حكم الشرع في صلاة الغائب وهل يجوز أن تقام عقب صلاة الجمعة؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "أرجو الإفادة عن رأي الدين والفقه الإسلامي الصحيح عن صلاة الغائب، وهل يجوز أن تقام عقب صلاة الجمعة دائمًا بجماهير المصلين؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
صلاة الغائب هي الصلاة على ميتٍ غائبٍ عن المكان الذي يُصلى عليه فيه، وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا" متفق عليه.
وفي لفظ للإمام البخاري قال: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ»، قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية الصلاة على الغائب عن البلد.
وقد جاء في "نيل الأوطار" للإمام الشوكاني (4/ 61، ط. دار الحديث، مصر): [قال -أي الحافظ- في "الفتح": وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أَحدٍ من الصحابة منعه، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: الصلاة على الميت دعاءٌ له؛ فكيف لا يُدْعَى لَهُ وهو غائبٌ أو في القبر.
وذهبت الحنفية والمالكية وحكاه في "البحر" عن العترة: أنها لا تُشْرَعُ الصلاة على الغائب مطلقًا. قال الحافظ في "الفتح": وعن بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه أو ما قَرُب منه لا إذا طالت المدة؛ حكاه ابن عبد البر، وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، قال المحب الطبري: لم أر ذلك لغيره] اهـ.
وعلى ضوء ما تقدم: فإنه تجوز صلاة الغائب في أي وقتٍ جماعةً وفُرَادَى؛ سواء كانت صلاتها عقب صلاة الجمعة أو غيرها، دائمةً كانت أم غير دائمة.
حكم إعادة صلاة الجنازة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "بعد وفاة أحد الناس بالقاهرة يتم صلاة الجنازة عليه، وبعد وصوله إلى القرية فأهل القرية يصرون على إعادة الصلاة عليه مرة أخرى. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في إعادة الصلاة على الجنازة مرة ثانية".
ومن جانبه أجاب الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق عن حكم الشرع في "إعادة صلاة الجنازة" قائلاً: من المتفق عليه بين أئمة الفقه أن الصلاة على الجنازة فرض كفاية على الأحياء، فإذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ولكن ينفرد بثوابها من قام بها منهم؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رواه الدارقطني، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ -أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ-» رواه أبو داود.
أما بالنسبة لتكرار الصلاة على الميت، فقد اختلف الفقهاء فيها: فقال الحنفية والمالكية: يكره تكرار الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها إلا مرة واحدة حيث كانت الصلاة الأولى في جماعة، فإن صلى عليها أولًا بدون جماعة أعيدت ندبًا في جماعة ما لم يدفن.
وقال الشافعية: يسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصل أولًا ولو بعد الدفن.
وقال الحنابلة: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصل أولًا ولو بعد الدفن، ويكره التكرار لمن صلى عليها أولًا. اهـ بتصرف من كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" (1/ 467).
وجاء في "المغني" لابن قدامة (2/ 382): [من صلى على الجنازة مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، أما من أدرك الجنازة فمن لم يصل عليها فله أن يصلي عليها في جماعة أو فرادى. نص عليه أحمد] اهـ بتصرف. ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَوْجَبَ» رواه أبو داود.
وبناءً على ذلك: فلا مانع شرعًا من إعادة الصلاة على الميت مرةً ثانيةً من أهل القرية الذين لم يصلوا عليه في القاهرة على رأي الإمامين الشافعي والحنبلي؛ وذلك لحصول الميت على ثواب أكبر من الدعاء له من المصلين. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.
أحكام صلاة الجنازة
ومن الأسئلة التى وردت إلى الدار في هذا الشأن أيضًا " ما حكم الشرع في قدوم جنازة أثناء الصلاة على جنازة أخرى في نفس المسجد"، ومن جابنها جاء جواب الدار كالتالي:
الأصل أن تُصَلَّى صلاة الجنازة على كل متوفًّى مسلم أو متوفاة مسلمة، فإذا تعددت الجنازات فقد اتفق العلماء على جواز إفراد كل جنازة بالصلاة عليها، كما اتفقوا أيضًا على جواز الصلاة عليها مجتمعةً صلاةً واحدةً.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 419، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز] اهـ.
واستدلوا على الصلاة عليها مجتمعة بما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، ومن طريقه النسائي في "السنن"، وابن الجارود في "المنتقى"، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ جَمِيعًا؛ فَجَعَلَ الرِّجَالُ يَلُونَ الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ يَلِينَ الْقِبْلَةَ، فَصَفَّهُنَّ صَفًّا وَاحِدًا، ووضعت جنازةُ أمِّ كلثوم بنت علي عليهما السلام، امرأةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنٍ لها يقال له: زيدٌ، وضعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص رضي الله عنه، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة رضي الله عنهم، فوُضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرتُ ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة رضي الله عنهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: "هي السنة".
كيفية صلاة الجنازة
أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بجنازة أخرى: فقد اختلف الفقهاء في الصلاة على الجنازة الثانية؛ هل يجمع بينهما الإمام في صلاة واحدة، أم يُتم الصلاة التي شرع فيها، ثم يصلي على الثانية؟
فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على أنه يصلى على الجنازة الأولى، وبعد تمامها يصلى على الثانية، ولا يجمع بينهما؛ لأن النية انعقدت للصلاة على الأولى وحدها:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 127، ط. دار المعرفة): [وإن صلى على جنازة فكبر تكبيرة ثم جيء بأخرى فوضعت إلى جنبها، فإن كبّر الثانية: ينوي الصلاة على الأولى، أو عليهما، أو لا نية له؟ فهو في الصلاة على الأولى على حالة يتمها، ثم يستقبل الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأنه نوى ما هو موجود، وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق عليه، والمستحق عليه إتمام الصلاة على الأولى، وإن كبّر ينوي الصلاة على الجنازة الثانية فهو رافض للأولى شارع في الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأن الصلاة على كل جنازة فرض على حدة، ومن كان في فريضة فكبر ينوي فريضة أخرى كان رافضًا للأولى شارعًا في الثانية، فهذا مثله] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 467، ط. دار الغرب): [لا يدخل بالثانية في صلاة الأولى؛ لأنها لم تُنْوَ، ولو أتى بالثانية قبل إحرام الأولى ومن خلفه ينويهما] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على "الشرح الصغير" (1/ 553، ط. دار المعارف): [فإذا كبّر على جنازة وطرأت جنازة أخرى فلا يشركها معها، بل يتمادى في صلاته على الأولى حتى يتمّها، ثم يبتدئ الصلاة على الثانية.
أدعية صلاة الجنازة
قال أبو الحسن: لأنه لا يخلو؛ إما أن يقطع الصلاة ويبتدئ عليهما جميعًا، وهذا لا يجوز؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، أو لا يقطع ويتمادى عليهما إلى أن يتمّ تكبير الأولى ويسلّم، وهذا يؤدي إلى أن يكبّر على الثانية أقل من أربع، أو يتمادى إلى أن يتمّ التكبير على الثانية، فيكون قد كبّر على الأولى أكثر من أربع، فلذا منع من إدخالها معها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 227، ط. دار الفكر): [لو افتتح الإمام الصلاة على الجنازة ثم حضرت أخرى وهم في الصلاة: تركت حتى يفرغ من صلاته على الأولى ثم يصلّي على الثانية. قال الشافعي رحمه الله: ولا يعتدّ بالتكبير الذي كان قبل حضوره؛ لأنه لم ينو هذه الثانية، والله أعلم] اهـ.
بينما ذهب الحنابلة إلى أن الإمام إذا كبَّر على جنازة فجيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وكذلك إن جيء بثالثة ورابعة، حتى ولو وصل عدد التكبيرات إلى سبع، ولا يزيد على ذلك حتى ترفع الجنازات، ثم يستأنف التكبير إن جاؤوا بأخرى:
فضل صلاة الجنازة
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 385): [قال أصحابنا: إذا كبر على جنازة ثم جيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وينويهما، فإن جيء بثالثة: كبر الثالثة عليهن، ونواهن، فإن جيء برابعة: كبر الرابعة عليهن، ونواهن، ثم يكمل التكبير عليهن إلى سبع، ليحصل للرابعة أربع تكبيرات؛ إذ لا يجوز النقصان منهن، ويحصل للأولى سبع، وهو أكثر ما ينتهي إليه التكبير، فإن جيء بخامسة: لم ينوها بالتكبير، وإن نواها: لم يجز؛ لأنه دائر بين أن يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز] اهـ.
وعلى ذلك: فالقول بجواز الصلاة على الجنازة بعد الشروع في غيرها يوافق مذهبًا من مذاهب الفقهاء المعتمدة، وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صحّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل أن تصلى صلاة الجنازة على كل متوفًّى بمفرده، وقد اتفق الفقهاء على جواز الصلاة على جنازات مجتمعة دفعة واحدة، أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بأُخرى: فجمهور الفقهاء على أن يتم الصلاة على الأولى، ثم يشرع في الصلاة على غيرها، وذهب الحنابلة إلى جواز الصلاة عليها معها بعد الشروع في الأولى، إلى ثلاث جنائز على الجنازة الأولى، بحيث لا يزيد عدد التكبيرات عن سبع تكبيرات، وبحيث يكبر على كل جنازة منها أربعًا، وقد تقرر أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة.
صلاة الغائب هي الصلاة على ميتٍ غائبٍ عن المكان الذي يُصلى عليه فيه، وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا" متفق عليه.
وفي لفظ للإمام البخاري قال: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ»، قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وآلهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ. إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على مشروعية الصلاة على الغائب عن البلد.
وقد جاء في "نيل الأوطار" للإمام الشوكاني (4/ 61، ط. دار الحديث، مصر): [قال -أي الحافظ- في "الفتح": وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أَحدٍ من الصحابة منعه، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: الصلاة على الميت دعاءٌ له؛ فكيف لا يُدْعَى لَهُ وهو غائبٌ أو في القبر.
وذهبت الحنفية والمالكية وحكاه في "البحر" عن العترة: أنها لا تُشْرَعُ الصلاة على الغائب مطلقًا. قال الحافظ في "الفتح": وعن بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه أو ما قَرُب منه لا إذا طالت المدة؛ حكاه ابن عبد البر، وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، قال المحب الطبري: لم أر ذلك لغيره] اهـ.
وعلى ضوء ما تقدم: فإنه تجوز صلاة الغائب في أي وقتٍ جماعةً وفُرَادَى؛ سواء كانت صلاتها عقب صلاة الجمعة أو غيرها، دائمةً كانت أم غير دائمة.
حكم إعادة صلاة الجنازة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "بعد وفاة أحد الناس بالقاهرة يتم صلاة الجنازة عليه، وبعد وصوله إلى القرية فأهل القرية يصرون على إعادة الصلاة عليه مرة أخرى. ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في إعادة الصلاة على الجنازة مرة ثانية".
ومن جانبه أجاب الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق عن حكم الشرع في "إعادة صلاة الجنازة" قائلاً: من المتفق عليه بين أئمة الفقه أن الصلاة على الجنازة فرض كفاية على الأحياء، فإذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ولكن ينفرد بثوابها من قام بها منهم؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رواه الدارقطني، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ -أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ-» رواه أبو داود.
أما بالنسبة لتكرار الصلاة على الميت، فقد اختلف الفقهاء فيها: فقال الحنفية والمالكية: يكره تكرار الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها إلا مرة واحدة حيث كانت الصلاة الأولى في جماعة، فإن صلى عليها أولًا بدون جماعة أعيدت ندبًا في جماعة ما لم يدفن.
وقال الشافعية: يسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصل أولًا ولو بعد الدفن.
وقال الحنابلة: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصل أولًا ولو بعد الدفن، ويكره التكرار لمن صلى عليها أولًا. اهـ بتصرف من كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" (1/ 467).
وجاء في "المغني" لابن قدامة (2/ 382): [من صلى على الجنازة مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، أما من أدرك الجنازة فمن لم يصل عليها فله أن يصلي عليها في جماعة أو فرادى. نص عليه أحمد] اهـ بتصرف. ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا أَوْجَبَ» رواه أبو داود.
وبناءً على ذلك: فلا مانع شرعًا من إعادة الصلاة على الميت مرةً ثانيةً من أهل القرية الذين لم يصلوا عليه في القاهرة على رأي الإمامين الشافعي والحنبلي؛ وذلك لحصول الميت على ثواب أكبر من الدعاء له من المصلين. ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.
أحكام صلاة الجنازة
ومن الأسئلة التى وردت إلى الدار في هذا الشأن أيضًا " ما حكم الشرع في قدوم جنازة أثناء الصلاة على جنازة أخرى في نفس المسجد"، ومن جابنها جاء جواب الدار كالتالي:
الأصل أن تُصَلَّى صلاة الجنازة على كل متوفًّى مسلم أو متوفاة مسلمة، فإذا تعددت الجنازات فقد اتفق العلماء على جواز إفراد كل جنازة بالصلاة عليها، كما اتفقوا أيضًا على جواز الصلاة عليها مجتمعةً صلاةً واحدةً.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 419، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز] اهـ.
واستدلوا على الصلاة عليها مجتمعة بما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، ومن طريقه النسائي في "السنن"، وابن الجارود في "المنتقى"، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ جَمِيعًا؛ فَجَعَلَ الرِّجَالُ يَلُونَ الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ يَلِينَ الْقِبْلَةَ، فَصَفَّهُنَّ صَفًّا وَاحِدًا، ووضعت جنازةُ أمِّ كلثوم بنت علي عليهما السلام، امرأةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنٍ لها يقال له: زيدٌ، وضعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص رضي الله عنه، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة رضي الله عنهم، فوُضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرتُ ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة رضي الله عنهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: "هي السنة".
كيفية صلاة الجنازة
أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بجنازة أخرى: فقد اختلف الفقهاء في الصلاة على الجنازة الثانية؛ هل يجمع بينهما الإمام في صلاة واحدة، أم يُتم الصلاة التي شرع فيها، ثم يصلي على الثانية؟
فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على أنه يصلى على الجنازة الأولى، وبعد تمامها يصلى على الثانية، ولا يجمع بينهما؛ لأن النية انعقدت للصلاة على الأولى وحدها:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 127، ط. دار المعرفة): [وإن صلى على جنازة فكبر تكبيرة ثم جيء بأخرى فوضعت إلى جنبها، فإن كبّر الثانية: ينوي الصلاة على الأولى، أو عليهما، أو لا نية له؟ فهو في الصلاة على الأولى على حالة يتمها، ثم يستقبل الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأنه نوى ما هو موجود، وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق عليه، والمستحق عليه إتمام الصلاة على الأولى، وإن كبّر ينوي الصلاة على الجنازة الثانية فهو رافض للأولى شارع في الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأن الصلاة على كل جنازة فرض على حدة، ومن كان في فريضة فكبر ينوي فريضة أخرى كان رافضًا للأولى شارعًا في الثانية، فهذا مثله] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 467، ط. دار الغرب): [لا يدخل بالثانية في صلاة الأولى؛ لأنها لم تُنْوَ، ولو أتى بالثانية قبل إحرام الأولى ومن خلفه ينويهما] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على "الشرح الصغير" (1/ 553، ط. دار المعارف): [فإذا كبّر على جنازة وطرأت جنازة أخرى فلا يشركها معها، بل يتمادى في صلاته على الأولى حتى يتمّها، ثم يبتدئ الصلاة على الثانية.
أدعية صلاة الجنازة
قال أبو الحسن: لأنه لا يخلو؛ إما أن يقطع الصلاة ويبتدئ عليهما جميعًا، وهذا لا يجوز؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، أو لا يقطع ويتمادى عليهما إلى أن يتمّ تكبير الأولى ويسلّم، وهذا يؤدي إلى أن يكبّر على الثانية أقل من أربع، أو يتمادى إلى أن يتمّ التكبير على الثانية، فيكون قد كبّر على الأولى أكثر من أربع، فلذا منع من إدخالها معها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 227، ط. دار الفكر): [لو افتتح الإمام الصلاة على الجنازة ثم حضرت أخرى وهم في الصلاة: تركت حتى يفرغ من صلاته على الأولى ثم يصلّي على الثانية. قال الشافعي رحمه الله: ولا يعتدّ بالتكبير الذي كان قبل حضوره؛ لأنه لم ينو هذه الثانية، والله أعلم] اهـ.
بينما ذهب الحنابلة إلى أن الإمام إذا كبَّر على جنازة فجيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وكذلك إن جيء بثالثة ورابعة، حتى ولو وصل عدد التكبيرات إلى سبع، ولا يزيد على ذلك حتى ترفع الجنازات، ثم يستأنف التكبير إن جاؤوا بأخرى:
فضل صلاة الجنازة
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 385): [قال أصحابنا: إذا كبر على جنازة ثم جيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وينويهما، فإن جيء بثالثة: كبر الثالثة عليهن، ونواهن، فإن جيء برابعة: كبر الرابعة عليهن، ونواهن، ثم يكمل التكبير عليهن إلى سبع، ليحصل للرابعة أربع تكبيرات؛ إذ لا يجوز النقصان منهن، ويحصل للأولى سبع، وهو أكثر ما ينتهي إليه التكبير، فإن جيء بخامسة: لم ينوها بالتكبير، وإن نواها: لم يجز؛ لأنه دائر بين أن يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز] اهـ.
وعلى ذلك: فالقول بجواز الصلاة على الجنازة بعد الشروع في غيرها يوافق مذهبًا من مذاهب الفقهاء المعتمدة، وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صحّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل أن تصلى صلاة الجنازة على كل متوفًّى بمفرده، وقد اتفق الفقهاء على جواز الصلاة على جنازات مجتمعة دفعة واحدة، أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بأُخرى: فجمهور الفقهاء على أن يتم الصلاة على الأولى، ثم يشرع في الصلاة على غيرها، وذهب الحنابلة إلى جواز الصلاة عليها معها بعد الشروع في الأولى، إلى ثلاث جنائز على الجنازة الأولى، بحيث لا يزيد عدد التكبيرات عن سبع تكبيرات، وبحيث يكبر على كل جنازة منها أربعًا، وقد تقرر أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة.