ماذا يفعل المأموم إذا ركع الإمام قبل أن يتم قراءة الفاتحة؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ماذا يفعل المأموم إذا ركع الإمام قبل أن يتم قراءة الفاتحة؛ أي المأموم؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
وإذا ركع الإمام قبل أن يتمَّ المأموم قراة الفاتحة، وكان هذا التأخر بغير عذر صحيح؛ فالصحيح أنه لا يتبع الإمام، بل يتمُّ قراءة الفاتحة، ويستدرك صلاته خلف الإمام.
إما إذا كان لعذرٍ صحيح؛ كأن كان الإمام سريع القراءة، أو كان المأموم بطيء القراءة -لعجزٍ لا لوسوسة-، أو غلب على ظنه أنه يفوته ثلاثة أركان طويلة -لا يُعَدُّ منها القصير؛ كالاعتدال والجلوس بين السجدتين- سواء لعذر أو لغير عذر، فإنَّه يجب على المأموم أن يتبع الإمام، وتسقط عنه بقية قراءة الفاتحة.
تأخر الإمام في الركوع ليلحق به المأموم
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "لو أحسّ الإمام وهو في الركوع بداخلٍ يريد الصلاة معه؛ هل يجوز له الانتظار بتطويل الركوع ليلحقه أم لا؟".
وجاء رد الدار كالتالي:
يجوز ذلك شرعًا؛ فقد ذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى استحباب الانتظار بشروط هي:
أ- أن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار.
ب- أن لا يفحش طول الانتظار.
ج- أن يقصد به التقرب إلى الله، لا التودد إلى الداخل أو استمالة قلبه.
د- أن لا يميز بين داخلٍ وداخلٍ لشرف المنتظر أو صداقته أو سيادته أو نحو ذلك؛ لأن الانتظار بدون تمييز إعانة للداخل على إدراك الركعة.
أما إذا أحس بقادمٍ للصلاة خارج عن محلها، أو بالغ في الانتظار كأن يطوله تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره، أو لم يكن انتظاره لله تعالى، أو فرق بين الداخلين للأسباب المذكورة فلا يستحب الانتظار قطعًا، بل يكره.
وقال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 38): [وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ. قُلْت: الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا] اهـ.
حكم الصلاة بملابس ضيقة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون وعليه بلوزة طويلة؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
ومن المقرر شرعًا أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة بدون سترها؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، والمقصود (بحائض) أنها بلغت المحيض.
ويشترط في الثوب الساتر للعورة داخل الصلاة ألَّا يكشف العورة أو يشفها، أما ما يصفها من الملابس الضيقة؛ كالبنطلون الضيق ونحوه، فتصح الصلاة فيها مع الكراهة؛ قال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 210): [وَلَا يَضُرُّ تَشَكُّلُ الْعَوْرَةِ بِالْتِصَاقِ السَّاتِرِ الضَّيِّقِ بِهَا، كما في "الحلبي"] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 284): [وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ كَثِيفًا، وَهُوَ مَا لَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، بِأَنْ لَا يَشِفَّ أَصْلًا، أَوْ يَشِفَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ النَّظَرِ، فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ، وَأَمَّا مَا يَشِفُّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَيُعِيدُ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ كَالْوَاصِفِ لِلْعَوْرَةِ الْمُحَدِّدِ لَهَا بِغَيْرِ بَلَلٍ وَلَا رِيحٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 398): [(وَشَرْطُهُ) أَيِ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا، فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ، وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ، وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ، أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ، لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ، وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى] اهـ.
ضم القدمين في السجود
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم ضم القدمين في السجود؟، وجاء رد الدار كالتالي:
ضم القدمين في السجود خلاف الأفضل، إذ من المستحب للساجد أن يفرق بين قدميه ولا يضمهما؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 431، ط. دار الفكر): [قال الشافعي والأصحاب: يستحبُّ للساجد أن يُفَرِّجَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَكُونُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرُ شِبْرٍ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ تَوْجِيهُهَا بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى بُطُونِهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ] اهـ.
وينبغي ألا تثير مثل هذه المسألة الاختلاف بين الناس؛ فالأمر فيها واسع.
الصلاة فوق خزان صرف صحي
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "في قريتنا مسجد قمنا بتوسيعه، وكان بجواره خزان مساحته متران في ثلاثة أمتار يتجمع فيه ما يخرج من دورات المياه ومن القاذورات من البول والغائط، فأدخلنا هذا الخزان ضمن المسجد، وأصبح الناس يصلون فوق هذا الخزان الممتلئ بالمياه والقاذورات، فهل الصلاة فوق هذا الخزان تجوز أم لا؟، وجاء رد الدار كالتالي:
من المواضع المنهي عن الصلاة فيها الصلاة في المقبرة والمزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وأعطان الإبل والحمام وفوق الكعبة؛ فعن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللهِ" رواه ابن ماجه وعبد بن حميد والترمذي.
وعلى ذلك: فإذا كان الخزان المسئول عنه والمضموم إلى المسجد يظهر منه النجاسات على سطحه أو يتأذى من رائحته المصلون فلا تصح الصلاة في هذا المكان قياسًا على ما سبق ذكره، أما إذا كان الخزان مسقوفًا بالمسلح، ولا يظهر منه ما ينجس المكان، ولا يؤذي المصلين برائحته فهو طاهر السطح، ولا مانع من الصلاة فوقه، وشأنه في ذلك شأن جميع الأماكن التي تمر تحتها المجاري ومواسير الصرف الصحي، شريطة أن تكون فتحته خارج المسجد، وعند الضرورة القصوى. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
حكم المرور بين الصفوف
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز المرور بعد بدء الصلاة بين الصفوف؟"، ومن جانبها أجابت الدار على هذا السؤال كالتالي:
يجوز المرور بين الصفوف، ولكن الأفضل اجتنابه خروجًا من خلاف العلماء في جوازه وعدم جوازه، فإن دعت الحاجة إليه فلا حرج، وإن أمكن اجتناب المرور بين الإمام والصف الأول خلفه فهو أفضل، وسترة الإمام تكفيه وتكفي المصلين خلفه.
قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 383-384): [(وَلا يُسْتَحَبُّ لِمَأْمُومٍ اتِّخَاذُ سُتْرَةً)؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) أَي: اتَّخَذَ الْمَأْمُومُ سُتْرَةً (فَلَيْسَتْ سُتْرَةً؛ لأَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ). قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "اخْتَلَفُوا فِي سُتْرَةِ الإِمَامِ هَلْ هِيَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً، وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، مَعَ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُم مُصَلُّونَ إلَى سُتْرَةٍ" انْتَهَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْمَأْمُومِ، سَوَاءٌ صَلَّى خَلْفَ الإِمَامِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ أَوْ قُدَّامَهُ، حَيْثُ صَحَّتْ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللهِ فِي "شَرْح الْفُرُوعِ" (فَلا يَضُرُّ صَلاتَهُمْ) أَي الْمَأْمُومِينَ (مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: "هَبَطْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى أُخْرَى، فَحَضَرَت الصَّلاةُ، فَعَمَدَ إلَى جِدَارٍ، فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ فَرْقٌ] اهـ.
وقال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 535): [أَمَّا الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَجَائِزٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَكْرَهُ الْمُرُورَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ فِي "الْمُدَوَّنَةِ"، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا، وَلَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ الصُّفُوفِ. مالِكٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُمْ. الْقَاضِي: سُتْرَتُهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ، فَخَرَّجَ عَلَيْهَا مَنْعَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَي الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمْ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، فَقِيلَ: مُتَرَادِفَانِ. أَبُو إبْرَاهِيمَ: تَعْلِيلُ مَالِكٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سُتْرَةً لَهُمْ امْتَنَعَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ سُتْرَةٌ لِمَنْ يَلِيهِ حِسًّا وَحُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ حُكْمًا فَقَطْ، وَالْمَمْنُوعُ فِيهِ الْمُرُورُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَبِهِ يَتِمُّ التَّخْرِيجُ] اهـ.
مكان وضع المنبر في المسجد
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يوضع المنبر على يمين المحراب أم على يساره؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
يستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب، أي على يمين الإمام؛ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "المجموع شرح المهذب" (4/ 525، ط. دار الفكر): [قالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ، أَيْ: عَلَى يَمِينِ الإِمَامِ إذَا قَامَ فِي الْمِحْرَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَكَذَا الْعَادَةُ] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2/ 576): [ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب، وهو الموضع الذي يكون على يمين الإمام إذا توجه إلى القبلة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ صُنع له منبرُهُ هكذا] اهـ.
الإلتزام بمواقيت الصلاة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه " هل يجوز مخالفة مواقيت الصلاة التي تصدرها هيئة المساحة"، ومن جانبها أجابت الدار على هذا السؤال كالتالي:
من المقرر شرعًا أن كافة الأمور العلمية يُرجَع فيها إلى أهل العلم والاختصاص بها، وهم أهل الذكر الذين سمَّى اللهُ تعالى في كتابه الكريم وأَمَر بالرجوع إليهم في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
ومن المقرر شرعًا أن لكل صلاة وقتًا ضبطه الشرع الشريف؛ من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، وفهِمَه الفقهاء فعيَّنوه في كتبهم وفَصَّلوا القول في ذكر علاماته.
وقد فَهِم علماء الفلك والمختصون في المواقيت هذه العلامات والمعايير الشرعية فَهمًا دقيقًا، ووضعوها في الاعتبار، وضبطوها بمعايير العصر الفلكية، ووقَّتوها به توقيتًا دقيقًا فالتوقيتُ الحاليُّ صحيحٌ يَجبُ الأخذُ به؛ لأنه ثابِتٌ بإقرارِ المُتخصِّصين، وهو ما استَقَرَّت عليه اللِّجانُ العِلمية، ولا ينبغي إثارةُ أمثالِ هذه المسائلِ إلَّا من المتخصِّصين في الغُرَفِ العِـلميةِ المُغلَقةِ التي يَخرجُ بَعدَها أهلُ الذِّكر فيها مِن الفَلَكِيِّين وعلمـاءِ الجيوديسيا بقرارٍ مُوَحَّدٍ يَسِيرُ عليه الناسُ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، وما لم يَحصُل ذلك فالأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان؛ لأنَّ أمرَ العباداتِ الجماعيةِ المُشتَرَكةِ في الإسلام مَبنِيٌّ على إقرارِ النِّظامِ العامِّ بِجَمْعِ كَلِمَةِ المسلمين ورَفْضِ التناوُلَاتِ الانفِرادِيَّةِ العَشْوَائيَّةِ للشَّعَائرِ العامَّة، وفي مِثلِ ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» أخرجه الترمذي وصَحَّحَه مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
مواقيت الصلاة المحددة
ولا يجوز بحالٍ تجاهل العمل بهذه الأوقات المحددة من قِبل أهل الاختصاص؛ لأنها تحدد أوقات العبادات، وتُبنَى عليها أحكامها، ومن المقرر شرعًا أن دخول وقت الصلاة شرطٌ من شروط إقامتها ودخول وقت الفجر موجبٌ للإمساك في الصيام، ويُحتاج كذلك إلى ضبط أوقات الصلوات لبناء كثيرٍ من أحكام الشريعة عليها كما في الزكاة والحج وأحكام المعاملات والطلاق والعدة والنكاح، وغير ذلك.
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنه يجب عليكم شرعًا اتباع التقويم الذي تصدره هيئة المساحة المصرية في تحديد أوقات الصلوات، ولا موجب لهذه الحيرة والشتات والفرقة؛ لأننا مأمورون شرعًا برد الأمر إلى أهله المتخصصين به.
وإذا ركع الإمام قبل أن يتمَّ المأموم قراة الفاتحة، وكان هذا التأخر بغير عذر صحيح؛ فالصحيح أنه لا يتبع الإمام، بل يتمُّ قراءة الفاتحة، ويستدرك صلاته خلف الإمام.
إما إذا كان لعذرٍ صحيح؛ كأن كان الإمام سريع القراءة، أو كان المأموم بطيء القراءة -لعجزٍ لا لوسوسة-، أو غلب على ظنه أنه يفوته ثلاثة أركان طويلة -لا يُعَدُّ منها القصير؛ كالاعتدال والجلوس بين السجدتين- سواء لعذر أو لغير عذر، فإنَّه يجب على المأموم أن يتبع الإمام، وتسقط عنه بقية قراءة الفاتحة.
تأخر الإمام في الركوع ليلحق به المأموم
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "لو أحسّ الإمام وهو في الركوع بداخلٍ يريد الصلاة معه؛ هل يجوز له الانتظار بتطويل الركوع ليلحقه أم لا؟".
وجاء رد الدار كالتالي:
يجوز ذلك شرعًا؛ فقد ذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى استحباب الانتظار بشروط هي:
أ- أن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار.
ب- أن لا يفحش طول الانتظار.
ج- أن يقصد به التقرب إلى الله، لا التودد إلى الداخل أو استمالة قلبه.
د- أن لا يميز بين داخلٍ وداخلٍ لشرف المنتظر أو صداقته أو سيادته أو نحو ذلك؛ لأن الانتظار بدون تمييز إعانة للداخل على إدراك الركعة.
أما إذا أحس بقادمٍ للصلاة خارج عن محلها، أو بالغ في الانتظار كأن يطوله تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره، أو لم يكن انتظاره لله تعالى، أو فرق بين الداخلين للأسباب المذكورة فلا يستحب الانتظار قطعًا، بل يكره.
وقال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 38): [وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ. قُلْت: الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا] اهـ.
حكم الصلاة بملابس ضيقة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون وعليه بلوزة طويلة؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
ومن المقرر شرعًا أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة بدون سترها؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك"، والمقصود (بحائض) أنها بلغت المحيض.
ويشترط في الثوب الساتر للعورة داخل الصلاة ألَّا يكشف العورة أو يشفها، أما ما يصفها من الملابس الضيقة؛ كالبنطلون الضيق ونحوه، فتصح الصلاة فيها مع الكراهة؛ قال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 210): [وَلَا يَضُرُّ تَشَكُّلُ الْعَوْرَةِ بِالْتِصَاقِ السَّاتِرِ الضَّيِّقِ بِهَا، كما في "الحلبي"] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 284): [وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ كَثِيفًا، وَهُوَ مَا لَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، بِأَنْ لَا يَشِفَّ أَصْلًا، أَوْ يَشِفَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا يَشِفُّ فِي بَادِئِ النَّظَرِ، فَإِنَّ وُجُودَهُ كَالْعَدَمِ، وَأَمَّا مَا يَشِفُّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَيُعِيدُ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ كَالْوَاصِفِ لِلْعَوْرَةِ الْمُحَدِّدِ لَهَا بِغَيْرِ بَلَلٍ وَلَا رِيحٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 398): [(وَشَرْطُهُ) أَيِ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا، فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ، وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ، وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ، أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ، لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ، وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى] اهـ.
ضم القدمين في السجود
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "ما حكم ضم القدمين في السجود؟، وجاء رد الدار كالتالي:
ضم القدمين في السجود خلاف الأفضل، إذ من المستحب للساجد أن يفرق بين قدميه ولا يضمهما؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 431، ط. دار الفكر): [قال الشافعي والأصحاب: يستحبُّ للساجد أن يُفَرِّجَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَكُونُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرُ شِبْرٍ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ تَوْجِيهُهَا بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى بُطُونِهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ] اهـ.
وينبغي ألا تثير مثل هذه المسألة الاختلاف بين الناس؛ فالأمر فيها واسع.
الصلاة فوق خزان صرف صحي
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "في قريتنا مسجد قمنا بتوسيعه، وكان بجواره خزان مساحته متران في ثلاثة أمتار يتجمع فيه ما يخرج من دورات المياه ومن القاذورات من البول والغائط، فأدخلنا هذا الخزان ضمن المسجد، وأصبح الناس يصلون فوق هذا الخزان الممتلئ بالمياه والقاذورات، فهل الصلاة فوق هذا الخزان تجوز أم لا؟، وجاء رد الدار كالتالي:
من المواضع المنهي عن الصلاة فيها الصلاة في المقبرة والمزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وأعطان الإبل والحمام وفوق الكعبة؛ فعن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللهِ" رواه ابن ماجه وعبد بن حميد والترمذي.
وعلى ذلك: فإذا كان الخزان المسئول عنه والمضموم إلى المسجد يظهر منه النجاسات على سطحه أو يتأذى من رائحته المصلون فلا تصح الصلاة في هذا المكان قياسًا على ما سبق ذكره، أما إذا كان الخزان مسقوفًا بالمسلح، ولا يظهر منه ما ينجس المكان، ولا يؤذي المصلين برائحته فهو طاهر السطح، ولا مانع من الصلاة فوقه، وشأنه في ذلك شأن جميع الأماكن التي تمر تحتها المجاري ومواسير الصرف الصحي، شريطة أن تكون فتحته خارج المسجد، وعند الضرورة القصوى. ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.
حكم المرور بين الصفوف
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز المرور بعد بدء الصلاة بين الصفوف؟"، ومن جانبها أجابت الدار على هذا السؤال كالتالي:
يجوز المرور بين الصفوف، ولكن الأفضل اجتنابه خروجًا من خلاف العلماء في جوازه وعدم جوازه، فإن دعت الحاجة إليه فلا حرج، وإن أمكن اجتناب المرور بين الإمام والصف الأول خلفه فهو أفضل، وسترة الإمام تكفيه وتكفي المصلين خلفه.
قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 383-384): [(وَلا يُسْتَحَبُّ لِمَأْمُومٍ اتِّخَاذُ سُتْرَةً)؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، (فَإِنْ فَعَلَ) أَي: اتَّخَذَ الْمَأْمُومُ سُتْرَةً (فَلَيْسَتْ سُتْرَةً؛ لأَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ). قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "اخْتَلَفُوا فِي سُتْرَةِ الإِمَامِ هَلْ هِيَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، أَوْ هِيَ سُتْرَةٌ لَهُ خَاصَّةً، وَهُوَ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ، مَعَ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُم مُصَلُّونَ إلَى سُتْرَةٍ" انْتَهَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْمَأْمُومِ، سَوَاءٌ صَلَّى خَلْفَ الإِمَامِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ أَوْ قُدَّامَهُ، حَيْثُ صَحَّتْ، أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللهِ فِي "شَرْح الْفُرُوعِ" (فَلا يَضُرُّ صَلاتَهُمْ) أَي الْمَأْمُومِينَ (مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: "هَبَطْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى أُخْرَى، فَحَضَرَت الصَّلاةُ، فَعَمَدَ إلَى جِدَارٍ، فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِيهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ فَرْقٌ] اهـ.
وقال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 535): [أَمَّا الْمُرُورُ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَجَائِزٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَكْرَهُ الْمُرُورَ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي، قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ فِي "الْمُدَوَّنَةِ"، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا، وَلَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ بَيْنَ الصُّفُوفِ. مالِكٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لَهُمْ. الْقَاضِي: سُتْرَتُهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ، فَخَرَّجَ عَلَيْهَا مَنْعَ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَي الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمْ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، فَقِيلَ: مُتَرَادِفَانِ. أَبُو إبْرَاهِيمَ: تَعْلِيلُ مَالِكٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سُتْرَةً لَهُمْ امْتَنَعَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ سُتْرَةٌ لِمَنْ يَلِيهِ حِسًّا وَحُكْمًا، وَلِغَيْرِهِ حُكْمًا فَقَطْ، وَالْمَمْنُوعُ فِيهِ الْمُرُورُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَبِهِ يَتِمُّ التَّخْرِيجُ] اهـ.
مكان وضع المنبر في المسجد
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يوضع المنبر على يمين المحراب أم على يساره؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
يستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب، أي على يمين الإمام؛ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "المجموع شرح المهذب" (4/ 525، ط. دار الفكر): [قالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ، أَيْ: عَلَى يَمِينِ الإِمَامِ إذَا قَامَ فِي الْمِحْرَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَكَذَا الْعَادَةُ] اهـ.
وقال الإمام العمراني في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (2/ 576): [ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب، وهو الموضع الذي يكون على يمين الإمام إذا توجه إلى القبلة؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ صُنع له منبرُهُ هكذا] اهـ.
الإلتزام بمواقيت الصلاة
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه " هل يجوز مخالفة مواقيت الصلاة التي تصدرها هيئة المساحة"، ومن جانبها أجابت الدار على هذا السؤال كالتالي:
من المقرر شرعًا أن كافة الأمور العلمية يُرجَع فيها إلى أهل العلم والاختصاص بها، وهم أهل الذكر الذين سمَّى اللهُ تعالى في كتابه الكريم وأَمَر بالرجوع إليهم في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
ومن المقرر شرعًا أن لكل صلاة وقتًا ضبطه الشرع الشريف؛ من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله، وفهِمَه الفقهاء فعيَّنوه في كتبهم وفَصَّلوا القول في ذكر علاماته.
وقد فَهِم علماء الفلك والمختصون في المواقيت هذه العلامات والمعايير الشرعية فَهمًا دقيقًا، ووضعوها في الاعتبار، وضبطوها بمعايير العصر الفلكية، ووقَّتوها به توقيتًا دقيقًا فالتوقيتُ الحاليُّ صحيحٌ يَجبُ الأخذُ به؛ لأنه ثابِتٌ بإقرارِ المُتخصِّصين، وهو ما استَقَرَّت عليه اللِّجانُ العِلمية، ولا ينبغي إثارةُ أمثالِ هذه المسائلِ إلَّا من المتخصِّصين في الغُرَفِ العِـلميةِ المُغلَقةِ التي يَخرجُ بَعدَها أهلُ الذِّكر فيها مِن الفَلَكِيِّين وعلمـاءِ الجيوديسيا بقرارٍ مُوَحَّدٍ يَسِيرُ عليه الناسُ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]، وما لم يَحصُل ذلك فالأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان؛ لأنَّ أمرَ العباداتِ الجماعيةِ المُشتَرَكةِ في الإسلام مَبنِيٌّ على إقرارِ النِّظامِ العامِّ بِجَمْعِ كَلِمَةِ المسلمين ورَفْضِ التناوُلَاتِ الانفِرادِيَّةِ العَشْوَائيَّةِ للشَّعَائرِ العامَّة، وفي مِثلِ ذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» أخرجه الترمذي وصَحَّحَه مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
مواقيت الصلاة المحددة
ولا يجوز بحالٍ تجاهل العمل بهذه الأوقات المحددة من قِبل أهل الاختصاص؛ لأنها تحدد أوقات العبادات، وتُبنَى عليها أحكامها، ومن المقرر شرعًا أن دخول وقت الصلاة شرطٌ من شروط إقامتها ودخول وقت الفجر موجبٌ للإمساك في الصيام، ويُحتاج كذلك إلى ضبط أوقات الصلوات لبناء كثيرٍ من أحكام الشريعة عليها كما في الزكاة والحج وأحكام المعاملات والطلاق والعدة والنكاح، وغير ذلك.
وبناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنه يجب عليكم شرعًا اتباع التقويم الذي تصدره هيئة المساحة المصرية في تحديد أوقات الصلوات، ولا موجب لهذه الحيرة والشتات والفرقة؛ لأننا مأمورون شرعًا برد الأمر إلى أهله المتخصصين به.