لغز الأحزاب الإخوانية.. تبنت أفكارًا معادية للمدنية والديمقراطية.. مشروعها الوحيد "الخلافة".. وترفع شعار "الجنسية الدينية"
الأحزاب المصرية ذات المرجعية الدينية التي خرجت من رحم ثورة 25 يناير 2011 انتهت كما بدأت، ولم تضف شيئًا مذكورًا للمشهد السياسي، بل يمكن القول: إن ظهورها أفسد الحياة السياسية؛ لذا فإنَّ اختفاءها كان أمرًا محتومًا.
مخالفة الدستور
وللتاريخ.. فإنَّ معظم هذه الأحزاب تشكلت بموجب قانون الأحزاب، الذي تم تعديله في منتصف العام 2011، وأشهرها: الأصالة، والوطن، والفضيلة، والإصلاح والنهضة، والراية، ومصر القوية، والعمل الجديد، والوسط، والاستقلال، والثورة، والنور، والحضارة، والتوحيد العربي.
ورغم أن المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية تنص على: "عدم تعارض أهداف الحزب أو برامجه، أو سياساته مع المبادئ الأساسية للدستور، أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وعدم قيام الحزب باختيار قياداته أو أعضائه على أساس ديني، أو طبقي، أو طائفي، وعدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أي نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية، وألا يكون الحزب فرعًا لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي.
إلا إن هذه الأحزاب انفجرت مرة واحدة داخل الحياة السياسية دون ضابط أو رابط، قبل أن يكتشف المصريون حقيقتها وجوهرها فانصرفوا عنها، حتى تلاشت وجودًا وتأثيرًا، وما بقى منها بقى خامل الذكر عديم الأثر.
وتزامنًا مع الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير.. تعيد "فيتو" فتح ملف هذه الأحزاب؛ ليس بهدف اجترار الماضى، ولكن من أجل التأكيد على أن مثل هذه التجارب التي لفظها المصريون سريعًا خرجت وهى تحمل كل مقومات الفشل، لا سيما لم تكن تهدف إلى الإصلاح أو البناء أو التنمية أو الحرية أو العدالة، ولا حتى الأصالة، فلم تكن سوى أسماء جوفاء لا تعكس واقعًا أو حقيقة.
25 يناير
مع ظهور الملامح الأولى لثورة 25 يناير، لم تشهد الساحة السياسية المصرية أي شعارات دينية، بل لم يشارك أي فصيل ديني في الإعداد والحشد لها بما فيهم جماعة الإخوان، التي كانت الأكبر والأضخم آنذاك، حينها رفعت الثورة شعارات «اجتماعية ـ سياسية ـ حقوقية ».
لكن بعد نجاحها، وكأن الإسلاميون خرجوا من جحور سرية لم تكن في خيال أحد، ما ساهم في تزكية شعور بالأسى ولدّ إحساسًا عارمًا في صفوف شباب الثورة والحالمين بدولة مدنية حديثة بسرقة الثورة ممن كانوا في منازلهم يتآمرون بأمر النظام القديم، ولا علاقة لهم بالمدنية، ولم يدعموا من أهدافها إلا الجانب الاجتماعي ما يبيح لهم تحصيل شعبية تمكنهم من الضغط لإنشاء أحزاب سياسية، اعتمادا على مشاركة بعضهم جزئيًا وبعد تأكدهم من حتمية إسقاط مبارك.
شعارات دينية
بدأت الأحزاب الدينية الإعلان عن تأسيسها بعد نجاح ثورة 25 يناير عام 2011، ولكنها سريعًا رفعت شعارات دينية واضحة، واستغلت المادة الثانية من الدستور التي تجعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، حتى تلون كل أنشطتها بغطاء ديني ما ضمن لهم الريادة لدى الشارع الذي كان يخطو خطواته الأولى في عالم الديمقراطية.
وتجاوزت هذه الأحزاب نص القانون 40 لـ سنة 1977 الذي كان ينظم تأسيس الأحزاب السياسية في مصر، وتغلب لسنوات طويلة على إشكالية المادة الثانية، إذ منع قيام أي أحزاب على أسس دينية، لكن الإسلاميين استغلوا تعطيل الدستور والروح الثورية والانفتاح السياسي الكبير ورغبة الجميع في تهدئة الشارع بإجراءات حقيقية تمكن الثورة من تحقيق أهدافها، وتفتح للجميع آفاقا في المشاركة السياسية والمجتمعية بما فيهم التيارات التي كانت طوال تاريخها ليست أكثر من ملف أمني بامتياز، بعد فتح الباب تزايد عدد الأحزاب الدينية التي سُمح لها بالعمل السياسي.
لكن أكثرهم تأثيرًا كان الحرية والعدالة، النور، البناء والتنمية، الوطن، الوسط، الأصالة، الفضيلة، الشعب، ومصر القوية، وتراوح حجم الاعتماد على الدين حسب القوة والتأثير والمرجعية الفكرية، إذا كان السلفيون الأعلى صوتًا ومزايدة على الجميع، جاء خلفهم الإخوان في بداية الثورة.
لكن زاد الاعتماد على الدعاية الدينية بعد تأزم وضعهم في الحكم وتزايد عدد معارضيهم، بينما تذيل القائمة حزبا الوسط ومصر القوية، وكان لهما اختلافات حول طريقة وإدارة المرجعية الدينية في العمل السياسي، لكنهم لم يبتعدوا عنها، ولهذا شارك الوسط على سبيل المثال في تحالف دعم الشرعية المناصر للجماعة بعد إسقاطها عن الحكم.
ضد المدنية
طارق محمود، أحد الوجوه المعارضة بشراسة للتيارات الدينية، وأحد رموز جبهة مناهضة أخونة مصر التي تأسست عام 2012 بعد وصول الإخوان إلى السلطة، وصاحب الدعوى التي تطالب بحل جميع الأحزاب الدينية، يقول إنها تخالف الدستور.
ويؤكد أنه استند في دعواه القضائية إلى المادة 74 من دستور 2014، الذي تمت صياغته بعد الإطاحة بحكم الإخوان، والتي تنص على أن "لكل مواطن الحق في تكوين الأحزاب السياسية على النحو الذي ينظمه القانون بشرط ألا تكون تلك الأحزاب على أساس ديني، أو تُميز على أساس الجنس أو العرق أو الطائفية أو الموقع الجغرافي.
استهدف محمود في دعواه 11 حزبًا دينيًا، اتهمهم بالولاء للإخوان مؤكدا أن معظم قادتهم هربوا أو اعتقلوا بتهمة التعاون مع التنظيم والتحريض على العنف ضد الدولة، لافتا إلى أن الأحزاب الدينية تستخدم السياسة كواجهة للانخراط في ممارسات دينية تنتهك الدستور المصري.
ويرى المحامي الذي يحارب الإسلاميين بكل قوة حتى الآن، أن استمرار هذه الأحزاب، يجلب على مصر تهديدات خطيرة، سواء الآن أو في المستقبل، بسبب استغلالها الدين لتحقيق أهدافها وإصدار التشريعات التي تخدم أجندتها، معتبرا أن حلها يجنب مصر أيضا أزمة دستورية، مردفا: عدم دستورية الأحزاب الدينية، يقودنا إلى مشكلة أكبر، فالبرلمان الذي تفوز فيه بمقاعد سيكون بالمثل غير دستوري.
ما يقوله «محمود» يقودنا إلى أهمية فحص الأيديولوجيا التي تعتمد عليها أحزاب هي بالأساس في أغلبها أذرع سياسية لجماعات دينية لها تاريخ في العنف بالبلاد ولها مشروع أممي ينتهى بإعلان الخلافة الإسلامية، وكل أدبياتهم لا تعترف بالحدود السياسية للدول التي انتهى إليها العالم المعاصر في تعريفه لمعنى الدولة.
الجنسية الإسلامية
ويتركز برنامج الإسلاميين على السعى إلى تدشين دولة تعترف فقط بالجنسية الإسلامية، وهو سر تخبط المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف وعدم قدرته على إخفاء أفكاره خلال حوار صحفي قال فيه بعد استدراجه إلى مناطق حساسه في أدبيات الإخوان: «طز في مصر».
مخاوف طارق محمود المحامي والمستشار القانوني، يؤكد عليها الدكتور شوقي السيد، أستاذ القانون الدستوري، الذي يرى أن الجماعات الإسلامية منذ نشأتها وتاريخها يؤكد على مخاطر الخلط بين الدين والسياسة، ويعود السيد إلى بدايات عام 1948.
ويسترجع مقاومة الأجهزة الأمنية المصرية، وخاصة وزير الداخلية عبد الرحمن عمر لعنف وإرهاب جماعة الإخوان التي تسببت خلال هذه المرحلة في أضرار فادحة للمشهد السياسي المصري، بعد أن أدخلت له تعريفات جديدة تستخدم الدين في السياسة.
يشير صاحب المؤلفات القانونية والسياسية التي تعرضت لمثل هذه الإشكاليات ومنها «الحياة الحزبية المصرية في مائة عام» و«قانون العزل السياسي بين عدم الدستورية والانحراف التشريعي» إلى مخاوف سبق لطارق محمود الإشارة إليها، وهي سيطرة تيار ديني على المشهد السياسي والأضرار التي قد تحدث نتيجة ذلك.
ويؤكد أن هناك حالة تستدعيها الذاكرة، وهي الطريقة التي أعٌد بها دستور الإخوان في 2012، إذ تم سلقه على عجل، حتى يمكن الجماعة من السيطرة على السلطة التنفيذية بعد أن سيطرت الجماعة تماما على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور آنذاك.
وصّدرت أزمة كبرى كانت من أهم أسباب تدمير ثورة يناير، بعد أن أصرت على تشكيل تحالف مع حزب النور السلفي لإعداد دستور البلاد بعد الوصول إلى البرلمان، ورفضوا كتابة دستور يعبر عن أحلام كل المصريين أولًا، بمزاعم ساذجة لا تعبر إلا عن لؤم سياسي هدفه السيطرة على المجتمع كاملا وليس الحكم فقط.
تدمير الدولة
ويوضح السيد أن الإخوان ومن خلفها التيارات الدينية مارسوا حالة من التسنط على الدولة وأجهزتها التنفيذية، لتسليم منصب الرئاسة إلى واحد من العشيرة.
وبالفعل تولى محمد مرسي الحكم بناء على هذه المعطيات، ووضعوا كل الضمانات التي تجعل السلطة في يده دون غيره، ويدعمه في ذلك مجلس نواب سيطر عليه الإسلاميون برئاسة مكتب الإرشاد، مؤكدا أن العناية الإلهية وقوة إرادة الشعب المصري هي فقط التي أنقذت البلاد من هذا الدستور ومعه الجماعة وأنصارها. نجحت ثورة 30 يونيو، ومعها اختفت كل الأحزاب الدينية من الساحة السياسية، هرولت جميعها خلف الإخوان.
واستحقت مصيرها بغض النظر عن موقفها القانوني الذي لايزال معلقا حتى الآن، لكن حزبًا واحدًا نجا من هذه المذبحة السياسية للأحزاب الدينية «النور»، ولكن ماذا عن التوجه والأيدلوجيا، وموقف الحزب من القضية الأهم الأهم «مدنية الدولة» ! في منتصف عام 2019 كان النور على موعد مع اختبار سياسي هو الأول تقريبا بعد 30 يونيو 2013، وقف النائب أحمد خليل ممثل الهيئة البرلمانية لحزب النور آنذاك.
وأعلن رفضهم للتعديلات الدستورية، فقط بسبب النص على مدنية الدولة في التعديلات الدستورية، وخلط الرجل بين المدنية والعلمانية، وإن كان هو الوحيد في مصر الذي قرأ النص على هذا النحو.
التيار السلفي
واستطاع «النور» مدفوعًا بعدد كبير من النواب «المحافظين فكريا» والذين يرعبهم الحديث عن الدين في أي سياق، تمرير تصويت على التعديلات الدستورية، يشرح بوضوح معنى المدنية المذكورة بأنها ليست علمانية ولادينية ولا عسكرية، ووافق المجلس على هذا التعريف الوارد، ونجح النور في تمرير نجاح سياسي له بعد أعوام من الاختفاء، إذ تأثر أيضا بتدني شعبية التيار الديني.
حل اللغز
الدكتور وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، شرح إشكالية النور ولكن من باب أوسع، مؤكدا أن المادة التي تحظر تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية لا تكفي لتقييم شرعية الأحزاب المعنية الآن بالأزمة، لافتا إلى أن مصطلح «على أساس ديني» غامضا بدرجة كبيرة.
ويرى عبد المجيد أهمية سن قانون يحدد الأنشطة التي من شأنها أن تصنف حزبًا على أساس ديني، على أن يحظر تمامًا استخدام الشعارات الدينية والمساجد في الحملات الانتخابية، ويطبق ذلك على الجميع وليس الأحزاب الدينية وحدها.
لافتا إلى أن الحزب الوطني المنحل على سبيل المثال كان يستخدم الخطاب الديني أيضا في الدعاية له. يختتم مستشار الأهرام للدراسات السياسية مؤكدا أهمية فحص البرنامج السياسي لكل حزب، إذ يحدد هذا الإجراء من وجهة نظره إن كان حزبًا دينيًا أم ذا مرجعية دينية وهناك فارق بينهما على حد قوله.
نقلًا عن العدد الورقي...
مخالفة الدستور
وللتاريخ.. فإنَّ معظم هذه الأحزاب تشكلت بموجب قانون الأحزاب، الذي تم تعديله في منتصف العام 2011، وأشهرها: الأصالة، والوطن، والفضيلة، والإصلاح والنهضة، والراية، ومصر القوية، والعمل الجديد، والوسط، والاستقلال، والثورة، والنور، والحضارة، والتوحيد العربي.
ورغم أن المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية تنص على: "عدم تعارض أهداف الحزب أو برامجه، أو سياساته مع المبادئ الأساسية للدستور، أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وعدم قيام الحزب باختيار قياداته أو أعضائه على أساس ديني، أو طبقي، أو طائفي، وعدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أي نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية، وألا يكون الحزب فرعًا لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي.
إلا إن هذه الأحزاب انفجرت مرة واحدة داخل الحياة السياسية دون ضابط أو رابط، قبل أن يكتشف المصريون حقيقتها وجوهرها فانصرفوا عنها، حتى تلاشت وجودًا وتأثيرًا، وما بقى منها بقى خامل الذكر عديم الأثر.
وتزامنًا مع الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير.. تعيد "فيتو" فتح ملف هذه الأحزاب؛ ليس بهدف اجترار الماضى، ولكن من أجل التأكيد على أن مثل هذه التجارب التي لفظها المصريون سريعًا خرجت وهى تحمل كل مقومات الفشل، لا سيما لم تكن تهدف إلى الإصلاح أو البناء أو التنمية أو الحرية أو العدالة، ولا حتى الأصالة، فلم تكن سوى أسماء جوفاء لا تعكس واقعًا أو حقيقة.
25 يناير
مع ظهور الملامح الأولى لثورة 25 يناير، لم تشهد الساحة السياسية المصرية أي شعارات دينية، بل لم يشارك أي فصيل ديني في الإعداد والحشد لها بما فيهم جماعة الإخوان، التي كانت الأكبر والأضخم آنذاك، حينها رفعت الثورة شعارات «اجتماعية ـ سياسية ـ حقوقية ».
لكن بعد نجاحها، وكأن الإسلاميون خرجوا من جحور سرية لم تكن في خيال أحد، ما ساهم في تزكية شعور بالأسى ولدّ إحساسًا عارمًا في صفوف شباب الثورة والحالمين بدولة مدنية حديثة بسرقة الثورة ممن كانوا في منازلهم يتآمرون بأمر النظام القديم، ولا علاقة لهم بالمدنية، ولم يدعموا من أهدافها إلا الجانب الاجتماعي ما يبيح لهم تحصيل شعبية تمكنهم من الضغط لإنشاء أحزاب سياسية، اعتمادا على مشاركة بعضهم جزئيًا وبعد تأكدهم من حتمية إسقاط مبارك.
شعارات دينية
بدأت الأحزاب الدينية الإعلان عن تأسيسها بعد نجاح ثورة 25 يناير عام 2011، ولكنها سريعًا رفعت شعارات دينية واضحة، واستغلت المادة الثانية من الدستور التي تجعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، حتى تلون كل أنشطتها بغطاء ديني ما ضمن لهم الريادة لدى الشارع الذي كان يخطو خطواته الأولى في عالم الديمقراطية.
وتجاوزت هذه الأحزاب نص القانون 40 لـ سنة 1977 الذي كان ينظم تأسيس الأحزاب السياسية في مصر، وتغلب لسنوات طويلة على إشكالية المادة الثانية، إذ منع قيام أي أحزاب على أسس دينية، لكن الإسلاميين استغلوا تعطيل الدستور والروح الثورية والانفتاح السياسي الكبير ورغبة الجميع في تهدئة الشارع بإجراءات حقيقية تمكن الثورة من تحقيق أهدافها، وتفتح للجميع آفاقا في المشاركة السياسية والمجتمعية بما فيهم التيارات التي كانت طوال تاريخها ليست أكثر من ملف أمني بامتياز، بعد فتح الباب تزايد عدد الأحزاب الدينية التي سُمح لها بالعمل السياسي.
لكن أكثرهم تأثيرًا كان الحرية والعدالة، النور، البناء والتنمية، الوطن، الوسط، الأصالة، الفضيلة، الشعب، ومصر القوية، وتراوح حجم الاعتماد على الدين حسب القوة والتأثير والمرجعية الفكرية، إذا كان السلفيون الأعلى صوتًا ومزايدة على الجميع، جاء خلفهم الإخوان في بداية الثورة.
لكن زاد الاعتماد على الدعاية الدينية بعد تأزم وضعهم في الحكم وتزايد عدد معارضيهم، بينما تذيل القائمة حزبا الوسط ومصر القوية، وكان لهما اختلافات حول طريقة وإدارة المرجعية الدينية في العمل السياسي، لكنهم لم يبتعدوا عنها، ولهذا شارك الوسط على سبيل المثال في تحالف دعم الشرعية المناصر للجماعة بعد إسقاطها عن الحكم.
ضد المدنية
طارق محمود، أحد الوجوه المعارضة بشراسة للتيارات الدينية، وأحد رموز جبهة مناهضة أخونة مصر التي تأسست عام 2012 بعد وصول الإخوان إلى السلطة، وصاحب الدعوى التي تطالب بحل جميع الأحزاب الدينية، يقول إنها تخالف الدستور.
ويؤكد أنه استند في دعواه القضائية إلى المادة 74 من دستور 2014، الذي تمت صياغته بعد الإطاحة بحكم الإخوان، والتي تنص على أن "لكل مواطن الحق في تكوين الأحزاب السياسية على النحو الذي ينظمه القانون بشرط ألا تكون تلك الأحزاب على أساس ديني، أو تُميز على أساس الجنس أو العرق أو الطائفية أو الموقع الجغرافي.
استهدف محمود في دعواه 11 حزبًا دينيًا، اتهمهم بالولاء للإخوان مؤكدا أن معظم قادتهم هربوا أو اعتقلوا بتهمة التعاون مع التنظيم والتحريض على العنف ضد الدولة، لافتا إلى أن الأحزاب الدينية تستخدم السياسة كواجهة للانخراط في ممارسات دينية تنتهك الدستور المصري.
ويرى المحامي الذي يحارب الإسلاميين بكل قوة حتى الآن، أن استمرار هذه الأحزاب، يجلب على مصر تهديدات خطيرة، سواء الآن أو في المستقبل، بسبب استغلالها الدين لتحقيق أهدافها وإصدار التشريعات التي تخدم أجندتها، معتبرا أن حلها يجنب مصر أيضا أزمة دستورية، مردفا: عدم دستورية الأحزاب الدينية، يقودنا إلى مشكلة أكبر، فالبرلمان الذي تفوز فيه بمقاعد سيكون بالمثل غير دستوري.
ما يقوله «محمود» يقودنا إلى أهمية فحص الأيديولوجيا التي تعتمد عليها أحزاب هي بالأساس في أغلبها أذرع سياسية لجماعات دينية لها تاريخ في العنف بالبلاد ولها مشروع أممي ينتهى بإعلان الخلافة الإسلامية، وكل أدبياتهم لا تعترف بالحدود السياسية للدول التي انتهى إليها العالم المعاصر في تعريفه لمعنى الدولة.
الجنسية الإسلامية
ويتركز برنامج الإسلاميين على السعى إلى تدشين دولة تعترف فقط بالجنسية الإسلامية، وهو سر تخبط المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف وعدم قدرته على إخفاء أفكاره خلال حوار صحفي قال فيه بعد استدراجه إلى مناطق حساسه في أدبيات الإخوان: «طز في مصر».
مخاوف طارق محمود المحامي والمستشار القانوني، يؤكد عليها الدكتور شوقي السيد، أستاذ القانون الدستوري، الذي يرى أن الجماعات الإسلامية منذ نشأتها وتاريخها يؤكد على مخاطر الخلط بين الدين والسياسة، ويعود السيد إلى بدايات عام 1948.
ويسترجع مقاومة الأجهزة الأمنية المصرية، وخاصة وزير الداخلية عبد الرحمن عمر لعنف وإرهاب جماعة الإخوان التي تسببت خلال هذه المرحلة في أضرار فادحة للمشهد السياسي المصري، بعد أن أدخلت له تعريفات جديدة تستخدم الدين في السياسة.
يشير صاحب المؤلفات القانونية والسياسية التي تعرضت لمثل هذه الإشكاليات ومنها «الحياة الحزبية المصرية في مائة عام» و«قانون العزل السياسي بين عدم الدستورية والانحراف التشريعي» إلى مخاوف سبق لطارق محمود الإشارة إليها، وهي سيطرة تيار ديني على المشهد السياسي والأضرار التي قد تحدث نتيجة ذلك.
ويؤكد أن هناك حالة تستدعيها الذاكرة، وهي الطريقة التي أعٌد بها دستور الإخوان في 2012، إذ تم سلقه على عجل، حتى يمكن الجماعة من السيطرة على السلطة التنفيذية بعد أن سيطرت الجماعة تماما على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور آنذاك.
وصّدرت أزمة كبرى كانت من أهم أسباب تدمير ثورة يناير، بعد أن أصرت على تشكيل تحالف مع حزب النور السلفي لإعداد دستور البلاد بعد الوصول إلى البرلمان، ورفضوا كتابة دستور يعبر عن أحلام كل المصريين أولًا، بمزاعم ساذجة لا تعبر إلا عن لؤم سياسي هدفه السيطرة على المجتمع كاملا وليس الحكم فقط.
تدمير الدولة
ويوضح السيد أن الإخوان ومن خلفها التيارات الدينية مارسوا حالة من التسنط على الدولة وأجهزتها التنفيذية، لتسليم منصب الرئاسة إلى واحد من العشيرة.
وبالفعل تولى محمد مرسي الحكم بناء على هذه المعطيات، ووضعوا كل الضمانات التي تجعل السلطة في يده دون غيره، ويدعمه في ذلك مجلس نواب سيطر عليه الإسلاميون برئاسة مكتب الإرشاد، مؤكدا أن العناية الإلهية وقوة إرادة الشعب المصري هي فقط التي أنقذت البلاد من هذا الدستور ومعه الجماعة وأنصارها. نجحت ثورة 30 يونيو، ومعها اختفت كل الأحزاب الدينية من الساحة السياسية، هرولت جميعها خلف الإخوان.
واستحقت مصيرها بغض النظر عن موقفها القانوني الذي لايزال معلقا حتى الآن، لكن حزبًا واحدًا نجا من هذه المذبحة السياسية للأحزاب الدينية «النور»، ولكن ماذا عن التوجه والأيدلوجيا، وموقف الحزب من القضية الأهم الأهم «مدنية الدولة» ! في منتصف عام 2019 كان النور على موعد مع اختبار سياسي هو الأول تقريبا بعد 30 يونيو 2013، وقف النائب أحمد خليل ممثل الهيئة البرلمانية لحزب النور آنذاك.
وأعلن رفضهم للتعديلات الدستورية، فقط بسبب النص على مدنية الدولة في التعديلات الدستورية، وخلط الرجل بين المدنية والعلمانية، وإن كان هو الوحيد في مصر الذي قرأ النص على هذا النحو.
التيار السلفي
واستطاع «النور» مدفوعًا بعدد كبير من النواب «المحافظين فكريا» والذين يرعبهم الحديث عن الدين في أي سياق، تمرير تصويت على التعديلات الدستورية، يشرح بوضوح معنى المدنية المذكورة بأنها ليست علمانية ولادينية ولا عسكرية، ووافق المجلس على هذا التعريف الوارد، ونجح النور في تمرير نجاح سياسي له بعد أعوام من الاختفاء، إذ تأثر أيضا بتدني شعبية التيار الديني.
حل اللغز
الدكتور وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، شرح إشكالية النور ولكن من باب أوسع، مؤكدا أن المادة التي تحظر تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية لا تكفي لتقييم شرعية الأحزاب المعنية الآن بالأزمة، لافتا إلى أن مصطلح «على أساس ديني» غامضا بدرجة كبيرة.
ويرى عبد المجيد أهمية سن قانون يحدد الأنشطة التي من شأنها أن تصنف حزبًا على أساس ديني، على أن يحظر تمامًا استخدام الشعارات الدينية والمساجد في الحملات الانتخابية، ويطبق ذلك على الجميع وليس الأحزاب الدينية وحدها.
لافتا إلى أن الحزب الوطني المنحل على سبيل المثال كان يستخدم الخطاب الديني أيضا في الدعاية له. يختتم مستشار الأهرام للدراسات السياسية مؤكدا أهمية فحص البرنامج السياسي لكل حزب، إذ يحدد هذا الإجراء من وجهة نظره إن كان حزبًا دينيًا أم ذا مرجعية دينية وهناك فارق بينهما على حد قوله.
نقلًا عن العدد الورقي...