أم كلثوم.. موهبة عابرة الزمان والمكان.. صاحبة حنجرة فولاذية .. حملت أضخم مساحة قرار وجواب وأحبالها الصوتية نادرة
في نهاية العام المنقضى.. حلت الذكرى الثانية بعد المائة الأولى لميلاد كوكب الشرق أم كلثوم. وبين الحياة والرحيل وهى الفترة التي استغرقت سبعة وسبعين عامًا.. عاشت ابنة قرية طماى الزهايرة، التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، حياة مفعمة بالنجاح والشهرة والسيرة الطيبة التي لا تزال باقية بعد 45 عامًا من وفاتها التي كانت حدثًا جللًا في زمانها.
حتى أن جنازتها نافست جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى حشودها ومشيعيها، حيث خرج فيها أكثر من 4 ملايين مواطن، ويمكن متابعة ذلك من خلال الفيلم التسجيلى "وداع كوكب الشرق أم كلثوم" بصوت جلال معوض الذي جسد بصوته حالة الحزن التي اكتست كل شيء في يوم رحيلها.
بداية الرحلة
بدأت الطفلة فاطمة إبراهيم البلتاجى حياة منشدة، ثم حفظت القرآن الكريم وأتقنت تجويده فى سن مُبكرة، ما ساعدها بعد ذلك عندما تحولت إلى الغناء بكل دروبه، لا سيما الأغانى الدينية حتى إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله وصفها في لقاء حوارى بـ"سيدة الطرب والغناء"، وكانت ولا تزال أيقونة وموهبة عابرة للمكان والزمان.
لم تخض أم كلثوم مجالًا إلا أظهرت فيه تألقًا ونبوغًا منقطع النظير، فكما نجحت منشدة وقارئة، تألقت ممثلة سينمائية من خلال الأفلام الستة التي قدمتها، ونبغت مطربة، فليس كمثلها مطربة قبل ظهورها وبعد وفاتها، كما استغلت نجاحها الفنى المتراكم في لعب أدوار وطنية مشهودة في خدمة الدولة المصرية بشكل خاص، والوطن العربى بشكل عام.
ولأن أم كلثوم كتاب لا تنفد صفحاته، فإننا نحتفل هذه المرة بذكراها من خلال إلقاء الضوء على 4 محاور رئيسة هي: حنجرتها الفولاذية، تسجيلاتها القرآنية، المشاعر المتباينة نحوها بينها الكراهية المفرطة والاعتزاز بموهبتها داخل الكيان الصهيونى حتى كتابة هذه السطور.. وأخيرًا حكاية أربعة ألغاز اكتنفت وقوفها على المسرح.
بعد أن تتم عامك العشرين وربما أكثر بقليل، حتمًا ستجنح ناحية صوتها، تسارع إلى الغوص فيه بدون شراع أو رغبة في النجاة، صوتها كالجوقة الموسيقية القادمة من السماء صوب الأرض، أثارت حيرة الكثير من النقاد في الشرق والغرب، حتى عجز جهاز الحاسوب نفسه عن تفنيده وتحليله.
"كوكب الشرق" وصوتها الذي لا يُطمس بفعل عوامل السنوات "النساية"، في ذكرى ميلادها الـ 122، وبعد غيابها الذي طال لأكثر من 45 عامًا، مازلنا وأنتم نتحير في تحليل هذا الصوت والوصول إلى سر جلاله وبهائه.
الحديث إلى المتخصصين، ربما يمكنه أن يكون السبيل للوصول إلى السر وراء السيدة "فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي"، أي صوت هذا الذي زعق ألمًا وحسرة وهو يردد "والعمل إيه العمل.. ما تقولي أعمل إيه".. والسؤال الذي لا جواب له والذي أحضرته من جعبتها الصوتية الساحرة وألقته علينا دفعة واحدة "إنت عارف قَبلة معنى الحب إيه.. حب إيه". بدت الكلمات البسيطة كيد حديدية تدق القلب بقوة فتعصف به وتحرك دواخله وخلجاته.
النقاد أيضًا لم يصلوا إلى تفسير دقيق لصوتها، راح البعض يشبهها بالمعجزة الإلهية التي فشلت الأجهزة الحديثة المتخصصة في تحليل الأصوات في الوصول إلى طبيعته وسر قوته التي تزداد بالتقادم، فهي التي غنت في عامها السبعين "قصيدة الأطلال" وسحرت آذان وقلوب كل من استمع إليها.
إذا حضر الحديث عن أم كلثوم، يقف الموسيقار الكبير حلمي مشدوهًا رافضًا أن يتم الحديث عن صوت أم كلثوم وكأنه طبقات من الأحبال الصوتية المصفوفة أو مجرد حنجرة لمطربة أنتجت مئات الأغنيات ثم رحلت: "صوت أم كلثوم غير أي صوت متواجد أو سوف يتواجد، يمكن أي شخص يقلد أي صوت في حدود المسموح في صوته.
إعجاز صوتي
ولكن هي كانت إعجازا صوتيا في المقامات والمساحات والعربات وكل شيء، والبعض ينتظر كل 100 أو 200 عام ليأتي صوت مثلها مرة أخرى، ولكن أقول لا يمكن فلن يأتي صوت كصوتها".
يرى بكر أن موسيقار الأجيال عبد الوهاب وأم كلثوم كانا بمثابة الإعجاز الفني في العصر الحديث وهم من رسموا ملامح الريادة في مصر.
وأكد أن صوت أم كلثوم تفوق على صوت المطربة البرازيلية "إيما سوماك" والتي تعد أهم واقوى الأصوات في العالم كله، حينما سألنا في هذا أجاب قائلا:"صوت أم كلثوم حتى حينما جاء خبراء الموسيقى الفرنسيون يحاولون تحليل صوتها من خلال جهاز الكمبيوتر، فقد أثبت جهاز الكمبيوتر أنها إعجاز صوتي فريد من نوعه، كل من يعلم من هي أم كلثوم يستطيع أن يتكلم عن أم كلثوم".
"قراءتها للقرآن كان الحافز الأول للقراءة الصحيحة ومخارج الألفاظ، فقد أخذت ما لم يأخذه الكثيرون من هذه القراءة وتدربت على مشايخ في الغناء والإنشاد والقرآن، وكل ذلك ساعد صوتها على التجاوب مع "الإبداعات الإلهية" وليست البشرية، حتى أن صوتها كان يقوى كلما تقدمت في السن ومنذ سن الستين وحتى وفاتها، كانت أم كلثوم تغني بخبرتها وليس إمكانياتها، والخبرة تتساوى مع القدرة الأدائية الزمنية الصحية".
القرآن الكريم
هذا ما اتفق معه الدكتور وليد شوشة رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، فهو يرى أن القرآن الكريم أثرى صوت أم كلثوم وأصقله، "كانت أم كلثوم لا تمرن صوتها مثل بقية المطربين، ولكنها سارت على بعض القواعد التي تمرنها، منها قراءة القرآن الكريم".
شوشة يعود بنا إلى القاعدة الثابتة التي كانت تسير عليها الموسيقى العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أن الصوت القوى الرخيم والجميل، كان يأتي من كثرة تلاوة القرآن الكريم، وهو التمرين الأقوى لأي مطرب يريد أن يتربع على قمة العرش الموسيقي، فهي سيدة حافظة وتالية للقرآن الكريم منذ سن صغيرة، فساهم ذلك في تحسين مخارج الصوت والحروف والكلمات، "كانت تغني القصائد بكل سهولة، تُخرج أصعب المصطلحات الفنية بكل عذوبة ورشاقة".
وفقًا لشوشة أي شخص لديه مناطق محددة يستطيع أن يغني أو يتحدث في حدودها، تختلف بين الرجال والنساء، وكانت أم كلثوم تستطيع أن تلعب في المنطقتين الرفيعة الخاصة بالسيدات والغليظة الخاصة بالسيدات، فكانت تستطيع أن تصل بداية من السم 20 الخاص بالقوة الصوتية لدى الرجال، حتى السم 80 وهو الصوت النسائي، وهذا ما لم يستطع الكثيرون أن يحصلوا عليه، "في الفترة التي تمت بها الأربعينات والخمسينات أصبح صوتها مصقول وبدأت تتحرك في منطقة أكبر بكثير منذ ذي قبل".
لم ير شوشة أن محافظة أم كلثوم على صوتها حتى العام 70 مجرد ضرب من الخبرة وتكرار الغناء فحسب، ولكنه نابع عن سلوك شخصي واجتماعي للسيدة أم كلثوم كان السر وراء تمتعها بعذوبة صوتها حتى رحيلها، "اعتمدت على الخبرة فكانت تبذل مجهودا أقل وتعطي نتيجة أكبر، وساعدها ذلك برغم الظروف الصحية التي مرت بها، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على صوتها، وكان ذلك بسبب طبيعتها المحافظة فكانت لا تشرب المكيفات أو الكحوليات ولا تحضر سهرات وتجهد صحتها، تتمرن كثيرًا ولا تظهر في الإعلام"، وكانت تتخذ الفن شغلها الشاغل حتى أيامها الأخيرة.
نقلًا عن العدد الورقي...
حتى أن جنازتها نافست جنازة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى حشودها ومشيعيها، حيث خرج فيها أكثر من 4 ملايين مواطن، ويمكن متابعة ذلك من خلال الفيلم التسجيلى "وداع كوكب الشرق أم كلثوم" بصوت جلال معوض الذي جسد بصوته حالة الحزن التي اكتست كل شيء في يوم رحيلها.
بداية الرحلة
بدأت الطفلة فاطمة إبراهيم البلتاجى حياة منشدة، ثم حفظت القرآن الكريم وأتقنت تجويده فى سن مُبكرة، ما ساعدها بعد ذلك عندما تحولت إلى الغناء بكل دروبه، لا سيما الأغانى الدينية حتى إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله وصفها في لقاء حوارى بـ"سيدة الطرب والغناء"، وكانت ولا تزال أيقونة وموهبة عابرة للمكان والزمان.
لم تخض أم كلثوم مجالًا إلا أظهرت فيه تألقًا ونبوغًا منقطع النظير، فكما نجحت منشدة وقارئة، تألقت ممثلة سينمائية من خلال الأفلام الستة التي قدمتها، ونبغت مطربة، فليس كمثلها مطربة قبل ظهورها وبعد وفاتها، كما استغلت نجاحها الفنى المتراكم في لعب أدوار وطنية مشهودة في خدمة الدولة المصرية بشكل خاص، والوطن العربى بشكل عام.
ولأن أم كلثوم كتاب لا تنفد صفحاته، فإننا نحتفل هذه المرة بذكراها من خلال إلقاء الضوء على 4 محاور رئيسة هي: حنجرتها الفولاذية، تسجيلاتها القرآنية، المشاعر المتباينة نحوها بينها الكراهية المفرطة والاعتزاز بموهبتها داخل الكيان الصهيونى حتى كتابة هذه السطور.. وأخيرًا حكاية أربعة ألغاز اكتنفت وقوفها على المسرح.
بعد أن تتم عامك العشرين وربما أكثر بقليل، حتمًا ستجنح ناحية صوتها، تسارع إلى الغوص فيه بدون شراع أو رغبة في النجاة، صوتها كالجوقة الموسيقية القادمة من السماء صوب الأرض، أثارت حيرة الكثير من النقاد في الشرق والغرب، حتى عجز جهاز الحاسوب نفسه عن تفنيده وتحليله.
"كوكب الشرق" وصوتها الذي لا يُطمس بفعل عوامل السنوات "النساية"، في ذكرى ميلادها الـ 122، وبعد غيابها الذي طال لأكثر من 45 عامًا، مازلنا وأنتم نتحير في تحليل هذا الصوت والوصول إلى سر جلاله وبهائه.
الحديث إلى المتخصصين، ربما يمكنه أن يكون السبيل للوصول إلى السر وراء السيدة "فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي"، أي صوت هذا الذي زعق ألمًا وحسرة وهو يردد "والعمل إيه العمل.. ما تقولي أعمل إيه".. والسؤال الذي لا جواب له والذي أحضرته من جعبتها الصوتية الساحرة وألقته علينا دفعة واحدة "إنت عارف قَبلة معنى الحب إيه.. حب إيه". بدت الكلمات البسيطة كيد حديدية تدق القلب بقوة فتعصف به وتحرك دواخله وخلجاته.
النقاد أيضًا لم يصلوا إلى تفسير دقيق لصوتها، راح البعض يشبهها بالمعجزة الإلهية التي فشلت الأجهزة الحديثة المتخصصة في تحليل الأصوات في الوصول إلى طبيعته وسر قوته التي تزداد بالتقادم، فهي التي غنت في عامها السبعين "قصيدة الأطلال" وسحرت آذان وقلوب كل من استمع إليها.
إذا حضر الحديث عن أم كلثوم، يقف الموسيقار الكبير حلمي مشدوهًا رافضًا أن يتم الحديث عن صوت أم كلثوم وكأنه طبقات من الأحبال الصوتية المصفوفة أو مجرد حنجرة لمطربة أنتجت مئات الأغنيات ثم رحلت: "صوت أم كلثوم غير أي صوت متواجد أو سوف يتواجد، يمكن أي شخص يقلد أي صوت في حدود المسموح في صوته.
إعجاز صوتي
ولكن هي كانت إعجازا صوتيا في المقامات والمساحات والعربات وكل شيء، والبعض ينتظر كل 100 أو 200 عام ليأتي صوت مثلها مرة أخرى، ولكن أقول لا يمكن فلن يأتي صوت كصوتها".
يرى بكر أن موسيقار الأجيال عبد الوهاب وأم كلثوم كانا بمثابة الإعجاز الفني في العصر الحديث وهم من رسموا ملامح الريادة في مصر.
وأكد أن صوت أم كلثوم تفوق على صوت المطربة البرازيلية "إيما سوماك" والتي تعد أهم واقوى الأصوات في العالم كله، حينما سألنا في هذا أجاب قائلا:"صوت أم كلثوم حتى حينما جاء خبراء الموسيقى الفرنسيون يحاولون تحليل صوتها من خلال جهاز الكمبيوتر، فقد أثبت جهاز الكمبيوتر أنها إعجاز صوتي فريد من نوعه، كل من يعلم من هي أم كلثوم يستطيع أن يتكلم عن أم كلثوم".
"قراءتها للقرآن كان الحافز الأول للقراءة الصحيحة ومخارج الألفاظ، فقد أخذت ما لم يأخذه الكثيرون من هذه القراءة وتدربت على مشايخ في الغناء والإنشاد والقرآن، وكل ذلك ساعد صوتها على التجاوب مع "الإبداعات الإلهية" وليست البشرية، حتى أن صوتها كان يقوى كلما تقدمت في السن ومنذ سن الستين وحتى وفاتها، كانت أم كلثوم تغني بخبرتها وليس إمكانياتها، والخبرة تتساوى مع القدرة الأدائية الزمنية الصحية".
القرآن الكريم
هذا ما اتفق معه الدكتور وليد شوشة رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، فهو يرى أن القرآن الكريم أثرى صوت أم كلثوم وأصقله، "كانت أم كلثوم لا تمرن صوتها مثل بقية المطربين، ولكنها سارت على بعض القواعد التي تمرنها، منها قراءة القرآن الكريم".
شوشة يعود بنا إلى القاعدة الثابتة التي كانت تسير عليها الموسيقى العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أن الصوت القوى الرخيم والجميل، كان يأتي من كثرة تلاوة القرآن الكريم، وهو التمرين الأقوى لأي مطرب يريد أن يتربع على قمة العرش الموسيقي، فهي سيدة حافظة وتالية للقرآن الكريم منذ سن صغيرة، فساهم ذلك في تحسين مخارج الصوت والحروف والكلمات، "كانت تغني القصائد بكل سهولة، تُخرج أصعب المصطلحات الفنية بكل عذوبة ورشاقة".
وفقًا لشوشة أي شخص لديه مناطق محددة يستطيع أن يغني أو يتحدث في حدودها، تختلف بين الرجال والنساء، وكانت أم كلثوم تستطيع أن تلعب في المنطقتين الرفيعة الخاصة بالسيدات والغليظة الخاصة بالسيدات، فكانت تستطيع أن تصل بداية من السم 20 الخاص بالقوة الصوتية لدى الرجال، حتى السم 80 وهو الصوت النسائي، وهذا ما لم يستطع الكثيرون أن يحصلوا عليه، "في الفترة التي تمت بها الأربعينات والخمسينات أصبح صوتها مصقول وبدأت تتحرك في منطقة أكبر بكثير منذ ذي قبل".
لم ير شوشة أن محافظة أم كلثوم على صوتها حتى العام 70 مجرد ضرب من الخبرة وتكرار الغناء فحسب، ولكنه نابع عن سلوك شخصي واجتماعي للسيدة أم كلثوم كان السر وراء تمتعها بعذوبة صوتها حتى رحيلها، "اعتمدت على الخبرة فكانت تبذل مجهودا أقل وتعطي نتيجة أكبر، وساعدها ذلك برغم الظروف الصحية التي مرت بها، إلا أنها استطاعت أن تحافظ على صوتها، وكان ذلك بسبب طبيعتها المحافظة فكانت لا تشرب المكيفات أو الكحوليات ولا تحضر سهرات وتجهد صحتها، تتمرن كثيرًا ولا تظهر في الإعلام"، وكانت تتخذ الفن شغلها الشاغل حتى أيامها الأخيرة.
نقلًا عن العدد الورقي...