عمر الجيزاوي اضطهده الملك وكرمه عبد الناصر والسادات.. وفرنسا طبعت صورته على علب الكبريت
"اتفضل اشرب شاي – معانا الفاكك والفكوك معانا الكحل والنشوق" منولوجات عديدة من تراثيات الفن المصري أداها الفنان والمطرب الراحل عمر الجيزاوي بطريقته الكوميدية مرتديًا جلبابه الصعيد وعمامته الملفوفة ممسكًا بيده عصاه الطويلة، وبمجرد صعوده المسرح حتى يشعل حماسة جمهوره متفاعلين معه.
المنولوجيست عمر الجيزاوي جاء من جنوب الصعيد للقاهرة بالجلباب والعمامة "الملفوفة" بطريقة كوميدية ويغنى بلسان معوج حتى ذاع صيته وشهرته بالوسط الفني وتربع علي عرش الكوميديا في جيله.
اكتسب من الصيت حتى تخطى مرحلة الغناء على المسارح والملاهي الليلية وصولا إلى إحياء حفل الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
لم يكن عمر الجيزاوي مجرد مؤد للأغاني بشكل كوميدي ومبهج فحسب ولكن كان يرى في مهنته دور أعلى وأسمى من مجرد الغناء فكان رجل وطني من الطراز الأول فكان من أوائل الذين أدوا الأغاني الحماسية ضد العدوان الثلاثي عام 1956، وكذلك أدى الأغاني الحماسية وقت حرب الاستنزاف، وسبق ذلك بأن اتهمته الملكية قبل ثورة يونيو 1952، بالشيوعية عندما رفض الغناء والمديح للملك، وبعد الثورة كان قد تم تكريمه من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكرمه أيضا الرئيس محمد أنور السادات.
عمر سيد سيد سالم الاسم الحقيقي الذي ولد به الفنان عمر الجيزاوي فى 24 ديسمبر عام 1917، بقرية أبو تيج بمحافظة أسيوط، ودخل كُتاب القرية وتعلم فيه حفظ وقراءة القرآن الكريم، وشأن عائلته كشأن معظم أسر قرى الصعيد آنذاك ونظرًا لضيق ذات اليد اضطر في صغره للعمل في ورش الطوب والمعمار، وحتى بعد أن توسع والده في مهنة المقاولات والمعمار، ظل عمر الجيزاوي بمعاونة شقيقيه يعملون مع والدهم قبل أن ينتقلوا إلى محافظة الجيزة للبحث عن مصدر رزق أوسع، وتوفي إثر إصابته في 22 أبريل 1983 عن عمر يناهز 76 عامًا.
لم يكمل عمر الجيزاوي تعليمه، فقد قرأ فى الكُتّاب وفضل العمل مع والده وأخويه في المقاولات وبينما كان في وسط عمال رفع الأسمنت على السقالة، كان يغنى وبالمصادفة سمعه حينذاك أحد المقاولين فطلب مشاركته فى احياء حفل زفاف ابنته، لينطلق بعدها فى كل أفراح المنطقة ومنها لمناطق أخرى قريبة حتى وصل إلى فرح جيهان السادات على أنور السادات، ومن إحياء الأفراح عالم السينما حيث أصبح أحد ثلاثى "الرحيمية قبلي".
عُرف عن عمر الجيزازي حبه للنساء، فتعددت زيجاته، وكانت نتيجة أول زيجاته أن أنجب 4 بنات هن، "فرفش، أسرار، تحفة، جلاء"، و3 أبناء ذكور هم، "الجيزاوي، عمار، مصطفى"، ثم تزوج من الراقصة اللبنانية أنوار حسين وأنجب منها "معين"، كما أنه تزوج من إحدى الإيطاليات التى كانت تذهب لمشاهدته عليه كل يوم وفعلها فى فرنسا أيضًا، وفق ما صرحت به نجلته في حوار صحفي سابق.
وبعد أن احترف الفن وتوسع فيه أسس فرقة الجيزاوي المسرحية التي تخرج منها كبار نجوم الكوميديا في الوسط الفني فيم بعد منهم، سمير غانم وحسن حسني .
وبسبب بصمته سواء في الغناء أو الشكل او الحركة التي تركها عمر الجيزاوي في أعماله، فلم تتوقف شهرته في مصر والوطن العربي فحسب بل وصلت أنه سافر لكثير من دول العالم بفرقته المسرحية وعرض على مسارح إيطاليا وباريس، ونظرًا لما حققه من نجاحًا مدويًا فى فرنسا فقررت عدد من الشركات الفرنسية طباعة صورته على علب الكبريت.
من كلمات أغانيه وطريقة أدائه لها تظن للوهلة الأولى أن منولوجاته وكل أغانيه ارتجال أو شعر عامي مقتبس من الشارع، ولكن في الحقيقة أن عمر الجيزاوي تغنى للكثيرين من كبار الشعراء، أمثال مصطفى الطاير وحسيب غباشي، وأيضًا عبدالرحمن الأبنودي الذى كتب له أغنية نادرة اسمها "البندقية" لحنها حسن نشأت.
وكما كانت الكوميديا ملازمة له في أدائه الفني سواء كان الغنائي أو التمثيلي، فلم تخل مسيرته من الكوميديا والمواقف الطريفة أيضًا ففي عام 1957 تقدم عمر الجيزاوي بشكوى يطلب فيها التحقيق مع زكي طليمات بحجة أنه يعوق عمله في فرقة الفنون الشعبية، حيث حدد طليمات مساحة 3 أمتار فقط للجيزاوي كمساحة مسموح له فيها بالحركة أثناء غناء مونولوج "يا حلوة ضمي الغلة"، بل طلب الجيزاوي تشكيل لجنة تقصي للحقائق مكونة من السيد بدير وحمدي غيث، وكانت الواقعة الأخرى عام 1958 عندما رفع عمر الجيزاوي قضية ضد رئيس مصلحة الفنون؛ لأنه رفض أن "يهرش" بالعصا في مسرحية ليل وعين، ليتلقى بعدها دعوة لبحث شروط الصلح، تلك الواقعة التي لاقت تعاطف كبير من الوسط الصحفي وكان الكاتب الساخر أحمد رجب واحداً ممن دافعوا عن الجيزاوي؛ واطلق عليها واقعة "الهرش"، حيث انتقد الكاتب الساخر احمد رجب ما يتعرض له عمر الجيزاوي، بل وتطور الأمر أن رفع شكوى إلى الوزير عبد القادر حاتم ضد الفرقة، وخصص رجب مقالاً لواقعة "الهرش" على صفحات مجلة المصور.
والقصة الطريفة المبكية أيضًا في حياة عمر الجيزاوي، عندما كان يجلس بجوار سائقه الخاص فى سيارته، وهم عائدون من سهرة ريفية وإذا بالسيارة تنحرف وتغطس فى الترعة وينجو السائق الذى قفز فيما تستقر السيارة وداخلها الجيزاوي لمدة 13 ساعة فى بطن الترعة، حتى جاءت الشرطة والإسعاف ونقلت الجيزاوى على انه جثة إلى المشرحة، وعندما جاء الطبيب ليمارس عمله فى تشريح الجثة، فوجئ بعمر ينتفض جالسًا ليصاب الطبيب بصدمة أودت بحياته، وعاش عمر.