غمرة الأزمة حول الملف النووي الإيراني، إذ أتهمت طهران إسرائيل والولايات المتحدة بخلق فيروسا إلكترونيا قويا للغاية أطلق عليه اسم "ستانكست"، وقد أصاب يومها الآلاف من الحواسيب الإيرانية، وعطل عمل أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها طهران في تخصيب اليورانيوم.
وفي نفس السياق، أعلنت منظمة تكنولوجيا المعلومات التابعة للحكومة الإيرانية أكتوبر الماضي، تعرّض مؤسستين لهجومين إلكترونيين كبيرين، استهدف أحدهما البنية التحتية الإلكترونية لموانئ البلاد.
ولم تذكر المنظمة تفاصيل بشأن أهداف أو منفذي الهجومين، كما لم تحدد الجهة المستهدفة بالهجوم الثاني.
الصين وكوريا الشمالية في المقدمة
من جانبه، أشار خبير أمن المعلومات المهندس وليد حجاج، إلي أن الصين وكوريا الشمالية وروسيا وإيران ثم أمريكا، تُصنف من ضمن أكثر الدول التي تنشط في استخدام "الفضاء السيبراني".
وعند سؤال خبير المعلومات عن إمكانية تطور الحروب في المستقبل واعتمادها علي "الفضاء السيبراني"، أوضح حجاج، أن العالم بدأ في الاعتماد بالفعل علي الحروب السيبرانية، مشدداً علي أن هذه النوعية من الهجمات ظهرت بقوة بعد "ثورات الربيع العربي".
وقال خبير المعلومات إن أغلب "الحروب السيبرانية" التي شهدها العالم حتي الآن، ترجع إلي "اعتبارات سياسية"، مبيناً أن أغلب هذه الهجمات يكون من الصعب إثباتها نظراً للاحترافية في تنفيذها.