لماذا يجب تحديث الفقه الإسلامي بما يتناسب مع طموحات الدولة المصرية ؟
مع ثورة الإنشاءات وترميم وتحديث البنية التحتية التي تقوم بها الدولة المصرية، والتي ستنقلها خلال سنوات قليلة إلى مساحة مختلفة في التقدم والرقي، يتصاعد الحديث عن ثورة فكرية وروحية تغير العقول وأنماط الحياة المصرية بما يتلائم مع مسار النهضة والتحديث.
يتزايد الحديث عن الجانب الروحي والتدين، لأنهما الجانبان اللذان ركز عليهما كل التيارات المتطرفة خلال الأربعة عقود الماضية لإحكام سيطرتهم على المصريين من القمة للقاع، وأيسر الطرق لتحديث فهم الناس للحياة العصرية هو الفقه.
يقول على الرباعي، الكاتب والباحث في الشئون الإسلامية، إن الفقه ليس محصوراً في الحلال والحرام، فالمباح أوسع الأحكام، والأصل في الأشياء الإباحة، وهناك مباح بذاته ومباح لغيره، مثل المباح للضرورة، والمباح بالعُرف، والمباح بالسكوت عنه.
لفت الباحث إلى أن الفقه يحتاج إلى فهم خاص يتجاوز الفهم العادي، مردفا: يحتاج إلى عقلية تكون قادرة على الاستنباط والتقليد والمحاكاة، وفق روح النصوص القطعية التي جاءت بالتيسير ورفع الحرج وحفظ المصالح والمقاصد.
أوضح الرباعي أن بعض العصور ورد فيها ما سمي بفقه النوازل، وهي معالجات فقهية لمستجدات عصر ما، لافتا إلى أن الفقه الإسلامي بحاجة إلى الثورة على تقليديته ليتجاوز أبواب الرق وأحكام أمهات الأولاد، إلى فقه رقمي يستوعب العصر.
ودون الحاجة لتطبيق حكم قضية سابقة، على قضية حالية بذريعة التشابه، فالعلة قد لا تكون مبرراً كافياً لإصدار الحكم، والرأي الاجتهادي ليس حكم الله.
تابع: التركة الفقهية ثقيلة، واستدعاء وجهات نظر فقهاء عاشوا قبل ألف عام مدعاة لأزمات، نظراً لاختلاف الظروف وتبدل الأحوال، وتغير موازين القوى.
أضاف: فقهاء المذاهب لم لكن يجنح بهم خيالهم إلى أزمنة أبعد من الزمن الذي عاشوا فيه، فلم يصدروا أحكاماً لفقه التعايش أو حقوق الإنسان وحرية الاختيار، ولا فقه الأقليات في المجتمع المسلم، مما يتعذر معه في ظل معطيات عصر العِلم قياسه على غائب.
تابع: الغائب محكوم بزمن وظروف وأفهام خاصة بع، ولكل عصر فقهه، موضحا أن الدساتير الوطنية بديل عملي وتطبيق للشورى بموجب قوله تعالى وشاورهم في الأمر.
استكمل: الفقه العربي كلاسيكي، ومن الخطأ أن يكون في وادٍ والمجتمع في واد آخر وبينهما عمر موازٍ لعمر سيدنا نوح عليه السلام، لافتا إلى أن الفقهاء من الطبيعي أن يتأقلمون سريعاً مع عصور التحولات، ويعيشون ويعايشون العصرنة بدءاً من ملبسهم إلى مركبهم وتعاملاتهم ومقتنياتهم.
أضاف: لدينا في الإسلام فقه العصر الأندلسي، الذي تميز عن أصله التقليدي وكان نموذجاً عصريا، انفتح على معطيات الزمان والمكان والإنسانية ولم يصطدم معها، ولم يهوّل من تداعيات التغيير والتطوير، ما يؤكد متانة الفقه ومكانته وقابليته للتجديد.
واختتم: يجب تجاوز تصورات بعض المتعصبين للموروث الفقهي، الذين يتصورون أن العالم سيظل على صورة واحدة خاضعة للتقاضي التقليدي، والفتوى الجامدة، فلم لم يعد عالمنا بحسب تقسيم الفقه، دار إسلام ودار حرب إلا في الذهنية الحادة، ومن المغالطة تصوير العالم على أنه يسير للوراء.
أما أسامة يماني، الكاتب والباحث، فأوضح إن القوانين المنظمة للأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة ونسب وحقوق الزوجين وواجباتهما من أهم القوانين التي تتعلق بالمجتمع.
لفت يماني إلى إن تطور قانون الأحوال الشخصية يدل على المدى الذي وصلت إليه الحقوق المدنية، علماً أن الفقهاء في السابق لم يستخدموا مصطلح الأحوال الشخصية، وإنما كانوا يطلقون اسما خاصا على كل موضوع، ككتاب النكاح وكتاب المهر، فالأحوال الشخصية توازي في المعنى الأحوال المدنية.
أضاف: تمثل قوانين الأحوال الشخصية أحد أهم المجالات التشريعية بالنسبة لحقوق المرأة، وعلى مكانتها في الأسرة والمجتمع، وعلى إنسانيتها ومواطنتها.
تابع: سوء فهم الأحكام الشرعية -السماوية- هو ما جعل من قانون الأحوال الشخصية مدعاة للانتقاد الدائم من قبل المرأة، حيث إنه بني على أساس اجتهادات ذكورية تسعى لتأمين مكاسب ومآرب ضيقة وبعيدة عن جوهر الإسلام الذي لم يبق بنداً أو احتمالاً إلا وعالجه بإنصاف للمرأة.
أضاف: فقهاء الحنفية لا يشترطون الولي للمرأة الراشد العاقل، فالإمام أبوحنيفة يرى أن البالغة الرشيدة لا ولاية لأحدٍ عليها، فلها أن تزوج نفسها بأن تباشر عقد نكاحها، وحصر الولاية الحقيقيةَ في الصغيرةِ غير البالغة، وجعل الولايةَ على البالغة الرشيدة وكالةً وليست ولايةً.
تابع: الزواج لا يتم في العادة إلا بقبول الأسرة لهذا الزواج، فلا حاجة لاشتراط الولي لأنه اجتماعياً لا يتم إلا برضاء وقبول من الوالدين لهذا الزواج إن كان عريساً أو عروساً.
اختتم: الزحف والتقدم نحو المستقبل لا يصح أن يكون بخطى مرتجفة أو بفكر مشوش أو انعدام الهدف، لذا يجب أن يتماشى أي تعديل في الأنظمة مع روح العصر ومكانة المسلمين بين دول العالم المتقدمة.