رئيس التحرير
عصام كامل

"ريم الخولي".. حكاية طفلة عمرها 12 عامًا تقدم لأبناء شارعها دروسًا في العربي والحساب

الطفلة ريم الخولي
الطفلة ريم الخولي
مثلما كشفت جائحة كورونا كوفيد -19، عن وجهها الخبيث منذ ضربت دول العالم أجمع في نهاية العام المُنصرم، ها هي الآن تحاول بخطى حثيثة أن تكشف عن جوانب مضيئة في النفوس البشرية، توحي بأننا ما زلنا "بخير" وما زلنا نستطيع أن ننتزع الأمل من رحم اليأس، وهذا ما فعلته "ريم الخولي" ابنة الاثني عشر عامًا وابنة قرية "أتميدة" بمحافظة الدقهلية.

 
قررت ريم أن تستغل فترة الاغلاق خلال أزمة فيروس كورونا في تعليم أبناء قريتها في الشارع، ممن اضطرتهم الظروف للبقاء في منازلهم بعد قرار رئاسة مجلس الوزراء منذ حوالي أسبوعين بتعطيل الدراسة بكافة مدارس وجامعات ومعاهد الجمهورية، "سبورة أمام المنزل" وطباشير وبعض الكراسات بدت المُعلمة الصغيرة طوق النجاة لهؤلاء الأطفال من مصير تعليمي مجهول قيد القضاء على "الكوفيد".



كانت البداية حينما أخبرت والدة مصور الأفراح المقيم بالقرية ذاتها "محمد نصر" ابنها بأنها تشاهد طفلة صغيرة تقف أمام سبورة وتمسك بحجر الطباشير بينما يصطف الأطفال حولها يتابعونها في صمت وتركيز وهي تُملي عليهم دروس العربية والإنجليزية والرياضيات، "لقيت البنت ساكنة في آخر شارعنا قررت أصورها لما انبهرت باللي بتعمله، طفلة صغيرة بتحضر دروس وبتخرج تعلم الأولاد إزاي يقرأوا ويكتبوا بعد إغلاق المدارس وبدون أي مقابل، لمجرد أنها تحب التدريس".



تقف ريم أمام السبورة تكاد تطالها لقصر قامتها وجسدها النحيل، تكتب بعض الحروف الأبجدية والأرقام، يصطف الصغار بمواجهة السبورة يرتدون الكمامات التي تخفي معالم وجوههم، إلى الأعين التي تبدو مثبتة أمام السبورة، هدوء حذر في انتظار انتهاء الساعتين المخصصتين للدراسة بين الظهر والعصر،"من أول كورونا ما بدأت وأنا مقررة أعلم أولاد القرية لما المدارس قفلت إزاي يقرأوا ويكتبوا علشان لما يرجعوا يكونوا مُجهزين لده، مش باخد مقابل أنا كل همي يتعلموا بدل ما يلعبوا" تتحدث ريم الخولي.



لعب الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 4 سنوات وحتى عشر سنوات ويبلغ عددهم أكثر من عشرين طفلًا، كان هو الدافع القوي لكي تبدأ ريم الخولي هذا المشروع، فهي طالبة الصف الأول الإعدادي التي لطالما حلمت بأن تصبح مُعلمة في إحدى مدارس قريتها من أجل تدريس مادة الرياضيات، وأخيرًا قد وجدت ضالتها، فقد راقب خالها اهتمامها بالأطفال وعدم حرصهم على تمضية أوقات فراغهم في المذاكرة، فأحضر لها السبورة ومنذ ذلك الحين قررت أن تستغل ما تعرفت عليه في المناهج التعليمية السابقة وتحضر الدروس أولًا بأول.

تقول ريم الخولي :"بقيت كل يوم أشوف هدرس إيه للأطفال الصبح وأحضره في كشكول، وأعمل لهم اختبارات وكل مرحلة عمرية لها يوم مخصص في الأسبوع"، تتحدث ريم كأنها حملت مسئولية هؤلاء الأطفال بالفعل، لا تطيق أن ترى في مربع سكنها طفلًا يلعب ولا يهتم لدروسه، تسارع إلى والدته تخبرها بالدروس التي تقدمها أمام منزلها.



وبالرغم من أن الطفلة ريم الخولي  تحرص على القيام بهذا النشاط منذ بداية أزمة فيروس كورونا في مطلع مارس الماضي، إلا أن الـ "السيشن" الذي صنعه محمد نصر لها كان سبب ذيع صيت مشروعها الصغير خارج نطاق القرية النائية، بدت في الصور تفاصيل هذه العملية التعليمية الجديرة بأن تُخلد في ذاكرة الأطفال جيلًا بعد الآخر، طفلة تحمل مسئولية عدد كبير من الأطفال الذين يقارب أعمار بعضهم عمرها هي.

"أنا بحافظ على الإجراءات الاحترازية جدًا ولازم ييجوا الدرس لابسين كمامات ومحدش يقلعها وبيقعدوا بعيد عن بعض، وبرش لهم كحول وهما داخلين، وفي نص الدرس برش لهم تاني" تتحدث ريم الخولي عن متابعتها لإجراءات السلامة للحفاظ على صحة الأطفال.
الجريدة الرسمية