هل هناك وقت شرعي مُحدد بين الأذان والإقامة؟.. دار الإفتاء تُجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "هل هناك وقت شرعي محدد بين الأذان والإقامة؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
صرح الفقهاء باستحباب الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو جلوس أو وقت يسع حضور المصلين فيما سوى المغرب، مع ملاحظة الوقت المستحب للصلاة، ويكره عند الفقهاء الإقامة للصلاة بعد الأذان مباشرة بدون هذا الفصل؛ وذلك لما ورد عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ، اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي الْمُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
ولأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتهيئوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد، وبالوصل ينتفي هذا المقصود، وتفوت صلاة الجماعة على كثير من المسلمين.
وقد ورد عن بعض الفقهاء تحديد مقدار الفصل بين الأذان والإقامة؛ فروى الحسنُ عن أبي حنيفة أن مقدار الفصل في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات؛ يقرأ في كل ركعة نحوًا من عشر آيات، وفي العصر مقدار ما يصلي ركعتين؛ يقرأ في كل ركعة نحوًا من عشر آيات.
قال الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله تعالى في "بدائع الصنائع" (1/ 410): [وَلأَنَّ الأَذَانَ لاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ فَلا بُدَّ مِنْ الإِمْهَالِ لِيَحْضُرُوا، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي "ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ" مِقْدَارُ الْفَصْلِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي الْفَجْرِ قَدْر مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً، وَفِي الظُّهْرِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ، وَفِي الْعَصْرِ مِقْدَار مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ، وَفِي الْمَغْرِبِ يَقُومُ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ ثَلاثَ آيَاتٍ، وَفِي الْعِشَاءِ كَمَا فِي الظُّهْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لازِمٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مِقْدَارَ مَا يُحْضِرُ الْقَوْمَ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ] اهـ.
مقدار الفصل بين الأذان والإقامة
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله تعالى في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 130): [(وَيَفْصِلُ) الْمُؤَذِّنُ مَعَ الإِمَامِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ (بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ) فِي مَكَانِ الصَّلاةِ، (وَ) بِقَدْرِ (أَدَاءِ السُّنَّةِ) الَّتِي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ إنْ كَانَ قَبْلَهَا سُنَّةٌ، (وَ) يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا (فِي الْمَغْرِبِ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا، كَقُعُودٍ لَطِيفٍ؛ لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَلاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا عَادَةً، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى في "كشاف القناع" (1/ 221): [(وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الإِقَامَةَ) بَعْدَ الأَذَانِ (بِقَدْرِ) مَا يَفْرُغُ الإِنْسَانُ مِنْ (حَاجَتهِ) أَيْ: بَوْلِهِ وَغَائِطِهِ، (وَ) بِقَدْرِ (وُضُوئِهِ وَصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلِيَفْرُغَ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَالشَّارِبِ مِنْ شُرْبِهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ لِبِلالٍ رضي الله عنه: «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، (وَ) يُسَنُّ (فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ: إذَا أَذَّنَ لَهَا أَنْ (يَجْلِسَ قَبْلَهَا) أَيْ: الإِقَامَةِ (جِلْسَةً خَفِيفَةً)؛ لِمَا سَبَقَ، وَلِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي "فَوَائِدِهِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ»، وَلأَنَّ الأَذَانَ شُرِعَ لِلإِعْلامِ فَسُنَّ تَأخِيرُ الإِقَامَةِ لِلإِدْرَاكِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأخِيرُهَا فِي غَيْرِهَا] اهـ.
وبناءً عليه: فينبغي على القائمين بأمر الأذان والإقامة أن يقدروا وقتًا يفصل فيه بين الأذان والإقامة بحيث يجتمع المصلون ويتمكنون من أداء الصلاة مع الجماعة الأولى.
استخلاف المسبوق في الصلاة
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم استخلاف المسبوق؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
المسبوق: هو من سبقه الإمام ببعض ركعات الصلاة أو بجميعها، واستخلاف الإمام لغيره سواء كان بسبب أو بلا سبب جائزٌ على الصحيح من مذهب السادة الشافعية، والاستخلاف عندهم جائز في جميع الركعات، ومعناه أن يقدم الإمامُ أحدَ المأمومين ليتم الصلاة بدلًا عنه لعذر، وإذا كان المستخلَف مسبوقًا تمَّم صلاة الإمام الذي استخلفه، ثم قام لتدارك ما عليه، والمأمومون بالخيار؛ إن شاءوا فارقوه وسلَّموا وتصحّ صلاتهم بلا خلاف للضرورة، وإن شاءوا صبروا جلوسًا ليسلموا معه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "المجموع شرح المهذب" (4/ 243): [وَأَمَّا صِفَةُ الْخَلِيفَةِ: فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ مِثْلَهَا فِي عدد الركعات صحَّ بالاتفاق، وسواء كان مسبوقًا أم غيره، وسواء اسْتَخْلَفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ بِاقْتِدَائِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ... قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ وَيَقُومُ مَوْضِعَ قِيَامِهِ؛ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا قَنَتَ وَقَعَدَ عَقِبَهَا وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ يَقْنُتُ فِي الثَّانِيَةِ لِنَفْسِه".
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا قَبْلَ اقْتِدَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَأَعَادَ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ قَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ، وَالْمَأْمُومُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا جُلُوسًا لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَ الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ "التَّلْخِيصِ" وَآخَرُونَ وَهُمَا مَشْهُورَانِ
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ هُمَا مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، بَلْ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقِيلَ: هُمَا وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ الجواز ولم يذكره غَيْرَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: فَعَلَى هَذَا يُرَاقِبُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُومِينَ إذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ، فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ، وَإِلَّا قَعَدَ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ غَيْرِهِ وَإِشَارَتُهُ مِنْ اسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ لِلْخَلِيفَةِ بِالِاتِّفَاقِ] اهـ.
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز نقل دورة المياه الخاصة بالمسجد من الناحية البحرية إلى الناحية القبلية؛ فتكون دورة المياه باتجاه القبلة، يعزلها عن المسجد جدار؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
من المقرر أن قضاء الحاجة في المسجد حرامٌ شرعًا؛ صيانة لحرمة بيوت الله ورعايةً لقداستها وطهارتها؛ فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ» فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاه فقال له: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه.
وأما قضاء الحاجة في موضعٍ أمام المصلين في مسجدٍ أو غيره؛ بينه وبين المسجد فاصل من جدارٍ أو غيره فهو أمرٌ جائزٌ بالأصالة؛ إذْ إنه لا يمس حرمة المسجد ولا طهارته في شيء. وأما عن وجهة من يقضي حاجته فيجوز له استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان في الأماكن المعدة لذلك؛ لوجود ساترٍ من حائط أو غيره، وعلى ذلك نصَّت الأحاديث الشريفة، وهو قول جمهور أهل العلم.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 155-156، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) ندبًا إذا كان في غير المُعدِّ لذلك مع ساتر مرتفع ثلثَي ذراع تقريبًا فأكثر، نعم لو بال قائمًا لا بد من ارتفاعه إلى أن يستر عورته ولا بد أن يكون عريضًا بحيث يسترها سواء أكان قائما أم لا بخلاف سترة الصلاة لا يشترط فيها عرض، وأن يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي، وإرخاء ذيله كافٍ في ذلك فهما حينئذٍ خلاف الأولى (ويحرمان) في البناء غير المعد لقضاء الحاجة و(بالصحراء) بدون الساتر المتقدم، والأصل في ذلك ما في "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا أَتَيتُم الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَولٍ وَلَا غَائِطٍ، وِلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»، وفيهما: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى حاجته في بيت حفصة رضي الله عنها مستقبل الشام مستدبر الكعبة".
وقال جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" رواه الترمذي وحسَّنه، فحملوا الخبر الأول المفيد للحرمة على الفضاء وما ألحق به لسهولة اجتناب المحاذاة فيه بخلاف البناء غير المذكور مع الصحراء، فيجوز فيه ذلك كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا للجواز، وإن كان الأَولى لنا تركه كما مر. أما في المعد لذلك فلا حرمة فيه ولا كراهة ولا خلاف الأولى. قاله في "المجموع"] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 120، ط. مكتبة القاهرة): [يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان، روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال مالك، والشافعي، وابن المنذر، وهو الصحيح؛ لحديث جابر رضي الله عنه، وقد حملناه على أنه كان في البنيان، وروت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر له أن قومًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوَقَدْ فَعَلُوهَا؟ استقبِلوا بمِقْعَدتي القبلة» رواه أصحاب "السنن" وأكثر أصحاب "المسانيد"، منهم أبو داود الطيالسي؛ رواه عن خالد بن الصلت، عن عراك بن مالك، عن عائشة رضي الله عنها.
قال أبو عبد الله: أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة رضي الله عنها، وإن كان مرسلًا فإن مخرجه حسن. قال أحمد: عراك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها. فلذلك سماه مرسلًا. وهذا كله في البنيان، وهو خاص يقدم على العام.
وعن مروان بن الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. رواه أبو داود. وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العام وفيه جمع بين الأحاديث، فيتعين المصير إليه.
وعن أحمد: أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعًا؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رقيت يومًا على بيت حفصة رضي الله عنها، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حاجته، مستقبل الشام مستدبر الكعبة". متفق عليه] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز شرعًا نقل دورة المياه المذكورة في السؤال إلى الناحية القبلية ما دام يفصلها جدارٌ عن المسجد وجدارٌ عن جهة القبلة، ولا كراهة في ذلك.
صرح الفقهاء باستحباب الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو جلوس أو وقت يسع حضور المصلين فيما سوى المغرب، مع ملاحظة الوقت المستحب للصلاة، ويكره عند الفقهاء الإقامة للصلاة بعد الأذان مباشرة بدون هذا الفصل؛ وذلك لما ورد عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ، اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِكَ وَإِقَامَتِكَ نَفَسًا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ طَعَامِهِ فِي مَهَلٍ، وَيَقْضِي الْمُتَوَضِّئُ حَاجَتَهُ فِي مَهَلٍ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
ولأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتهيئوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد، وبالوصل ينتفي هذا المقصود، وتفوت صلاة الجماعة على كثير من المسلمين.
وقد ورد عن بعض الفقهاء تحديد مقدار الفصل بين الأذان والإقامة؛ فروى الحسنُ عن أبي حنيفة أن مقدار الفصل في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات؛ يقرأ في كل ركعة نحوًا من عشر آيات، وفي العصر مقدار ما يصلي ركعتين؛ يقرأ في كل ركعة نحوًا من عشر آيات.
قال الإمام الكاساني الحنفي رحمه الله تعالى في "بدائع الصنائع" (1/ 410): [وَلأَنَّ الأَذَانَ لاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ فَلا بُدَّ مِنْ الإِمْهَالِ لِيَحْضُرُوا، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ فِي "ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ" مِقْدَارُ الْفَصْلِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: فِي الْفَجْرِ قَدْر مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً، وَفِي الظُّهْرِ قَدْرَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ، وَفِي الْعَصْرِ مِقْدَار مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ، وَفِي الْمَغْرِبِ يَقُومُ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ ثَلاثَ آيَاتٍ، وَفِي الْعِشَاءِ كَمَا فِي الظُّهْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لازِمٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مِقْدَارَ مَا يُحْضِرُ الْقَوْمَ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ] اهـ.
مقدار الفصل بين الأذان والإقامة
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله تعالى في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (1/ 130): [(وَيَفْصِلُ) الْمُؤَذِّنُ مَعَ الإِمَامِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ (بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ) فِي مَكَانِ الصَّلاةِ، (وَ) بِقَدْرِ (أَدَاءِ السُّنَّةِ) الَّتِي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ إنْ كَانَ قَبْلَهَا سُنَّةٌ، (وَ) يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا (فِي الْمَغْرِبِ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا، كَقُعُودٍ لَطِيفٍ؛ لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَلاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا عَادَةً، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى في "كشاف القناع" (1/ 221): [(وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الإِقَامَةَ) بَعْدَ الأَذَانِ (بِقَدْرِ) مَا يَفْرُغُ الإِنْسَانُ مِنْ (حَاجَتهِ) أَيْ: بَوْلِهِ وَغَائِطِهِ، (وَ) بِقَدْرِ (وُضُوئِهِ وَصَلاةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلِيَفْرُغَ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَنَحْوِهِ) أَيْ: كَالشَّارِبِ مِنْ شُرْبِهِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ لِبِلالٍ رضي الله عنه: «اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ، وَالْمُقْتَضِي إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، (وَ) يُسَنُّ (فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ: إذَا أَذَّنَ لَهَا أَنْ (يَجْلِسَ قَبْلَهَا) أَيْ: الإِقَامَةِ (جِلْسَةً خَفِيفَةً)؛ لِمَا سَبَقَ، وَلِمَا رَوَى تَمَّامٌ فِي "فَوَائِدِهِ" بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ»، وَلأَنَّ الأَذَانَ شُرِعَ لِلإِعْلامِ فَسُنَّ تَأخِيرُ الإِقَامَةِ لِلإِدْرَاكِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأخِيرُهَا فِي غَيْرِهَا] اهـ.
وبناءً عليه: فينبغي على القائمين بأمر الأذان والإقامة أن يقدروا وقتًا يفصل فيه بين الأذان والإقامة بحيث يجتمع المصلون ويتمكنون من أداء الصلاة مع الجماعة الأولى.
استخلاف المسبوق في الصلاة
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم استخلاف المسبوق؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
المسبوق: هو من سبقه الإمام ببعض ركعات الصلاة أو بجميعها، واستخلاف الإمام لغيره سواء كان بسبب أو بلا سبب جائزٌ على الصحيح من مذهب السادة الشافعية، والاستخلاف عندهم جائز في جميع الركعات، ومعناه أن يقدم الإمامُ أحدَ المأمومين ليتم الصلاة بدلًا عنه لعذر، وإذا كان المستخلَف مسبوقًا تمَّم صلاة الإمام الذي استخلفه، ثم قام لتدارك ما عليه، والمأمومون بالخيار؛ إن شاءوا فارقوه وسلَّموا وتصحّ صلاتهم بلا خلاف للضرورة، وإن شاءوا صبروا جلوسًا ليسلموا معه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "المجموع شرح المهذب" (4/ 243): [وَأَمَّا صِفَةُ الْخَلِيفَةِ: فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ مِثْلَهَا فِي عدد الركعات صحَّ بالاتفاق، وسواء كان مسبوقًا أم غيره، وسواء اسْتَخْلَفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ بِاقْتِدَائِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ... قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ وَيَقُومُ مَوْضِعَ قِيَامِهِ؛ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا قَنَتَ وَقَعَدَ عَقِبَهَا وَتَشَهَّدَ، ثُمَّ يَقْنُتُ فِي الثَّانِيَةِ لِنَفْسِه".
وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا قَبْلَ اقْتِدَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَأَعَادَ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ قَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ، وَالْمَأْمُومُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا جُلُوسًا لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَ الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ "التَّلْخِيصِ" وَآخَرُونَ وَهُمَا مَشْهُورَانِ
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ هُمَا مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، بَلْ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقِيلَ: هُمَا وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ الجواز ولم يذكره غَيْرَهُ، قَالَ أَصْحَابُنَا: فَعَلَى هَذَا يُرَاقِبُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُومِينَ إذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ، فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ، وَإِلَّا قَعَدَ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ غَيْرِهِ وَإِشَارَتُهُ مِنْ اسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ لِلْخَلِيفَةِ بِالِاتِّفَاقِ] اهـ.
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز نقل دورة المياه الخاصة بالمسجد من الناحية البحرية إلى الناحية القبلية؛ فتكون دورة المياه باتجاه القبلة، يعزلها عن المسجد جدار؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
من المقرر أن قضاء الحاجة في المسجد حرامٌ شرعًا؛ صيانة لحرمة بيوت الله ورعايةً لقداستها وطهارتها؛ فقد أخرج مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَهْ مَهْ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ» فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاه فقال له: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه.
وأما قضاء الحاجة في موضعٍ أمام المصلين في مسجدٍ أو غيره؛ بينه وبين المسجد فاصل من جدارٍ أو غيره فهو أمرٌ جائزٌ بالأصالة؛ إذْ إنه لا يمس حرمة المسجد ولا طهارته في شيء. وأما عن وجهة من يقضي حاجته فيجوز له استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان في الأماكن المعدة لذلك؛ لوجود ساترٍ من حائط أو غيره، وعلى ذلك نصَّت الأحاديث الشريفة، وهو قول جمهور أهل العلم.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 155-156، ط. دار الكتب العلمية): [(ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) ندبًا إذا كان في غير المُعدِّ لذلك مع ساتر مرتفع ثلثَي ذراع تقريبًا فأكثر، نعم لو بال قائمًا لا بد من ارتفاعه إلى أن يستر عورته ولا بد أن يكون عريضًا بحيث يسترها سواء أكان قائما أم لا بخلاف سترة الصلاة لا يشترط فيها عرض، وأن يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي، وإرخاء ذيله كافٍ في ذلك فهما حينئذٍ خلاف الأولى (ويحرمان) في البناء غير المعد لقضاء الحاجة و(بالصحراء) بدون الساتر المتقدم، والأصل في ذلك ما في "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا أَتَيتُم الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَولٍ وَلَا غَائِطٍ، وِلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»، وفيهما: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى حاجته في بيت حفصة رضي الله عنها مستقبل الشام مستدبر الكعبة".
وقال جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" رواه الترمذي وحسَّنه، فحملوا الخبر الأول المفيد للحرمة على الفضاء وما ألحق به لسهولة اجتناب المحاذاة فيه بخلاف البناء غير المذكور مع الصحراء، فيجوز فيه ذلك كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم بيانًا للجواز، وإن كان الأَولى لنا تركه كما مر. أما في المعد لذلك فلا حرمة فيه ولا كراهة ولا خلاف الأولى. قاله في "المجموع"] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (1/ 120، ط. مكتبة القاهرة): [يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان، روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال مالك، والشافعي، وابن المنذر، وهو الصحيح؛ لحديث جابر رضي الله عنه، وقد حملناه على أنه كان في البنيان، وروت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر له أن قومًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوَقَدْ فَعَلُوهَا؟ استقبِلوا بمِقْعَدتي القبلة» رواه أصحاب "السنن" وأكثر أصحاب "المسانيد"، منهم أبو داود الطيالسي؛ رواه عن خالد بن الصلت، عن عراك بن مالك، عن عائشة رضي الله عنها.
قال أبو عبد الله: أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة رضي الله عنها، وإن كان مرسلًا فإن مخرجه حسن. قال أحمد: عراك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها. فلذلك سماه مرسلًا. وهذا كله في البنيان، وهو خاص يقدم على العام.
وعن مروان بن الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها. فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس. رواه أبو داود. وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العام وفيه جمع بين الأحاديث، فيتعين المصير إليه.
وعن أحمد: أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعًا؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رقيت يومًا على بيت حفصة رضي الله عنها، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حاجته، مستقبل الشام مستدبر الكعبة". متفق عليه] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز شرعًا نقل دورة المياه المذكورة في السؤال إلى الناحية القبلية ما دام يفصلها جدارٌ عن المسجد وجدارٌ عن جهة القبلة، ولا كراهة في ذلك.