ما حكم إيقاظ النائم للصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه " ما حكم إيقاظ النائم للصلاة؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
اختلف الفقهاء في حكم إيقاظ النائم للصلاة على النحو التالي:
فعند الشافعية يستحب إيقاظ النائم للصلاة؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 74، ط. دار الفكر): [يُسْتَحَبُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ، لا سيما إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وَلِحَدِيثِ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِن اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي، فَأَوْتَرْتُ"] اهـ.
وجاء في "النجم الوهَّاج في شرح المنهاج" للإمام الدميري (2/ 30، ط. دار المنهاج): [ويستحب إيقاظ النائمين للصلاة، لا سيما إذا ضاق وقتها، ففي "سنن أبي داود": "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يومًا إلى الصلاة، فلم يمر بنائم إلا أيقظه"] اهـ.
وعند المالكية يجب إيقاظ النائم للصلاة الواجبة، ويُندب للصلاة المندوبة؛ جاء في "شرح مختصر خليل" للعلامة الخرشي (1/ 220، ط. دار الفكر): [وَهَلْ يَجِبُ إيقَاظُ النَّائِمِ؟ لَا نَصَّ صَرِيحٌ فِي الْمَذْهَبِ؛ إلَّا أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ قَدْ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ، وَمَنْدُوبٌ فِي الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا؛ لَكِنَّ مَانِعَهُ سَرِيعُ الزَّوَالِ، فَهُوَ كَالْغَافِلِ، وَتَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَاجِبٌ، انْتَهَى] اهـ.
هل يجب إيقاظ النائم للصلاة
وذهب الحنفية إلى وجوب إيقاظ النائم للصلاة؛ فقد جاء في "حاشية رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين (2/ 395، ط. دار الفكر): [مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ قَالَ ح -"الإيضاح" للكرماني- عَنْ شَيْخِهِ: وَمِثْلُ أَكْلِ النَّاسِي النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ؛ لَكِنَّ النَّاسِيَ أَو النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ، فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا، لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِير النَّاسِي وَإِيقَاظ النَّائِمِ؛ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ مَرْحَمَةً لَهُ] اهـ.
والمفتى به هو ما ذهب إليه الشافعية من استحباب إيقاظ النائم للصلاة إذا ضاق وقتها.
حكم القراءة من المصحف أثناء الصلاة.
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
من أفضل القربات والسُّنن الحَسَنات أن يجمع الإنسان بين الحُسنيين: الصلاة، وقراءة القرآن، فيحرص على ختم القرآن الكريم في صلاته، ولما كان من غير المتيسر لكل واحدٍ أن يقوم بذلك من حفظه تكلم الفقهاء عن إمكانية الاستعانة بالقراءة من المصحف في الصلاة، وذلك عن طريق حمله في اليد، أو وضعه على حامل يُمَكِّن المصلي من القراءة.
ومذهب الشافعية، والمفتَى به في مذهب الحنابلة: جواز القراءة من المصحف في الصلاة للإمام والمنفرد لا فرق في ذلك بين فرض ونفل وبين حافظ وغيره، وهذا هو المعتمد، ونقله الإمام ابن قُدامة في "المغني" (1/ 336) عن عطاء ويحيى الأنصاري من فقهاء السلف.
وفي صحيح البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 253) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنها كان يؤمها عبدُها ذكوان ويقرأ من المصحف".
وسُئِل الإمام الزهريُّ عن رجلٍ يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف. "المدونة الكبرى" (1/ 288-289)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 335).
هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة
وكما أن قراءة القرآن عبادةٌ فإن النظر في المصحف عبادةٌ أيضًا، وانضمامُ العبادة إلى العبادة لا يوجب المنع، بل يوجب زيادة الأجر؛ إذ فيه زيادة في العمل من النظر في المصحف؛ قال حجة الإسلام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/ 229): [وقد قيل الختمة في المصحف بسبع؛ لأنَّ النَّظر في المصحف أيضًا عبادة] اهـ.
والقاعدة الشرعية أن "الوسائل تأخذ حكم المقاصد"، والمقصود هو حصول القراءة، فإذا حصل هذا المقصود عن طريق النظر في مكتوبٍ كالمصحف كان جائزًا؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 27): [لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِنْ الْمُصْحَفِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ يَحْفَظُهُ أَمْ لَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْفَظِ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ] اهـ.
وقال العلامة منصور البُهُوتِي الحنْبلي في "كشَّاف القِنَاع" (1/ 384): [وله -أي المصلِّي- القراءةُ في المصحف ولو حافظًا، والفرض والنفل سواء؛ قاله ابن حامد] اهـ.
حكم القراءة من المصحف أثناء الصلاة
بينما يرى الحنفية أن القراءة من المصحف في الصلاة تفسدها، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية، واستَدَل على ذلك بأدلةٍ منها:
ما أخرجه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" (655) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُؤَمَّ النَّاسُ فِي الْمُصْحَفِ، وَنَهَانَا أَنْ يَؤُمَّنَا إِلَّا الْمُحْتَلِمُ".
وهذا أثرٌ لا يَثْبُت؛ ففي إسناده نَهْشَل بن سعيدٍ النيسابوري، وهو كذَّابٌ متروك، قال عنه البخاري في "التاريخ الكبير" (8/ 115): [أحاديثه مناكير] اهـ، وقال النسائي كما في "تهذيب التهذيب" (10/ 427): [ليس بثقة، ولا يُكتَب حديثُه] اهـ.
ومنها: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عملٌ كثير.
والجواب: المنع من أن يكون حمل المصحف وتقليب أوراقه عملًا كثيرًا مبطلًا للصلاة؛ أمَّا الحمل فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاملًا أُمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وأمَّا تقليب أوراق المصحف
أحكام صلاة الجماعة
فقد جاءت بعض الأحاديث الدَّالة على إباحة العمل اليسير في الصلاة، والتقليب هو من جنس هذا العمل اليسير المغتفر، والقراءةُ من المصحف لا يلزم أن تصل لحدِّ العمل الكثير، فتقليبُ أوراق المصحف يكون في أضْيَقِ نطاق لبعد الزمان بين طَيِّ الصفحة والتي بعدها، ولكون التقليب في ذاته عملًا يسيرًا، وقد يُستعان على هذا بوضع المصحف ذي الخط الكبير على شيء مرتفع أمام المصلي ليقرأ منه الصفحة والصفحتين، ولا يحتاج إلى تقليب الأوراق كثيرًا.
وذهب الصاحبان من الحنفية أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني إلى أن القراءة من المصحف في الصلاة مكروهةٌ مطلقًا سواء في ذلك الفرض والنفل، ولكنها لا تفسد الصلاة؛ لأنها عبادة انضافت إلى عبادة، ووجه الكراهة أنها تَشَبُّهٌ بصنيع أهل الكتاب. والتحقيق أن حصول ما يشبه صنيع أهل الكتاب إنما يكون ممنوعًا إذا كان الفاعل قاصدًا لحصول الشَّبَه؛ لأنَّ التَّشَبُّه: تَفَعُّل، وهذه المادة تدل على انعقاد النية والتوجه إلى قصد الفعل ومعاناته.
ومن الأصول الشرعية اعتبار قصد المكلف، ويدل على ذلك أيضًا ما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلَّينا وراءه وهو قاعد، فالتَفَتَ إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا، فلما سَلَّم قال: «إنْ كِدتم آنفًا لَتَفعَلُونَ فِعلَ فارسَ والرومِ، يَقُومُونَ على مُلُوكهم وهم قُعُودٌ، فلا تَفعَلُوا، ائتموا بأئمتكم إن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى قاعدًا فصلُّوا قُعُودًا».
و"كاد" تدل في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه؛ ولذلك لَمَّا لم يقصد الصحابة التشبه انتفى ذلك الوصف عنهم شرعًا، والمصلي الذي يقرأ من المصحف لا يخطر بباله التَّشَبُّه بهم فضلًا عن قصده، ولذلك قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 11): [اعلم أنَّ التشبيه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء، وإنَّا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنَّما الحرام هو التَّشبه فيما كان مذمومًا وفيما يقصد به التشبيه، فعلى هذا لو لم يقصد التشبه لا يكره عندهما] اهـ.
أركان الصلاة
وذهب المالكية إلى التفرقة بين الفرض والنفل؛ فرأوا كراهة قراءة المصلِّي في المصحف في صلاة الفرض مطلقًا سواء كانت القراءة في الأول أو في الأثناء، وكذلك يكره في النافلة إذا بدأ في أثنائها؛ لاشتغاله غالبًا، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة في المصحف من غير كراهةٍ؛ لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرض. "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 345).
ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن هذه الكراهة إنما تتأتى إذا كان العمل في حد العبث، الذي هو اللعب وعمل ما لا فائدة فيه، فيُكره للمصلي حينئذٍ أن يشتغل به؛ لِمَا فيه من منافاة للخشوع، أما القراءة من المصحف في الصلاة فليست من هذا الباب بل هي عمل يسير يفعله المصلِّي لحاجةٍ مقصودةٍ، وكل ما كان من هذا الباب فلا بأس أن يأتي به، وأصل ذلك ما ورد: "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة لَمَّا أُوحي إليه أن فيهما قذرًا". كما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (3/ 92)، وأبو داود في "سننه" (650) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وبناءً على ما سبق: يثبت ما قرَّرنا من أن القراءة من المصحف في صلاة الفرض والنفل صحيحةٌ وجائزةٌ شرعًا ولا كراهة فيها فضلًا عن أن تكون مُفسدة للصلاة، على أنَّه ينبغي التنبيه إلى أنه ما دامت المسألة خلافية فالأمر فيها واسع؛ لِمَا تقرر من أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف"، ولا يجوز أن تكون مثار فتنة ونزاع بين المسلمين.
اختلف الفقهاء في حكم إيقاظ النائم للصلاة على النحو التالي:
فعند الشافعية يستحب إيقاظ النائم للصلاة؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 74، ط. دار الفكر): [يُسْتَحَبُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ، لا سيما إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وَلِحَدِيثِ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِن اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي، فَأَوْتَرْتُ"] اهـ.
وجاء في "النجم الوهَّاج في شرح المنهاج" للإمام الدميري (2/ 30، ط. دار المنهاج): [ويستحب إيقاظ النائمين للصلاة، لا سيما إذا ضاق وقتها، ففي "سنن أبي داود": "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يومًا إلى الصلاة، فلم يمر بنائم إلا أيقظه"] اهـ.
وعند المالكية يجب إيقاظ النائم للصلاة الواجبة، ويُندب للصلاة المندوبة؛ جاء في "شرح مختصر خليل" للعلامة الخرشي (1/ 220، ط. دار الفكر): [وَهَلْ يَجِبُ إيقَاظُ النَّائِمِ؟ لَا نَصَّ صَرِيحٌ فِي الْمَذْهَبِ؛ إلَّا أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ قَدْ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ، وَمَنْدُوبٌ فِي الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا؛ لَكِنَّ مَانِعَهُ سَرِيعُ الزَّوَالِ، فَهُوَ كَالْغَافِلِ، وَتَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَاجِبٌ، انْتَهَى] اهـ.
هل يجب إيقاظ النائم للصلاة
وذهب الحنفية إلى وجوب إيقاظ النائم للصلاة؛ فقد جاء في "حاشية رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين (2/ 395، ط. دار الفكر): [مَطْلَبٌ: يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ قَالَ ح -"الإيضاح" للكرماني- عَنْ شَيْخِهِ: وَمِثْلُ أَكْلِ النَّاسِي النَّوْمُ عَنْ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا صَرَّحُوا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّهَرُ إذَا خَافَ فَوْتَ الصُّبْحِ؛ لَكِنَّ النَّاسِيَ أَو النَّائِمَ غَيْرُ قَادِرٍ، فَسَقَطَ الْإِثْمُ عَنْهُمَا، لَكِنْ وَجَبَ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ حَالَهُمَا تَذْكِير النَّاسِي وَإِيقَاظ النَّائِمِ؛ إلَّا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ عَنْ الصَّوْمِ مَرْحَمَةً لَهُ] اهـ.
والمفتى به هو ما ذهب إليه الشافعية من استحباب إيقاظ النائم للصلاة إذا ضاق وقتها.
حكم القراءة من المصحف أثناء الصلاة.
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه "هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
من أفضل القربات والسُّنن الحَسَنات أن يجمع الإنسان بين الحُسنيين: الصلاة، وقراءة القرآن، فيحرص على ختم القرآن الكريم في صلاته، ولما كان من غير المتيسر لكل واحدٍ أن يقوم بذلك من حفظه تكلم الفقهاء عن إمكانية الاستعانة بالقراءة من المصحف في الصلاة، وذلك عن طريق حمله في اليد، أو وضعه على حامل يُمَكِّن المصلي من القراءة.
ومذهب الشافعية، والمفتَى به في مذهب الحنابلة: جواز القراءة من المصحف في الصلاة للإمام والمنفرد لا فرق في ذلك بين فرض ونفل وبين حافظ وغيره، وهذا هو المعتمد، ونقله الإمام ابن قُدامة في "المغني" (1/ 336) عن عطاء ويحيى الأنصاري من فقهاء السلف.
وفي صحيح البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 253) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنها كان يؤمها عبدُها ذكوان ويقرأ من المصحف".
وسُئِل الإمام الزهريُّ عن رجلٍ يقرأ في رمضان في المصحف، فقال: كان خيارنا يقرءون في المصاحف. "المدونة الكبرى" (1/ 288-289)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 335).
هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة
وكما أن قراءة القرآن عبادةٌ فإن النظر في المصحف عبادةٌ أيضًا، وانضمامُ العبادة إلى العبادة لا يوجب المنع، بل يوجب زيادة الأجر؛ إذ فيه زيادة في العمل من النظر في المصحف؛ قال حجة الإسلام الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/ 229): [وقد قيل الختمة في المصحف بسبع؛ لأنَّ النَّظر في المصحف أيضًا عبادة] اهـ.
والقاعدة الشرعية أن "الوسائل تأخذ حكم المقاصد"، والمقصود هو حصول القراءة، فإذا حصل هذا المقصود عن طريق النظر في مكتوبٍ كالمصحف كان جائزًا؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 27): [لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِنْ الْمُصْحَفِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ يَحْفَظُهُ أَمْ لَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْفَظِ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ] اهـ.
وقال العلامة منصور البُهُوتِي الحنْبلي في "كشَّاف القِنَاع" (1/ 384): [وله -أي المصلِّي- القراءةُ في المصحف ولو حافظًا، والفرض والنفل سواء؛ قاله ابن حامد] اهـ.
حكم القراءة من المصحف أثناء الصلاة
بينما يرى الحنفية أن القراءة من المصحف في الصلاة تفسدها، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية، واستَدَل على ذلك بأدلةٍ منها:
ما أخرجه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" (655) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُؤَمَّ النَّاسُ فِي الْمُصْحَفِ، وَنَهَانَا أَنْ يَؤُمَّنَا إِلَّا الْمُحْتَلِمُ".
وهذا أثرٌ لا يَثْبُت؛ ففي إسناده نَهْشَل بن سعيدٍ النيسابوري، وهو كذَّابٌ متروك، قال عنه البخاري في "التاريخ الكبير" (8/ 115): [أحاديثه مناكير] اهـ، وقال النسائي كما في "تهذيب التهذيب" (10/ 427): [ليس بثقة، ولا يُكتَب حديثُه] اهـ.
ومنها: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عملٌ كثير.
والجواب: المنع من أن يكون حمل المصحف وتقليب أوراقه عملًا كثيرًا مبطلًا للصلاة؛ أمَّا الحمل فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاملًا أُمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وأمَّا تقليب أوراق المصحف
أحكام صلاة الجماعة
فقد جاءت بعض الأحاديث الدَّالة على إباحة العمل اليسير في الصلاة، والتقليب هو من جنس هذا العمل اليسير المغتفر، والقراءةُ من المصحف لا يلزم أن تصل لحدِّ العمل الكثير، فتقليبُ أوراق المصحف يكون في أضْيَقِ نطاق لبعد الزمان بين طَيِّ الصفحة والتي بعدها، ولكون التقليب في ذاته عملًا يسيرًا، وقد يُستعان على هذا بوضع المصحف ذي الخط الكبير على شيء مرتفع أمام المصلي ليقرأ منه الصفحة والصفحتين، ولا يحتاج إلى تقليب الأوراق كثيرًا.
وذهب الصاحبان من الحنفية أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني إلى أن القراءة من المصحف في الصلاة مكروهةٌ مطلقًا سواء في ذلك الفرض والنفل، ولكنها لا تفسد الصلاة؛ لأنها عبادة انضافت إلى عبادة، ووجه الكراهة أنها تَشَبُّهٌ بصنيع أهل الكتاب. والتحقيق أن حصول ما يشبه صنيع أهل الكتاب إنما يكون ممنوعًا إذا كان الفاعل قاصدًا لحصول الشَّبَه؛ لأنَّ التَّشَبُّه: تَفَعُّل، وهذه المادة تدل على انعقاد النية والتوجه إلى قصد الفعل ومعاناته.
ومن الأصول الشرعية اعتبار قصد المكلف، ويدل على ذلك أيضًا ما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلَّينا وراءه وهو قاعد، فالتَفَتَ إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا، فلما سَلَّم قال: «إنْ كِدتم آنفًا لَتَفعَلُونَ فِعلَ فارسَ والرومِ، يَقُومُونَ على مُلُوكهم وهم قُعُودٌ، فلا تَفعَلُوا، ائتموا بأئمتكم إن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى قاعدًا فصلُّوا قُعُودًا».
و"كاد" تدل في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه؛ ولذلك لَمَّا لم يقصد الصحابة التشبه انتفى ذلك الوصف عنهم شرعًا، والمصلي الذي يقرأ من المصحف لا يخطر بباله التَّشَبُّه بهم فضلًا عن قصده، ولذلك قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 11): [اعلم أنَّ التشبيه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء، وإنَّا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنَّما الحرام هو التَّشبه فيما كان مذمومًا وفيما يقصد به التشبيه، فعلى هذا لو لم يقصد التشبه لا يكره عندهما] اهـ.
أركان الصلاة
وذهب المالكية إلى التفرقة بين الفرض والنفل؛ فرأوا كراهة قراءة المصلِّي في المصحف في صلاة الفرض مطلقًا سواء كانت القراءة في الأول أو في الأثناء، وكذلك يكره في النافلة إذا بدأ في أثنائها؛ لاشتغاله غالبًا، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة في المصحف من غير كراهةٍ؛ لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرض. "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 345).
ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن هذه الكراهة إنما تتأتى إذا كان العمل في حد العبث، الذي هو اللعب وعمل ما لا فائدة فيه، فيُكره للمصلي حينئذٍ أن يشتغل به؛ لِمَا فيه من منافاة للخشوع، أما القراءة من المصحف في الصلاة فليست من هذا الباب بل هي عمل يسير يفعله المصلِّي لحاجةٍ مقصودةٍ، وكل ما كان من هذا الباب فلا بأس أن يأتي به، وأصل ذلك ما ورد: "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة لَمَّا أُوحي إليه أن فيهما قذرًا". كما رواه الإمام أحمد في "مسنده" (3/ 92)، وأبو داود في "سننه" (650) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وبناءً على ما سبق: يثبت ما قرَّرنا من أن القراءة من المصحف في صلاة الفرض والنفل صحيحةٌ وجائزةٌ شرعًا ولا كراهة فيها فضلًا عن أن تكون مُفسدة للصلاة، على أنَّه ينبغي التنبيه إلى أنه ما دامت المسألة خلافية فالأمر فيها واسع؛ لِمَا تقرر من أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف"، ولا يجوز أن تكون مثار فتنة ونزاع بين المسلمين.