رئيس التحرير
عصام كامل

المستشرق الروسي إيفانوف ستانيسلاف: الحرب بين تركيا ومصر تكتب نهاية "أردوغان".. وسياسة النظام التركي في الشرق الأوسط "مغامرة"

رجب طيب أردوغان
رجب طيب أردوغان
«شريك دولي مزعج للأصدقاء قبل الأعداء».. الوصف الأدق الذي يمكن منحه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا سيما وأن طموحه في التوسعات والهوس بفكرة العثمانية الحديثة، وإعادة إحياء دولة الخلافة آفة تهدد نظامه إقليميا ودوليا.


التطور في الخلافات الخارجية مع أنقرة، تمثل في فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عقوبات على النظام التركى بتطبيق قانون «مكافحة أعداء أمريكا» على خلفية شراء أنقرة منظومة صواريخ (إس 400) الروسية، ما يمثل تهديدا لمصالح واشنطن في الإقليم، ولحقت بالولايات المتحدة أوروبا بهدف كبح السلوك التركى في المتوسط.

نزاعات هنا وخلافات هناك ولم تعد دول بالعالم بعيدة عن نزاع محتمل مع «أردوغان»، ولم يسلم زعيم إقليمى أو دولى من مناوشات الرئيس التركى، لدرجة وصلت في بعض النقاط إلى إطلاق مؤشرات مقلقة حول نزاع مسلح محتمل.

وسط ضباب دبلوماسي كثيف يغلف العلاقات بين تركيا والعواصم الاخرى، يبرز حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على ترسيخ التحالف مع نظيره التركى، رغم سلسلة الأزمات والخلافات التي وقعت بين البلدين، والتي شملت قتل سفير موسكو وإسقاط طائرة عسكرية ومناوشات وتداخلات في الملف السوري والليبي وحتى نزاع البلقان.

فهل اقترب الفراق بين موسكو وأنقرة؟ وهل أصبح نظام أردوغان على شفا حفرة من السقوط، وسط التصدعات الحادثة، لا سيما مع نجاح جو بايدن الرئيس الأمريكى المنتخب وتوعده خلال حملته الانتخابية بإسقاط أردوغان ديمقراطيا؟ وهل هناك حرب محتملة تلوح في الأفق بين مصر وتركيا في ظل الصراعات المحتدمة بين البلدين؟.

أسئلة جميعها طرحتها «فيتو» على المستشرق الروسي، إيفانوف ستانيسلاف ميخائيلوفيتش، الذي حملت إجاباته الكثير من المعلومات والصدمات المخالفة للتوقعات.. وكان الحوار التالي: 

بداية.. كيف ترى سلوك نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في الشرق الأوسط والعالم؟

باختصار.. يمكن وصف سياسة تركيا الخارجية الحديثة في الشرق الأوسط وفي العالم بأنها سياسة توسعية ومغامرة، فالرئيس أردوغان وحاشيته لا يخفون طموحاتهم لبناء الإمبراطورية العثمانية الجديدة والتركية، أي أن السلطات التركية ترغب في استعادة نفوذ «أنقرة» داخل حدود الإمبراطورية العثمانية السابقة وفي بلدان الإقامة المدمجة للشعوب التركية.

في ظل هذه «السياسة التوسعية» كيف تري التقارب الحادث بين النظام الروسي ونظام أردوغان برغم تبني الأخير أيديولوجية موالية لجماعة الإخوان المحظورة في روسيا؟

دعم جماعة الإخوان المحظورة في روسيا من جانب نظام أردوغان، فضلًا عن الجماعات الإرهابية الأخرى مثل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، لا يمكن بالتأكيد أن السلطات الروسية ترحب به. لكن بما أن هذه التنظيمات لا تمارس أنشطة تخريبية أو إرهابية نشطة مباشرة على أراضي الاتحاد الروسي.

فإن التقارب الأيديولوجي لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم مع إسلاميي مصر وسوريا لم يعد حتى الآن عقبة أمام علاقات الشراكة التي تربط بين «أنقرة» و«موسكو».

لكن كما هو واضح للعيان.. تركيا تناور روسيا وتهدد مصالحها في كل من سوريا وليبيا والبلقان، فما سر تمسك «بوتين» بحليف مزعج مثل «أردوغان»؟

من الأفضل أن يجيب «بوتين» على هذا السؤال. ومع ذلك، لا ينبغي للمرء أن يبالغ في تقدير تأثير تركيا على السياسة الروسية واستفادة «أردوغان» الأحادية المزعومة من التعاون مع موسكو. على حد علمي، فإن الخلافات التي نشأت بين «أنقرة» و«موسكو» حول سوريا وليبيا وقضايا أخرى على جدول الأعمال الدولي لا تزال لا تحتوي على الكتلة الحرجة التي من شأنها أن تؤدي إلى تهدئة العلاقات (الروسية – التركية).

كما أن موسكو أعجبت بمحاولات أردوغان لمتابعة مسار السياسة الخارجية بشكل أكثر استقلالية عن واشنطن وبروكسل.

كما أن روسيا لا تفقد الأمل في الحفاظ على مواقفها في سوريا بمساعدة حلفائها الإقليميين في شكل تركيا وإيران فيما يسمى بـ«صيغة أستانة للتسوية السلمية للصراع السوري»، وكان هناك تفاعل محدد بين الأطراف في حل نزاع قره باغ.

كما يتم الحفاظ على المصالح الاقتصادية لروسيا في تركيا (خطوط أنابيب الغاز، بما في ذلك خطوط أنابيب الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتوريد أنظمة الدفاع الجوي S-400، وما إلى ذلك.

في ظل العقوبات الثنائية (الأمريكية، والأوروبية) على أنقرة هل تتوقع فرض عزلة على النظام التركى تنهى حضوره الإقليمى والدولى؟

لا يبدو ذلك.. إيران مثال، العقوبات التقييدية لا يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد. بالطبع، سيضطر أردوغان إلى الرد والمراوغة من أجل البقاء في السلطة، لكن تركيا التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 90 مليون نسمة، تحتل موقعًا استراتيجيًا متميزًا عند تقاطع الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، وتظل رابطًا مهمًا على الجانب الجنوبي من الناتو.

وقد أحرزت تقدمًا كبيرًا في تطوير الاقتصاد والبنية التحتية والزراعة. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، دوره مهم باعتباره عائقًا في طريق المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين. يجب ألا ننسى أن أكثر من 6 ملايين شخص من تركيا يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي.

داخليا.. تشهد تركيا انشقاقات وصراعات مكتومة سواء على مستوى الحزب الحاكم أو مع المعارضة، فهل تري هذه الخلافات بدايات انهيار المؤسسة الحاكمة؟

من السابق لأوانه الحديث عن انهيار النظام السياسي في تركيا، ومع ذلك، ينجح أردوغان في التلاعب بالرأي العام وجذب القوميين والإسلاميين والكماليين وحتى الأكراد إلى جانبه، وقد أثر انهيار الليرة التركية ووباء فيروس كورونا سلبًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للسكان.

لكن الوضع لا يزال بعيدًا عن الخطورة، بسبب السياسة الخارجية العدوانية في قبرص وليبيا وسوريا والعراق وأذربيجان وقره باغ وجورجيا والبلقان، يحاول أردوغان رفع تصنيفه كرئيس وزعيم لحزب العدالة والتنمية.

ما مدي خطورة التحركات التركية في «المتوسط».وهل تري في الافق صدام متوقع بين أنقرة والقاهرة؟

يمكن وصف تصرفات أردوغان في البحر الأبيض المتوسط بالمصطلح الرياضي «على وشك ارتكاب خطأ». وقد تصرف هذا الرقم بشكل استفزازي تقريبًا في مايو 2010، حيث أرسل "أسطول الحرية" إلى شواطئ قطاع غزة. والآن يرسل سفينته العسكرية والاستكشافية إلى شواطئ قبرص أو ليبيا، في محاولة لإبرام نوع من الاتفاق بشأن تقسيم المناطق الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط مع إسرائيل أو حكومة السراج في طرابلس.

ويمكن أيضًا أن ينظر المجتمع الدولي إلى مساعدة المجلس الوطني الانتقالي وتوجيه المرتزقة من بين الجماعات الإسلامية الراديكالية السورية لمحاربة جيش حفتر على أنه استفزاز.

من غير المرجح أن يتخذ أردوغان قرارًا بشأن نزاع مسلح مفتوح مع قوة إقليمية مثل مصر، لأنه قد تكون هذه بداية نهاية حياته المهنية كسياسي.
الجريدة الرسمية