حكم تأخر الإمام في الركوع ليلحق به المأموم؟... دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "لو أحسّ الإمام وهو في الركوع بداخلٍ يريد الصلاة معه؛ هل يجوز له الانتظار بتطويل الركوع ليلحقه أم لا؟".
وجاء رد الدار كالتالي:
يجوز ذلك شرعًا؛ فقد ذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى استحباب الانتظار بشروط هي:
أ- أن يكون المسبوق داخل المسجد حين الانتظار.
ب- أن لا يفحش طول الانتظار.
ج- أن يقصد به التقرب إلى الله، لا التودد إلى الداخل أو استمالة قلبه.
د- أن لا يميز بين داخلٍ وداخلٍ لشرف المنتظر أو صداقته أو سيادته أو نحو ذلك؛ لأن الانتظار بدون تمييز إعانة للداخل على إدراك الركعة.
تأخر الإمام في الركوع ليلحق به المأموم
أما إذا أحس بقادمٍ للصلاة خارج عن محلها، أو بالغ في الانتظار كأن يطوله تطويلا لو وزع على جميع الصلاة لظهر أثره، أو لم يكن انتظاره لله تعالى، أو فرق بين الداخلين للأسباب المذكورة فلا يستحب الانتظار قطعًا، بل يكره.
قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص: 38): [وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ. قُلْت: الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا] اهـ.
حكم إقامة جمعتان في مسجد
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: "هناك مسجد في مدينة لندن تُقام فيه صلاة الجمعة مرتين الأولى والثانية، كل منها مستقلة بأذانها وخطبتها وإمامها، وذلك لخلافٍ بين المصلين، فما الحكم؟"، وجاء رد الدار كالتالي:
نهى الله تعالى عباده المسلمين عن التنازع والخلاف وأخبر أنه يُوَرثُ فسادًا عريضًا في الأرض، وأن اختلاف أهل الزحق وتنازعهم فيما بينهم سبيلٌ إلى الفشل وتسَلُّط الأمم عليهم، وأمر بإصلاح ذات البين وذَكَّرَهم بنعمته عليهم أن حول عداوتهم إلى أخوة؛ فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].
وقال عز وجل: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]، وقال جل شأنه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: 10].
ومن المعلوم شرعًا أن المقصود من إقامة صلاة الجمعة إظهار شعار الاجتماع واتفاق الكلمة؛ ولذلك اشترط جمهور العلماء لصحة الجمعة أن لا يسبقها ولا يقارنها جمعة أخرى في بلدتها إلا إذا كبرت البلدة وعسر اجتماع الناس في مكان واحد فيجوز التعدد بحسب الحاجة، أما تكرار الجمعة في مسجد واحد فهو باطل قطعًا، وتكون الجمعة الصحيحة منهما هي الجمعة التي يُصَلِّيها الإمام الراتب المعين في هذا المسجد.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجب على المسلمين أن يقوموا بتدارك هذا الخلاف بينهم ويعملوا على توحيد الجمعة؛ لما في ذلك من وحدة الصف وجمع الكلمة، ولا يجوز شرعًا أن تقام الجمعة في مسجد واحد مرتين، بل تكون الصحيحة هي جمعة الإمام الراتب سواء كانت سابقة أو لاحقة، والجمعة الأخرى تكون باطلةً؛ لأن فيها افتياتًا على الإمام، وعلى القائمين بأمر المسلمين هناك أن يعملوا على الالتزام بوجوب توحيد الجمعة في المسجد الواحد خلف إمامه الراتب جمعًا للكلمة وتوحيدًا للصف ونبذًا للفرقة. وَفَّقَ الله الجميع لما يُحِبُّه ويرضاه.
كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: ما حكم الجهر بالسلام وتكبير الانتقال في الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد؟.
وجاء رد الدار كالتالي:
الجهر بالتسليم في الصلاة سنة في حق الإمام والمبلغ عنه إذا كانت الجماعة كبيرة لا يصلها صوت الإمام، أما غير الإمام والمبلغ عنه فلا يستحب له الجهر بالسلام أو تكبيرات الانتقال؛ سواء كان مأمومًا أو منفردًا.
حكم الجهر بالتسليم وتكبيرات الانتقال
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 295، ط. دار الفكر): [يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَبِتَكْبِيرَاتِ الانْتِقَالاتِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صِحَّةَ صَلاتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا لا يَبْلُغُ صَوْتُهُ إلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ أَوْ كَانَ ضَعِيفَ الصَّوْتِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ بَلَّغَ عَنْهُ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى حَسْبِ الْحَاجَةِ؛ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَة.
وأَمَّا غَيْر الإِمَامِ فَالسُّنَّةُ الإِسْرَارُ بِالتَّكْبِيرِ سَوَاءٌ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَأَدْنَى الإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ ولا عَارِضَ عِنْدَهُ مِنْ لَغَطٍ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ والتَّسْبِيحِ فِي الركُوعِ وَغَيْرِهِ، والتَّشَهُّدِ وَالسَّلامِ وَالدُّعَاءِ، سَوَاءٌ وَاجِبُهَا وَنَفْلُهَا لا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلا عَارِضَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رَفَعَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ] اهـ.