الخرطوم تحت وطأة الأزمات.. 6 قضايا تهدد بإشعال فتيل الحرب في السودان
منذ اندلاع الثورة السودانية في الـ 19 من ديسمبر عام 2018، وقعت الخرطوم تحت وطأة الأزمات المتلاحقة منها فواتير قديمة وأخرى كانت جراء تغيير النظام السياسي الذي ظل يحكم البلاد لمدة 30 عاما، وعدد آخر ناجم عن الفشل في التوافق على أي شيء والصراع على السلطة.
نزاع حدودي ومناطق مشتعلة
الفشقة، هي إحدى المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف بشرق السودان والتي تحاذي منطقة أمهرة الإثيوبية، وتضم نحو مليوني فدان، تحتل منهم إثيوبيا نحو مليون فدان.
ويشار إلى أن تاريخ النزاع حول هذه المنطقة بين الخرطوم وأديس أبابا قديم جداً، منذ خمسينيات القرن العشرين، لكنه ظل في حدوده المعقولة بين مزارعين إثيوبيين ونظرائهم السودانيين، إلى أن توغل الجيش الإثيوبي في عمق الأراضي السودانية، ثم انسحب لاحقاً – وبقى في أجزاء من أراضي الفشقتين الصغرى والكبرى بشكل شبه دائم منذ 1998 وحتى الآن.
وتشهد العلاقات بين السودان وإثيوبيا توترا متصاعدا في الفترة الأخيرة على خلفية هجمات مسلحة على حدود البلدين تقول الخرطوم إنها نفذت من قبل مليشيات إثيوبية مسنودة بقوات رسمية على أراض سودانية.
وتعترف الحكومة الإثيوبية رسمياً باتفاقية الحدود لعام 1902 والتي تنص علي أن أراضي الفشقة سودانية، كذلك تعترف ببروتوكول الحدود لسنة 1903، واتفاقية عام 1972 مع حكومة السودان، لكن على أرض الواقع لا تزال أجزاء من الفشقتين تحت سيادة إثيوبية فعلية، وسيادة سودانية (معترف بها من إثيوبيا) لكنها معلقة.
ويعتبر أغلب سكان الفشقة من الإثيوبيين هم من عرقية الأمهرة، وهي قاعدة انتخابية يعتمد عليها آبي أحمد بشكل لا يستهان به، فهي تعتبر ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا وتحدر منها حكامها التاريخيين.
ولاية غرب دارفور، كذلك اندلعت اشتباكات مسلحة بمدينة الجنينة الواقعة في ولاية غرب دارفور غربي السودان منذ مطلع الشهر الجاري وحتى يومنا هذا، على خلفية خلافات قبلية، ما تسبب بوقوع نحو 150 قتيلا وأكثر من 200 مصاب، ونزوح عشرات الآلاف.
وفي محاولة منها للسيطرة علي الخلافات القبلية قررت الحكومة السودانية التكثيف من عناصرها الأمنية في الولاية السودانية المضطربة، إذ أقررت اليوم السبت إرسال تعزيزات من قوات الدعم السريع للسيطرة على الاشتباكات المتواصلة.
قضايا شائكة
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر الماضي أن السودان وافق على تطبيع العلاقات بالكامل مع إسرائيل، عقب اتصال مشترك مع رئيسي الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو،، سادت حالة من الصمت داخل الأوساط والأحزاب السياسية.
ويرى المحللون أن هذا الصمت يشير إلى أن قرار التطبيع سيكون له عواقب داخلية واسعة، بسبب الاعتراضات المتوقعة، علاوة على أن السودان ليس مستقرا في الأساس، ويشهد حوادث أمنية ويعاني من أزمات اقتصادية طاحنة.
وأوضح الخبراء أن التطبيع، قد يحدث بلبلة حتى داخل النظام الحاكم، فأحزاب "الأمة القومي والشيوعي والبعث" (أحزاب الائتلاف الحاكم في إعلان قوى الحرية والتغيير) أعلنت رفضها مسبقا لعملية التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول إمكانية حدوث انقسام داخل حكومة الفترة الانتقالية.
وينقسم الشارع السوداني أيضا بين من يرى في التطبيع مع إسرائيل، مكسبا اقتصاديا يساعد على التخفيف من حدة الأزمات المعيشية، وبين من يرى أنه سيفرض مزيدا من القيود على البلاد، لكن من نوع آخر.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة تدرج السودان منذ عام 1993 على قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة الإرهابي، أسامة بن لادن، ويري المحللون أن قبول السودان للتطبيع مع تل أبيب يأتي مقابل إزالة اسمه من تلك القائمة التي تفرض عليه عزلة دولية إلى حد كبير.
وفي 6 يناير الجاري، وقع السودان، رسميا مع الولايات المتحدة على "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقع على الاتفاقية عن الجانب الامريكي وزير الخزانة ستيفن منوشين خلال زيارته للخرطوم، فيما وقع عن الجانب السوداني وزير العدل، نصر الدين عبد الباري.
و"اتفاقات أبراهام" هي اسم يُطلق على مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة، واستخدم الاسم لأول مرة في بيان مشترك لإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة في 13 أغسطس 2020، واستُخدم لاحقًا للإشارة بشكل جماعي إلى اتفاقيات السلام الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل البحرين.
ارتفاع أسعار واحتجاجات
شهدت بعض أحياء العاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي مظاهرات متفرقة احتجاجا على ارتفاع الأسعار والوضع المعيشي الصعب في البلاد، وبحسب الصحف السودانية، فقد فجر إعلان الحكومة رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال شهرين، غضب المواطنين، ما دفعهم إلى النزول للشوارع.
ونددت المظاهرات بالارتفاع المتصاعد في أسعار السلع والزيادات التي أقرتها الحكومة في أسعار الخبز والوقود والأدوية، وندرة بعض السلع الضرورية.
وكانت وزارة المالية السودانية قد وجهت برفع أسعار البنزين إلى 127 جنيها سودانيا (2.3) دولار، بعدما كان 121 (2.2) دولار، كما رفعت أسعار لتر الديزل إلى 115 جنيها (2.08 دولار) للتر، بعدما كان 112 (2.03 دولار).
وأقرت الحكومة الانتقالية السودانية، الأسبوع الماضي موازنة العام الحالي 2021، كما أعلنت زيادة أسعار الوقود، في وقت يعاني فيه البلد أزمة في الخبز والوقود، فيما أمرت حكومة ولاية الخرطوم رفع سعر الخبز بنسبة 100% ما أثار حالة من الغضب بين سكان العاصمة.
ويشار إلى أن الحكومة السودانية أعلنت في أكتوبر الماضي رفع الدعم عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية تعتزم تطبيقها.
ووجهت اللجنة الاقتصادية لـ«تحالف قوى الحرية والتغيير» خطاباً شديد اللهجة إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بشأن الموازنة الجديدة، أكدت فيه ضرورة الاهتمام بمعيشة المواطنين، وتعديل أسعار الوقود، ومراجعة سياسة الاستيراد، مطالبة بتخفيض ميزانية الأجهزة السيادية، مع تجميد قرار زيادة الكهرباء، وتعديل الميزانية، فيما يخص قطاع التعليم والبنى التحتية.
الجدير بالذكر أن السودان يعاني منذ أشهر نُدرة في الخبز والوقود والدواء وغاز الطهي، وانقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار السلع الضرورية مثل السكر والألبان واللحوم.
سد النهضة
خيمت أجواء عاصفة على العلاقات السودانية الإثيوبية في الآونة الأخيرة، إذ كتبت الخلافات الحدودية والتعنت الإثيوبي في ملف ملء سد النهضة النهاية لشهر العسل والتوافق الذي كان بين البلدين في فترة ليست بالبعيدة.
ومؤخراً، صعد السودان من حدة تصريحاته تجاه سد النهضة الإثيوبي محذراً من تداعيات ملئه دون موافقة الخرطوم والقاهرة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أكد وزير الري السوداني ياسر عباس، في رسالة بعث بها لجنوب إفريقيا، رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي أن السودان لا يحتمل ولا يتحمل المضي في مفاوضات لا نهاية لها ولا تنتهي بنتائج وحلول ذات قيمة موضحا أن الأرضية التي يستند إليها في العودة لطاولة المفاوضات هي حدوث تغيير في منهجية التفاوض.
وعبر الوزير السوداني عن مخاوف جدية لدى بلاده من تكرار كارثة الفيضانات التي اجتاحت البلاد في يوليو بعد الملء الأولي لسد النهضة إذا ما مضت إثيوبيا في خططها الرامية للبدء في المرحلة الثانية لملء بحيرة السد خلال فترة الخريف المقبل والبالغة 13.5 مليار متر مكعب والمقرر أن تبدأ في مايو وتنتهي في أكتوبر دون إخطار مسبق ودون توقيع إتفاق أو تبادل للمعلومات مع خزان الروصيرص.
وشدد الوزير السوداني على أن المرحلة الثانية من ملء سد النهضة يعتبر تهديداً مباشراً لسد الروصيرص ولحياة القاطنين على ضفاف النيل، مشيرا إلى أنه لا يخفى على أحد الأثر السلبي الذي أحدثه الملء الأول في يوليو 2020 بحوالي 5 مليارات متر مكعب، إذ تسبب في مشاكل في محطات مياه الشرب بالعاصمة الخرطوم.
وقالت مصادر سودانية، إن الملء الأولي المفاجئ لبحيرة سد النهضة في نهاية مايو الماضي بمقدار 5 مليارات متر مكعب، تسبب في إرباك خطط تشغيل محطات ضخ مياه الشرب في السودان مما أدى إلى تعطل عدد كبير منها، موضحين أن الارتباك الذي حدث في خزان الرصيرص بعد الملء الأولي لبحيرة سد النهضة كان أحد الأسباب التي فاقمت موجة الفيضانات التي اجتاحت 16 من 18 ولاية سودانية والتي أدت إلى خسائر كارثية تضرر منها قرابة المليون شخص وقتل نحو 110 أشخاص كما تعرضت مئات المساكن لدمار كلي أو جزئي وهو ما تسعى السودان إلى عدم تجاوزه خلال المرحلة الثانية من ملء سد النهضة دون اتفاق ثلاثي.
تشكيل حكومة جديدة
ويترقب السودانيون بقلق وتوتر تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، والتي تعثر تكوينها لقرابة نصف العام، بسبب خلافات بين مكونات المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، والتي يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وبحسب وكالة أنباء «الشرق الأوسط»، قال مصدر بالمجلس السيادي إن الأسماء المقترحة للحكومة الجديدة تخضع الآن للفحص الأمني.
وتم تكوين الحكومة الحالية من مجموعة "تكنوقراط مستقلين"، استجابة لمطالب الثوار، بالنأي عن المحاصصات الحزبية خلال الفترة الانتقالية، لكن عددا كبيرا من الوزراء واجهوا انتقادات حادة، ومطالبات من قادة الثوار بإقالتهم، تحت ذريعة فشلهم في إنفاذ مهام الانتقال.
وفي يوليو الماضي، أعفى رئيس الوزراء السوداني سبعة من وزرائه، بما فيهم وزيرا الخارجية والمالية، وكلف الوكلاء ووزراء الدولة، بالقيام بمهام الوزراء لحين تعيين وزراء من قبل المرجعية السياسية الممثلة في «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ولكن يبدو أن الأطراف أرجأت تسمية الوزراء البدلاء بانتظار شركاء السلام الذين وقعوا اتفاق جوبا في أكتوبر الماضي.
ونصت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والموقعة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين.
وبموجبها تم تكوين مجلس سيادي من 5 عسكريين و5 مدنيين، وآخر يتم التوافق عليه بالتشاور، ومنحت الحرية والتغيير سلطة تشكيل الحكومة، على أن يختار العسكريون وزيري الدفاع والداخلية من بينهم، وما نسبته 66 % من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي، وأن يتم اختيار النسبة المتبقية بالتشاور بين العسكريين والمدنيين.
وبعد توقيع اتفاقية سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء تنظيم «الجبهة الثورية»، تم تعديل الوثيقة الدستورية، ونسب تقاسم السلطة بين شركاء الانتقال، بزيادة 3 أعضاء للمجلس السيادي يمثلون «شركاء السلام»، و7 وزارات في الجهاز التنفيذي، وأن يصبح عدد الوزارات 26 وزارة، و75 عضواً في المجلس التشريعي البالغ عضويته 300 عضواً.
وتواجه الحكومة الحالية انتقادات حادة نتجت عن التدهور الاقتصادي بالبلاد، والغلاء الطاحن وندرة السلع الرئيسية مثل الخبز والمحروقات، في وقت تتهم فيه بالفشل في محاسبة رموز النظام السابق، وتقديم المتهمين بجرائم قتل المتظاهرين للمحاكمة، وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي.
وحملت المرجعية السياسية «قوى إعلان الحرية والتغيير» المسؤولية للتكنوقراط الذين تم تكليفهم بمهام إدارة الدولة، وبناء على ذلك أعلنت مجموعة الأحزاب المكونة للتحالف الحاكم، ترشيح «سياسيين حزبيين» لتولي مهام الوزارة في الحكومة الجديدة.
ومنذ أشهر دخلت الحرية والتغيير في نزاعات بينية، على تقاسم السلطة، ما أدى لتأخير تكوين الوزارة الجديدة، وبعد تأخير قارب نصف العام، وتكاثف الضغوط الشعبية، أعلن مجلس الشركاء عن آلية جديدة يتم بموجب مواقيتها تشكيل الوزارة.
ونصت على تشكيل مجلس الوزراء في 5 فبراير المقبل، وتعيين حكام الولايات 11 فبراير وإجراء تعديلات في عضوية مجلس السيادة في ذات التاريخ، ثم الانتهاء من تشكيل المجلس التشريعي «البرلمان الانتقالي» في 25 فبراير المقبل.
ورشحت الحرية والتغيير 51 سما لسبع عشرة وزارة 3 لكل واحدة، ليختار منهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك واحدا، بينما رشحت الجبهة الثورية 7 مرشحين لوزاراتها السبع، على أن يختار العسكريون في مجلس السيادة وزيري الدفاع والداخلية.
وحصد حزب "الامة القومي" والجبهة الثورية حصة الأسد في الحكومة الجديدة التي يتوقع ان تعلن خلال الأيام المقبلة.
وينتظر أن يبقي رئيس الوزراء على بعض الوزراء الحاليين، وأبرزهم وزير الري ياسر عباس، ووزير العدل نصر الدين عبد الباري، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح.
وبتكوين الحكومة الجديدة، ستعلن للملأ حكومة «محاصصات» حزبية، لتواجه اقتصاداً منهارا تماماً يدور بسببه سعر صرف الجنيه السوداني لمستويات مسبوقة، وتضاعفت أسعار السلع مئات المرات، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً على أداء الحكومة الانتقالية، ورفضاً عريضاً لـ«المحاصصة» الحزبية، ولا يدري أحد إلى أين ستقود «حكومة الأحزاب» البلاد في مقبل الأيام.
نزاع حدودي ومناطق مشتعلة
الفشقة، هي إحدى المحليات الخمس المكونة لولاية القضارف بشرق السودان والتي تحاذي منطقة أمهرة الإثيوبية، وتضم نحو مليوني فدان، تحتل منهم إثيوبيا نحو مليون فدان.
ويشار إلى أن تاريخ النزاع حول هذه المنطقة بين الخرطوم وأديس أبابا قديم جداً، منذ خمسينيات القرن العشرين، لكنه ظل في حدوده المعقولة بين مزارعين إثيوبيين ونظرائهم السودانيين، إلى أن توغل الجيش الإثيوبي في عمق الأراضي السودانية، ثم انسحب لاحقاً – وبقى في أجزاء من أراضي الفشقتين الصغرى والكبرى بشكل شبه دائم منذ 1998 وحتى الآن.
وتشهد العلاقات بين السودان وإثيوبيا توترا متصاعدا في الفترة الأخيرة على خلفية هجمات مسلحة على حدود البلدين تقول الخرطوم إنها نفذت من قبل مليشيات إثيوبية مسنودة بقوات رسمية على أراض سودانية.
وتعترف الحكومة الإثيوبية رسمياً باتفاقية الحدود لعام 1902 والتي تنص علي أن أراضي الفشقة سودانية، كذلك تعترف ببروتوكول الحدود لسنة 1903، واتفاقية عام 1972 مع حكومة السودان، لكن على أرض الواقع لا تزال أجزاء من الفشقتين تحت سيادة إثيوبية فعلية، وسيادة سودانية (معترف بها من إثيوبيا) لكنها معلقة.
ويعتبر أغلب سكان الفشقة من الإثيوبيين هم من عرقية الأمهرة، وهي قاعدة انتخابية يعتمد عليها آبي أحمد بشكل لا يستهان به، فهي تعتبر ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا وتحدر منها حكامها التاريخيين.
ولاية غرب دارفور، كذلك اندلعت اشتباكات مسلحة بمدينة الجنينة الواقعة في ولاية غرب دارفور غربي السودان منذ مطلع الشهر الجاري وحتى يومنا هذا، على خلفية خلافات قبلية، ما تسبب بوقوع نحو 150 قتيلا وأكثر من 200 مصاب، ونزوح عشرات الآلاف.
وفي محاولة منها للسيطرة علي الخلافات القبلية قررت الحكومة السودانية التكثيف من عناصرها الأمنية في الولاية السودانية المضطربة، إذ أقررت اليوم السبت إرسال تعزيزات من قوات الدعم السريع للسيطرة على الاشتباكات المتواصلة.
قضايا شائكة
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر الماضي أن السودان وافق على تطبيع العلاقات بالكامل مع إسرائيل، عقب اتصال مشترك مع رئيسي الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو،، سادت حالة من الصمت داخل الأوساط والأحزاب السياسية.
ويرى المحللون أن هذا الصمت يشير إلى أن قرار التطبيع سيكون له عواقب داخلية واسعة، بسبب الاعتراضات المتوقعة، علاوة على أن السودان ليس مستقرا في الأساس، ويشهد حوادث أمنية ويعاني من أزمات اقتصادية طاحنة.
وأوضح الخبراء أن التطبيع، قد يحدث بلبلة حتى داخل النظام الحاكم، فأحزاب "الأمة القومي والشيوعي والبعث" (أحزاب الائتلاف الحاكم في إعلان قوى الحرية والتغيير) أعلنت رفضها مسبقا لعملية التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول إمكانية حدوث انقسام داخل حكومة الفترة الانتقالية.
وينقسم الشارع السوداني أيضا بين من يرى في التطبيع مع إسرائيل، مكسبا اقتصاديا يساعد على التخفيف من حدة الأزمات المعيشية، وبين من يرى أنه سيفرض مزيدا من القيود على البلاد، لكن من نوع آخر.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة تدرج السودان منذ عام 1993 على قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة الإرهابي، أسامة بن لادن، ويري المحللون أن قبول السودان للتطبيع مع تل أبيب يأتي مقابل إزالة اسمه من تلك القائمة التي تفرض عليه عزلة دولية إلى حد كبير.
وفي 6 يناير الجاري، وقع السودان، رسميا مع الولايات المتحدة على "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقع على الاتفاقية عن الجانب الامريكي وزير الخزانة ستيفن منوشين خلال زيارته للخرطوم، فيما وقع عن الجانب السوداني وزير العدل، نصر الدين عبد الباري.
و"اتفاقات أبراهام" هي اسم يُطلق على مجموعة من اتفاقيات السلام التي عُقدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة، واستخدم الاسم لأول مرة في بيان مشترك لإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة في 13 أغسطس 2020، واستُخدم لاحقًا للإشارة بشكل جماعي إلى اتفاقيات السلام الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل البحرين.
ارتفاع أسعار واحتجاجات
شهدت بعض أحياء العاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع الماضي مظاهرات متفرقة احتجاجا على ارتفاع الأسعار والوضع المعيشي الصعب في البلاد، وبحسب الصحف السودانية، فقد فجر إعلان الحكومة رفع أسعار الوقود للمرة الثانية خلال شهرين، غضب المواطنين، ما دفعهم إلى النزول للشوارع.
ونددت المظاهرات بالارتفاع المتصاعد في أسعار السلع والزيادات التي أقرتها الحكومة في أسعار الخبز والوقود والأدوية، وندرة بعض السلع الضرورية.
وكانت وزارة المالية السودانية قد وجهت برفع أسعار البنزين إلى 127 جنيها سودانيا (2.3) دولار، بعدما كان 121 (2.2) دولار، كما رفعت أسعار لتر الديزل إلى 115 جنيها (2.08 دولار) للتر، بعدما كان 112 (2.03 دولار).
وأقرت الحكومة الانتقالية السودانية، الأسبوع الماضي موازنة العام الحالي 2021، كما أعلنت زيادة أسعار الوقود، في وقت يعاني فيه البلد أزمة في الخبز والوقود، فيما أمرت حكومة ولاية الخرطوم رفع سعر الخبز بنسبة 100% ما أثار حالة من الغضب بين سكان العاصمة.
ويشار إلى أن الحكومة السودانية أعلنت في أكتوبر الماضي رفع الدعم عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية تعتزم تطبيقها.
ووجهت اللجنة الاقتصادية لـ«تحالف قوى الحرية والتغيير» خطاباً شديد اللهجة إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بشأن الموازنة الجديدة، أكدت فيه ضرورة الاهتمام بمعيشة المواطنين، وتعديل أسعار الوقود، ومراجعة سياسة الاستيراد، مطالبة بتخفيض ميزانية الأجهزة السيادية، مع تجميد قرار زيادة الكهرباء، وتعديل الميزانية، فيما يخص قطاع التعليم والبنى التحتية.
الجدير بالذكر أن السودان يعاني منذ أشهر نُدرة في الخبز والوقود والدواء وغاز الطهي، وانقطاع الكهرباء، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار السلع الضرورية مثل السكر والألبان واللحوم.
سد النهضة
خيمت أجواء عاصفة على العلاقات السودانية الإثيوبية في الآونة الأخيرة، إذ كتبت الخلافات الحدودية والتعنت الإثيوبي في ملف ملء سد النهضة النهاية لشهر العسل والتوافق الذي كان بين البلدين في فترة ليست بالبعيدة.
ومؤخراً، صعد السودان من حدة تصريحاته تجاه سد النهضة الإثيوبي محذراً من تداعيات ملئه دون موافقة الخرطوم والقاهرة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أكد وزير الري السوداني ياسر عباس، في رسالة بعث بها لجنوب إفريقيا، رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي أن السودان لا يحتمل ولا يتحمل المضي في مفاوضات لا نهاية لها ولا تنتهي بنتائج وحلول ذات قيمة موضحا أن الأرضية التي يستند إليها في العودة لطاولة المفاوضات هي حدوث تغيير في منهجية التفاوض.
وعبر الوزير السوداني عن مخاوف جدية لدى بلاده من تكرار كارثة الفيضانات التي اجتاحت البلاد في يوليو بعد الملء الأولي لسد النهضة إذا ما مضت إثيوبيا في خططها الرامية للبدء في المرحلة الثانية لملء بحيرة السد خلال فترة الخريف المقبل والبالغة 13.5 مليار متر مكعب والمقرر أن تبدأ في مايو وتنتهي في أكتوبر دون إخطار مسبق ودون توقيع إتفاق أو تبادل للمعلومات مع خزان الروصيرص.
وشدد الوزير السوداني على أن المرحلة الثانية من ملء سد النهضة يعتبر تهديداً مباشراً لسد الروصيرص ولحياة القاطنين على ضفاف النيل، مشيرا إلى أنه لا يخفى على أحد الأثر السلبي الذي أحدثه الملء الأول في يوليو 2020 بحوالي 5 مليارات متر مكعب، إذ تسبب في مشاكل في محطات مياه الشرب بالعاصمة الخرطوم.
وقالت مصادر سودانية، إن الملء الأولي المفاجئ لبحيرة سد النهضة في نهاية مايو الماضي بمقدار 5 مليارات متر مكعب، تسبب في إرباك خطط تشغيل محطات ضخ مياه الشرب في السودان مما أدى إلى تعطل عدد كبير منها، موضحين أن الارتباك الذي حدث في خزان الرصيرص بعد الملء الأولي لبحيرة سد النهضة كان أحد الأسباب التي فاقمت موجة الفيضانات التي اجتاحت 16 من 18 ولاية سودانية والتي أدت إلى خسائر كارثية تضرر منها قرابة المليون شخص وقتل نحو 110 أشخاص كما تعرضت مئات المساكن لدمار كلي أو جزئي وهو ما تسعى السودان إلى عدم تجاوزه خلال المرحلة الثانية من ملء سد النهضة دون اتفاق ثلاثي.
تشكيل حكومة جديدة
ويترقب السودانيون بقلق وتوتر تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، والتي تعثر تكوينها لقرابة نصف العام، بسبب خلافات بين مكونات المرجعية السياسية للحكومة الانتقالية، والتي يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وبحسب وكالة أنباء «الشرق الأوسط»، قال مصدر بالمجلس السيادي إن الأسماء المقترحة للحكومة الجديدة تخضع الآن للفحص الأمني.
وتم تكوين الحكومة الحالية من مجموعة "تكنوقراط مستقلين"، استجابة لمطالب الثوار، بالنأي عن المحاصصات الحزبية خلال الفترة الانتقالية، لكن عددا كبيرا من الوزراء واجهوا انتقادات حادة، ومطالبات من قادة الثوار بإقالتهم، تحت ذريعة فشلهم في إنفاذ مهام الانتقال.
وفي يوليو الماضي، أعفى رئيس الوزراء السوداني سبعة من وزرائه، بما فيهم وزيرا الخارجية والمالية، وكلف الوكلاء ووزراء الدولة، بالقيام بمهام الوزراء لحين تعيين وزراء من قبل المرجعية السياسية الممثلة في «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ولكن يبدو أن الأطراف أرجأت تسمية الوزراء البدلاء بانتظار شركاء السلام الذين وقعوا اتفاق جوبا في أكتوبر الماضي.
ونصت الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والموقعة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين.
وبموجبها تم تكوين مجلس سيادي من 5 عسكريين و5 مدنيين، وآخر يتم التوافق عليه بالتشاور، ومنحت الحرية والتغيير سلطة تشكيل الحكومة، على أن يختار العسكريون وزيري الدفاع والداخلية من بينهم، وما نسبته 66 % من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي، وأن يتم اختيار النسبة المتبقية بالتشاور بين العسكريين والمدنيين.
وبعد توقيع اتفاقية سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء تنظيم «الجبهة الثورية»، تم تعديل الوثيقة الدستورية، ونسب تقاسم السلطة بين شركاء الانتقال، بزيادة 3 أعضاء للمجلس السيادي يمثلون «شركاء السلام»، و7 وزارات في الجهاز التنفيذي، وأن يصبح عدد الوزارات 26 وزارة، و75 عضواً في المجلس التشريعي البالغ عضويته 300 عضواً.
وتواجه الحكومة الحالية انتقادات حادة نتجت عن التدهور الاقتصادي بالبلاد، والغلاء الطاحن وندرة السلع الرئيسية مثل الخبز والمحروقات، في وقت تتهم فيه بالفشل في محاسبة رموز النظام السابق، وتقديم المتهمين بجرائم قتل المتظاهرين للمحاكمة، وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي.
وحملت المرجعية السياسية «قوى إعلان الحرية والتغيير» المسؤولية للتكنوقراط الذين تم تكليفهم بمهام إدارة الدولة، وبناء على ذلك أعلنت مجموعة الأحزاب المكونة للتحالف الحاكم، ترشيح «سياسيين حزبيين» لتولي مهام الوزارة في الحكومة الجديدة.
ومنذ أشهر دخلت الحرية والتغيير في نزاعات بينية، على تقاسم السلطة، ما أدى لتأخير تكوين الوزارة الجديدة، وبعد تأخير قارب نصف العام، وتكاثف الضغوط الشعبية، أعلن مجلس الشركاء عن آلية جديدة يتم بموجب مواقيتها تشكيل الوزارة.
ونصت على تشكيل مجلس الوزراء في 5 فبراير المقبل، وتعيين حكام الولايات 11 فبراير وإجراء تعديلات في عضوية مجلس السيادة في ذات التاريخ، ثم الانتهاء من تشكيل المجلس التشريعي «البرلمان الانتقالي» في 25 فبراير المقبل.
ورشحت الحرية والتغيير 51 سما لسبع عشرة وزارة 3 لكل واحدة، ليختار منهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك واحدا، بينما رشحت الجبهة الثورية 7 مرشحين لوزاراتها السبع، على أن يختار العسكريون في مجلس السيادة وزيري الدفاع والداخلية.
وحصد حزب "الامة القومي" والجبهة الثورية حصة الأسد في الحكومة الجديدة التي يتوقع ان تعلن خلال الأيام المقبلة.
وينتظر أن يبقي رئيس الوزراء على بعض الوزراء الحاليين، وأبرزهم وزير الري ياسر عباس، ووزير العدل نصر الدين عبد الباري، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح.
وبتكوين الحكومة الجديدة، ستعلن للملأ حكومة «محاصصات» حزبية، لتواجه اقتصاداً منهارا تماماً يدور بسببه سعر صرف الجنيه السوداني لمستويات مسبوقة، وتضاعفت أسعار السلع مئات المرات، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً على أداء الحكومة الانتقالية، ورفضاً عريضاً لـ«المحاصصة» الحزبية، ولا يدري أحد إلى أين ستقود «حكومة الأحزاب» البلاد في مقبل الأيام.