رئيس التحرير
عصام كامل

الكنيسة في زمن «كورونا».. هل استخدم الله «عصا التأديب»

أرشيفية
أرشيفية
ما إن انتشر وباء فيروس كورونا «كوفيد 19»، حتى عرف الخوف طريقه إلى قلوب الجميع، فالموت على «الأعتاب»، الجائحة لا ترحم كبيرا أو صغيرا.. الكل معرض لأن ينال منه وإن كانت بنسب متفاوتة، وتبع تسارع انتشار الوباء اتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية وصلت لحد إغلاق الكنائس.


«إغلاق الكنائس».. كانت نقطة محورية في تغير نظرة الأقباط للجائحة، فالبعض يراها نوعا من العقاب الإلهي، على اعتبار إن العبادة تحولت إلى شكليات روتينية تفتقد إلى الروحانية، أو أن الكنيسة أصبحت مكانا لعقد لقاءات اجتماعية وليس موعد للإنسان مع ربه.. في حين رآها آخرون دعوة حقيقة للعودة إلى الله.. ومحنة تقربهم إلى الخالق.. وقضاء وقت للصلاة والبقاء معه فترة أطول.

ويمكن القول إن مناشدات قادة الكنائس للأقباط بالعودة إلى الله هي دعوة للهروب من تهديدات كورونا، خاصة أن الإيمان يعتبر أحد إستراتيجيات الحفاظ على الأمل والشعور بالأمان، كما أنها وسيلة هامة للتعامل مع الصدمات والضيق .. كما أن الصلاة تعد أحد طرق إعادة صياغة الأحداث التي فرضتها جائحة كورونا بمنظور أكثر أملا.

البابا فرانسيس يبدو أنه من أنصار الفريق الذي يعتقد أن الفيروس نوعا من الغضب الإلهي، حيث صب غضبه على الرأسمالية كأيديولوجية وعلى النظام الرأسمالي العالمي كنظام، واعتبر أن انتشار «كوفيد19»،  يمثل دليلا جديدا على فشل الرأسمالية والنظام الذي أفرزته لإدارة العالم بأسره من مدخل الربحية الاقتصادية.

جرس إنذار

 قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، كان من أنصار إن الفيروس الذي زرع الخوف في قلوب الناس، يعتبر جرس إنذار من الله، ناصحا أن يواجه الإنسان  المواقف من منطلق أن حياتنا كبشر تبدأ وتنتهي من عند الله.




البابا تواضروس راح يؤكد أن الفيروس تحذير من الله للإنسان الذي تكبر ورأي أنه يستطيع الاستقلال عن خالقه، قائلا «أتحدث على مستوى العالم، أن الإنسان شايف نفسه حبتين.. إنه يخترع ويكتشف ويعمل حاجات كتيرة وإن التكنولوجيا عملت حاجات كتير، ولكن ربنا عمل فيروس أثر على 8 مليارات إنسان».

كما اعتبر البابا تواضروس الثاني، إن وباء كورونا حركة من الله لكي يستيقظ الإنسان الذي عاش في حروب ومجاعات واستعراض قوة وتخزين أسلحة وصار يجمع المال، وأصبحت الثروات شهوة حتى انتشرت الحروب والعنف والإرهاب، بالإضافة إلى  الضعف الأخلاقي والفساد مثل الإلحاد والشذوذ الجنسى.

كما أن الإنسان انصرف  عن الله الخالق ولم يتوقع إن فيروس صغير مثل كورونا يؤثر في العالم بهذا الشكل ويخلق هلعا وخوفا، لكنه بعث رسالة مطمئنة بأن  الله ضابط الكل يدير هذا العالم ومحب للبشر، مؤكدا أن الله مازال يحب العالم ولكن لا يحب الشر الذي في العالم.

كورونا والتجديد الروحي..

الدكتور القس أندرية زكي، رئيس الطائفة الإنجيلة يرى أنه من وسط الأزمات والخوف من المجهول، يأتي التجديد الروحي كنتيجة : «أوقات الأزمات من أهم الأوقات التي يطرح فيها الإنسان على نفسه أسئلة صعبة، ويخرج منها بدروس تجدد نظرته للحياة ككل. والظروف المحيطة بانتشار فيروس كورونا كان لها إسهامها خاصة لمن اجتاز تجربة الإصابة بالفيروس والعزل وما إلى ذلك، حيث تتبادر إلى ذهن الإنسان أسئلة عن معنى الحياة وإحساس بالمجهول وخوف من الغد. من قلب كل هذه الأسئلة والتحديات يأتي التجديد الروحي كنتيجة».





رئيس الإنجيلية دعا أن يخرج الإنسان من هذه الأزمة بمجموعة قيم يمكن أن تكون بمثابة تجديد روحي: «المهم هو أن يتوقف الإنسان ليتأمل في ما يحدث ويقرأ الواقع المحيط به بحكمة. ربما يأتي هذا التجديد الروحي في علاقة الإنسان بالله، وعلاقته بالناس، ومحبته للمحيطين به، واستعداده لفعل الخير وتقديم المحبة. كل هذه القيم من الممكن أن يستلهمها الإنسان من الأزمة وهي بمثابة تجديد روحي».

الدكتور أندرية زكي تطرق أيضا إلى إمكانية مساعدة الدين للإنسان على مواجهة المحن قائلا «الدين أحد العناصر الرئيسية في تشكيل رؤية الإنسان للأمور، وخاصةً في ظل الظروف الصعبة. لذلك فإن دور رجال الدين أو الواعظين أو الخدام في ظل الأزمات يكون في غاية الخطورة. الإيمان والدين يلعبان دورًا كبيرًا في منح الأمل للناس في هذه الظروف، الأمل المبني على الرجاء في الله، رجاء حي مبني على تاريخ طويل من تعاملات الله مع الإنسان، شهدنا فيها الرحمة والمحبة من قِبل الله الخالق. رجاء حقيقي يتعامل مع جذور المشكلة ويعالج آثارها وأعراضها. رجاءٌ واقعيٌّ مبني على مسؤولية الإنسان تجاه نفسه والآخر والمجتمع. هذا الرجاء المبني على وعود الله لنا لا يستند إلى غيبيات أو إنكار للواقع وتحدياته، بل يتعامل معها ويواجهها بشجاعة وخطوات محسوبة. يؤمن برعاية الله ويتكل عليه، لكنه يسعى لمواجهة أزماته ولا يتواكل. هذا هو الرجاء في مواجهة المحن الذي يمنحه الدين للإنسان».

الوباء الصحي

فيما يرى القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن الخوف من الوباء أمر إنساني وصحي،  خاصة أن القليل من الخوف أمر مهم لحيوية الإنسان، ولكن إذا زاد الخوف عن حده يصبح مرضيا ويؤذي الانسان جسديا ونفسيا وروحيا.

متحدث الأرثوذكسية أشار إلى أن الخوف من الوباء إذا أدى إلى محاسبة  الانسان نفسه، واتخاذ قرارات لتغيير حياته وتوجهاته الي الافضل، والعمل  بالوصية الالهية والسلوك في خوف الله يكون الامر صحي ومقبول،  أما إذا أدي الخوف من الكورونا إلى هلع ورعب وتوقفت أنشطة الحياة فهذا أمر يصعب فيه الانسان ان يعيش حياته الطبيعية ومن ثم يجب علاجه.




القس بولس حليم أكد أن الإنسان الذي له علاقة قوية بالله يستمد منه السلام والامل والرجاء، وهذا من أقوي الوسائل المفيدة في الدعم النفسي اللازم لمواجهة صعوبات وتحديات الحياة، كما أن  الكنيسة مارست دور مهم جدا في فترة انتشار الجائحة، في نشر الوعي الروحي والنفسي وايضا التوعية بالاجراءات الاحترازية وايضا قدمت الدعم المادي لغير القادرين.

وأشاد متحدث الأرثوذكسية بتجاوب الشعب مع الكنيسة، من حيث استقبالهم لتعليق الصلوات في الكنائس التي هي الملاذ الأول للقبطي فهو يتعمد فيها طفلا، ويصلي بانتظام فيها ويمارس انشطته هناك ويتزوج فيها.

البيوت تحولت كنائس

 أما الأب يوحنا عادل دانيال،  مساعد راعي كنيسة العذراء للاقباط الكاثوليك بقبة الهوا في شبرا مصر، فيرى أنه من الذكاء أن يستغل الإنسان الخوف سواء من وباء أو من ضغوط الحياة ليلجأ إلى الله، ويتمسك بحياة الصلاة، وسوف يدرك أن خوفه كان من أشياء بسيطة، مشيرا إلى أن المعجزة الحقيقية ليست في تغيير الواقع (الوباء ينتهي )، إنما  المعجزة هي أن يمنحنا االله طبيعة نجتاز بها الواقع.

الأب يوحنا عادل أكد أيضا أن للدين دور كبير في بث الأمل بل الرجاء:  «للعودة للكتاب المقدس في العهد القديم نرى أن الإنسان كان يتعرض لحروب و ضيقات بسبب بعده عن الله..كما  كان شعب الله يشعر بذل ومهانة و لكن الله أرسل أنبياء يطمئنوهم، ويحسهم  على الصلاة واللجوء الي الله الذي كان يستجيب دائما».




وأوضح أن  محنة كورونا دعوة للتشجيع، واستخدام مواقع التواصل الإجتماعي في الدعوة للصلاة وزرع الرجاء في النفوس، لطرد الذعر والخوف لإن الله قادر أن يرحم العالم أجمع ويرفع هذا الوباء.
كاهن الكاثوليكية يؤكد على أن الإيمان هو أساس الحياة، بل هو الأساس في مواجهة الأزمات والصعاب، بل يضع الطمأنينة في النفوس وعدم الخوف من مرض، أو ألم وضيق.

وعن الكنيسة في فترة  الغلق، قال «الكنيسة القبطية الكاثوليكية في فترة الغلق كانت تبث قداسات على مواقع الكنيسة وعظات ليشترك المؤمنين في الصلوات.. وكانت تحس الناس على الصلاة والتأمل في الأحداث الجارية، و كانت تحاول تخرج بإيجابيات من الوباء مثل البيوت اللي تحولت لكنائس، كم الناس اللي كانت بتطلب اعترافات.. وبالفعل كان هناك إحساس مختلف من المؤمنين نفسهم .. إحساسهم بالاشتياق للتناول و حضور الصلوات في الكنائس خاصة في زمن أسبوع الآلام وعيد القيامة المجيد.. الكنيسة كانت دايما تنادي ان دي فترة العبادة الجوهرية وليست عبادة ظاهرية .. اي الصلاة في مخدعك و بالصدفة كان شعار المشروع الرعوي كيف يتحول بيت الله من الحجر للبشر .. بمعنى ان بيت الله مش حيطان الكنيسة لكن قلب الإنسان . وكورونا ساعدت في تنفيذ هذا المشروع حينما تحولت منازلنا و قلوبنا كنائس».
الجريدة الرسمية