أنجب بنتا ونسبت لضابط ألماني.. حكايات غريبة من حياة نجيب الريحاني
في مثل هذا اليوم ولد أحد أبرز علامات الكوميديا في الفن العربي والمصري، الفنان الراحل نجيب الريحاني، صاحب الأسلوب الفريد والمميز في تقديم الكوميديا حتى أنه وصف بأنه «الضاحك الباكي».
ترك نجيب الريحاني بصمة كبيرة على المسرح العربي والسينما العربية، حتى لُقِب بِـ «زعيم المسرح الفكاهي» في مصر وسائر الوطن العربي، ويرجع إليه الفضل في تطوير المسرح والفن الكوميدي في مصر، وربطه بالواقع والحياة اليومية في البلاد بعد أن كان شديد التقليد للمسارح الأوروبية، واشتهر عنه قوله: (في خليط من اللهجة المصرية العامية واللغة العربية الفصحى): «عايزين مسرح مصري، مسرح ابن بلد، فيه ريحة "الطعميَّة" و"المُلوخيَّة"، مش ريحة "البطاطس المسلوق" و"البُفتيك".. مسرح نتكلم عليه اللغة التي يفهمها الفلاح والعامل ورجل الشارع، ونقدم له ما يحب أن يسمعه ويراه».
اختلفت الروايات حول أصول نجيب الريحاني؛ إن كانت عراقية أم مصرية ترجع لإحدى محافظات صعيد مصر، إلا أنه في الحقيقة ولد بِمدينة القاهرة يوم 21 يناير 1889م، من أب عراقي كلداني يدعى «إلياس ريحانة»، وامرأة مصريَّة قبطيَّة أرثوذكسيَّة تدعى «لطيفة بحلُق» من صعيد مصر، وتم تعميده على يد الخوري يوحنا طواف يوم 15 مايو 1889م، وكان نجيب الريحاني أحد ثلاثة أبناء لوالديه، وقضي الريحاني طفولته في حي باب الشعرية، وكان أبوه يمتلك مصنعًا للجبس.
رغم الأجواء الكوميدية والبصمة الضاحكة التي تركها نجيب الريحاني في كل أعماله، إلا أن حياته الشخصية على النقيض من ذلك فكانت عبارة عن مسلسل من العثرات والمشاكل التي ألمت به وبأسرته.
فقد توفي والده دون أن يترك لأبنائه شيئا من أمواله بعدما أوصى بِكل ثروته لابنة أُخته اليتيمة، لما رآه أن أبناءه قادرون على إعالة أنفسهم، في حين أن المرأة لا تستطيع، فتحمل الشقيق الأكبر لنجيب ويدعى «توفيق» كاتب المحكمة، مسئولية إعانة الأسرة، وبعدما حصل نجيب على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا آنذاك)، وهو في سن الـ 16 من عمره، التحق للعمل بالبنك الزراعي، ليساهم في الإنفاق على أُسرته.
وعمل نجيب الريحاني في بداياته أيضًا في 1910م، بشركة السكر بِنجع حمادي في صعيد مصر، ولكن لم يستمر في عمله أكثر من 7 أشهر بعدما ألقي القبض عليه أثناء محاولته التسلل لغرفة نوم زوجة مدير حسابات الشركة التي وقع في غرامها، وذاعت أنباء الفضيحة في البلدة، ففصل الريحاني من عمله، وعاد إلى القاهرة.
وفي لقاء تليفزيوني نادر للفنان الراحل فؤاد المهندس، مع الإعلامية سهام صبري، في برنامج "شموع"، روى موقفًا محرجًا جمعه بنجيب، حيث قال: إن الأخير كثيرًا ما ينسى المواقف والأشخاص، واصفًا إياه بـ "نساي"، وقال إنه في المرة الثانية التي التقاه فيها، كان في أحد المسارح، كان الريحاني يجري بروفات مع أفراد مسرحيته، بينما فؤاد، كان يقف بعيدًا، وسط مجموعة من الأفراد، في انتظاره، حيث تبادلا الابتسامات، ويتجه كل منهما نحو الآخر، للمصافحة بالأيدي، ليتفاجأ "المهندس"، بأن "نجيب" كان يُصافح شخصًا آخر، مما دفعه لمغادرة المكان.
وأوضح "المهندس" "أن "الريحاني" كان يناديه بـ"التلميذ" لفترة طويلة، بينما المرة الأولى التي ناداه فيه باسمه، بعد مرور نحو عام من علاقتهما: "كان يناديني باسم فؤاد على طول"، لافتًا إلى أنه لم يعمل معه في المسرحيات إطلاقًا: "كنت أتعلم منه وأشوف شغله إزاي على خشبة المسرح".
قام نجيب الريحاني بتأليف 33 مسرحية، أخرجها وقام ببطولتها جميعًا، وقد استشعر منذ اللحظة الأولى حاجته الملحة إلى الاستعانة بشاعر عامية شهير، فاستعان بعدها بالشاعر الأشهر في عصره بديع خيري، صديق عمره وتوأمه الفني، حيث شكلا أهم دعائم المسرح الكوميدي.
وكان خيري يقوم بمراجعة جمل الحوار في مسرحيات الريحاني، ومن ثم يقوم باختصار جمل الحوار المطولة إلى جمل أقصر وتطويع جمل الحوار الأقرب إلى الفصحى إلى عامية البسطاء، وقبل ذلك، قام الريحاني بكتابة أربع مسرحيات قبل وجود خيري.
وغلب على أداء الريحاني شخصية الموظف البسيط، والكادح الذي لا تريد الدنيا أن تبتسم له، حيث قدمها في شكل كوميدي ساخر.
واعتزل الريحاني المسرح عام 1946 ليتفرغ للسينما، وقدم حوالي 10 أفلام كان آخرها هو فيلم "غزل البنات"، الذي لم يشاهده فقد رحل قبل عرضه، حيث أصيب بمرض "التيفود" الذى أثر على رئتيه وقلبه، وتوفي بعد صراع مع المرض يوم 7 من شهر يونيو عام 1949 بالمستشفى بحى العباسية.
تزوج نجيب الريحاني من الراقصة اللبنانية بديعة مصابني، عام 1924، وبعد الزفاف سافر العروسان مع فرقتهما إلى أمريكا الجنوبية لتقديم عروضًا مسرحية هناك، إلا أن السعادة الزوجية بينهما لم تدم طويلا؛ فالخلاف بينهما كان واضحًا، حيث كانت بديعة اقتصادية والريحاني مسرف، هي سيدة أعمال وهو فيلسوف، هي تحب حياة الأسرة وهو يعشق الانطلاق، بالإضافة إلى عدم قدرتهما على الإنجاب؛ مما دفع بديعة إلى تبني فتاة يتيمة صغيرة تُدعى جولييت، وأعطاها الريحاني اسمه رسميًا، ومع ازدياد الخلاف بينهما طلبت الزوجة الطلاق، حيث آثرت الاهتمام بفنها، لينتهي بهما الحال إلى الطلاق، ولجأ الطرفان إلى الكنيسة بالقاهرة لتطليقهما، وهو ما تم رفضه بشدة لأن المذهب الكاثوليكي لا يسمح بالطلاق، فاتفق الزوجان على استمرار الزواج، ولكن شريطة الانفصال الجسدي بينهما بناء على طلب بديعة.
واضطر الريحاني إلى قبول شرطها، وتركت بديعة بعد ذلك بيت الزوجية وفرقته المسرحية، لتؤسس صالتها الليلية واستقطبت من خلالها العديد من النجوم مثل: محمد فوزي وإبراهيم حمودة وإسماعيل ياسين وغيرهم.
كما تزوج الريحاني أيضًا من نجمة الاستعراضات بفرقته، لوسي دي فرناي، الفرنسية من أصل ألماني، بين عامي 1919 و1937م، في شقة بحي هيليوپوليس، وأنجب منها ابنته جينا، ولكنها نسبت في الوثائق إلى شخص آخر، كان يعمل ضابطًا في الجيش الألماني بسبب قوانين هتلر التي تمنع زواج أي ألمانية من شخص غير ألماني.