محمد صديق المنشاوي.. ذكرى ميلاد طبيب القلوب
تحل اليوم الأربعاء، الذكرى 101 لميلاد الشيخ محمد صديق المنشاوي الذي انطلق صوته إلى مسامع وقلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فهو "قيثارة القرآن"، ونبتة الشيخ صديق المنشاوي، وهو أول قارئ تنتقل إليه الإذاعة لتسجل له ويرفض طلبها والاعتماد بها، كان لا يكف عن قراءة القرآن، يتلوه في كل أحواله، عندما استمع المسلمون في أندونيسيا لصوته أجهشوا بالبكاء.
ولد الشيخ المنشاوى بمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج عام 1920 وأصبح من أشهر أعلام المدرسة “المنشاوية” بلْ زعيم تلك المدرسة الموصوفةُ بـ “بيتِ القرآن”.
وأتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة من عمره، وتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات على يد الشيخين: محمد السعودى ومحمد أبوالعلا اللذين لم يجدا عناء في تعليمه، حيث كان موهوبا، ولديه مواصفات القارئ النابغ، كما كان شديد التواضع، وعلى الرغم من أنه لمْ يعش طويلا إلا أن صوته سيظل مشرقا بنور القرآن الكريم يصل الأرض بالسماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث توفى في 20 يونيو 1969 عن عمر ناهز 49 عاما، وكرمته مصر في احتفال ليلة القدر عام 1992 ومُنح لروحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وقد كتب الحاج سعودي محمد صديق، عام 1953 بمجلة الإذاعة والتليفزيون، عن والده الشيخ محمد صديق المنشاوي فقال " كان صيته وشهرته وحسن قراءته وتلاوته حديث الناس في مصر ولما علم المسئولون بالإذاعة بتلك الموهبة أرسلوا إليه يطلبون منه أن يتقدم بطلب للإذاعة ليعقد له اختبار فإن اجتازه يعتمد مقرئًا بها فرفض الشيخ هذا المطلب وقال: لا أريد القراءة بالإذاعة فلست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يعقد لي هذا الامتحان أبدًا."
"فما كان من مدير الإذاعة في ذلك الوقت إلا أن أمر بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوي وبالفعل فوجئ الشيخ، وكان يحيي حفلًا رمضانيًا في قرية إسنا بدار أحد الأثرياء لعائلة حزين، بأن الإذاعة أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته وفي ذات الوقت كانت مجموعة أخرى من الإذاعة قد ذهبت لتسجل قراءة أبيه الشيخ صديق المنشاوي والذي كان يقرأ بقرية العسيرات بمحافظة سوهاج في بيت الحاج أحمد أبو رحاب وكانت تلك التسجيلات من جانب الإذاعة لتقييم صوتيهما فكانت تلك أول حادثة في تاريخ الإذاعة أن تنتقل بمعداتها والعاملين بها ومهندسيها للتسجيل لأحد المقرئين فكان ما قلته لحضرتك وفعلًا كتبت إحدى المجلات عن هذه الواقعة."
وذكر الحاج سعودي أن أحد الموسيقيين الكبار في فترة الستينيات عرض على والده الشيخ محمد أن يلحن له القرآن قائلًا له: "يا شيخ أنت الصوت الوحيد الذي يقبل الموسيقى في القرآن" فقال له الشيخ محمد: "يا سيدي لقد أخذت الموسيقى من القرآن فكيف تلحن أنت القرآن بالموسيقى" فخجل الرجل من نفسه.
وكان الشيخ محمد يستمع إلى الموسيقى- حسب ما قاله نجله- وكان يحب الاستماع إلى صوت السيدة أم كلثوم ويقول: "إن في صوتها قوة رقيقة ونغم موسيقي"، كذلك كان يعشق صوت الشيخ طه الفشني، وخاصة أداؤه الرفيع في الابتهالات والتواشيح الدينية، وكان كثيرًا ما يتصل به ويلتقيان ليقف معه على مواطن الجمال الموسيقي في صوته.
تَميَّز المنشاوى وعرف من خلال تلاوته وتَجويده، إنَّ قارئ القرآن هو من يذكِّرنا بالله، وإنَّ الإحساس بحلاوة كلام الله إنَّما يمرُّ عبر الحناجر الصوتيَّة التي وهبها الله لِمن شاء من خلقه وعباده، وإن الملاحظ من تلاوات الشَّيخ - رحمه الله - أنَّها تتضمَّن دروسا في التَّفسير، ودروسًا في التَّربية الإيمانية، ودروسًا في القراءات والوقْف والابتداء، ودرسًا في المقامات المتنوِّعة، بل ودروسًا في تصوير المعاني وإحالتها إلى مشاهد متحرّكة تلمس من خلالها عذوبة وحلاوة القرآن، ومنها تحسّ فعلًا بعظمة كلام الله وشرفه، وأنَّ القرآن هو دستور الحياة جاء لإسعاد البشريَّة جمعاء وإنقاذِهِم ممَّا هم فيه من حيرة وشكّ وقلَق، وإنَّك تلاحظ أنَّك حين الاستِماع إلى تلاوة المنشاوي من يشدُّك إلى الاستِماع إلى آخِر ما يتْلوه، وأنَّها لا تمس الأذُن فحسب، بل تدْخل إلى أعْماق القلْب مباشرة، لتورِثَه الخشوع والرَّهبة والمحبَّة لله الصَّادقة، وتدْفعه إلى بذْل المزيد من الاجتِهاد والعمل الصَّالح لله، بل إلى بذْل نفسه رخيصة في جنبِ الله، وتُلينه قسوة قلبه كما يلين الحديد.
تميَّزت تلاوة المنشاوي - الخارجيَّة والمسجَّلة بالإذاعة - والَّتي بلغتْ 150 تسجيلًا بِجملة ميزات جعلتْها القمَّة في المهابة والرَّوعة والتَّأثير، مع اختلافٍ في الأداء بين محفل وآخر، والملاحظ هنا عدم وجود تلاوتين متشابهتين من كل وجه، من ناحية الأداء المتميِّز والجمال الصَّوتي، فتلاوتُه لسورة الزُّخْرف تَختلف عن تلاوتِه لسورة ق، وتلاوته لسورة التَّوبة تختلف عن الإسْراء، وكأنَّك تتنقل بين زهور ذات ألوان مختلفة، وروائح عطرة متباينة متناثرة في رياض حديقة جَميلة غنَّاء، والكلُّ ينبع من مشكاة واحدة، ومن الميزات العامَّة التي أعطت تلاوة المنشاوي هذه المهابة والرَّوعة:
أوَّلًا: الإحساس اليقِظ بعلوم التَّجويد وما يتْبعه من علوم القراءات، والتي تَجعل من الآيات المتلوَّة سيمفونية - إن صحَّ التَّعبير - بيانيَّة، وتترْجِم المشاعر والحركات والأصْوات والشّخوص، وتُحيل المفردات والألفاظ إلى مشاهد وكائناتٍ متحرِّكة.
ثانيًا: تأثُّره البالغ بما يتلوه؛ ما كسى خشوعًا وهدوءًا بالغ الرَّوعة، وأثَّر ذلك في الأسماع بَلْهَ القلوب، إنَّ التَّرتيل ليس مجرَّد قواعد وأصول يتعلَّمها المقرئ ليصبح بعدها من القرَّاء المشْهورين، كما يتخيَّل البعض، بل هي عمليَّة بالغة التَّعقيد تحتاج إلى دراسة متْقنة في اللُّغة والقراءات، وعلْم الأصول والنَّغمات - لَم يتعلَّم المنشاوي النَّغم والمقام من أحد وإنَّما هو موهبة من الله، ولما كان يتمتَّع به من حسٍّ مُرْهف، وإيمانٍ عميق وأُفُق واسع، وتربية صارمة على معاني الإيمان -وتَحتاج إلى صوت ذي طبيعة حساسية تُعْطي التّلاوة مهابة وخشوعًا، وفوق ذلك أن يكون لديْه هدف سامٍ يتجاوز المكان والزَّمان إلى أفق رحبة، بحيثُ يتعلَّق قلبُه بالله حبًّا ورجاءً وخوفًا، يتمثَّل ذلك في دعوة الخلْق، ومن خلال التِّلاوة إلى الطَّاعة لله، وقد لخَّصت السيّدة عائشة - رضِي الله عنها - دعْوة الرَّسول وما ينبغي أن يتحلَّى به المسلم وبالأخصّ حامل القُرآن بقولها: "كان خلقه القرآن"، وبالجملة كما قال المقرئ الحصري: "لا يُعْتَبر القارئ مجوِّدًا إلاَّ إذا علم القسمين – أي: التَّجويد العلمي والعمَلي - فعرف القواعد والضَّوابط، وأتقن النُّطْق بكلمات القرآن وحروفه".
ولد الشيخ المنشاوى بمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج عام 1920 وأصبح من أشهر أعلام المدرسة “المنشاوية” بلْ زعيم تلك المدرسة الموصوفةُ بـ “بيتِ القرآن”.
وأتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة من عمره، وتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات على يد الشيخين: محمد السعودى ومحمد أبوالعلا اللذين لم يجدا عناء في تعليمه، حيث كان موهوبا، ولديه مواصفات القارئ النابغ، كما كان شديد التواضع، وعلى الرغم من أنه لمْ يعش طويلا إلا أن صوته سيظل مشرقا بنور القرآن الكريم يصل الأرض بالسماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حيث توفى في 20 يونيو 1969 عن عمر ناهز 49 عاما، وكرمته مصر في احتفال ليلة القدر عام 1992 ومُنح لروحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وقد كتب الحاج سعودي محمد صديق، عام 1953 بمجلة الإذاعة والتليفزيون، عن والده الشيخ محمد صديق المنشاوي فقال " كان صيته وشهرته وحسن قراءته وتلاوته حديث الناس في مصر ولما علم المسئولون بالإذاعة بتلك الموهبة أرسلوا إليه يطلبون منه أن يتقدم بطلب للإذاعة ليعقد له اختبار فإن اجتازه يعتمد مقرئًا بها فرفض الشيخ هذا المطلب وقال: لا أريد القراءة بالإذاعة فلست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يعقد لي هذا الامتحان أبدًا."
"فما كان من مدير الإذاعة في ذلك الوقت إلا أن أمر بأن تنتقل الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوي وبالفعل فوجئ الشيخ، وكان يحيي حفلًا رمضانيًا في قرية إسنا بدار أحد الأثرياء لعائلة حزين، بأن الإذاعة أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته وفي ذات الوقت كانت مجموعة أخرى من الإذاعة قد ذهبت لتسجل قراءة أبيه الشيخ صديق المنشاوي والذي كان يقرأ بقرية العسيرات بمحافظة سوهاج في بيت الحاج أحمد أبو رحاب وكانت تلك التسجيلات من جانب الإذاعة لتقييم صوتيهما فكانت تلك أول حادثة في تاريخ الإذاعة أن تنتقل بمعداتها والعاملين بها ومهندسيها للتسجيل لأحد المقرئين فكان ما قلته لحضرتك وفعلًا كتبت إحدى المجلات عن هذه الواقعة."
وذكر الحاج سعودي أن أحد الموسيقيين الكبار في فترة الستينيات عرض على والده الشيخ محمد أن يلحن له القرآن قائلًا له: "يا شيخ أنت الصوت الوحيد الذي يقبل الموسيقى في القرآن" فقال له الشيخ محمد: "يا سيدي لقد أخذت الموسيقى من القرآن فكيف تلحن أنت القرآن بالموسيقى" فخجل الرجل من نفسه.
وكان الشيخ محمد يستمع إلى الموسيقى- حسب ما قاله نجله- وكان يحب الاستماع إلى صوت السيدة أم كلثوم ويقول: "إن في صوتها قوة رقيقة ونغم موسيقي"، كذلك كان يعشق صوت الشيخ طه الفشني، وخاصة أداؤه الرفيع في الابتهالات والتواشيح الدينية، وكان كثيرًا ما يتصل به ويلتقيان ليقف معه على مواطن الجمال الموسيقي في صوته.
تَميَّز المنشاوى وعرف من خلال تلاوته وتَجويده، إنَّ قارئ القرآن هو من يذكِّرنا بالله، وإنَّ الإحساس بحلاوة كلام الله إنَّما يمرُّ عبر الحناجر الصوتيَّة التي وهبها الله لِمن شاء من خلقه وعباده، وإن الملاحظ من تلاوات الشَّيخ - رحمه الله - أنَّها تتضمَّن دروسا في التَّفسير، ودروسًا في التَّربية الإيمانية، ودروسًا في القراءات والوقْف والابتداء، ودرسًا في المقامات المتنوِّعة، بل ودروسًا في تصوير المعاني وإحالتها إلى مشاهد متحرّكة تلمس من خلالها عذوبة وحلاوة القرآن، ومنها تحسّ فعلًا بعظمة كلام الله وشرفه، وأنَّ القرآن هو دستور الحياة جاء لإسعاد البشريَّة جمعاء وإنقاذِهِم ممَّا هم فيه من حيرة وشكّ وقلَق، وإنَّك تلاحظ أنَّك حين الاستِماع إلى تلاوة المنشاوي من يشدُّك إلى الاستِماع إلى آخِر ما يتْلوه، وأنَّها لا تمس الأذُن فحسب، بل تدْخل إلى أعْماق القلْب مباشرة، لتورِثَه الخشوع والرَّهبة والمحبَّة لله الصَّادقة، وتدْفعه إلى بذْل المزيد من الاجتِهاد والعمل الصَّالح لله، بل إلى بذْل نفسه رخيصة في جنبِ الله، وتُلينه قسوة قلبه كما يلين الحديد.
تميَّزت تلاوة المنشاوي - الخارجيَّة والمسجَّلة بالإذاعة - والَّتي بلغتْ 150 تسجيلًا بِجملة ميزات جعلتْها القمَّة في المهابة والرَّوعة والتَّأثير، مع اختلافٍ في الأداء بين محفل وآخر، والملاحظ هنا عدم وجود تلاوتين متشابهتين من كل وجه، من ناحية الأداء المتميِّز والجمال الصَّوتي، فتلاوتُه لسورة الزُّخْرف تَختلف عن تلاوتِه لسورة ق، وتلاوته لسورة التَّوبة تختلف عن الإسْراء، وكأنَّك تتنقل بين زهور ذات ألوان مختلفة، وروائح عطرة متباينة متناثرة في رياض حديقة جَميلة غنَّاء، والكلُّ ينبع من مشكاة واحدة، ومن الميزات العامَّة التي أعطت تلاوة المنشاوي هذه المهابة والرَّوعة:
أوَّلًا: الإحساس اليقِظ بعلوم التَّجويد وما يتْبعه من علوم القراءات، والتي تَجعل من الآيات المتلوَّة سيمفونية - إن صحَّ التَّعبير - بيانيَّة، وتترْجِم المشاعر والحركات والأصْوات والشّخوص، وتُحيل المفردات والألفاظ إلى مشاهد وكائناتٍ متحرِّكة.
ثانيًا: تأثُّره البالغ بما يتلوه؛ ما كسى خشوعًا وهدوءًا بالغ الرَّوعة، وأثَّر ذلك في الأسماع بَلْهَ القلوب، إنَّ التَّرتيل ليس مجرَّد قواعد وأصول يتعلَّمها المقرئ ليصبح بعدها من القرَّاء المشْهورين، كما يتخيَّل البعض، بل هي عمليَّة بالغة التَّعقيد تحتاج إلى دراسة متْقنة في اللُّغة والقراءات، وعلْم الأصول والنَّغمات - لَم يتعلَّم المنشاوي النَّغم والمقام من أحد وإنَّما هو موهبة من الله، ولما كان يتمتَّع به من حسٍّ مُرْهف، وإيمانٍ عميق وأُفُق واسع، وتربية صارمة على معاني الإيمان -وتَحتاج إلى صوت ذي طبيعة حساسية تُعْطي التّلاوة مهابة وخشوعًا، وفوق ذلك أن يكون لديْه هدف سامٍ يتجاوز المكان والزَّمان إلى أفق رحبة، بحيثُ يتعلَّق قلبُه بالله حبًّا ورجاءً وخوفًا، يتمثَّل ذلك في دعوة الخلْق، ومن خلال التِّلاوة إلى الطَّاعة لله، وقد لخَّصت السيّدة عائشة - رضِي الله عنها - دعْوة الرَّسول وما ينبغي أن يتحلَّى به المسلم وبالأخصّ حامل القُرآن بقولها: "كان خلقه القرآن"، وبالجملة كما قال المقرئ الحصري: "لا يُعْتَبر القارئ مجوِّدًا إلاَّ إذا علم القسمين – أي: التَّجويد العلمي والعمَلي - فعرف القواعد والضَّوابط، وأتقن النُّطْق بكلمات القرآن وحروفه".