رئيس التحرير
عصام كامل

سيناريوهات مفزعة تطرق أبواب "أديس أبابا".. الجيران الأفارقة يسددون فاتورة تهور آبي أحمد.. وتوقعات بهبوط طائرة الحلول الأمريكية

أرشيفية
أرشيفية
«ماذا بعد؟».. السؤال الأكثر حضورًا في الأيام الحالية عند الحديث عن المستقبل القريب للأزمة الإثيوبية، فالجيش الإثيوبي، يتحدث عن السيطرة الكاملة على إقليم «التيجراي».


سيناريوهات مفزعة
وحددت الدراسة التي أعدتها الدكتورة أميرة عبد الحليم، خبيرة الشئون الأفريقية بالبرنامج الأفريقى، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عدة سيناريوهات، فى مقدمتها سيناريو «الانزلاق إلى الحرب الأهلية»، وقالت: في ظل تعقيدات المشهد العرقي في إثيوبيا، يحمل استخدام الحكومة الاتحادية للقوة في مواجهة قادة إحدى القوميات الرئيسية في البلاد مخاطر واسعة.

خاصة مع امتلاك إقليم هذه القومية لقدرات عسكرية وميليشيات مسلحة، تصل وفق بعض التقديرات إلى 250 ألف فرد مسلح، وكذلك تأكيد قادة إقليم التيجراي أنهم سيدافعون عن إقليمهم، والذي تزامن مع إشارة برهانو جولا، نائب قائد الجيش الإثيوبي (في ذلك الوقت) في مؤتمر صحفي في العاصمة أديس أبابا: «بلادنا دخلت في حرب لم تكن تتوقعها. هذه الحرب مخزية ولا معنى لها».

الجيران على «خط النار»
وأضافت: كما يمكن أن تتحول المعارك في إقليم التيجراي إلى ما يشبه حرب العصابات مما يقوض النسيج الوطني الإثيوبي ويلقى بتأثيراته على منطقة القرن الأفريقي بأكملها.

ويشمل ذلك إريتريا المتحالفة مع إثيوبيا ضد التيجراي والتي تعرضت للقصف من قبل قوات التيجراي؛ والسودان، الذي نشر جيشه بكثافة على طول حدوده المضطربة مع إثيوبيا رغم أنه سمحت للاجئين بالعبور، هذا فضلا عن تورط الجماعات العرقية المتنافسة في الصراع، ومنها قوات الأمن في إقليم الأمهرة المجاور لإقليم التيجراي، وكذلك ميليشا فانو (the Fano) ومشاركتها القوات الفيدرالية الاثيوبية في التدخل والهجوم على إقليم التيجراي.

وفى المقابل، استهدف هجوم صاروخي في 14 نوفمبر 2020 مدينتين في إقليم أمهرة، كما تعرض ما يقرب من 600 شخص من الأمهرة للقتل داخل إقليم التيجراي، مما يعزز المخاوف من احتمال اتساع رقعة الصراع في البلاد الذي يشهد توترات بين العديد من المجموعات العرقية.

وتابعت: وبعد شهر من الحرب ووفقا بعض التقارير (حيث قطعت الحكومة الإثيوبية شبكات الإنترنت والهواتف عن الإقليم) أعلنت القوات الحكومية أنها سيطرت على ميكيلي، عاصمة التيجراي، في 22 نوفمبر، التي يقطنها 500 ألف مدني، ثم أعطت الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي مهلة 72 ساعة للاستسلام ومغادرة المدينة أو مواجهة «بلا رحمة».

وفي 26 نوفمبر، وبعد انتهاء المهلة المحددة، أعلن «آبي أحمد» أنه يبدأ المرحلة الأخيرة من عملية الجيش، وفى ظل هذا التصعيد أصبح إقليم التيجراي يواجه أزمة انسانية مروعة؛ فقد دمرت الغارات الجوية شبكة كهرباء الإقليم وضربت إمدادات الوقود.

وتؤكد التقارير أن هناك نقصا كبيرا في الإمدادات الطبية في ظل التزايد الكبير في اعداد الجرحى، كما فر أكثر من سبعة وأربعون ألف شخص إلى السودان فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ نزوح جماعي للاجئين شهدته إثيوبيا منذ أكثر من عقدين، كما وصل ما يقرب من 139 طفلاً إلى السودان غير مصحوبين بذويهم، وكثير منهم معرضون الآن لخطر سوء المعاملة والتمييز، وفقًا لمنظمة إنقاذ الطفولة.

فظائع داخل الإقليم.. «شهادة من الداخل»
وأشارت الدراسة إلى أنه «في حين يصر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على عدم استهداف قواته للمدنيين، يصف أبناء تيجراى حالة الصراع بأنهم أصبحوا محاصرين بين القصف العسكري العشوائي وحملة القتل والاغتصاب والنهب من قبل الميليشيات العرقية المتحالفة مع الحكومة الفيدرالية.

وتؤكد الأمم المتحدة أن تسعة ملايين شخص معرضون بشدة لخطر النزوح بسبب القتال، كما لا يمكن أن تصل المساعدات إلى الإقليم، حيث تم عزله عن محيطه الداخلي، وأغلقت دول الجوار حدودها مع الإقليم. ويواجه اللاجئون الاريتريون في الإقليم مشكلات خطيرة في ظل صعوبات وصول المساعدات الغذائية والطبية إليهم.

وعقدت الحكومة الاتحادية في بداية شهر ديسمبر اتفاقا مع الأمم المتحدة للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي سيطرت عليها الحكومة في الإقليم».

«آبي أحمد».. إقالة أم استقالة؟!
مستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، واحدًا من المحاور التي لم تغفلها الدراسة، حيث أوضحت تحت عنوان «تداعيات الأزمة على استقرار نظام حكم آبي أحمد»، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قال عندما نال جائزة نوبل للسلام قبل أقل من عام، أن «الحرب تخلق رجالا عنيفين ومتوحشين بلا رحمة»، وهو نفسه الآن يخوض حربا شرسة في بلاده، ويعتمد على استخدام القوة في مواجهة الأزمات الداخلية، مما سينعكس بالضرورة على شعبيته.

وكذلك على الدعم الدولي الذي تحظى به حكومته. وعلى الرغم من تصاعد الخلافات خلال الأشهر الأخيرة بينه وبين قادة الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي بما حمل مؤشرات أن هؤلاء القادة يتحدون إرادة الحكومة الاتحادية، إلا أن الكثيرين يخشون من تطورات الحرب داخل إثيوبيا.

«إقالات الجنرالات».. نقلة على رقعة شطرنج مشتعلة
وأكملت: تنذر الأزمة الأخيرة في إقليم التيجراي بزعزعة استقرار نظام حكم آبي أحمد، خاصة في ظل وجود معارضين لتحركاته العسكرية في إقليم التيجراي، وقد عبرت الإقالات التي قام بها في 8 نوفمبر 2020 عن هذه التوقعات؛ فقد أقال وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس المخابرات في الحكومة الاتحادية.

وحل آبي أيضا محل قائد الجيش، وعين نائب القائد برهانو جولا لتولي مسئولية قوات الدفاع الوطني الإثيوبية. وكانت هذه الخطوة جزءا من تعديل وزاري أوسع بدا أنه يهدف إلى جلب المؤيدين الأكثر لعملية تيجراى إلى المقدمة.

كما يمكن أن تقدم حكومة آبي أحمد استقالتها، كسابقتها (حكومة هايلى مريام ديسالين)، تحت وطأة الضغوط الخارجية التي تلقى باللوم عليه في عجز حكومته عن استيعاب مطالب القوميات المختلفة.

إعادة إنتاج «النظام البائد»
«زعزعة الاستقرار» لم يكن الخطر الوحيد الذي تحدثت عنه الدراسة، حيث أشارت أيضا إلى أنه «في الوقت الذي لا يقبل المسئولون الفيدراليون في حكومة آبي أي انتقادات لتحركاتهم العسكرية في إقليم التيجراي، مما يعيد إنتاج نظام التيجراي السابق الذي لا يقبل المعارضة ويمحي التوجهات الإصلاحية التي كان يحاول نظام آبي أن يظهر بها أمام المجتمع الدولي.

فقد اتهمت الشرطة الإثيوبية دكتور أكاديمي من الذين رشحوا آبي لجائزة نوبل باستخدام وسائل الإعلام الدولية لتدمير البلاد، كما لم يسلم رئيس منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من حملة حكومة آبي أحمد، بعد أن خدم سابقاً في الحكومة التي تقودها الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي، حيث اتهمه قائد الجيش الإثيوبي بتأييد التيجراي ومحاولة شراء أسلحة للجبهة».

«الانفصال».. سيناريو قابل للحدوث
«الدستور الفيدرالي».. لغم جديد يعترض طريق «آبي أحمد»، حيث أعطى الدستور الفيدرالي الإثيوبي لعام 1994 في مادتيه (39) و(47) الحق لكل أمة أو شعب أو جنسية أن تنفصل عن الدولة الإثيوبية الموحدة وتكون دولتها المستقلة، وفقا مجموعة من الشروط، أهمها موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة أو الجنسية أو الشعب المعني.

ويتم تقديم الطلب كتابيا إلى مجلس الدولة؛ عندما ينظم المجلس الذي تلقى الطلب استفتاء في غضون عام واحد يعقد في الأمة، الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب؛ ويتم دعم مطلب الأمة من خلال تصويت الأغلبية في الاستفتاء؛ عندها ينقل مجلس الدولة صلاحياته إلى الدولة أو الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب.

وأشارت الدراسة إلى أن «دستور إثيوبيا لعام 1994 اعتمد التعريف الستاليني الكلاسيكي لـ (الأمة والجنسية والشعب)، والحل السوفيتي "للمسألة القومية"، وكما هو الحال في الاتحاد السوفيتي، تم تسجيل كل مساحة من الأراضي في إثيوبيا كوطن عرقي لمجموعة معينة، مما أدى إلى تقسيم السكان إلى أغلبية دائمة إلى جانب الأقليات الدائمة مع القليل من الحصة في النظام.

لقد قام السيد زيناوي وحزبه بإضفاء الطابع السوفيتي على إثيوبيا وأفريقيا».

وأوضحت أنه «يلقي الكثيرون باللوم على إدارة آبي أحمد التي حاولت العودة بالبلاد إلى الحكم المركزي في وقت عملت فيه الكثير من القوميات على محاولة إثبات قدرتها على الحكم الإقليمي، ولم تحصل كل القوميات على حقوقها التي أقرها دستور 1994.

إلا أن سياسات آبي أحمد كانت تدفع في اتجاه تقليص سلطات القوميات داخل أقاليمها، ومنذ وصول آبي أحمد إلى السلطة ظهرت بوادر تفكك وطني. يتجلى ذلك بشكل ملحوظ في تصاعد العنف بين الأعراق والتصويت لتصبح ولاية إقليمية مستقلة مثل منطقة سيداما، وهي منطقة إدارية لمجموعة كبيرة من القوميات الجنوبية المتعددة الأعراق والأمم والمنطقة الشعبية (SNNPR).

بينما كانت هناك عمليات إخلاء وطرد واسعة النطاق، حيث فر أكثر من نصف مليون شخص من مناطق غرب غوجي وجيديو من منازلهم في أوروميا ومنطقة الأمم الجنوبية في عام 2018 وحده، ويبدو أن الحرب المستعرة في إقليم التيجراي قد تفتح المجال أمام مطالب انفصالية من قوميات مختلفة.

وقد أشار بعض قادة التيجراي في مواقف سابقة إلى إمكانية لجؤهم إلى هذا الخيار، على الرغم من أنهم كانوا يسيطرون على مفاصل الدولة لسنوات طويلة، ويمكنهم العودة إلى السلطة مرة أخرى.

وقد قال زعيم الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي دبرصيون جبرميكائيل في أغسطس الماضي: لن نتنازل أبداً لأي شخص ينوي قمع حقنا، الذي كافحنا من أجل الحصول عليه، في تقرير المصير والحكم الذاتي».

الجيران الستة يسددون فاتورة «تهور آبي أحمد»
كما شددت الدراسة على أن «انفجار الأزمة على النحو الأخير في إثيوبيا يحمل الكثير من المخاطر الإقليمية؛ فالدول الستة المجاورة لإثيوبيا لن تسلم من تداعيات الحرب التي يشهدها إقليم التيجراي، خاصة إريتريا، التي دارت بينها وبين قادة إقليم التيجراي حرب استمرت لعامين، فدول إقليم شرق أفريقيا ستتحمل بالضرورة أعباء تفجر الصراع الداخلي في إثيوبيا ومن هذه الأعباء».

وكشفت أيضا أنه «وفق تقديرات الأمم المتحدة، فر أكثر من سبعة وأربعون ألف لاجئ إثيوبي عبر الحدود إلى السودان. وأفاد برنامج الأغذية العالمي بأن الطعام نفد بشكل أساسي من حوالي ستة وتسعين ألف لاجئ إريتري يتم استضافتهم في مخيمات في إقليم التيجراي.

كما تعرض بعض موظفي الأمم المتحدة للهجوم عند محاولة اقترابهم من مخيمات اللاجئين في تيجراى، كما يوجد ما يقرب من مليوني شخص في حاجة إلى المساعدة في إقليم التيجراي وما حولها، مع نزوح مليون شخص بسبب القتال».

طائرة «الحلول الأمريكية» تهبط على الأراضي الإثيوبية
وحول رؤيتها للموقف الدولي من الأزمة الإثيوبية، والأطراف المتوقع دخولها على خط الأزمة، انتهت الدراسة إلى أنه «تسعى بعض القوى الدولية إلى مساندة إثيوبيا لتجاوز الأزمات الراهنة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر إثيوبيا وكيلا استراتيجيا لها في شرق أفريقيا.

فقد تطورت الأزمة الداخلية في إثيوبيا في أثناء انشغال المسئولين الأمريكيين بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولذلك من المتوقع أن يحرص هؤلاء المسئولين على دعم الاستقرار في إثيوبيا بما يحقق المصالح الأمريكية في إقليم شرق أفريقيا وربما في القارة الأفريقية بأكملها».
الجريدة الرسمية