محمد الجندي وكيل كلية الدعوة يكتب: الأزهر يرسخ مفهوم الأخوة الإنسانية بالتسامح والسلام
لم ينسلخ مفهوم التسامح
في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق
الحيوية للكينونة الإنسانية، فالإسلام خاطب الوجود كله بمنهج يتناغم مع طبيعة
الحياة فيه، وساق البشرية كلها إلى حياة الإلف والإخاء، ومنهاج الأزهر المعمور ينسجم
مع منهج الإسلام، فهو يحرر العقول في ضوئه من الجواذب الفكرية المنزلقة إلى نظام
حياة الغابة وإراقة الدماء وتنسجم وثيقته في الإخاء الإنساني مع وثيقة المدينة
المنورة التي أرسى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قيم التعايش والتسامح والإخاء
الإنساني بخطو ينبهها من خطر السيكولوجيات المضللة.
والأزهر في ظل توعيته التسامحية أراح المجردة من تولي وضع التصميم الأساسي لحياة الإنسان بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حد سوى ، والمنهج الأزهري في ضبط مبادئ الأخوة الإنسانية منهج مستنبط من منهج الإسلام ، ومنهج الإسلام منذ وجدت قصة الإنسان على البسيطة وإلى يوم القيامة ثابت على مبدأ حماية الإنسانية ويرفض تنحية التسامح، وتأتي رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لتؤكد وتجدد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه ، فإنه لا اجتهاد مع النص.
فالمطالع لآي الله في دستور الحياة يجد ما يرمقه من طلبته من خرائط ترسم خطو السير الحياتي على مبدأ التسامح، فحين نادى القرآن البشرية في هذا الجانب ، ناداها على اعتبار حقيقتها الإنسانية مذكرا إياها بأصل خلقتها ، وجامعية خلقها ، فقال الله تعالى:
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراًوَنِسَاءً (وقال: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.
كما وجه الإسلام إلى البر لغير المسلمين والقسط إليهم مما كفل التعايش تحت مبدأ الانسجام والأخوة الإنسانية، فقال : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ والقرآن ملئ بهذه المبادئالتسامحية ، فاعتبر الناس جميعًا أسرة واحدة ، يرجع نسبهم إلى أب واحدوأم واحدة، ورسالته السمحة رسالة شاملة موجهة إلى جميع الناس مع إلزامية صيانة الكرامةالإنسانية ونبذ العنصرية والتعصب الديني، وقام على المساواة التامة في حق البقاء على مبدأ التسامح بعيدا عن الصفات السباعية، والتصاريف الذئبية والوحشية المتطرفة.
متسامحون تربوا في معية النبي:
لا يستطيع عقل أن ينكر الحقيقة، إلا عقل مظلم خابي الشعاع، ويالها من حقائق سردها التاريخ، تنبي عن مشاهد تترى من تسامح الصحابة لتقول للعالم: " إن محمدا فينا باق بسماحته ما بقيت في الأرض حياة " إنه خلد الرسالة المتوالد مع تدافع الأرحام إلى يوم القيامة، وهنا نتوارى في خطو حفيف لنلتقط بعضا من المشاهد التسامحية في تاريخ الصحابة فيما يلي :
كان الفاروق عمر بالشام وحانت الصلاة ، وهو في كنيسة القيامة، طلب منه البطريق أن يصلي بها، وهم أن يفعل، ثم اعتذر بأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة فيدعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم فيأخذوها من النصارى ، وكتب للمسلمين كتابا يوصيهم فيه بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحدا واحدا، غير مؤذنين للصلاة مجتمعين ، وتتوالى الأحداث ويخوض عمر الفاروق الغمار السمح، فلم ينزل على أحد بجوائح السطوات ، ولم يجس الخلال بوابل النقمات ، إن امرأة جاءته ( وهو خليفة المسلمين ) في حاجة وكانت مشركة ، فدعاها للإسلام فأبت ، فقضى لها حاجتها ، لكنه خشي أن يكون في تصرفه هذا ما ينطوي على إكراهها للدخول في الإسلام ، فاستغفر الله عما فعل وقال : " اللهم إني أرشدت ولم أكره ".
وتسير المنظومة التاريخية على مبدأ التسامح تباعا ، دون تعطيل لهذا النظام المتشابك الذيلا تحول بين اتصاله الأيام والسنين ، ففي فتوح البلدان كإيران وبلاد ما وراء النهر ، رسمت حوافر الخيول شعارات التسامح ، ونقشت على الصخور منظومتة مع خطوها المنتظم في الوديان والفيافي ، ويضرب " خالد بن الوليد " مثالا عظيما في معاهداته مع الكتابيين ، فكان من نصوصها: " ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أعيادهم " ، كما نصت معاهدة
" حذيفة بن اليمان " مع أهل الذمة على إعطائهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرواحهم، ولا يغيرون على ملة، ولا يحال بينهم وبين شرائعهم ولهم المنعة، ولم يقتصر تسامح الفاتحين على الكتابيين ، ولكن أرباب الوثنيات لم يحرموا من روحها، فعند فتوح السند أيام الدولة الأموية، استطاع "محمد بن القاسم" أن يرتفع بالبوذيين إلى مصاف أهل الكتاب، كما حدث مع الزرادشتيين في إيران، فقد ضم ابن القاسم البوذيين إلى مصاف المعاهدين ، ليتمتعوا بكافة الحريات ، وصالحهم على ألا يقتلهم، ولا يتعرض لبيوت عبادتهم ، ككنائس النصارى وبيع اليهود وبيوت المجوس، بهذا المنهج ملأت النجوم سائر الأغوار، وأزيلت الكديات والأوعار، فشاعت انسيابية الأخوة الإنسانية، وغاب العنف والبغي والاعتداء، وما تلك إلا ملامح من كتاب كبير، ملئ بالمشاهد السمحة المنسجمة مع التاريخ الإسلامي.
ومن أوجه التسامح الإسلامي التي أفصح عنها الأزهر في كل رسائله التي ضج بها العالم وانقشع بها كل ادعاء أو تشويه يريد أن ينال من دوره الراسخ الذي ينادي في العالمين بالأخوة الإنسانية، بيان تحريم الإسلام لقتل المعاهد أو الذمي الذي يعيش في ظلاله الوارفة وفي أمان لا تبلغه أية فكرة أرضية، وشدد في العقوبة ضد من ارتكبه حتى أن الله حرم عليه الجنة ؛ حفاظا على أمن المجتمع الواحد تحت تعايش إنساني لا جور فيه ولا ظلم، فعن ابْن عَمْرٍو، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا، لَمْيَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَة أَرْبَعِينَ عامًا )، وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدًا الجنة.
قال الشوكاني:( المعاهد هو الرجل من أهل دار الحر بيدخل إلى دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله بلاخلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمن هويدل على ذلك قوله تعالى:
( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ).
وبذلك كفل الشرع حماية غير المسلمين حماية كاملة؛ حماهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ففي ظلِّ التشريع الإسلامي حظي غير المسلم في المجتمع المسلم بما لم يحظَ به في تشريعات اليهود، بل ولا في أي دين أو قانون آخر، فقاعدة العَلاقة بين المسلم وغير المسلم محكومة بقوله تعالى :
( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).
وقد حدَّدت هذه الآية الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يجب أن يُعامِل به المسلمون غيرهم، وهو البرُّ والقسط لكل مَن لم يناصبهم العداء، وهو أساس لم نره في الشرائع والمعتقدات اليهودية مع المسلم، وقد جاء ذلك تطبيقًا عمليًّا في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران، حيث جاء فيه: ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وتبعهم (1) [وألا يغيروا مما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم] (2) ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته"
وتسير المنظومة التاريخية ممزوجة بعدم البغي على أنفس غير المسلمين أو قتلهم، دون تعطيل لهذا النظام المتناسق المتشابك ، وهو نفسه الذي ينادي به الأزهر الشريف بسند أعلامه المتصل، وسيظل نداؤه بالتسامح والأخوةِ الإنسانية خالدا ما بقيت في الأرض حياة.
والأزهر في ظل توعيته التسامحية أراح المجردة من تولي وضع التصميم الأساسي لحياة الإنسان بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حد سوى ، والمنهج الأزهري في ضبط مبادئ الأخوة الإنسانية منهج مستنبط من منهج الإسلام ، ومنهج الإسلام منذ وجدت قصة الإنسان على البسيطة وإلى يوم القيامة ثابت على مبدأ حماية الإنسانية ويرفض تنحية التسامح، وتأتي رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لتؤكد وتجدد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه ، فإنه لا اجتهاد مع النص.
فالمطالع لآي الله في دستور الحياة يجد ما يرمقه من طلبته من خرائط ترسم خطو السير الحياتي على مبدأ التسامح، فحين نادى القرآن البشرية في هذا الجانب ، ناداها على اعتبار حقيقتها الإنسانية مذكرا إياها بأصل خلقتها ، وجامعية خلقها ، فقال الله تعالى:
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراًوَنِسَاءً (وقال: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.
كما وجه الإسلام إلى البر لغير المسلمين والقسط إليهم مما كفل التعايش تحت مبدأ الانسجام والأخوة الإنسانية، فقال : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ والقرآن ملئ بهذه المبادئالتسامحية ، فاعتبر الناس جميعًا أسرة واحدة ، يرجع نسبهم إلى أب واحدوأم واحدة، ورسالته السمحة رسالة شاملة موجهة إلى جميع الناس مع إلزامية صيانة الكرامةالإنسانية ونبذ العنصرية والتعصب الديني، وقام على المساواة التامة في حق البقاء على مبدأ التسامح بعيدا عن الصفات السباعية، والتصاريف الذئبية والوحشية المتطرفة.
متسامحون تربوا في معية النبي:
لا يستطيع عقل أن ينكر الحقيقة، إلا عقل مظلم خابي الشعاع، ويالها من حقائق سردها التاريخ، تنبي عن مشاهد تترى من تسامح الصحابة لتقول للعالم: " إن محمدا فينا باق بسماحته ما بقيت في الأرض حياة " إنه خلد الرسالة المتوالد مع تدافع الأرحام إلى يوم القيامة، وهنا نتوارى في خطو حفيف لنلتقط بعضا من المشاهد التسامحية في تاريخ الصحابة فيما يلي :
كان الفاروق عمر بالشام وحانت الصلاة ، وهو في كنيسة القيامة، طلب منه البطريق أن يصلي بها، وهم أن يفعل، ثم اعتذر بأنه يخشى أن يصلي بالكنيسة فيدعي المسلمون فيما بعد أنها مسجد لهم فيأخذوها من النصارى ، وكتب للمسلمين كتابا يوصيهم فيه بألا يصلوا على الدرجة التي صلى عليها إلا واحدا واحدا، غير مؤذنين للصلاة مجتمعين ، وتتوالى الأحداث ويخوض عمر الفاروق الغمار السمح، فلم ينزل على أحد بجوائح السطوات ، ولم يجس الخلال بوابل النقمات ، إن امرأة جاءته ( وهو خليفة المسلمين ) في حاجة وكانت مشركة ، فدعاها للإسلام فأبت ، فقضى لها حاجتها ، لكنه خشي أن يكون في تصرفه هذا ما ينطوي على إكراهها للدخول في الإسلام ، فاستغفر الله عما فعل وقال : " اللهم إني أرشدت ولم أكره ".
وتسير المنظومة التاريخية على مبدأ التسامح تباعا ، دون تعطيل لهذا النظام المتشابك الذيلا تحول بين اتصاله الأيام والسنين ، ففي فتوح البلدان كإيران وبلاد ما وراء النهر ، رسمت حوافر الخيول شعارات التسامح ، ونقشت على الصخور منظومتة مع خطوها المنتظم في الوديان والفيافي ، ويضرب " خالد بن الوليد " مثالا عظيما في معاهداته مع الكتابيين ، فكان من نصوصها: " ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة، وعلى أن يخرجوا الصلبان في أعيادهم " ، كما نصت معاهدة
" حذيفة بن اليمان " مع أهل الذمة على إعطائهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرواحهم، ولا يغيرون على ملة، ولا يحال بينهم وبين شرائعهم ولهم المنعة، ولم يقتصر تسامح الفاتحين على الكتابيين ، ولكن أرباب الوثنيات لم يحرموا من روحها، فعند فتوح السند أيام الدولة الأموية، استطاع "محمد بن القاسم" أن يرتفع بالبوذيين إلى مصاف أهل الكتاب، كما حدث مع الزرادشتيين في إيران، فقد ضم ابن القاسم البوذيين إلى مصاف المعاهدين ، ليتمتعوا بكافة الحريات ، وصالحهم على ألا يقتلهم، ولا يتعرض لبيوت عبادتهم ، ككنائس النصارى وبيع اليهود وبيوت المجوس، بهذا المنهج ملأت النجوم سائر الأغوار، وأزيلت الكديات والأوعار، فشاعت انسيابية الأخوة الإنسانية، وغاب العنف والبغي والاعتداء، وما تلك إلا ملامح من كتاب كبير، ملئ بالمشاهد السمحة المنسجمة مع التاريخ الإسلامي.
ومن أوجه التسامح الإسلامي التي أفصح عنها الأزهر في كل رسائله التي ضج بها العالم وانقشع بها كل ادعاء أو تشويه يريد أن ينال من دوره الراسخ الذي ينادي في العالمين بالأخوة الإنسانية، بيان تحريم الإسلام لقتل المعاهد أو الذمي الذي يعيش في ظلاله الوارفة وفي أمان لا تبلغه أية فكرة أرضية، وشدد في العقوبة ضد من ارتكبه حتى أن الله حرم عليه الجنة ؛ حفاظا على أمن المجتمع الواحد تحت تعايش إنساني لا جور فيه ولا ظلم، فعن ابْن عَمْرٍو، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا، لَمْيَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَة أَرْبَعِينَ عامًا )، وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدًا الجنة.
قال الشوكاني:( المعاهد هو الرجل من أهل دار الحر بيدخل إلى دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله بلاخلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمن هويدل على ذلك قوله تعالى:
( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ).
وبذلك كفل الشرع حماية غير المسلمين حماية كاملة؛ حماهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ففي ظلِّ التشريع الإسلامي حظي غير المسلم في المجتمع المسلم بما لم يحظَ به في تشريعات اليهود، بل ولا في أي دين أو قانون آخر، فقاعدة العَلاقة بين المسلم وغير المسلم محكومة بقوله تعالى :
( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).
وقد حدَّدت هذه الآية الأساس الأخلاقي والقانوني الذي يجب أن يُعامِل به المسلمون غيرهم، وهو البرُّ والقسط لكل مَن لم يناصبهم العداء، وهو أساس لم نره في الشرائع والمعتقدات اليهودية مع المسلم، وقد جاء ذلك تطبيقًا عمليًّا في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران، حيث جاء فيه: ولنجران وحسبها جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وتبعهم (1) [وألا يغيروا مما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم] (2) ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته"
وتسير المنظومة التاريخية ممزوجة بعدم البغي على أنفس غير المسلمين أو قتلهم، دون تعطيل لهذا النظام المتناسق المتشابك ، وهو نفسه الذي ينادي به الأزهر الشريف بسند أعلامه المتصل، وسيظل نداؤه بالتسامح والأخوةِ الإنسانية خالدا ما بقيت في الأرض حياة.