رئيس التحرير
عصام كامل

59 عاما على رحيل أمير الشعر الشعبي بيرم التونسي

الشاعر بيرم التونسى
الشاعر بيرم التونسى
فى مثل هذا اليوم، منذ 59 عاما، رحل الشاعر الزجال التونسى الأصل محمود بيرم التونسى.

لم يكن محمود بيرم التونسى مجرد شاعر وزجال ينظم الأشعار عن واقعه الاجتماعى والسياسى، ولم يكن سلبيا عاش على طريقة "وأنا مالى"، لكنه كان إيجابيا، ناقدا بأشعاره وزجله لكل المبادئ الفاسدة، يبني سخريته على الموضوعات والأحداث بطريقة الهجاء الساخر، فخاف الجميع من لسانه وكانوا يقولون: "ياويل من هجاه بيرم وسلط لسانه عليه".


كان بيرم التونسى ينال من خصومه فيلجأ إلى الرمز، ويتهكم، وخير دليل على ذلك الرمزية فى زجل "البامية السلطانى" و"القرع الملوكى" الذى أقام الملك فؤاد وأقعده، حين نظم فى جريدة المسلة أزجالا تطعن فى شرف الملك فيقول: 

"البت ماشية من زمان تتمخطر.. والغفلة زارعة فى الديوان قرع أخضر / ياراكب الفيتون وقلبك حامى.. اسبق ع القبة وسوق قدامى / تلقى العروس زى محمل شامى.. وابوها يشبه فى الشوارب عنتر".

ووصل به الأمر أن كتب فى أزجاله عن حجرات نوم الملوك الخاصة لينقل فضائحهم ويكشف الفساد  الملكى فقال: "الوزة من قبل الفرح مدبوحة.. والعطفة من قبل النظام مفتوحة / ولما جت تتجوز المفضوحة.. قلت اسكتوا خللى البنات تتستر".

ألقي القبض عليه بسبب قصيدته الملكية، وكان ضيفا على سجن الحضرة بالإسكندرية، إلى أن نفي إلى خارج مصر، وبكى وهو على ظهر الباخرة المتجهة إلى بلده تونس، فقد ترك الأهل والأحباب.. كما ترك وراءه فى مصر زوجتين وطفلا.

بعد ضياع نقوده، ترك تونس تحت اسم مستعار إلى فرنسا، وعاش متسكعا فى مدينة ليون، وتمكن عن طريق القنصل الإنجليزى فى فرنسا من الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر، ودخل مصر متنكرا إلا أنه عاد إلى الكتابة الرمزية فى مجلة الشباب، وأحست السراى بوجوده واغتاظ الملك فؤاد، وأعلن عن طرده من مصر، فعاد إلى فرنسا، وكان يراسل من غربته الصحف المصرية بأزجاله وأشعاره العامية تحت عنوان "السيد ومراته فى باريس"، ولم تدفع له الصحف المصرية مقابلا ماديا فأوقف التعاون معها.
 
ولأنه كان مكتوبا على جواز سفره "ممنوع من العمل"، فعمل بالواسطة فى شركات للصابون والمنظفات والمواد الكيميائية لكن رائحة الكلور أصابت صدره بالأمراض، ليعود بعدها إلى مصر لا يملك قوت يومه.

ونشرت الصحف عام 1938 بيانا من وزارة الداخلية قالت فيه: أذاعت محطة العاصمة بيانا إلى أقسام البوليس، تطلب من رجال البوليس البحث عن المدعو محمود بيرم التونسي، الزجال المعروف الذى تمكن من دخول المملكة خلسة منذ أسابيع.

محلاها عيشة فلاح.. المزرعة السعيدة!

لما علم بيرم بالبيان كان الملك فاروق قد تولى العرش، فكتب بيرم قصيدة يصالح بها الملك الذى شكك فى نسبه فى إحدى قصائده من قبل فكتب يقول:

"يافرحتى ياهنايا.. حضرت فى عيد جلوسه / وكل قصدى ومنايا.. افرش له خدى يدوسه / واشيل تراب السرايا.. من تحت رجله وابوسه".

وكتب بيرم إلى كامل الشناوى للتوسط له للعفو عنه، واتصل كامل بسليمان نجيب وذهبا معا إلى أحمد حسنين باشا رئيس الديوان، طالبين تدخله لكنه خشي من الملك، إلا أنه طلب من رئيس الوزراء محمد محمود باشا عدم التعرض لبيرم ولا القبض عليه وعدم ملاحقته. 

فعاش فى مصر وحج إلى بيت الله، واتخذ طريق التصوف فخرجت منه رائعته: "القلب يعشق كل جميل"، التى غنتها أم كلثوم، ومنحته الحكومة الجنسية المصرية قبل رحيله متأثرا بالربو بعام واحد. 
الجريدة الرسمية