رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم أكل المسلم للحوم الحمير؟

لحوم الحمير
لحوم الحمير
يجوز للمسلم أكل لحم الحُمر الوحشيّة، ويحرُم عليه الأكل من لحوم الحُمر الأهليّة، وقد كانت الحُمر الأهليّة مباحةً أيضاً في أوّل أمر الإسلام، ثمّ حرّمها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يوم خيبر، ودليل ذلك ما ورد عنه في صحيح البخاري عن الصحابي أبي ثعلبة رضي الله عنه، حيث قال: (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ)، وقال ابن قدامة -رحمه الله- في ذلك: إنّ أكثر العلماء يرون تحريم الحُمر الأهليّة، حيث قال أحمد: إنّ خمسة عشر صحابيّاً من صحابة رسول الله -رضي الله عنهم- كرهوها، وقال ابن عبد البرّ بعدم وجود خلافٍ بين العلماء على تحريمها.



لماذا حرم أكل الحمار
هناك اختلاف بين العلماء في حكم أكل لحم الحمار الأهلي ولحم الحصان، وذلك أنّ لحوم الحمر الأهليّة لا يجوز للمسلم أن يأكلها، بينما أنّ لحم الحصان يباح أكله، ولا حرج في ذلك، وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور من علماء الصّحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة، إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من إباحة لحوم الحمر، وإلا ما ذهب إليه الإمام مالك من حرمة لحوم الخيل، وقد استدلّ بأنّ الله تعالى ذكره الخيل، وبيّن أنّها قد أعدّت للركوب والزّينة، ولم يذكر الأكل في قوله سبحانه وتعالى:" والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة "، النحل/8.


ولكنّ الأساس في هذا القول هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من حرمة أكل لحوم الحمر الأهليّة، وحلية لحوم الخيل، وهو الصّحيح بدليل ما جاء في الصّحيحين وغيرهما من حديث أسماء قالت:" نحرنا على عهد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فرساً فأكلناه "، وبدليل نهيه - صلّى الله عليه وسلّم - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة، وإذنه في الخيل، وهو في الصّحيحين، أيضاً، ومن المعروف أنّ أصل النّهي هو التّحريم، وما ورد من الأحاديث في إباحة لحوم الحمر الأهلية أو تحريم لحوم الخيل يعتبر ضعيفاً لا يقاوم ما في الصحيحين، وهذا لنجاسة لحوم الحمر الأهلية.

والحمر هي جمع ومفرده: حمار، وهي نوعان: أهليّة، ووحشيّة، فأمّا الحمر الأهليّة فهي الإنسيّة والمستأنسة، والتي يربّيها النّاس، وتعمل على حمل أثقالهم، قال سبحانه وتعالى:" والخيل ‏والبغال والحمير لتركبوها وزينة "، النحل/8، قال الإمام المناوي في فيض القدير:" الحمر ‏الأهليّة هي التي تألف البيوت، ولها أصحاب ترجع إليهم، وهي الإنسيّة ضدّ الوحشيّة "، وأمّا ‏الحمر الوحشيّة فهي التي تعيش في البراري والصّحاري، ولا تكون مملوكةً لأحد ما، وليس لها أهل ‏ترجع إليهم.‏


واتفق جمهور العلماء على أنّ أكل الحمر الأهليّة محرّم، قال الإمام النووي:" مال إلى ‏تحريم الحمر الأهليّة أكثر العلماء من الصّحب فمن بعدهم، ولم نجد عن أحد من الصحابة ‏فيه خلافاً إلا عن ابن عباس، وعند المالكية ثلاث روايات، ثالثها الكراهة "، ومن الأدلة على ‏التحريم قوله صلّى الله عليه وسلّم:" إنّ الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهليّة، ‏فإنّها رجس من عمل الشّيطان "، رواه البخاري ومسلم، وقد أمر - صلّى الله عليه وسلّم - بإكفاء ‏القدور بقوله:" أكفئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً "، رواه البخاري ومسلم، وبالتالي فإنّ في أمره بإكفاء القدور وإراقة ما فيها دليل على نجاسة الحمر الأهليّة وحرمتها، وهذا بخلاف الحمر الوحشيّة، لأنّه من المباح أكل لحمها.‏


الطيب والخبيث من الطعام
إنّ الأصل في الأكل الطاهر هو أنّه يباح أكلها، والانتفاع بها، وغير ذلك، وهذا لما ورد من الأدلة العامّة من الكتاب والسنّة، قال الله سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً "، البقرة/168، وقوله سبحانه وتعالى:" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً "، البقرة/29، وما رواه أصحاب السّنن، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" الحلال ما أحلّ الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه "، حسّنه الألباني. وبالتالي فإنّه لا حرام في استعمال ما كان طاهراً، سوى ما كان مسكراً أو ضارّاً للنفس، قال الحجاوي الحنبلي في زاد المستقنع في أول كتاب الأطعمة:" الأصل فيها الحلّ، فيباح كلّ طاهر لا مضرّة فيه "، وأمّا فيما يخصّ الطّاهر المستقذر فإنّه يكره أكله كراهة تنزيه، وقال المرداوي الحنبلي في الإنصاف:" يكره أكل الغدة وأذن القلب على الصّحيح من المذهب "، وقال ابن قدامة في المغني:" لأنّ النّفس تعافهما وتستخبثهما".


فأمّا ضابط أكل ما كان مستقذراً فإنّه يعود إلى عرف أهل كلّ زمان ومكان، وبالتالي فإنّ فالعرف يختلف عند اختلاف الأزمنة والأمكنة، لأنّ مان مستقذراً عند أهل بلد وتعارفوا على استقذاره قد لا يكون مستقذراً عند الآخرين، فقد كره النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أكل الضبّ، وعافته نفسه؛ لأنّه لم يكن بأرض قومه، مع أنّ بعض الصّحابة كانوا يأكلونه، وذلك كما جاء في صحيح مسلم؛ وبالتالي فإنّ هذا يدلّ على أنّ بعض النّاس قد يعافون شيئاً أو يستقذرونه، ولا يعتبر ذلك دليلاً على تحريمه.


هذا وقد ذهب المالكيّة
ومن وافقهم إلى أن ضابط الخبيث المحرّم هو: "ما حرّمه الله مما كان خبيثًا بذاته مما فيه ضرر على الأبدان أو العقول "، قال القرطبي في التفسير:" مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الطَّيِّبَاتِ هِيَ الْمُحَلَّلَاتُ، فَكَأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطِّيبِ، إِذْ هِيَ لَفْظَةٌ تَتَضَمَّنُ مَدْحًا وَتَشْرِيفًا. وَبِحَسَبِ هَذَا نَقُولُ فِي الْخَبَائِثِ: إِنَّهَا الْمُحَرَّمَاتُ".

وجاء في شرح زاد المستقنع لحمد الحمد:" مذهب الجمهور أنّ ما استخبثه العرب ذوو اليسار من سكان الحاضرة في المدن والقرى أنه محرم، وهذا مذهب أحمد في المشهور... ومذهب مالك أنه ليس حرامًا "، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال:" وهو قول أحمد وقدماء أصحابه "، وعلى ذلك فهو الرّاجح في هذه المسألة.
الجريدة الرسمية